تقرير المعصوم
تقرير المعصوم، بمعنى سكوت المعصوم عن فعلٍ أو قولٍ بحضرته، فهو كاشفٌ حينئذٍ عن رضاه، كما أن تقرير المعصوم داخلٌ في مبحث السنة الشريفة ضمن الأدلة الأربعة، حيث ذهب الشيعة إلى القول بحجية تقرير رسول الله والأئمة الاثنا عشر .
وضع الأصوليون مجموعة من الشروط التي تدل على الحجية في حال سكوت المعصوم مقابل الفعل أو القول، منها: أن يفعل شخص بمشهد المعصوم وحضوره فعلاً، فيسكت المعصوم عنه مع توجهه إليه وعلمه بفعله، وأن يكون المعصوم بحالة يسعه تنبيه الفاعل لو كان مخطئاً.
يوجد هناك دلائل على إثبات حجية تقرير المعصوم، منها: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات، وأن المعصوم لا يترك الواجب بأيّ وجه من الوجوه، فإذا لم يردع الإمام عن الفعل أو القول الذي حدث أمامه، وكان بإمكانه أن يردع عنه وسكت، فهذا يدل على جوازه وصحته.
معناه
التقرير في اللغة بمعنى الإقرار بالأمر، أي: الاعتراف به وإمضائه.[١] أما تقرير المعصوم في الاصطلاح فبمعنى السكوت عن فعلٍ أو قولٍ بحضرته.[٢] كما أن تقرير المعصوم في علم أصول الفقه يكشف عن قبول الإمام ورضاه عن ذلك الفعل أو القول[٣] لأنّه لو كان الفعل أو القول محرّماً، أو كان فيه خلل لكان على المعصوم أن ينهي ويردع عنه فيما إذا كان الفاعل عالماً، وذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الإمام حينئذٍ بيان الحكم ووجه الفعل. أما إذا كان الفاعل جاهلاً بالحكم، فيُبين ذلك من باب وجوب تعليم الجاهل.[٤]
على سبيل المثال إذا توضأ الشخص أمام المعصوم ولم يُكلمه أو يُشكل على وضوئه، فهذا السكوت هو تقرير من المعصوم، ودلالته على صحة الوضوء.[٥]
أنواع التقرير
ورد في بعض الكتب الأصولية أن التقرير ــ بحسب الفعل الذي يؤدي إلى السكوت عنه ــ ينقسم إلى قسمين: فعلي وقولي (أو حكمي).[٦] وفي كتب الاصول الأخرى تم إضافة قسم آخر وهو تقرير الاعتقاد،[٧] وهو عبارة عن وجود عقائد خاصة عند شخصٍ، مثل: العقيدة بـالله والمعاد، وعرض عقائده أمام المعصوم، وقد سكت المعصوم عن ما عرضه من معتقداتٍ، فهذا يدل حينئذٍ على إمضاء المعصوم لذلك الاعتقاد.[٨]
مكانته
يعتبر تقرير المعصوم من أبحاث علم الأصول[٩] مثل قول وفعل المعصوم، كما أنه داخل في مبحث السنة الشريفة،[١٠] التي تقع إلى جانب القرآن والإجماع والعقل، وهي ما تعرف بالأدلة الأربعة.[١١]
لا يختص التقرير بالشيعة فقط، بل يستند عليه أهل السنة أيضاً في عملية استخراج الأحكام الفقهية،[١٢] حيث ذهب الشيعة إلى القول بحجية تقرير النبي والأئمة الإثني عشر؛[١٣] لكن ذهب أكثر أهل السنة إلى حجية تقرير رسول الله فقط.[١٤] وأن بعضهم قد ذهب إلى القول بحجية تقرير الخليفة الأول والثاني، والبعض الآخر إلى حجية تقرير جميع أصحاب النبي.[١٥]
دليل حجية تقرير المعصوم
يوجد هناك دلائل على إثبات حجية تقرير المعصوم، حيث قال البعض: إن ظاهر حال المعصومين يُشير إلى أنهم المسؤولون عن تبليغ الشريعة والأهداف الدينية. لذلك إذا واجهوا عملاً أو قولاً يُخالف الدين فلا ينبغي السكوت عنه.[١٦]
وذهب البعض الآخر إلى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات، وأنَ المعصوم لا يترك الواجب بأي وجه من الوجوه، فإذا لم يردع الإمام عن الفعل أو القول الذي حدث أمامه، وكان بإمكانه أن يردع عنه وسكت، فهذا يدل على جواز وصحة ذلك الفعل أو القول.[١٧]
شروط حجية التقرير
وضع الأصوليون مجموعة من الشروط تدل على الحجية في حال سكوت المعصوم مقابل فعل أو قول، وهي عبارة عن:
- أن يفعل شخص بمشهد المعصوم وحضوره فعلاً، فيسكت المعصوم عنه مع توجهه إليه وعلمه بفعله.[١٨]
- أن يكون المعصوم بحالة يسعه تنبيه الفاعل لو كان مخطئاً، فعلى سبيل المثال الشخص الذي فعل أمر ما بحضور المعصوم، أن لا يترك المكان ويغادر على الفور، حتى تكون هناك سعة لبيان موقف المعصوم.[١٩]
- أن لا يكون هناك ما يمنع المعصوم من بيان موقفه، كالخوف على حياته أو شيعته، والتقية واليأس من تأثير الإرشاد والتنبيه.[٢٠]
- أن لا يكون للمعصوم قبل سكوته كلام حول رفض ذلك السلوك أو القول.[٢١]
الهوامش
- ↑ اصغري، أصول الفقه با شرح فارسي، ج 2، ص 133.
- ↑ مظفر، اصولالفقه، اسماعیلیان، ج۳، ص۶۶.
- ↑ مظفر، اصولالفقه، اسماعیلیان، ج۳، ص۶۶.
- ↑ شيرواني، تحرير اصول فقه، ص 210 ــ 211؛ مظفر، اصولالفقه، اسماعیلیان، ج۳، ص۶۶.
- ↑ اصغري، أصول الفقه با شرح فارسي، ج 2، ص 133.
- ↑ الشيرواني، تحرير أصول الفقه، ص 211.
- ↑ محمدي، شرح أصول الفقه، ج 3، ص 111.
- ↑ محمدي، شرح اصول فقه، ج 3، ص 111.
- ↑ البحراني، شرح الأصول من الحلقة الثانية، ج 1، ص 15.
- ↑ اصغري، أصول الفقه با شرح فارسي، ج 2، ص 132.
- ↑ محمدي، شرح أصول فقه، ج 3، ص 285؛ شهابي، تقريرات أصول، ص 15.
- ↑ أبو شهبة، الوسيط في علوم مصطلح الحديث، ج 1، ص 204.
- ↑ محمدي، شرح أصول فقه، ج 3، ص 100؛ المحقق الداماد، مباحثي از اصول فقه، ج 2، ص 45.
- ↑ أبو شهبة، الوسيط في علوم مصطلح الحديث، ج 1، ص 204.
- ↑ الموسوي البجنوردي، علم أصول، ص 286 ـ 287.
- ↑ الصدر، دروس في علم الأصول الحلقة الثانية، ص 269 ــ 270؛ شهركاني، المفيد في شرح أصول الفقه، ج 2، ص 91 ــ 93.
- ↑ المحقق الداماد، مباحث من أصول الفقه، ج 2، ص 48 ــ 50.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 70.
- ↑ اصغري، أصول الفقه با شرح فارسي، ج 2، ص 133؛ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 70.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 70؛ محمدي، شرح اصول فقه، ج 3، ص 112.
- ↑ النراقي، أنيس المجتهدين، ج 1، ص 334؛ النراقي، تجريد الأصول، ص 71؛ الأنصاري، خلاصة القوانين، ص 134.
المصادر والمراجع
- أبو شهبة، محمد بن محمد، الوسيط في علوم مصطلح الحديث، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت.
- اصغري، عبد الله، أصول الفقه (با شرح فارسي)، قم، د.ن، ط 2، 1386 ش.
- الأنصاري، أحمد، خلاصة القوانين، قم، المطبعة العلمية، ط 2، 1397 هـ.
- البحراني، محمد صنقور علي، شرح الأصول من الحلقة الثانية، قم، نشر مؤلف، ط 3، 1428 هـ.
- الصدر، محمد باقر، دروس في علم الأصول الحلقة الثانية، قم، انتشارات دار الصدر، ط 8، 1436 هـ.
- المحقق الداماد، مصطفى، مباحثي از اصول فقه، طهران، مركز نشر علوم إسلامي، 1362 ش.
- المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 5، 1430 هـ.
- النراقي، محمد مهدي، أنيس المجتهدين، قم، بوستان كتاب، 1388 ش.
- النراقي، محمد مهدي، تجريد الأصول، قم، نشر سيد مرتضى، 1384 ش.
- شهابي، محمود، تقريرات أصول، طهران، مطبعة حاج محمد علي علمي، ط 7، 1321 ش.
- شهركاني، إبراهيم إسماعيل، المفيد في شرح أصول الفقه، قم، نشر ذوي القربى، 1430 هـ.
- شيرواني، علي، تحرير اصول فقه، قم، دار العلم، ط 2، 1385 ش.
- محمدي، علي، شرح أصول فقه، قم، دار الفكر، ط 10، 1387 ش.
- موسوی بجنوردی، محمد، علم اصول، طهران، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، 1379 ش.