الحركة الجوهرية
الحركة الجوهرية هي نظرية فلسفية تفيد عدم انحصار الحركة في الأعراض فقط، بل تكون أيضاً في جوهر وذات الأشياء. كان الفيلسوف الشيعي الإيراني الملا صدرا أول من يرد نظرة المنكرين ويثبت النظرية بوضوح عن طريق إقامة الأدلة العقلية والنقلية، بينما أنكر مشهور الفلاسفة الحركة في مقولة الجوهر، وحصروا الحركة في المقولات الأربعة (الكم)، (الكيف)، (الأين)، و(الوضع). ألِّفت كتب ومقالات كثيرة حول نظرية الحركة الجوهرية ومن أهمها كتاب (ادله اى بر حركت جوهرى) لحسن حسن زاده الآملي، وكتاب (نهاد ناآرام جهان) لعبد الكريم سروش.
المفهوم
الحركة الجوهرية هي نظرية فلسفية وفقها لا تكون الحركة منحصرة في الأعراض [ملاحظة ١]. بل تكون أيضاً في جوهر[ملاحظة ٢] وذات الأشياء، يقال أن الفيلسوف الإيراني الملا صدرا هو مبدع هذه النظرية وأول من أثبت الحركة صريحاً في الجوهر.[١] ، ووفق هذه النظرية فإن كل ذرات عالم المادة في حالة تدفق واحدة وحركة دائمة وذلك بسبب وجود القوة التي تصحب الأشياء نحو الفعل.[٢] الحركة الجوهرية ليست مسألة علمية وتجريبية؛ وإنما مسألة فلسفية لأن الحركة الجوهرية هي تجدد وجود (الجوهر) لحظة بلحظة وليس لها ربط بحركة النجوم والأفلاك أو الجزيئات التي تعد كلها من الحركات في المكان و(الأعراض).[٣]
خلفية البحث
الملا صدرا أول فيلسوف في العالم الإسلامي يقبل الحركة في الجوهر مع الأعراض الأربعة؛[٤] [ملاحظة ٣] لأن العرض مرتبة من مراتب وجود الجوهر، فإن كانت الحركة تعرض على مقولة العرض فلابد أن تعرض على مقولة الجوهر أيضاً.[٥] قبل الملا صدرا ومن زمن أرسطو كان الفلاسفة يقولون بأن الحركة إنما تعرض لمقولات ثلاثة فقط هي مقولة الكم (العرض الذي يقبل القسمة بالذات)، والكيف (العرض الذي بخلاف الكم لا يقبل القسمة بالذات)، والأين (الهيئة الحاصلة من نسبة الشيء إلى المكان)، وفيما بعد أضاف إليها ابن سينا مقولة الوضع.[٦]، في الواقع أثبت ابن سينا أن بعض الحركات التي كان يعدُّها البعض أينية إنما هي حركة في الوضع (نسبة أجزاء الشيء إلى بعضها البعض ونسبتها إلى الخارج).[٧] وعلى هذا اشتهر بين الفلاسفة أن الحركة فقط تعرض هذه المقولات الأربع من المقولات العشر.[٨]، والملا صدرا بإضافة الحركة الجوهرية صار قائلاً بالحركة في مقولات خمسة ولا يقبل الحركة في جميع المقولات،.[٩] ، بينما قَبِلَ العلامة الطباطبائي الحركة في جميع المقولات العرضية.[١٠] وفي حاشية الأسفار في رد قول الملاصدرا بنفي وقوع الحركة في كثير من المقولات العرضية يقول: (إذا ضممنا القول بقبول الحركة الجوهرية إلى القول بأن الأعراض من مراتب وجود الجوهر، فإنه يلزم من ذلك وقوع الحركة في كل المقولات العرضية التي هي من مراتب وجود الجوهر)[١١] على قول مرتضى مطهري تأثر الملا صدرا في اكتشافه للحركة الجوهرية بالعرفاء وخاصة ابن عربي وأثبت هذه النظرية بعدة براهين.[١٢] في بحث الحركة الجوهرية بعد عرض البراهين وقبل الاستشهاد بأقوال الفلاسفة والعرفاء الماضين استشهد الملا صدرا بالآية 88 من سورة النمل (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مرور السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون)[١٣] [١٤]
أدلة الحركة الجوهرية
مما ذكر كأدلة على الحركة الجوهرية:
- في بعض الأعراض يحدث التغيير والحركة، وعلَّة هذه الأعراض المتغيرة والمتحركة هي طبائعها الجوهرية، ولابد أن تكون علَّة الحادث المتغير والمتحرك بذاتها متغيرة ومتحركة، لذلك فإن الجوهر الذي هو علة الأعراض المتحركة متحرك أيضاً.[١٥]
- وجود الأعراض ليس وجوداً مستقلاً عن الجوهر، بل يعتبر من مراتب وجوده، وأي تغيير أو حركة تطرأ على مراتب أي موجود فإنها تعتبر علامة على التغيُّر والحركة الداخلية لذلك الموجود نفسه، فأي حركة تحدث في أعراض الشيء تكون في الواقع مظهراً من مظاهر الحركة في جوهر ذلك الشيء.[١٦]
- كل موجود مادي له بعد زماني، وكل موجود له بعد زماني فإنه يأتي إلى الوجود تدريجياً، وعليه فإن وجود الجوهر المادي تدريجي؛ أي أنه سيكون له حركة.[١٧]
أدلة منكري الحركة الجوهرية
عمدة الأدلة التي يتمسك بها منكرو الحركة الجوهرية هي أن الحركة تكون في صورة وجود موضوع ثابت على طول الحركة، وإذا تحرك الجوهر مع الأعراض التي هو موضوع لها فإنه لن يكون هناك موضوع ثابت للحركة، فلا يمكن عروض الحركة على الجوهر،.[١٨] من وجهة نظر محمد تقي مصباح اليزدي فإن هذا الإشكال ناشئ من تصور الحركة على أنها عرض خارجي يحتاج إلى موضوع مستقل والذي يجب أن يبقى ثابتاً على طول الحركة في حال أن الحركة العرضية ليست من صنف الأعراض الأعراض، بل هي الحركة في الجوهر والعرض.[١٩]
كتب حوله
ألِّفت كتب ومقالات كثيرة حول نظرية الحركة الجوهرية، ومن أهم تلك الكتب التي ألفت باللغة الفارسية:
- ادلهای بر حرکت جوهری تأليف حسن حسن زاده الآملي، والكاتب في هذا الكتاب عرض 21 دليل لإثبات الحركة الجوهرية.[٢٠]
- نهاد ناآرام جهان، لعبد الكريم سروش، شرح الكاتب فيه نظرية الحركة الجوهرية، وفي مقدمة الكتاب قال: (يجب الاعتراف بعظمة وأهمية ابتكار واكتشاف نظرية الحركة الجوهرية، وتأثيرها العميق وبعيد المدى على الفلسفة والثقافة الإسلامية لا يقل أهمية عن الاكتشافين العلميين العظيمين لجاذبية نيوتن العامة والنسبية العامة لاينشتاين، لكن من المؤسف أن هذه النظرية العظيمة لم تظهر للفكر البشري أبداً مثل هذين الاكتشافين العلميين).[٢١]
مقالات ذات صلة
الهوامش
- ↑ الطباطبایي، نهایة الحکمة، 1386هـ ش، ج3، ص803؛ مطهري، مجموعة الآثار، 1390هـ ش، ج4، ص147.
- ↑ حجت، «امکان تقرب آراء هراکلیتوس و صدرالمتالهین در باب صیرورت»، ص30.
- ↑ مصباح الیزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، 1392هـ ش، ج2، ص395.
- ↑ السبزواري، شرح المنظومة، 1379هـ ش، ج4، ص287.
- ↑ الطباطبائي، بدایة الحکمة، 1392هـ ش، ص128.
- ↑ السبزواري، شرح المنظومة، 1379هـ ش، ج4، ص284.
- ↑ مطهري، مجموعة الآثار، 1390هـ ش، ج11، صص 332-333.
- ↑ الطباطبائي، نهایة الحکمة، 1386هـ ش، ج3، ص795.
- ↑ مطهري، مجموعة الآثار، 1390هـ ش، ج11، صص 332-333.
- ↑ الشیرواني، ترجمة و شرح بدایة الحکمة، 1375هـ ش، ج3، ص155.
- ↑ الشیرواني، ترجمة و شرح بدایة الحکمة، 1375هـ ش، ج3، ص155.
- ↑ مطهري، مجموعة الآثار، 1390هـ ش، ج13، ص216.
- ↑ سوره نمل، آیه 88.
- ↑ الملا صدرا، الأسفار، 1981م، ج3، ص110
- ↑ الملا صدرا، الأسفار، 1981م، ج3، ص61-64؛ الشیرواني، ترجمة و شرح بدایة الحکمة، 1375هـ ش، ج3، ص162.
- ↑ الطباطبائي، نهایة الحکمة، 1386هـ ش، ج3، ص809.
- ↑ مصباح الیزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، 1392هـ ش، ج2، ص388.
- ↑ الطباطبائي، نهایة الحکمة، 1386هـ ش، ج3، ص801.
- ↑ مصباح الیزدي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، 1392هـ ش، ج2، ص384.
- ↑ حسنزاده الآملي، ادلهای بر حرکت جوهری، 1380هـ ش، ص11-13.
- ↑ سروش، نهاد ناآرام جهان، 1386هـ ش، ص9
ملاحظات
- ↑ العرض في الفلسفة بمعنى الماهية القائمة والمتعلقة بغيرها في وجودها وتحققها. من وجهة نظر بعض الفلاسفة فإن العرض على 9 أقسام وهي عبارة عن: الكم الكيف الأين المتى الوضع الجدة الإضافة الفعل والإنفعال.(الخوانساري، فرهنگ اصطلاحات منطقی، 1376هـ ش، ج1، ص150.)
- ↑ الجوهر في الفلسفة يقال للماهية القائمة بنفسها، يقال في الفلسفة الجوهر والأعراض التسعة أو المقولات العشرة.(الخوانساري، فرهنگ اصطلاحات منطقی، 1376هـ ش، ج1، ص89.)
- ↑ أصالة الوجود و الحركة الجوهرية من المسائل التي أثبتها الملا صدرا مطهري، مجموعة الآثار، 1389هـ ش، ج11، ص253.
المصادر والمراجع
- حجت، مینو، «امکان تقرب آراء هراکلیتوس و صدرالمتالهین در باب صیرورت»، آینه معرفت، شماره 9، پاییز و زمستان 1385هـ ش.
- حسنزاده الآملي، حسن، ادلهای بر حرکت جوهری، قم، نشر الف لام میم، 1380هـ ش.
- الخوانساري، محمد، فرهنگ اصطلاحات منطقی، طهران، پژوهشگاه علوم انسانی و مطالعات فرهنگی، الطبعة الثانية، 1376هـ ش.
- السبزواري، ملا هادی، شرح المنظومة، طهران، نشر ناب، 1379هـ ش.
- سجادي، جعفر، فرهنگ اصطلاحات فلسفه ملاصدرا، طهران، وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی، 1379هـ ش.
- سروش، عبدالکریم، نهاد ناآرام جهان، طهران، انتشارات صراط، 1386هـ ش.
- الشیرواني، علي، ترجمة و شرح بدایة الحکمة، قم، دفتر تبلیغات اسلامی حوزه علمیه قم، الطبعة الثالثة، 1375هـ ش.
- الطباطبائي، محمدحسین، بدایة الحکمة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1392هـ ش.
- الطباطبائي، محمدحسین، نهایة الحکمة، قم، مرکز انتشارات مؤسسه آموزشی و پژوهشی امام خمیني، الطبعة الرابعة، 1386هـ ش.
- مصباح الیزدي، محمدتقي، المنهج الجديد في تعليم الفلسفة، قم، مرکز انتشارات مؤسسه آموزشی و پژوهشی امام خمیني، 1392هـ ش.
- مطهري، مرتضی، مجموعة الآثار، قم، انتشارات صدرا، 1390هـ ش.
- الملا صدرا، الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیة الأربعة، بیروت، دار إحیاء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1981م.