الموت
الموت هو قبض الملائكة الطاقات الحسية الموجودة في الإنسان، فتخرج الروح من الجسد، وينتقل الإنسان بعده من الحياة الدنيوية إلى الحياة البرزخية، وقد ورد ذكر الموت في الكتاب والسنة ويسمى أيضا فيهما بـ(الوفاة)، وقد ذكر أقسام للموت: كموت البدن وموت القلب، وموت الفرد وموت المجتمع، وهي من سنن الله تعالى في خلقه فما من حي من الخلق إلا ويموت، وقد ذكرت الآيات والروايات أن التوبة لا تُقبل عند حلول الموت.
تعریف الموت
- لغة: الموت، أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه: الموت خلاف الحياة،[١] وقال عنه ابن منظور: الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة، فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان والنبات، كقوله تعالى: ﴿يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾،[٢] ومنها زوال القوة الحسّية، كقوله تعالى- حاكياً قول مريم ﴿يَا لَيْتَني مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾،[٣] ومنها زوال القوة العاقلة، وهي الجهالة، كقوله تعالى: ﴿أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾،[٤] و﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾،[٥] ومنها الحزن والخوف المكدر للحياة، كقوله تعالى: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾،[٦] وقد يستعارالموت للأحوال الشّاقة، كالفقر والذّلّ، والسؤال والهرم، والمعصية».[٧]
- اصطلاحا: هو قبض الملائكة الطاقات الحسية الموجودة في الإنسان.[٨]
الموت في القرآن والسنة
- الموت في القرآن الكريم
لقد ذُكر الموت في القرآن الكريم أما بنفس لفظه أو عُبر عنه بـ (الوفاة) وهذا بعدة صيغ، ومنها:
- قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾.[٩]
- قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.[١٠]
- قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾.[١١]
- قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.[١٢]
- قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.[١٣]
- قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.[١٤]
- قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.[١٥]
- قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَإذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ * قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.[١٦]
- قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾.[١٧]
- الموت في السنة الشريفة
لقد وردت الكثير من الروايات الشريفة عن أهل بيت العصمة التي تحدثت عن الموت، ومنها:
- روي عن أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحُسَيْنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَى رَجُلٍ قَدْ غَرِقَ فِي سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، وَهُوَ لَا يُجِيبُ دَاعِياً، فَقَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَدِدْنَا لَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ الْمَوْتُ وَكَيْفَ حَالُ صَاحِبِنَا؟ فَقَالَ: الْمَوْتُ هُوَ الْمِصْفَاةُ يُصَفِّي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَيَكُونُ آخِرُ أَلَمٍ يُصِيبُهُمْ كَفَّارَةَ آخِرِ وِزْرٍ بَقِيَ عَلَيْهِمْ، وَيُصَفِّي الْكَافِرِينَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ، فَيَكُونُ آخِرَ لَذَّةٍ أَوْ رَاحَةٍ تَلْحَقُهُمْ، وهُوَ آخِرُ ثَوَابِ حَسَنَةٍ تَكُونُ لَهُمْ، وَأَمَّا صَاحِبُكُمْ هَذَا، فَقَدْ نُخِلَ مِنَ الذُّنُوبِ نَخْلًا، وَصُفِّيَ مِنَ الْآثَامِ تَصْفِيَةً، وَخُلِّصَ حَتَّى نُقِّيَ كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ مِنَ الْوَسَخِ وَصَلُحَ لِمُعَاشَرَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فِي دَارِنَا دَارِ الْأَبَدِ.[١٨]
- روي عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أنه قال: لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَظَرَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِهِمْ، لِأَنَّهُمْ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، وَوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَانَ الْحُسَيْنُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وَبَعْضُ مَنْ مَعَهُ مِنْ خَصَائِصِهِ تُشْرِقُ أَلْوَانُهُمْ، وَتَهْدَأُ جَوَارِحُهُمْ، وَتَسْكُنُ نُفُوسُهُمْ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا لَا يُبَالِي بِالْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ : صَبْراً بَنِي الْكِرَامِ فَمَا الْمَوْتُ إِلَّا قَنْطَرَةٌ يَعْبُرُ بِكُمْ عَنِ الْبُؤْسِ وَالضَّرَّاءِ إِلَى الْجِنَانِ الْوَاسِطَةِ، وَالنَّعِيمِ الدَّائِمَةِ فَأَيُّكُمْ يَكْرَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ سِجْنٍ إِلَى قَصْرٍ، وَمَا هُوَ لِأَعْدَائِكُمْ إِلَّا كَمَنْ يَنْتَقِلُ مِنْ قَصْرٍ إِلَى سِجْنٍ وَعَذَابٍ إِنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ : أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ، وَالْمَوْتُ جِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جِنَانِهِمْ، وَجِسْرُ هَؤُلَاءِ إِلَى جَحِيمِهِمْ مَا كَذَبْتُ وَلَا كُذِبْتُ.[١٩]
- عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إِنَّ قَوْماً أَتَوْا نَبِيّاً لَهُمْ، فَقَالُوا: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَرْفَعْ عَنَّا الْمَوْتَ، فَدَعَا لَهُمْ فَرَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُمُ الْمَوْتَ، وَكَثُرُوا حَتَّى ضَاقَتْ بِهِمُ الْمَنَازِلُ، وَكَثُرَ النَّسْلُ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُصْبِحُ، فَيَحْتَاجُ أَنْ يُطْعِمَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَجَدَّهُ وَجَدَّ جَدِّهِ، وَيُوَضِّيَهُمْ، وَيَتَعَاهَدَهُمْ فَشُغِلُوا عَنْ طَلَبِ الْمَعَاشِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى آجَالِنَا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا، فَسَأَلَ رَبَّهُ فَرَدَّهُمْ إِلَى آجَالِهِمْ.[٢٠]
- عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُقْبَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذْ وَقَعَتْ رُوحُهُ فِي صَدْرِهِ رَأَى، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا يَرَى؟ قَالَ: رَسُولَ اللَّهِ ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَبْشِرْ. قَالَ: ثُمَّ يَرَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَيَقُولُ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي كُنْتُ تُحِبُّ أَنَا أَنْفَعُكَ الْيَوْمَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَيَكُونُ أَحَدٌ يَرَى هَذَا ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا؟ قَالَ: إِذَا رَأَى هَذَا أَبَداً مَاتَ وَأَعْظَمَ ذَلِكَ. قَالَ: وَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، قَوْلُ اللَّهِ : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ﴾.[٢١]
- سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا الْمَوْتُ الَّذِي جَهِلُوهُ؟ قَالَ: أَعْظَمُ سُرُورٍ يَرِدُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ نُقِلُوا عَنْ دَارِ النَّكَدِ إِلَى نَعِيمِ الْأَبَدِ، وَأَعْظَمُ ثُبُورٍ يَرِدُ عَلَى الْكَافِرِينَ إِذْ نُقِلُوا عَنْ جَنَّتِهِمْ إِلَى نَارٍ لَا تَبِيدُ وَلَا تَنْفَدُ.[٢٢]
حقیقة الموت
إنَّ حقيقة الموت ليست هي الانعدام والفناء، بل هي انقطاع ارتباط الأرواح مع الأبدان، والانتقال من الحياة الدنيوية إلى الحياة البرزخية، وقد تواترت الأخبار على بقاء الأرواح بعد الموت، ووجود الحياة البرزخية، وإليه يشير مولانا أمير المؤمنين بقوله: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا خُلِقْنَا وَإِيَّاكُمْ لِلْبَقَاءِ لَا لِلْفَنَاءِ، وَلَكِنَّكُمْ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ تُنْقَلُونَ، فَتَزَوَّدُوا لِمَا أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ وَخَالِدُونَ فِيهِ، وَالسَّلَامُ.[٢٣][٢٤]
الموت من سنن الله تعالى
أكد القرآن المجيد على أن جميع الناس، بل جميع الكائنات الحية سيموتون، ولن يعيش أحد في هذا العالم حياة خالدة: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾،[٢٥] ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾،[٢٦] ويخاطب النبي الأكرم بقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾،[٢٧] و﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾،[٢٨] ومن هنا نعلم أن الموت سنة من سنن الله تعالى، وقانونا كليا عاما لا يقبل الاستثناء لكل الكائنات الحية في العالم.[٢٩] قال أمير المؤمنين : فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سُلَّماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ، وَعَظِيمِ الزُّلْفَةِ، فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ، وَاسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنِبَالِ الْمَوْتِ، وَأَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً وَالْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً، وَوَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ.[٣٠]
وحشة الإنسان من الموت
إنَّ للإنسان علاقة شديدة بالبقاء، وهي ميل طبيعي يحسه بفطرته، وبما أن الموت يُضاد هذه النعمة الفطرية، فيجزع الإنسان العادي غير العارف بحقيقة الموت.
إنَّ الناس في هذه الحياة الدنيا على قسمين، قسم يستوحش من الموت، بسبب كثرة ما اقترفه من آثام ومعاصي في هذه الحياة الدنيا قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾،[٣١] وروى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ فَقَالَ: لِأَنَّكُمْ عَمَرْتُمُ الدُّنْيَا، وَأَخْرَبْتُمُ الْآخِرَةَ، فَتَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنْ عُمْرَانٍ إِلَى خَرَابٍ، فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرَى قُدُومَنَا عَلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَمَّا الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ فَكَالْغَائِبِ يَقْدَمُ عَلَى أَهْلِهِ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ مِنْكُمْ فَكَالْآبِقِ يَرِدُ عَلَى مَوْلَاهُ، قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى حَالَنَا عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: اعْرِضُوا أَعْمَالَكُمْ عَلَى الْكِتَابِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ ﴿إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ؟ قَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَكَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): يَا أَبَا ذَرٍّ أَطْرِفْنِي بِشَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ الْعِلْمَ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ إِنْ قَدَرْتَ أَنْ لَا تُسِيءَ إِلَى مَنْ تُحِبُّهُ فَافْعَلْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَهَلْ رَأَيْتَ أَحَداً يُسِيءُ إِلَى مَنْ يُحِبُّهُ! فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ نَفْسُكَ أَحَبُّ الْأَنْفُسِ إِلَيْكَ فَإِذَا أَنْتَ عَصَيْتَ اللَّهَ فَقَدْ أَسَأْتَ إِلَيْهَا.[٣٢]
وقسم آخر يشتاقون إلى الموت ويتلقونه بصدور رحبة، لانهم يرونه انتقالا من حياة مُرّة إلى حياة حلوة، وهم الأنبياء والأولياء يقول أمير المؤمنين واصفا المتقين: وَلَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كَتَبَ اللَّهُ [لَهُمْ] عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ شَوْقاً إِلَى الثَّوَابِ، وَخَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُون.[٣٣]
الموت وأقسامه
ينقسم الموت إلى أقسام، وهي:
- الموت السهل والموت العسير
لقد ذكرت الآيات القرآنية الكريمة الموت السهل الذين يكون لصلحاء المؤمنين كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾،[٣٤] وكقوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.[٣٥]
كما ذكرت الموت العسير الذي يكون للعصاة والكافرين كما في قوله تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾،[٣٦] وكقوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.[٣٧]
- موت البدن وموت القلب
ان موت البدن هو الموت الطبيعي للإنسان بانفصال الروح عن البدن، وأما موت القلب فهو موت الإيمان في القلب فالإنسان على الرغم من انه حي ببدنه، ولكن قلبه ميت كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾،[٣٨] وقوله تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.[٣٩]
ومن مصاديق موت القلب أيضا ما ذكرته بعض الروايات، ومنها: قول أمير المؤمنين : وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ، وَقَلْبِهِ، وَيَدِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاء.[٤٠]
- موت الفرد وموت المجتمع
كما إن للفرد حياة وموتا فكذلك ذكر القرآن الكريم للمجتمع والحضارات فان لها موت أيضا بعد ان كانت لها حياة قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾، [٤١] وقد بيّن القرآن الكريم أسباب وعوامل تدمير الحضارات وموتها في آيات عديدة ومن هذه الأسباب والعوامل الظلم، والترف كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾،[٤٢] وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾.[٤٣]
- موت العز وموت الهوان
لقد ذكر الله تعالى بعض أصناف من يموتون من البشر، ولكن خصصهم عن غيرهم ببعض الخصائص وبعض الميزات التي تكشف عن عزتهم وشرفهم بهذا الموت لإنهم ماتوا من أجل إعلاء كلمة الحق فلم يعتبرهم أموات، بل هم أحياء كقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾،[٤٤] وكقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.[٤٥]
الوصية عند الموت
لا ينبغي للإنسان أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه،[٤٦] ولكن لو لم يكتب المكلف وصيته قبل الموت يستطيع أن يوصي عند حضور الموت قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾،[٤٧] وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آَخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ﴾.[٤٨]
جهل الناس بأوان موتهم
اقتضت الحكمة الإلهية جهل الناس بزمان ومكان موتهم، وذلك لوجهين:
- لو علم الإنسان بزمن موته، فربما يفشل في العمل قبل أن يحلّ أجله، فأنّ العامل الباعث إلى العمل والنشاط في الحياة، هو الأمل، فالأمل رحمة، ولولاه لما أرضعت والدة ولدها، ولا غرس غارس شجرة.[٤٩]
- إنّ لجهل الإنسان بأوان موته ومكانه، تأثيراً تربوياً، فإنّه لوعلم بأنّه سيموت بعد عام أو أشهر، فترك التمرّد والتجري، فلا يعد ذلك كمالًا روحياً وثورة للفضائل على الرذائل، وهذا بخلاف ما إذا سلك طريق الطاعة، وترك المعصية، وهو يرجو العيش أعواماً طويلة، فانّه يكشف عن كمال روحي، يدفعه نحو الفضائل، يقول سبحانه: ﴿وَمَا تَدْري نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.[٥٠] [٥١]
قبض الأرواح
لقد نُسب في الآيات الشريفة توفي الأنفس تارة إلى الله ، وتارة أخرى إلى الملائكة، وتارة ثالثة إلى ملك الموت، كما في:
- قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.[٥٢]
- قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.[٥٣]
- قوله تعالى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.[٥٤]
والنسب الثلاثة صحيحة فان الخلق والتدبير للّه وحده فقد قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَ الأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين﴾،[٥٥] وكونه تعالى مدبرا لا ينافي أن يكون هناك أسباب غيبية أو طبيعية لقبض الأرواح فهو من شؤون التدبير، فتوفي الأنفس وأخذها فعل الله تعالى، وفي الوقت نفسه يُنسب للملائكة، ويُنسب إلى ملك الموت.[٥٦]
ما يواجهه المؤمن والكافر عند الموت
يستفاد من القرآن الكريم والسنة الشريفة إن قابضي الأرواح لا يقومون بمهمتهم في قبض أرواح الناس جميعا بصورة متساوية، بل إنهم يقومون بعملهم أحيانا برفق واحترام، وأخرى بشدة وامتهان، فقد قال تعالى في حق المؤمنين: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾،[٥٧] وعن الكفار: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾.[٥٨]
وقد روي في السنة الشريفة عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ النَّاصِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: قِيلَ لِلصَّادِقِ صِفْ لَنَا الْمَوْتَ. قَالَ: لِلْمُؤْمِنِ كَأَطْيَبِ رِيحٍ يَشَمُّهُ فَيَنْعَسُ لِطِيبِهِ، وَيَنْقَطِعُ التَّعَبُ وَالْأَلَمُ كُلُّهُ عَنْهُ، وَلِلْكَافِرِ كَلَسْعِ الْأَفَاعِيِّ وَلَدْغِ الْعَقَارِبِ أَوْ أَشَدَّ. قِيلَ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ إِنَّهُ أَصْعَبُ مِنْ نَشْرٍ بِالْمَنَاشِيرِ، وَقَرْضٍ بِالْمَقَارِيضِ، وَرَضْخٍ بِالْأَحْجَارِ، وَتَدْوِيرِ قُطْبِ الْأَرْحِيَةِ فِي الْأَحْدَاقِ؟ قَالَ: كَذَلِكَ هُوَ عَلَى بَعْضِ الْكَافِرِينَ وَالْفَاجِرِينَ بِاللَّهِ أَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَنْ يُعَانِي تِلْكَ الشَّدَائِدَ فَذَلِكُمُ الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ عَذَابُ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا. قِيلَ: فَمَا بَالُنَا نَرَى كَافِراً يَسْهُلُ عَلَيْهِ النَّزْعُ فَيَنْطَفِي وَهُوَ يُحَدِّثُ، وَيَضْحَكُ، وَيَتَكَلَّمُ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْضاً مَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مَنْ يُقَاسِي عِنْدَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْ رَاحَةٍ لِلْمُؤْمِنِ هُنَاكَ، فَهُوَ عَاجِلُ ثَوَابِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ شَدِيدَةٍ، فَتَمْحِيصُهُ مِنْ ذُنُوبِهِ لِيَرِدَ الْآخِرَةَ نَقِيّاً نَظِيفاً مُسْتَحِقّاً لِثَوَابِ الْأَبَدِ لَا مَانِعَ لَهُ دُونَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ سُهُولَةٍ هُنَاكَ عَلَى الْكَافِرِ، فَلْيُوَفِّ أَجْرَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا لِيَرِدَ الْآخِرَةَ، وَلَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ، وَمَا كَانَ مِنْ شِدَّةٍ عَلَى الْكَافِرِ هُنَاكَ، فَهُوَ ابْتِدَاءُ عَذَابِ اللَّهِ لَهُ بَعْدَ حَسَنَاتِهِ ذَلِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يَجُورُ.[٥٩]
عدم قبول الإيمان والتوبة عند الموت
ذكر القرآن الكريم إنَّ الله لا يقبل التوبة من العبد عند حلول الموت، فينسد بحلوله باب التوبة، فقد قال تعالى:
- ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾.[٦٠]
- ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. [٦١]
- ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾.[٦٢]
علامات الموت
إنَّ حصول العلم بالموت يحصل بأمرين رئيسيين :
- علامات الموت.
- ومضي المدة.
فإن حصلت علامات الموت وأنتجت العلم، فهو المطلوب، وإلّا فلابدَّ من الانتظار مدة كافية يحصل فيها العلم بموته كثلاثة أيام ونحوها، وعلامات الموت عديدة، يأخذها الأطباء بنظر الاعتبار منذ القديم إلى العصر الحاضر، فالأطباء المعاصرين- حسب العلم التجريبي الحديث - لا تزيد عندهم علامات الموت على ثلاث متى اجتمعت للفرد اعتبروه ميتا فعلا، وهي:
أولا: توقف ضربات القلب.
ثانيا: انقطاع التنفس.
ثالثا: سكون حدقة العين عن الاتساع أو التضيق للضوء.
وإن حصلت بعض تلك العلامات دون بعض، كان لابدَّ من الانتظار إلى حين حصول الباقي، إذ لعل المانع من ضربات القلب مثلا، مرض معين، وليس الوفاة.
بالإضافة لهذه العلامات، وخاصة ضربات القلب أو التنفس، فان الأطباء القدماء كانت لديهم علامات أخرى، وهي:
- عدم سيطرة الفرد على أعضائه إطلاقا، فإذا حركها آخر لم يستطع إرجاعها إلى حالها الأول، بل تبقى ثابتة في محلها.
- تيبس مفاصل أطرافه كالركبة، والكوع أو الأصابع، وهذا ما قد يحدث عند الوفاة مباشرة، وإن لم يكن هو الأغلب، ومن نتائج ذلك أنها إذا كانت ملتوية لم يمكن فتحها إلّا بصعوبة أو لم يمكن إطلاقا.
- عدم انفزاعه من الصوت الضخم، فلو كان حيا لتحرك رأسه أو أعطى أي علامة لفزعه أو انزعاجه، في حين أنه لم تصدر منه أية حركة تدل على ذلك.
- وقوف تردد حدقة عينيه عن الحركة يمينا وشمالا، كما هو متحقق في الأحياء، ومن هنا قالوا: وقفت عينه بالحق يعني بسبب الموت.
- وقوف أجفانه عن الاضطراب كما هو الغالب في الأحياء.
- خدش أو حك باطن قدميه أو باطن كفيه، بشكل معتد به، فإن كان حيا وكانت أعصابه نشطة، فإن قدمه أو كفه سيتحرك ولو قليلا، فإن لم يتحرك إطلاقا، كان ذلك من أدلة حصول الوفاة.
- خروج سائل أسود أو قريب من السواد، ويكون غليظ القوام غالبا من فمه.[٦٣]
وقال الشهيد الثاني في شرح اللمعة عن علامات الموت: كانخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلده وجسمه، وانخلاع كفه من ذراعه، واسترخاء قدميه، وتقلص أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة.[٦٤]
العديلة عند الموت
وتعني العدول عن الحق إلى الباطل حين الممات، وذلك بحضور الشيطان عند المحتضر وتشكيكه بوسواسه، ليخرجه من الدين ولذلك فهناك أدعية للإستعاذة منه، والتي منها دعاء العديلة، قال فخر المحققين: من أراد الأمان منه، فليستحضر دلائل الإيمان والأصول الخمسة بأدلة قطعية وصفاء الخاطر، ويسلّم كل ذلك إلى الله تعالى ليرده إليه إذا حضره الموت، ويقول بعد ذكره للعقائد الحقة: اللهم يا أرحم الراحمين اني قد أودعتك يقيني هذا، وثبات ديني، وأنت خير مستودع، وقد أمرتنا بحفظ الودائع، فردّه عليَّ وقت حضور موتي.[٦٥]
الهوامش
- ↑ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 283.
- ↑ الروم: 50.
- ↑ مريم: 23.
- ↑ الأنعام: 122.
- ↑ النمل: 80.
- ↑ إبراهيم: 17.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص 92.
- ↑ السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 222.
- ↑ البقرة: 19.
- ↑ البقرة: 94.
- ↑ المؤمنون: 99.
- ↑ السجدة: 11.
- ↑ النحل: 28.
- ↑ النحل: 32.
- ↑ الزمر: 42.
- ↑ السجدة: 10 - 11.
- ↑ ال عمران: 185.
- ↑ الصدوق، معاني الأخبار، ص 289.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 154.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 116.
- ↑ الحر العاملي، الفصول المهمة في أصول الأئمة، ج 1، ص 307.
- ↑ الصدوق، معاني الأخبار، ص 288.
- ↑ الطوسي، الأمالي، ص 216.
- ↑ الخرازي، بداية المعارف الإلهية، ج 2، ص 247.
- ↑ الرحمن: 26.
- ↑ ال عمران:33.
- ↑ الزمر: 30.
- ↑ الأنبياء: 33.
- ↑ اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية، ج 3، ص 80.
- ↑ نهج البلاغة، ص 262.
- ↑ البقرة: 94 - 95.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 2، ص 458.
- ↑ نهج البلاغة: ص 303.
- ↑ النحل: 32.
- ↑ الفجر: 27 - 30.
- ↑ سورة ق: 19.
- ↑ الأنفال: 50.
- ↑ النمل: 80.
- ↑ الأنعام: 122.
- ↑ نهج البلاغة: ص 542.
- ↑ الأعراف: 34.
- ↑ هود: 117.
- ↑ الإسراء: 16 - 17.
- ↑ البقرة: 154.
- ↑ النساء: 100.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 19، ص 258.
- ↑ البقرة: 180.
- ↑ المائدة: 106.
- ↑ القمي، سفينة البحار، ج 1، ص 121.
- ↑ لقمان: 34.
- ↑ السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 231.
- ↑ الزمر: 42.
- ↑ النحل: 32.
- ↑ السجدة: 11.
- ↑ الأعراف: 54.
- ↑ السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 232.
- ↑ النحل: 32.
- ↑ الأنفال: 50.
- ↑ الصدوق، عيون أخبار الرضا ، ج 1، ص 274.
- ↑ الأنعام: 158.
- ↑ النساء: 18.
- ↑ يونس: 90 - 92.
- ↑ الصدر، ما وراء الفقه، ج 10، ص 32 - 35.
- ↑ الشهيد الثاني، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، ج 1، ص 402.
- ↑ القمي، منازل الأخرة، ص 12.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الشريف الرضي، محمد بن الحسين، نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، قم - إيران، الناشر: هجرت، ط 1، 1414 هـ.
- ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق وتصحيح: عبد السلام محمد هارون، قم- إيران، الناشر: انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزه علميه قم، ط 1، 1404 ه.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، تحقيق وتصحيح: أحمد فارس صاحب الجوائب، بيروت - لبنان، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- دار صادر، ط 3، 1414 ه.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، الفصول المهمة في أصول الأئمة( تكملة الوسائل)، تحقيق وتصحيح: محمد بن محمد الحسين القائيني، قم - إيران، الناشر: مؤسسة معارف اسلامى امام رضا، ط 1، 1418 هـ - 1376 ش.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، تحقيق وتصحيح: مؤسسة آل البيت، قم - إيران، الناشر: مؤسسة آل البيت، ط 1، 1409 هـ.
- الخرازي، محسن، بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية، قم- إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 10، 1423 ه.
- السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، بقلم: الشيخ حسن مكي العاملي، قم- إيران، مؤسسة الإمام الصادق، ط 7، 1430 هـ.
- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، المحشّٰى: السيد كلانتر، قم- إيران، الناشر: كتابفروشى داورى، ط 1، 1410 هـ.
- الصدر، محمد، ما وراء الفقه، تحقيق وتصحيح: جعفر هادى الدجيلي، بيروت - لبنان، الناشر: دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، 1420 ه.
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، تحقيق وتصحيح: مهدي لاجوردى، طهران - إيران، الناشر: نشر جهان، ط 1، 1378 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، 1403 ه.
- الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم التحقيقات في مؤسسة البعثة، قم - إيران، الناشر: دار الثقافة، ط 1، 1414 هـ.
- القمي، عباس، سفينة البحار، قم - إيران، الناشر: أسوه، ط 1، 1414 هـ.
- القمي، عباس، منازل الأخرة، ترجمة: د.عبد المهدي اليادكاري، بيروت - لبنان، مؤسسة البلاغ، ط 1، 1422 هـ - 2002م.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - إيران، دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق وتصحيح: مجموعة من المحققين، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط 2، 1403 هـ.
- اليزدي، محمد تقي المصباح، دروس في العقيدة الإسلامية، بيروت - لبنان، دار الرسول الأكرم، ط 8، 1429 هـ - 2008 م.