الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الصراط»
imported>Foad لا ملخص تعديل |
imported>Foad لا ملخص تعديل |
||
سطر ٨: | سطر ٨: | ||
الصراط في اللغة: الطريق، وهو من مادة (صرط) و(سرط)، قال الراغب الأصفهاني: «السراطُ الطريقُ المُستسهلُ، وأصلهُ مِنْ سرطتُ الطعَامُ وزردته "ابتلعته" فقيل سراط، تصوراً أنه يبتلعهُ سالكهُ أو يبتلعُ سالكهُ»، <ref>الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 237.</ref> وقال أيضاً «الصرَاطُ الطريقُ المستقيم»،<ref>الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 290.</ref> وفي القاموس المحيط قال: ”السِراط بالكسر السبيل الواضح“.<ref>الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج 2، ص 364.</ref> | الصراط في اللغة: الطريق، وهو من مادة (صرط) و(سرط)، قال الراغب الأصفهاني: «السراطُ الطريقُ المُستسهلُ، وأصلهُ مِنْ سرطتُ الطعَامُ وزردته "ابتلعته" فقيل سراط، تصوراً أنه يبتلعهُ سالكهُ أو يبتلعُ سالكهُ»، <ref>الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 237.</ref> وقال أيضاً «الصرَاطُ الطريقُ المستقيم»،<ref>الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 290.</ref> وفي القاموس المحيط قال: ”السِراط بالكسر السبيل الواضح“.<ref>الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج 2، ص 364.</ref> | ||
==الصراط في القرآن== | قال [[الشيخ المفيد]]: هو الطريق، فلذلك سمِّي [[الدين الإسلامي|الدين]] صراطاً لأنّه طريق إلى الصواب، وله سمِّي الولاء [[الإمام علي|لأمير المؤمنين]] و[[الأئمة|الأئمّة]] {{عليهم السلام}} من ذرًيته صراطاً.<ref>الشيخ المفيد، تصحيح الأعتقاد، ص 108.</ref> | ||
==الصراط في القرآن والروايات== | |||
دلّت [[الآيات]] و[[الروايات]] على أنّ الصراط معبر عام تجتازه الخلائق برمتها، دون فرق بين المتقين والفجار.<ref>مريم: 71ــ72.</ref> | |||
*'''القرآن الكريم''': | |||
قال تعالى: {{قرآن|وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ}}،<ref>الشورى: 52ــ53.</ref> وهذه المعرفة إنّما تحصل بالعلم والعمل شيئاً فشيئاً بحسب الاستكمالات [[العقل|العقليّة]] بمتابعة السُنن النبويّة والاهتداء بُهداه{{صل}}، فالصراط بهذا المعنى: عبارة عن العلوم الحقّة والأعمال الصالحة، وبالجملة ما يشتمل عليه الشرع، فمجموع هذه المعارف الموجودة في [[الدين الإسلامي|الدِّين]] تمثِّل الصراط المستقيم.<ref>الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج 2، ص 966.</ref> | |||
ولمّا تلا [[النبي (ص)|النبي]] {{صل}}: {{قرآن|وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}}،<ref>الأنعام: 153.</ref> خطّ خطّاً وعن جنبه خطوطاً، فالمستقيم هو صراط [[التوحيد]] الذي سلكه جميع [[الأنبياء]]، والمعوجّة هي طرق أهل الضلال.<ref>الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج 2، ص 967.</ref> | ولمّا تلا [[النبي (ص)|النبي]] {{صل}}: {{قرآن|وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}}،<ref>الأنعام: 153.</ref> خطّ خطّاً وعن جنبه خطوطاً، فالمستقيم هو صراط [[التوحيد]] الذي سلكه جميع [[الأنبياء]]، والمعوجّة هي طرق أهل الضلال.<ref>الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج 2، ص 967.</ref> | ||
فمن مشى على الصراط [[يوم القيامة]] كان من المهتدين، أمّا من انحرف عن الصراط فيُقال عنه بأنّه قد ضلّ،<ref>الحيدري، المعاد، ج 1، ص 323.</ref> ولذا قال تعالى: {{قرآن|اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}}،<ref>الفاتحة: 6.</ref> ويجعل الهداية في قِبال الضلالة: {{قرآن|غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}}.<ref>الفاتحة: 7.</ref> | فمن مشى على الصراط [[يوم القيامة]] كان من المهتدين، أمّا من انحرف عن الصراط فيُقال عنه بأنّه قد ضلّ،<ref>الحيدري، المعاد، ج 1، ص 323.</ref> ولذا قال تعالى: {{قرآن|اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}}،<ref>الفاتحة: 6.</ref> ويجعل الهداية في قِبال الضلالة: {{قرآن|غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}}.<ref>الفاتحة: 7.</ref> | ||
3. | |||
*'''الروايات''': | |||
عن [[المفضل بن عمر]]، قال: سألت [[الإمام الصادق|أبا عبد اللّه]] {{ع}} عن الصراط، قال: «هو الطريق إلى معرفة [[الله]] {{عز وجل|عزّوجلّ}} وهما صراطان: صراط في [[الدنيا]] وصراط في [[الآخرة]]، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو [[الإمام]] المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في [[النار|نار]] جهنم».<ref>العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 65، ح 2.</ref> | |||
== | ==دقة الصراط وحدّته== | ||
قد أشارة الروايات أنه دقيق وحاد: عن [[أبو بصير|أبي بصير]] عن [[الإمام الصادق]] {{ع}} قال: «النّاس يمرّون على الصّراط طبقات والصّراط أدقّ من الشّعر ومن حدّ السيف، فمنهم من يمرّ مثل البرق، ومنهم من يمرّ مثل عدو الفرس، ومنهم من يمرّ حبواً، ومنهم من يمرّ مَشياً، ومنهم من يمرّ متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً».<ref>العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 64ــ65، ح1.</ref> | قد أشارة الروايات أنه دقيق وحاد: عن [[أبو بصير|أبي بصير]] عن [[الإمام الصادق]] {{ع}} قال: «النّاس يمرّون على الصّراط طبقات والصّراط أدقّ من الشّعر ومن حدّ السيف، فمنهم من يمرّ مثل البرق، ومنهم من يمرّ مثل عدو الفرس، ومنهم من يمرّ حبواً، ومنهم من يمرّ مَشياً، ومنهم من يمرّ متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً».<ref>العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 64ــ65، ح1.</ref> | ||
==الصراط صراطان== | ==الصراط صراطان== | ||
أشارة [[الروايات|الروايات الشريفة]] أن [[الله|لله]] سبحانه صراطان: صراط في [[الدنيا]]، وصراط في [[الآخرة]]، يقول [[الإمام الحسن العسكري]]{{ع}} عن هذين الصراطين: «فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قَصُر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يَعدِل إلى شيء من الباطل. وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة... الذي هو مستقيم».<ref>العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 24، ص 9.</ref> | |||
===صراط الدنيا=== | ===صراط الدنيا=== | ||
سطر ٩٠: | سطر ٩٥: | ||
*الفيض الكاشاني، محمد محسن، '''علم اليقين في أصول الدين'''، د.م، دار البلاغة، د.ت. | *الفيض الكاشاني، محمد محسن، '''علم اليقين في أصول الدين'''، د.م، دار البلاغة، د.ت. | ||
*العلامة المجلسي، محمد باقر، '''بحار الأنوار'''، بيروت،انتشارات الوفاء، 1983 م. | *العلامة المجلسي، محمد باقر، '''بحار الأنوار'''، بيروت،انتشارات الوفاء، 1983 م. | ||
*الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، '''تصحيح الأعتقاد'''، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط 1، 1413 هـ. | |||
==وصلات خارجية== | ==وصلات خارجية== | ||
[http://imamreza.net/arb/imamreza.php?id=401 الصراط المستقيم شبكة الإمام الرضا (عليه السلام)] | [http://imamreza.net/arb/imamreza.php?id=401 الصراط المستقيم شبكة الإمام الرضا (عليه السلام)] |
مراجعة ١٦:٤٤، ٣١ مايو ٢٠١٧
هذه مقالة أو قسم تخضع حاليًّا للتوسيع أو إعادة هيكلة جذريّة. إذا كانت لديك استفسارات أو ملاحظات حول عملية التطوير؛ فضلًا اطرحها في صفحة النقاش قبل إجراء أيّ تعديلٍ عليها. فضلًا أزل القالب لو لم تُجرَ أي تعديلات كبيرة على الصفحة في آخر شهر. imported>Foad |
الصراط، تعبير جاء في المصادر الإسلامية في وصف موقف من مواقف القيامة، ويُراد به جسر فوق جهنم، أدق من الشعر وأحدّ من السيف، يمر عليه كل إنسان بعد مرحلة من مراحل الحساب، ووفقاً للروايات هناك مواقف على الصراط يُسأل الإنسان فيها عن أعماله و عقائده ويحاسب عليها.
تختلف أحوال الناس في المرور على الصراط بحسب الأعمال والملكات، وفي عقيدة الشيعة أن أهم ما يُسأل عنه على الصراط هو ولاية الأئمة ، باعتبار أنهم البوابة إلى التوحيد.
معنى الصراط
الصراط في اللغة: الطريق، وهو من مادة (صرط) و(سرط)، قال الراغب الأصفهاني: «السراطُ الطريقُ المُستسهلُ، وأصلهُ مِنْ سرطتُ الطعَامُ وزردته "ابتلعته" فقيل سراط، تصوراً أنه يبتلعهُ سالكهُ أو يبتلعُ سالكهُ»، [١] وقال أيضاً «الصرَاطُ الطريقُ المستقيم»،[٢] وفي القاموس المحيط قال: ”السِراط بالكسر السبيل الواضح“.[٣]
قال الشيخ المفيد: هو الطريق، فلذلك سمِّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الصواب، وله سمِّي الولاء لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرًيته صراطاً.[٤]
الصراط في القرآن والروايات
دلّت الآيات والروايات على أنّ الصراط معبر عام تجتازه الخلائق برمتها، دون فرق بين المتقين والفجار.[٥]
- القرآن الكريم:
قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ﴾،[٦] وهذه المعرفة إنّما تحصل بالعلم والعمل شيئاً فشيئاً بحسب الاستكمالات العقليّة بمتابعة السُنن النبويّة والاهتداء بُهداه، فالصراط بهذا المعنى: عبارة عن العلوم الحقّة والأعمال الصالحة، وبالجملة ما يشتمل عليه الشرع، فمجموع هذه المعارف الموجودة في الدِّين تمثِّل الصراط المستقيم.[٧]
ولمّا تلا النبي : ﴿وَأَنَّ هذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾،[٨] خطّ خطّاً وعن جنبه خطوطاً، فالمستقيم هو صراط التوحيد الذي سلكه جميع الأنبياء، والمعوجّة هي طرق أهل الضلال.[٩] فمن مشى على الصراط يوم القيامة كان من المهتدين، أمّا من انحرف عن الصراط فيُقال عنه بأنّه قد ضلّ،[١٠] ولذا قال تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾،[١١] ويجعل الهداية في قِبال الضلالة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾.[١٢] 3.
- الروايات:
عن المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه عن الصراط، قال: «هو الطريق إلى معرفة الله وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفروض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه، مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم».[١٣]
دقة الصراط وحدّته
قد أشارة الروايات أنه دقيق وحاد: عن أبي بصير عن الإمام الصادق قال: «النّاس يمرّون على الصّراط طبقات والصّراط أدقّ من الشّعر ومن حدّ السيف، فمنهم من يمرّ مثل البرق، ومنهم من يمرّ مثل عدو الفرس، ومنهم من يمرّ حبواً، ومنهم من يمرّ مَشياً، ومنهم من يمرّ متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً».[١٤]
الصراط صراطان
أشارة الروايات الشريفة أن لله سبحانه صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، يقول الإمام الحسن العسكري عن هذين الصراطين: «فأمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قَصُر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يَعدِل إلى شيء من الباطل. وأمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة... الذي هو مستقيم».[١٥]
صراط الدنيا
الواقع أنّ المضمون الديني المقدس بما يتضمّن من التزام ومن رفض ينبغي أن يصبغ بصبغته الأصيلة حياة الفرد وحياة الأمة، وهو الذي يغيّبهم في نوره وسعادته إذا نَهجوا فيه.. حتّى يبلّغهم الكمال اللائق المطلوب، فإذا هم بشر أسوياء. وهذا هو صراطهم في الدنيا. الآيات القرآنية أبانت هذه المعانيّ، وشوّقت للسلوك في طريق الاستقامة والاستواء ــ بما يستكنّ فيه من بهجة ونور ــ في مثل قوله عزّوجل: ”وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ“.[١٦]وفي قوله تعالى على لسان أحد الأنبياء عليهم السّلام: ”إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ“.[١٧]وفي مثل خطابه المقدّس: ”وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا“.[١٨]وقوله مخاطباً النبي: ”وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ“.[١٩]وكما تكون الهداية إلى الصراط هدايةَ إبانةٍ و كشف، تكون هداية إيصال وإبلاغ عبّر عنها قول الحقّ تعالى: ”وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ“.[٢٠]
- تحذير من الأنزلاق:
إنّ الكشف عن سبيل الحقّ والهداية إلى الصراط المستقيم يستبطن تحذيراً من مفارقة الاستقامة، وتحذيراً من التفرّق ذات اليمين وذات الشمال فتزلّ قدم بعد ثبوتها. إحدى آيات القرآن المجيد نصت على هذا التحذير الناهي عن الانزلاق من جادة الصراط والانجرافَ في تيّارات السبل الأخرى الملتوية المضلِّلة. قال تعالى: ”وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبِعُوه ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فتَفَرَّقَ بكم عن سبيلهِ“[٢١] ولا ريب أنّ التفرّق عن سبيل الله هو تفرّق عن الصراط المستقيم. وهذا يستتبع ـ لا محالةـ اتّباعَ السبل الأخرى.. ممّا يجعل الإنسان يهوي في انتكاسة وجوديّة مدمِّرة تنقله من حالة الإنسان المعتدل السويّ الناهج منهج الكمال الإنسانيّ، إلى حالة انقلاب الموازين واضطراب الرؤية والانكفاء عن الحقيقة الوجوديّة الأصيلة. وهذه المقارنة بين النهجين تكشف عنها آية من سورة المُلك قال تعالى: ”أفَمَن يَمشي مُكِبّاً على وجهِه أهدى أم مَن يَمشي سَويّاً على صراطٍ مستقيم“[٢٢]
- لكلٌ صراط:
الإنسان المؤمن يسلك خلال حياته في صراط. ولكلّ فرد صراطه الخاصّ الذي يتّخذ سَعتَه أو ضِيقه من مدى انفتاح صاحبه ظاهراً وباطناً على منهج الحقّ، ومن مدى اقترانه بالصدق. والمفروض أنّ المؤمن يحسّ بصراطه ويرى درب المسير الذي يصونه من التلفّت إلى غير منهج الله. وهو يستطيع أن يقيس سعة صراطه الخاصّ وضيقه بمقدار الحقّ فيما يعتقد، وبمقدار الصدق فيما يعمل ويمارس أي بمقدار استمساكه بعقيدة الولاية و البراءة الإلهيّة (أو الالتزام والرفض). فيُعظِّم ما عظّمَ اللهُ، ويُهوِّن ما هوّن اللهُ، في تفصيلات حياته، وفي دقائق سيرته اليوميّة المتجدّدة.
صراط الآخرة
صراط الإنسان في الدنيا هذا سوف يتجلّى يوم القيامة: جسراً ممدوداً على متن جهنّم، لابدّ للوصول إلى نعيم الجِنان من المرور عليه. معنى هذا: أنّ الصراط الأُخرويّ هو امتداد لصراط الإنسان في حياته الأرضيّة، بل هو نفسه قد تجسّد ظاهراً للعيان في عالم الانكشاف الأخرويّ المبين. وهو جسر تصفه الروايات بأنّه مظلم، يسعى الناس عليه على قدر أنوارهم. ويصوّر حديث للإمام الصادق مسير الناس آنذاك على الصراط: «هو أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من السيف. فمنهم مَن يمرّ عليه مثلَ البرق. ومنهم مَن يمرّ عليه مثلَ عَدْو الفَرَس. ومنهم من يمرّ عليه ماشياً. ومنهم من يمرّ عليه حَبْواً. ومنهم من يمرّ عليه متعلّقاً فتأخذ النار منه شيئاً، وتترك منه شيئاً».[٢٣] وهذا المرور مَنوط سرعةً وبُطءً بقدر نور المارّين، وتتفاوت سرعة المشي بتفاوت نور اليقين، ذلك أنّ المعرفة اليقينيّة والأعمال الخالصة هي في حقيقتها الوجوديّة أنوار، ولا يسعى المؤمنون إلى لقاء اللهإلاّ بقوّة أنوارهم قال تعالى: ”يومَ تَرى المؤمنينَ والمؤمناتِ يَسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانِهم“ [٢٤] والنور هناك ليس «بكثرة الأعمال. إنّما النور بعِظَم نور الأعمال. وإنّما يَعظُم نور العمل على قدر ما في القلب من نور القُربة. وكلّ نور أقرب إلى الله فهو أقوى وأنوَر. فكم مِن رجُل قلّ عمله هناك، سبق إلى الجنّة مَن هو أربى منه أضعافاً مضاعفة. قال رسول الله لمعاذ بن جبل: خلِّص يَكفِك القليل من العمل ».[٢٥]
الصراط مظهر الرحمة
والصراط دنيويّاً وأُخرويّاً مظهر للرحمة الإلهيّة، فهو ـ لهذا ـ صراط للمؤمنين، لا يجوز عليه أهل الكفر والعناد؛ لأنّ النار قد التقطت من الموقف قادتهم وكبراءهم، واتّبعهم أتباعهم المنقادون إليهم. و الإسلام وهو صراط الدنيا ـ قد أظهره الله تعالى لعباده من رحمته. فلمّا قبلوه ولم يَفُوا به جعل تلك الرحمة جسراً يمرّون عليه، فمَن ضيّع منهم شيئاً من الإسلام فقد ضيّع من تلك الرحمة التي رحمه الله سبحانه بها، فصعُب عليه المرور عليه. والدقّة والاتّساع في الصراط إنّما تكون على قدر ما قَبِل المرء من تلك الرحمة؛ فالدقة للمذنبين، والسَّعة للمتّقين، والجادّة الواسعة للأنبياء والأوصياء والأولياء يمرّون كومضة البرق.
نحو الله
إنّ كلّ صراط يسلكه أفراد البشر في الدنيا فلابدّ أن يؤدّي بصاحبه إلى لقاء الله. والفارق العظيم هو أنّ الصراط المستقيم يؤدّي بسالكه إلى لقاء الله في مظهر الاسم (الرحمن الرحيم).. الموصل إلى جنّات النعيم. والصراط الملتوي المعوجّ يسوق أهله إلى لقاء الله في مظهر الاسم القهّار و المنتقم و الجبّار حيث يستقرّ أصحاب هذا الطريق في طبقات النيران وعذابات الجحيم.
الصراط والنور
النور في استعمال التعبير القرآنيّ غير منفصل عن استقامة الصراط. في حين تقترن الظلمات بصراط الجحيم وبالسبل الأخرى المفرِّقة عن سبيل الله، فليس مجازاً كلام القرآن عن النور والظلمة بمعنى: الهدى و الضلال. إنّ النور القرآنيّ نور حيّ شاخص في الواقع. وتحذير القرآن من ظلمة الكفر و الفسوق و العصيان هو تحذير من ظلمة كائنة لها وجود؛ لكنّ خَدَر الظلام ربّما يشتمل على الإنسان ويحيط به، فلا يشعر بسواده الخانق في غالب الحالات. أمّا أهل النور فإنّهم يحسّون بالانكشاف والبهجة، فيمنحهم هذا النور رؤية واضحة دقيقة يبصرون بها يوميّات حياتهم، ويعرفون بوضوحٍ معتقداتهم، ويشخّصون بجلوة أجلى من ضوء النهار مواقفهم. هم مُتشبِّعون باليقين و الإخلاص، ومتنوِّرون من الداخل بجمال التوحيد في المعتقد وفي العمل.. فهم يمشون في حياتهم: في النور، ومن خلال النور، ويغذّون السير تلقاء عوالم من النور أرقى وأسمى.
الصراط والطغيان
الطغيان و الاستكبار على الله سبحانه في التعبير القرآني من لوازم الخروج عن استقامة الصراط والوقوع في المزلاّت: «فاستَقِمْ كما أُمِرتَ ومَن تابَ معك ولا تَطْغَوا، إنّه بما تعملون بصير“.[٢٦] ومَن ينحرف عن صراط الله ويَتَعدَّ حدوده فإنّما يكون قد تمرّد على الله. والتمرّد يعني ــ فيما يعني ــ أن يطغى المرء ويرى نفسه ــ عامداً أم غير عامد ــ أكبر من أن يُسالم الله ويتطامن لربوبيّته، فيكون قد استكبر على الله.. تماماً كما فعل إبليس من قبلُ لمّا طغى واستكبر على الله، فكان أباً لكلّ طغيان ولكلّ استكبار.
أدق من الشعًر و أحدّ من السيف
ما من شكّ أنّ التمسّك بالحقّ والالتزام بالموقف التوحيديّ الراسخ ــ بما يتطلّب من البراءة والرفض لكلّ مُطاع من دون الله، أفكاراً أم أشخاصاً أم أعمالاً ــ إنّما يشبه المشي في طريق ضيّق شديد الضِّيق، حادّ بارز الحدّة.. كأنّما هو نصلة سيف! وهذا يذكّر بالنصوص التي تنعت طريق الحقّ بأنّه محفوف بالمكارِه [٢٧]وبأنّ القابضين على دينهم كالقابضين على الجمر[٢٨] إلى جوار هذا فإنّ نهج الصراط التوحيديّ نفسه بصرف النظر عن الظروف الخارجيّة يتّسم بدقّة دقيقة ورهافة شديدة، لا يبلغ درجاتها العالية ومَراقيها الرفيعة إلاّ أهل الصدق وأهل الإصرار على مواصلة الطريق. إنّ السعي الإنسانيّ على الصراط ينبغي أن يكون سعياً موسوماً بالإقبال والإخلاص. والسلوك فيه بغيرهما لا يكون إلاّ شكلاً ظاهريّاً لا يُغني في عالم الحقائق شيئاً. معنى هذا: أن السلوك الديني لابدّ أن يكون نابعاً من بصيرة، صادراً عن همّة عالية مقبلة على الله. مِن أجل هذا كان الإذعان لمظاهر الدين بسبب الإكراه ممّا لا جدوى فيه ولا نجاة معه. ومن أجل هذا كان لا إكراه في الدِّين بعدما تَبيّنَ الرُّشدُ من الغَيّ.[٢٩] ومن هنا كان ظاهر الإيمان الذي يتستّر على غير الإيمان وهو النفاق ممّا لا خير فيه، بل هو وَبال على أهله وزيادة في الكفر.
أحاديث مختارة
- الإمام علي : «اليمين والشمال مَضَلّة، والطريق الوسطى هي الجادّة: عليها باقي الكتاب وآثار النبوّة، ومنها مَنفَذ السنّة، وإليها مصير العاقبة».[٣٠]
- الإمام الصادق : «إنّ الناس أخذوا يميناً وشمالاً، وإنّا وشيعتنا هُدِينا الصراطَ المستقيم».[٣١]
- رسول الله : «الصراط أدقّ من الشَّعرة، وأحدّ من السيف».[٣٢]
- رسول : «فمنهم مَن يمضي عليه كلمح البرق، ومنهم مَن يمضي عليه كمَرِّ الريح، ومنهم مَن يُعطى نوراً إلى موضع قدمه، ومنهم مَن يحبو حبواً وتأخذ النار منه بذنوبٍ أصابها».[٣٣]
الهوامش
- ↑ الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 237.
- ↑ الراغب الأصفهاني، المفردات، ص 290.
- ↑ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج 2، ص 364.
- ↑ الشيخ المفيد، تصحيح الأعتقاد، ص 108.
- ↑ مريم: 71ــ72.
- ↑ الشورى: 52ــ53.
- ↑ الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج 2، ص 966.
- ↑ الأنعام: 153.
- ↑ الفيض الكاشاني، علم اليقين، ج 2، ص 967.
- ↑ الحيدري، المعاد، ج 1، ص 323.
- ↑ الفاتحة: 6.
- ↑ الفاتحة: 7.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 65، ح 2.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 8، ص 64ــ65، ح1.
- ↑ العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 24، ص 9.
- ↑ سورة آل عمران، آية101.
- ↑ سورة آل عمران، آية51.
- ↑ سورة الأنعام، آية 126.
- ↑ سورة المؤمنون، آية 73.
- ↑ سورة الحج، آية24.
- ↑ سورة الأنعام، آية153.
- ↑ سورة الملك، آية22.
- ↑ الصدوق، الأمالي، ص149، ح4.
- ↑ سورة الحديد، آية12.
- ↑ الملا صدرا، أسرار الآيات، ص195.
- ↑ سورة طه، آية81.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار ، ج71، ص72،
- ↑ الكليني، الكافي، ج2، ص219.
- ↑ سورة البقرة، آية256.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة16.
- ↑ الكليني، الكافي، ج2، ص246.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار ج8، ص65.
- ↑ كنز العمّال، ح 39036.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1412 هـ.
- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1428 هـ/ 2008 م.
- الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، تفسير الأمثل، مدرسة الإمام علي ، ط1، قم ـ أيران، 1426 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، بيروت ـ لبنان، 1997م ـ 1417هـ.
- القمي، علي بن أبراهيم، تفسير القمي، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، ط3، قم ـ أيران، 1404 هـ.
- السبزواري، سيد عبد الأعلى الموسوي، مواهب الرّحمن في تفسير القرآن، مطبعة نكين، ط5، قم ـ أيران، 1431 هـ ـ 2010م.
- الطباطبائي، محمد حسين، تفسير البيان في الموافقة بين الحديث والقرآن، دار التعارف للمطبوعات، ط1، بيروت ـ لبنان، 1427هـ ـ 2006م.
- الحيدري، سيد كمال، المعاد رؤية قرآنية، قم، دار فراقد، ط 2، 1433 هـ/ 2012 م.
- الفيض الكاشاني، محمد محسن، علم اليقين في أصول الدين، د.م، دار البلاغة، د.ت.
- العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت،انتشارات الوفاء، 1983 م.
- الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، تصحيح الأعتقاد، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ط 1، 1413 هـ.