الشارع

الشارع أو الشارع المقدس يُطلق على واضع الحكم الشرعي وهو الله تعالى. ويوجد اختلافٌ في نسبة الشارع إلى رسول الله والأئمة المعصومين. وقد رأى بعض علماء الدين ومن خلال الإشارة إلى بعض الآيات القرآنية والروايات، التي بيّنت أن النبي وضع بعض الأحكام الشرعية، فمن الصحيح إطلاق الشارع عليه. ومن يذهب إلى أنّ النبي من مصاديق الشارع، يرى أن هذا الأمر يشمل الأئمة المعصومين، ويرون أنَّه يصح إطلاق عنوان الشارع عليهم.

ومن ناحية أخرى، يرى جماعة من العلماء، واستنادًا إلى الآية 57 من سورة الأنعام، والتي ذكرت أن الحكم خاص بالله تعالى، فإن اصطلاح الشارع خاص بالله أيضا، كما استدلوا ببعض الآيات والروايات، وذكروا أن النبي لم يكن مستقلاً عن الوحي والإلهام في تعيين أي حكم، ولم يضع حكماً بإرادته، وأنّ وظيفة الأئمة المعصومين ليست وضع وتعيين الحكم الشرعي، بل بيان وتبليغ الأحكام الموجودة في القرآن والسنة النبوية.

والشارع مصطلح واسع الاستخدام في علم الفقه وأصول الفقه، دون أن يذكر في الآيات والروايات. وقد ورد في كلام الفقهاء هذا المصطلح في العديد من المسائل والمواضيع الفقهية والأصولية.

التعريف والمكانة

يُطلق الشارع على من يضع الحكم الشرعي. وهو مصطلح واسع الاستخدام في علم الفقه وأصول الفقه. مع أنه في الكتب الفقهية والأصولية وحتى الكلامية، لا يوجد بحثٌ مستقل حول طبيعة الشارع ومن الذي يُطلق عليه، ولكن المواضيع التي ترتبط بهذا البحث تم طرحها في الكتب الكلامية في موضوع الإرادة التشريعية (إرادة الشارع من أجل فعل عمل معين من قبل المكلفين عن طريق إقامة الحكم الشرعي) والبحث حول ثبوتها أو عدم ثبوتها من قبل الله تعالى للنبي أو الأئمة المعصومين.

كما تم ذكر جملة من المباحث في بعض المؤلفات الفقهية والأصولية حول الشارع، منها ما أورده محمد تقي الأصفهاني (وفاة: 1248هـ) في كتاب هداية المسترشدين عندما بحث مسألة الحقيقة الشرعية فذكر مصطلح الشارع، وعلى من يُطلق هذا المصطلح.

وقد بحث الآخوند الخراساني في كتاب كفاية الأصول مسألة الإرادة التشريعية للشارع في باب الطلب والإرادة. وذكر أن الإرادة التشريعية هي علم الشارع بالمصلحة في فعل المكلف.

وقد بحث هذا الأمر الميرزا جواد التبريزي (وفاة: 1427هـ)، وناصر مكارم الشيرازي، من مراجع التقليد عند الشيعة، في كتاب إرشاد الطالب إلى تعليق المكاسب، وبحوث فقهية هامة، في ذيل بحث ولاية الفقيه، الولاية التشريعية للنبي والأئمة المعصومين وتطبيق لفظ الشارع عليهم.

ولم يرد مصطلح «الشارع» بنفسه في الآيات القرآنية والأحاديث، ولكن ورد بألفاظ أخرى في القرآن بعبارة «شَرَعَ»، و«شَرَعُوا»، و«شِرْعَة»، «شَرِيعَة».

التطبيق في الفقه وأصول الفقه

ومن الأمثلة على تطبيق مصطلح «الشارع» في كتب الفقه والأصول، عبارة عن:

• يرى بعض الأصوليين أن أوامر الشارع ونواهيه، أو بمعنى آخر الأحكام التي يفرضها الشارع، تابعة للمصالح والمفاسد الموجودة في تلك الأحكام. فعلى سبيل المثال، فقد أمر الشارع بالصلاة لوجود المصلحة فيها، وقد نهى عن الربا لوجود الفساد فيه.
• وبحسب الأصولي، فإنه لإثبات صلاحية سيرة العقلاء بعنوان دليل على استنباط الحكم الشرعي، لا بد من إمضاء الشارع لهذه السيرة، وإمضاء الشارع يعني عدم وجود منع أو ردع ضد هذه السيرة.
• وفي أصول الفقه يوجد بحثًا بعنوان قاعدة الاشتراك في خطابات الشارع، وبناءً عليها فإن الخطابات الصادرة عن الشارع، لا تكون موجهة فقط للحاضرين عند الخطاب، بل تشمل جميع المكلفين.
• من المصطلحات المستخدمة في كلام الفقهاء المتأخرين، والمستخدمة في اكتشاف الحكم الشرعي مصطلح مذاق الشارع. ومعنى مذاق الشارع هو اكتشاف منهج ورأي الشارع من مجموعة أحكامه ومبانيه، والذي يتم من خلاله تحديد موقف الشارع في الأمور التي لم تصل إلينا منه، ولم يخبرنا بموقفه منها.

المصاديق

هناك اختلاف في هل إن من مصاديق الشارع رسول الله والأئمة المعصومين.

الشارع، صفة خاصة بالله

ويرى الكثير من الفقهاء، أن هناك شارع واحد فقط وهو الله تعالى. ويستدلون على ذلك بجملة من الآيات، مثل «إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ»، والآية «وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا». ولإثبات أن الله تعالى هو الشارع تم الاستناد على الآية 13 و21 من سورة الشورى، والآية 48 من سورة المائدة.

ويرى فقهاء مثل الميرزا صادق التبريزي (وفاة: 1351هـ)، وهو فقيه وأصولي وأديب شيعي، في كتابه المقالات الغرية، وأيضًا صاحب هداية المسترشدين، أن «الشارع» من أسماء الله تعالى ومختص به ولا يُطلق على غيره. وفي مقابل هذا الرأي، يرى البعض أن الأسماء الإلهية توقيفية، ولم ترد كلمة الشارع بعنوان أحد أسماء الله تعالى.

الاستدلال بالآية 7 من سورة الحشر وآيات أخرى في أن النبي هو الشارع

ولإثبات أن النبي هو الشارع، تم الاستدلال على ذلك بآية «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»، وكذلك بالآية 29 من سورة التوبة، والآية 64 و80 من سورة النساء.

النقد

ومن ناحية أخرى، فقد رفض البعض أن يكون النبي هو الشارع، مستدلين على ذلك بالآية 15 من سورة يونس، والآية 4 من سورة النجم، التي تُشير إلى أن دور النبي ومن خلال الوحي يقتصر على بيان الأحكام.

ذكر صاحب هداية المسترشدين (محمد تقي الأصفهاني) في رد أن يكون النبي هو الشارع، ما يلي:

• بحسب الآية 144 من سورة البقرة، فإن النبي كان كثيرًا ما يتوقف على الوحي في بيان الأحكام، فلو كان النبي شارع، لما كان هناك حاجة إلى انتظار الوحي لتغيير القبلة.
• وتشير بعض الآيات والروايات إلى أن الأحكام التي جاء بها النبي ليست منه، بل بينها الله تعالى له عن طريق الوحي. ويقول الأصفهاني: لكي يكون أطلاق الشارع على النبي صحيحًا، يكفي أن يقال إنه لم يضع الأحكام الشرعية بشكل مستقل، بل وضعها بين الناس من خلال التعليم الإلهي.

وبحسب الميرزا صادق التبريزي، إذا كان مصطلح الشارع يعني من يضع ويحدد الحكم الشرعي، وفي هذه الحالة لا يُطلق ذلك إلا على الله تعالى؛ ولأن الشارع يعني من يبلغ إلى الشرع أو صاحب الشريعة، فهو بهذا المعنى يُطلق أيضًا على رسول الله.

حصول النبي على الإذن من الله في إيجاد الحكم

ومن أجل إثبات أن النبي هو من مصاديق الشارع، تم الاستدلال بالأحاديث الواردة في كتاب الكافي، التي ورد فيها الإذن للنبي في إيجاد الحكم الشرعي. من جملتها ما جاء في رواية عن الإمام الصادق أن الله تعالى فرض الصلاة الواجبة على ركعتين، فزاد النبي بإذن الله تعالى على صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين، وركعة واحدة لصلاة المغرب. وأوجب الله تعالى الصيام في شهر رمضان من كل عام، وجعل النبي استحباب صيام شهر شعبان وثلاثة أيام من كل شهر. حرم الله الخمر، وحرم رسول الله كل مُسكر.

نقد وتحقيق

وقد ورد حول هذه الروايات آراء مختلفة:

• ذكر العلامة المجلسي في كتاب مرآة العقول إن تعيين النبي لهذه الأمور يدل على كرامته وشرفه عند الله تعالى، وأصل وضع الأحكام وتعيينها كان عن طريق الوحي والإلهام، وليس أن الله تعالى ترك إيجاد الأحكام الشرعية للنبي، وأن النبي يصرح بما يشاء من حرام أو حلال حسب إرادته.
• وذكر جعفر السبحاني أحد مراجع التقليد عند الشيعة، إنه بحسب هذه الروايات لم يكن عمل النبي إلا طلبا، مع ضميمة انتظار الموافقة على هذا الطلب، وكانت هذه الموارد من بين الأمور والصلاحيات التي أعطاها الله للنبي.
• وبحسب هذه الروايات، اعتبر ناصر مكارم الشيرازي أن كون النبي شارع هذا بنحو جزئي وثابت في موارد خاصة، ويرى أنه تعيين النبي لهذه الأحكام كان بإذن الله وإمضائه، فلا يوجد هنا تناقض بين وحدة الشارع واختصاص الله تعالى بالشارع.

انتقال حكم التشريع من النبي إلى الأئمة المعصومين

وقد ذكر بعض القائلين بأن النبي من مصاديق الشارع، ومن خلال الاستدلال ببعض الروايات، إن كل ما وكل به النبي من أمور الدين كان موكولاً أيضًا إلى الأئمة المعصومين، ومن هذه الأمور وضع وتعيين الحكم الشرعي، فاصطلاح الشارع كما يُطلق على رسول الله كذلك يُطلق على الأئمة المعصومين.

ومن الأحاديث المذكورة رواية الإمام علي، باستثناء الموارد التسعة، التي وجبت عليها الزكاة في عهد النبي، فقد وضع الإمام علي على الخيل العتاق الراعية زكاة في كلّ عام دينارين، وفرض على البغال دينارًا. کما أن هناك رواية بأن الإمام الجواد أوجب [الخمس]] في الذهب والفضة بالإضافة إلى الأشياء السبعة التي يجب فيها الخمس. وقد أُستفيد من هذه الروايات أنه بالإضافة إلى النبي، فإن الأئمة المعصومين أيضًا هم من مصاديق الشارع، ولهم القدرة على وضع الأحكام الشرعية.

المخالفون

حسن بن زين الدين العاملي (صاحب المعالم، وفاة: 1011هـ) رد كون الأئمة المعصومين من مصاديق الشارع، واعتبرهم خزنة العلم الديني، والحافظين لشرعية النبي، والذين لا يغيرون أحكامه وتعاليمه. كما يرى جماعة من فقهاء ومفسري الشيعة، أنه قبل وفاة النبي كان الدين مكتملا، وكان شرط إتمام الدين هو بيان جميع الأحكام الشرعية في القرآن والسنة النبوية، فواجب الأئمة المعصومين ليس تعيين الحكم الشرعي، بل كان عبارة عن بيان وتفصيل هذه الأحكام.

وقد ذكر البعض أيضًا خمسة روايات من كتاب بصائر الدرجات، وعلى أساسها لم يقتصر الأمر على أن الأئمة المعصومين لم يضعوا الأحكام الشرعية في أمور ليست في الكتاب والسنة؛ بل أمروا بالتوقف.

وبحسب محمد تقي الأصفهاني (صاحب هداية المسترشدين)، فإن كلمة «شرع» تستعمل أحيانا بمعنى «سنّ» أي بمعنى بين، وبما أن الأئمة المعصومين هم المبينون للأحكام الشرعية، فإن كلمة الشارع بهذا المعنى تنطبق عليهم.