انتقل إلى المحتوى

خير الأمور أوسطها

من ويكي شيعة
رواية "خير الأمور أوسطها" بخط النستعليق الجلي، من أعمال أكبر ساعتشي

خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا أو خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، هي رواية وردت في المصادر الحديثية عن رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم، والإمام عليعليه السلام، والإمام الكاظمعليه السلام، وعدّ كـحديث قدسي أيضًا، وقد ضعّفها بعض العلماء.

وذهب بعضهم إلى أنّ معنى «الأوسط» في هذه الرواية هو «الأعقل»؛ واستشهدوا لذلك بآيات من القرآن الكريم.

ومن وجهة نظر الباحثين، فإنّ مراعاة الحدّ الأوسط في جميع الأمور ليست مطلوبة؛ إذ إنّ بعض الأمور مثل التقرّب إلى الله وطلب العلم، لا مجال فيها للاعتدال أو التوسّط. وهناك من يرى سيرة المعصومينعليها السلام في إنفاق جميع أموالهم على الفقراء مناقضة لهذه الرواية، فيما يعتقد آخرون أنّ المعصومين، لكونهم ميزان الأعمال، فإنّ «خير الأمور» بالنسبة لهم هو أقصى درجات ذلك العمل.

البحث الروائي

حينما وصل هارون العباسي من سفر الحج إلى مشارف المدينة خرج أعيانها لاستقباله، وكان في مقدّمتهم الإمام الكاظمعليه السلام راكبًا على بغلته. فقال له الربيع: ما هذا المركب الذي ركبتَه وخرجتَ لاستقبال هارون؟! بهذه الدابّة لا تستطيع اللحاق بأحد إن أردت، ولا تقدر على الفرار من أحد إن حاولت! فقال الإمام: إنّها تَطَأْطَأَت عن خُيَلاءِ الخَيْل، وَارْتَفَعَتْ عن ذِلّةِ العَيْر، و"خَيْرُ الأمُورِ أَوساطُها".



الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص234.

«خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا» حديث ورد في المصادر الروائية الشيعية والسنّية،[١] وفي بعض الروايات استبدلت كلمة «أوساط» بـ«أوسط».[٢] وقد نقلته هذه المصادر عن رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم،[٣] وعن الإمام عليعليه السلام،[٤] وعن الإمام الكاظمعليه السلام.[٥] كما ذُكر في بحار الأنوار على أنه حديث قدسي.[٦]

ومن جهة أخرى، وردت روايات مشابهة لهذا الحديث عرّفت «خير الأمور» بمصاديق أخرى مثل: «رضا الله»، و«حسن العاقبة»، و«إظهار الحق»، و«الخلو من الطمع»، و«ما يكون سببًا في صلاح الإنسان».[٧]

وقد ضعّف بعضهم هذه الرواية،[٨] بينما رأى آخرون أنّها يستشهدوا بها في الموارد التي يكون فيها شكّ أو تعارض، وأمّا في غيرها فلا يصحّ الاستناد إليها.[٩]

الاختلاف في معنى كلمة «أوسط»

ذهب بعض الباحثين إلى أنّ معنى «الأوسط» في هذه الرواية ليس «الحدّ الوسط»، بل «الأعقل». فيكون المراد: أفضل الأمور ما صدر عن العقل، لا ما كان في وسط الأمور؛[١٠] وذلك لأنّ هذه الكلمة فسّرت في الآية 28 من سورة القلم، وكذلك في الآية 143 من سورة البقرة، بمعنى «الأعقل».[١١]

ويذهب ابن أبي الحديد، الأديب وشارح نهج البلاغة، أنّ الوسط في اللغة بمعنى «الأفضل من كل شيء»، وأنّ الأمّة الوسط في القرآن تعني «أفضل الأمم».[١٢]

في أيّ الأمور تكون الوسطية مطلوبة؟

يرى ناصر مكارم الشيرازي، المفسّر والفقيه الشيعي، أنّ الإصرار على أنّ الفضائل الأخلاقية دائمًا هي الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط غير صحيح؛ لأنّ هناك أمورًا يكون فيها التشدّد والإفراط مطلوبًا، كـالتقرّب إلى الله وتقوية القوى العقلية.[١٣]

ويرى محمد تقي مصباح اليزدي، الفيلسوف والمفسّر الشيعي، أنّ مسائل مثل معرفة الله، ومحبّته، والتقرّب منه، والعلم، لا وسط فيها. فالعلم –على سبيل المثال– له طرفان: الجهل المطلق والعلم اللامتناهي؛ فلا يمكن تعيين حدّ وسط له ليكون هو الفضيلة.[١٤]

مخالفة الرواية لسيرة وكلام المعصومينعليها السلام

هناك من يعتقد أنّ سيرة أئمّة أهل البيتعليها السلام في بعض الموارد خالف رواية «خير الأمور أوسطها». فقد ورد في شأن نزول آية الإطعام أنّ الإمام عليًّا والسيّدة فاطمة والحسن والحسينعليها السلام –وأثناء صومهمتصدّقوا بطعامهم ثلاثة أيام متوالية على مسكين ويتيم وأسير، أنّ الإمام الحسن المجتبىعليه السلام أيضا كان يتصدّق بجميع أمواله، ولم يكن الإمام عليعليه السلام يدّخر درهمًا من دخل نخله، وغير ذلك من الأمثلة.[١٥]

وفي المقابل، يرى عبد الله جوادي الآملي، المفسّر والفيلسوف والفقيه الشيعي، أنّ رواية «خير الأمور أوسطها» تشير إلى أنّ الإفراط والتفريط في الصفات العلمية والعملية للإنسان أمر مذموم. لكن بالنسبة إلى الأئمّة المعصومين، الذين هم ميزان العمل، فإن «خير الأمور» بالنسبة لهم هو الحدّ الأعلى؛ ولذا كان الإمام الحسنعليه السلام يتصدّق بجميع أمواله.[١٦]

الهوامش

  1. العجلوني، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء، ج1، ص391.
  2. الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد، ج2، ص234.
  3. الصافي، محمود بن عبد الرحيم، الجدول في إعراب القرآن، ج15، ص49؛ ابن عطية الأندلسي، عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز، ج1، ص219.
  4. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، ج75، ص11.
  5. الأربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة، ج2، ص229؛ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج6، ص541.
  6. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، ج74، ص166.
  7. الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، ص237.
  8. العجلوني، إسماعيل بن محمد، كشف الخفاء، ج1، ص391.
  9. السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط، ج3، ص165؛ الكاشاني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع، ج1، ص23.
  10. زارعيان، أدلة نقلی به نفع يا عليه نظرية حد وسط أرسطوئي، ص66.
  11. القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، ج2، ص381.
  12. ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، ج17، ص29.
  13. مكارم الشيرازي، ناصر، الأخلاق في القرآن، ج1، ص103.
  14. المصباح، محمد تقي، الأخلاق في القرآن، ص319.
  15. زارعيان، أدلة نقلی به نفع يا عليه نظرية حد وسط أرسطوئي، ص72.
  16. جوادي الآملي، «بايد در همه أوصاف علمي وعملي از إفراط وتفريط پرهيز كرد».

المصادر والمراجع

  • ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد، شرح نهج البلاغة، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 1377ش.
  • ابن عطية الأندلسي، عبد الحق بن غالب، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، بيروت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1422هـ.
  • الإربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة، تحقيق وتصحيح: هاشم رسولي محلاتي، تبريز، نشر بني هاشمي، الطبعة الأولى، 1381هـ.
  • الجوادي الآملي، عبد الله، «باید در همه أوصاف علمي وعملي از إفراط وتفریط پرهیز کرد»، موقع الإسراء، تاريخ النشر: 22/6/2023م، تاريخ الزيارة: 7/8/2024م.
  • السرخسي، شمس الدين، المبسوط، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت.
  • الشيخ المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، قم، مؤتمر الشيخ المفيد العالمي، 1413هـ.
  • الصافي، محمود بن عبد الرحيم، الجدول في إعراب القرآن، دمشق - بيروت، دار الرشيد - مؤسسة الإيمان، 1418هـ.
  • العجلوني، إسماعيل، كشف الخفاء، بيروت، دار الكتب العلمية، 1408هـ.
  • القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تحقيق: السيد طيب الموسوي الجزائري، قم، دار الكتاب، 1367ش.
  • الليثي الواسطي، علي، عيون الحكم والمواعظ، قم، دار الحديث، الطبعة الأولى، 1376ش.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الطبع والنشر، 1410هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403هـ.
  • المصباح، محمد تقي، أخلاق در قرآن، تقديم محمد حسين الإسكندري، قم، مؤسسة الإمام الخميني، 1384ش.
  • الكاشاني، أبو بكر، بدائع الصنائع، باكستان، المكتبة الحبيبية، 1409هـ.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363ش.
  • زارعيان، شمس علي، «أدلة نقلي به نفع يا عليه نظرية حد وسط أرسطوئي»، مجلة پژوهش هاي أخلاقي، العدد 19، ربيع 1394ش.
  • مكارم الشيرازي، ناصر وآخرون، أخلاق در قرآن، قم، مدرسة الإمام علي (عليه السلام)، 1385ش.