أسطوانة الحنانة

من ويكي شيعة
(بالتحويل من حنين الجذع)

أسطوانة الحنانة أو الأسطوانة الحنانة هو اسم لأحد أعمدة المسجد النبوي في المدينة. بُنيت هذه الأسطوانة مكان نخلة ذُكر في المصادر التاريخية أنّها أنّت لفراق النبيصلی الله عليه وآله وسلم، ولم تعد هذه الأسطوانة موجودة في الوقت الحاضر، ويروي البعض أنّ أبي بن كعب نقلها إلى بيته، في حين ذكرت مصادر أخرى أنّها دُفنت تحت منبر النبيصلی الله عليه وآله وسلم.

شرح القصة

وردت القصة في كتاب بحار الأنوار كما يلي:

إنّ رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم كان يخطب بالمدينة على جذع نخلة في صحن مسجدها، فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله إن الناس قد كثروا، وإنهم يحبون النظر إليك إذا خطبت، فلو أذنت أن نعمل لك منبراً له مَراقٍ ترقاها فيراك الناس إذا خطبت، فأذن في ذلك. فلما كان يوم الجمعة مرّ بالجذع فتجاوزه إلى المنبر فصعده، فلما استوى عليه حنّ ذلك الجذع حنين الثكلى، وأنّ أنين الحبلى، فلما رأى رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم ذلك نزل عن المنبر، وأتى الجذع فاحتضنه ومسح عليه يده، فهدأ حنينه وأنينه، وعاد رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم إلى منبره ثم قال: معاشر المسلمين؛ هذا الجذع يحنّ إلى رسول رب العالمين ويحزن لبعده عنه، ولولا أني احتضنت هذا الجذع ومسحت يدي عليه ما هدأ حنينه إلى يوم القيامة.[١]

وتبعاً للحنين الذي حنّه الجذع ولتعبير النبي صلی الله عليه وآله وسلم "يحنّ إلى"[٢] الذي ورد في القصة، اشتهرت الأسطوانة بعد ذلك بهذا الاسم.[٣] وقد نُقلت هذه القصة في مصادر أخرى مع اختلاف في بعض التفاصيل،[٤] وأشار بعض المفسرين إلى هذه القصة في ذيل تفسيرهم للآية 74 من سورة البقرة عند حديثهم عن إعطاء الفهم للجمادات.[٥]

الأسطوانة الحنانة عبر التاريخ

لا يوجد في أيامنا هذه أسطوانة في مسجد النبي تحمل هذا الاسم، وهناك أقوال مختلفة حول القصة. ذكر البعض أن بني أمية بعد أن أعادوا إعمار المسجد النبوي قاموا بتخريبها،[٦] وأنّ الأسطوانة التي ورد في المصادر بأنّ الصلاة مستحبة إلى جانبها[٧] إنما هو مكان الأسطوانة، لا نفس الأسطوانة. وبحسب إحدى الروايات فإنّ أبيّ بن كعب قام بنقل الأسطوانة إلى داره،[٨] بينما ورد في رواية أخرى أنّها أُزيلت ودُفنت تحت منبر النبي بأمر منه صلی الله عليه وآله وسلم.[٩]

الإعجاز في القصة

ذكر البعض أن أنين النخلة وحنينها هي من معجزات النبيصلی الله عليه وآله وسلم، حيث اعتبرها الشافعي معجزة تفوق معجزة إحياء عيسى عليه السلام للموتى.[١٠] أما القاضي عبد الجبار فقد كان له موقفان مختلفان من المسألة، إذ إنه نقل أنّهم لا يعتبرون أنين النخلة وتسبيح الحصى في يد النبي من المعجزات لأنّ الإتيان بمثل هذه الأمور ممكن للآخرين،[١١] في حين أنّه في موضع آخر[١٢] نقل الحادثة بالتفصيل وعدّها من معجزاتهصلی الله عليه وآله وسلم، بل اعتبرها من المتواترات أيضاً.[١٣]

أنين جذع النخلة في الأدب العربي

تغنّى العديد من الأدباء والشعراء بحادثة الحنانة، وأشير إلى قصّة أنين وحنين الجذع في الشعر العربي على أنّه من معجزات النبيصلی الله عليه وآله وسلم، وعدّها الشعراء في قصائدهم كما الكثير من العلماء على أنها من دلائل النبوة. فمن باب المثال ترى الفقيه والأديب الفلسطيني يوسف النبهاني (ت 1350هـ) يذكرها إلى جانب معجزات النبوة العديدة المذكورة في المصادر في همزيّته الألفية ويقول في بعض أبياتها:[١٤]

سمعته الحجارة الصمّ يدعوسلّمتْ حين صحّ منه ادّعــاء
لو رآها المســـيح قـــال مُقرّاهـي حـق لـم يــلحـق الإبــــراء
قد حباها الحي القدير حياةمع نطق ما الميت ما الإحياء
حنّ جذع النخيل حين نـأىعنــــه حـــــنــيناً كأنه عشـــراء
لــو قــلاه ولـم يصــله بـــضـمّأحـرقته من وجــده الصـعداء


وكذلك القاضي والشاعر الفلسطيني صالح بن مصطفى التميمي (ت 1341هـ) في قصيدة نقل شطراً منها العلامة محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة حيث يقول فيها:[١٥]

فأنـــذرهم في مـعـجــزات ضــــياؤهـــايسير بها الساري بليل ويهتدي
عــياناً كتضليل الغــمامــة والحصـــــىتسبيحه وانظر لشاة أم معبـــد
وقل في حنين الجذع ما شئت واعتبربمعراجه واقصر خطابــك أو زد


الهوامش

  1. المجلسي، بحار الأنوار، ج17، ص326.
  2. راجع الصنعاني، ج3، ص185-186.
  3. قطب الدین الراوندي، الخرائج و الجرائح، ج1، ص165.
  4. راجع الصنعاني، المصنَّف، ج 3، ص185-186؛ الدارمي، سنن الدارمي، ج1، ص16؛ البخاري، صحیح البخاري، ج 4، ص173-174؛ أبونعیم الأصفهاني، دلائل النبوة، ص340-345.
  5. راجع: الطبري؛ المیبدي؛ القرطبي، ذیل الآیة.
  6. راجع: الراوندي، قطب الدین، الخرائج و الجرائح، ج 1، ص166؛ ابن‌حجر العسقلاني، فتح‌الباري، ج 6، ص444.
  7. راجع: النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص426؛ ج10، ص195.
  8. ابن‌ماجة، سنن ابن‌ماجة، ج 1، ص454
  9. القمي، عباس، منتهی الآمال، دار المصطفى العالمية، ج1، ص46.
  10. البیهقي، الاعتقاد و الهدایة، ص271-272.
  11. القاضي عبدالجبار، المغني، ج15، ص204.
  12. القاضي عبدالجبار، المغني، ج16، ص416-417.
  13. راجع أيضاً: القاضي عیاض، الشفاء، ج1، ص303.
  14. النبهاني، يوسف، طيبة الغرّاء في مدح سيد الأنبياء، بيروت، المطبعة الأدبية، 1314هـ.
  15. الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج7، ص370.


المصادر والمراجع

  • ابن‌حجر العسقلاني، فتح‌الباري في شرح صحیح البخاري، طبعة افست بیروت، (د.ت.).
  • ابن‌ماجة، سنن ابن‌ماجة، طبعة محمدفؤاد عبدالباقي، القاهرة 1373هـ/1954م.
  • أبونعیم الأصفهاني، دلائل النبوة، حیدرآباد، 1369هـ/1950م.
  • البخاري، محمد بن‌ إسماعیل صحیح البخاري، بيروت، طبعة محمد ذهني أفندي، اسطنبول، 1401هـ/1981م.
  • البیهقي، أحمد بن‌ الحسین، الاعتقاد و الهدایة إلی سبیل الرشاد علی مذهب السلف و أصحاب الحدیث، طبعة أحمد عصام کاتب، بیروت، 1401هـ/1981م.
  • الدارمي، عبداللّه بن‌ عبد الرحمن، سنن الدارمي، طبعة محمد أحمد دهمان، دمشق، مکتبةالاعتدال، (د.ت.).
  • الصنعاني، عبدالرزاق بن‌همام، المصنَّف، طبعة حبیب الرحمن أعظمي، بیروت، 1403هـ/1983م.
  • القاضي عبدالجبار بن‌ أحمد، المغني فی أبواب التوحید و العدل، ج 15، طبعة القاهرة 1965م، و ج 16، القاهرة، 1960م.
  • القاضي عیاض، عیاض بن‌ موسی، الشفا بتعریف حقوق المصطفی، بیروت، 1409هـ.
  • القرطبي، الجامع لأحکام القرآن، بیروت، 1405هـ/1985م.
  • القمي، الشیخ عباس، منتهی الآمال، بيروت، دار المصطفى العالمية، الطبعة الثالثة، 1432هـ.
  • سعید بن‌ هبة اللّه القطب الراوندي، الخرائج و الجرائح، قم، 1409هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403 هـ.
  • المیبدي، أحمد بن‌ محمد، کشف الأسرار و عدة الأبرار، طبعة علي أصغر حکمت، طهران، 1361ش.
  • النوري، حسین بن‌ محمد تقي، مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل، قم، 1407ـ 1408هـ.
  • النبهاني، يوسف، طيبة الغرّاء في مدح سيد الأنبياء، بيروت، المطبعة الأدبية، 1314هـ.
  • الأمين، محسن، أعيان الشيعة، أخرجه حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1403هـ.