المنافق

مقالة مرشحة للجودة
من ويكي شيعة
(بالتحويل من منافق)

المنافق هو الذي لم يؤمن بالإسلام بقلبه، لكنه يتظاهر بالإيمان، وتعود ظاهرة النفاق إلى ما بعد الهجرة النبوية، حيث قويت شوكة المسلمين في المدينة، فلم يقدر المشركون معارضة الإسلام علناً، فتظاهروا بالإسلام.

وقد تطرّق القرآن كثيرا إلى مفهوم النفاق، كما سميت سورة منه بـ«المنافقون» حيث إنّها تحتوي على تأنيب المنافقين وبيان أوصافهم.

ومن صفات المنافقين التي وردت في القرآن الكريم الكذب وسوء الظن، والكبر، والاستهزاء بالحق وارتكاب الذنب.

وكان يعد عبد الله بن أبي وعبد الله بن عيينة وأصحاب عقبة من أشهر المنافقين آنذاك. وبناء على روايات تاريخية كان النبي (ص) يداري المنافقين، ويسعى بشكل غير مباشر لإحباط مؤامراتهم، وقد أمر بهدممسجد الضرار؛ لأنه أصبح قاعدة لبعض المنافقين.

وبحسب الآية 145 من سورة النساء، فإن مكان المنافقين في الدرك الأسفل من الجحيم، وقد استنتج بعض المفسرين منها أن النفاق أشد من الكفر. وتختلف صلاة الميت على جثة المنافق عن الصلاة على المؤمن؛ إذ قال بعض الفقهاء إنه يجب لعن الميت المنافق بدل الاستغفار له.

وهناك كتب أُلّفت في موضوع النفاق والمنافقين، ومنها كتاب «النفاق والمنافقون في القرآن الكريم»، بقلم جعفر السبحاني التبريزي و«صفات المنافقين»، لابن قيّم الجوزي.

مفهوم المنافق

قال الطريحي المنافق هو الذي يخفي الكفر، ويظهر غيره، من النَّفَقُ وهو السَّرَب في الأرض، أي يستتر بالإسلام كما يستتر في السرب[١] ويستخدم مصطلح المنافق في قبال المؤمن والكافر.[٢]

الفرق بين النفاق والفسق

الإيمان هو تصديق القلب، وإقرار باللسان، وأداء الواجبات، فمن توفر فيه الثلاث فهو مؤمن، ومن فقد الثلاث فهو كافر، ومن كان مقرّاً باللسان ولكن لا يؤمن بالقلب فهو منافق، ومن يؤمن بقلبه ولسانه ثم أخلّ بالعمل فهو فاسق.[٣]

بناءً على رأي العلامة الطباطبائي، يجب التمييز بين الشخص الذي لا يعمل بسبب عدم اعتقاده والشخص الذي يؤمن ولكنه لا يعمل. الحالة الأولى تُعتبر نفاقاً، بينما تعود الحالة الثانية إلى ضعف الإرادة.[٤]

منشأ النفاق في الإسلام

يعود منشأ النفاق والمنافقين في الإسلام إلى ما بعد هجرة النبي (ص) إلى المدينة، ففي مكة كان المشركون يعارضون الإسلام علناً، أما بعد أن قويت شوكة المسلمين وضعُف موقع المشركين تظاهروا بأنهم التحقوا بصفوف المسلمين من غير أن يؤمنوا؛ وذلك ليتمكّنوا من تنفيذ مخططاتهم ضد الإسلام ورسول الله (ص).[٥]

وقد نزلت سورة المنافقون في بيان أوصافهم وعدائهم الشديد للمسلمين، كما أمرت النبي (ص) بأن يحذر من خطرهم.[٦]

المنافقون في صدر الإسلام

ذكر أسماء بعض المنافقين في المصادر التاريخية والحديثية، وقد تطرق المقريزي في كتابه «إمتاع الأسماع» إلى المنافقين من قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة، وذكر ما صنعوا ضد الإسلام والنبي (ص)، فمنهم عبد الله بن أبي الذي هدّد المهاجرين بإخراجهم من المدينة، وعبد الله بن عيينة الذي شجع أصحابه بقتل رسول الله (ص).[٧]

وعدّ أصحاب العقبة أيضا من المنافقين، وهم جماعة من أصحاب النبي (ص) الذين تآمروا لاغتياله في طريق عودته من غزوة تبوك، إلا أنه فشلت خططهم.[٨] وذكرهم المورخون وأصحاب السير بين 12 إلى 15 شخصا.[٩] وبناء على رواية عن الإمام الباقر (ع) إنّ أصحاب العقبة 12 شخصا 8 منهم من قريش.[١٠] وورد في رواية أخرى ذكرها الصدوق كان 12 رجلا منهم من قريش وخمسة آخرين من سائر القبائل.[١١]

وقد ذكر السيوطي من علماء أهل السنة أسماء أصحاب العقبة، منهم:

عبد الله بن أبي سعد، وسعد بن أبي سرح، وأبا حاصر الأعرابي، وأبا عامر، والجلاس بن سُوَيد، ومجمع بن حارثة، ومليحاً التَيمي، وحصين بن نمير، وطعمة بن أُبَيْرِق، ومرَّة بن ربيع.[١٢]

صفات المنافقين

ورد في القرآن والروايات صفات وسمات للمنافقين، وذكر في تفسير سورة المنافقين 10 صفات لهم، وهي:

  1. الكذب الصريح والواضح‌
  2. الاستفادة من الحلف الكاذب لتضليل الناس‌
  3. عدم إدراك الواقع بسبب إعراضهم عن طريق الهداية بعد تشخصيه‌
  4. تمتّعهم بظواهر مغرية وألسنة ناعمة تخفي وراءها بواطن مظلمة
  5. - رفضهم الخضوع لمنطق الحقّ
  6. يغلب عليهم سوء الظنّ والخوف والترقّب
  7. استهزاؤهم بالحقّ واستهتارهم به‌
  8. الفسق والفجور وارتكاب المعاصي والذنوب
  9. يتملّكهم شعور بأنّ لهم كلّ شي‌ء، وكلّ الناس في حاجة ماسّة إليهم‌
  10. يتصوّرون ويتخيّلون دائما أنّهم أعزّاء، بينما الآخرون أذلّة.[١٣]

تحليل كذب المنافق

قد ورد في القرآن الكريم إقرار المنافقين برسالة النبي (ص)، ولكن بالرغم من ذلك يُعدّ المنافقون من الكاذبين؛ حيث قال الله سبحانه في الآية الأولى من سورة المنافقين ﴿وَاللهُ یشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَکاذِبُونَ وذلك ليس بمعنى تكذيب ما أقرّوا به من شهادتهم برسالة النبي (ص)؛ فإنّه لا شك في صدق هذا الخبر ولكن لمّا كان المنافق لا يصدّقه بقلبه فهذا يجعله من الكاذبين، فإنّما يكون كلامهم كذباً مخبرياً وهو عبارة عن تنافي ظاهر قولهم مع ما في قلوبهم من الإنكار.[١٤]‏ وبحسب ما ورد في بعض التفاسير إنّ النفاق في الحقيقة هو الكذب العملي؛ حيث يتظاهر المنافق بالإيمان ويُخفي الكفر في ضميره.[١٥]

مَثَل حالة المنافق النفسية

بحسب الآية 17 من سورة البقرة، إنّ مَثَل المنافق كالذي في ظلمة عمياء لا يعرف الطريق وهو يبحث عن ضوء ليرى ما حوله، فيضيء ناراً، ولكن أطفأها الله بطرق مختلفة كالريح أو المطر أو غير ذلك، فجعله في الظلام مرة أخرى. إذن بما أنّ المنافق يتظاهر بالإيمان، فإنه يتمتع ببعض فوائد الدين، كما يرث المؤمنين، ويتزوجهم، ونحو ذلك، ولكن عندما يحين موعد الموت الذي تظهر فيه آثار الإيمان، ذهب الله بنوره وجعله في الظلام الدامس، فيبطل ما فعله كالمؤمن المتدين، فيقع بين ظلمتين: إحداهما ظلمته الأصلية، والأخرى ظلمة أحدثها عمله.[١٦]

كما تطرقت الآية 19 من نفس السورة إلى مَثَل آخر يشير إلى حال المنافقين في إظهارهم الإيمان، وهو أنهم كالذي أصابته صاعقة من السماء مشتملة على ظلمة تمنعه من الإبصار والتمييز ورغم أن الصاعقة تدفعه الى الفرار وإنقاذ نفسه إلا أن الظلمة لا تسمح له بذلك ويرعبه الرعد والصاعقة من كل جانب، إذن فليس له بدّ إلا أن يستفيد من هذا الضوء المتقطع، بحيث إذا كان مضيئاً فيتيسر له المشي وإذا كان مظلماً فلا بد له من التوقف والبقاء في مكانه. وها هو حال المنافق؛ إذ يتظاهر بالإيمان وهو يكرهه، وبما أنّ ما جرى على لسانه يخالف ما في قلبه لم يستقر له نور الإيمان فيتراوح بين نور الإيمان وظلمة الكفر فلا يزال يأخذ خطوة قصيرة ويقف مرة أخرى.[١٧]

تعامل النبي مع المنافقين

يظهر من الأخبار أن رسول الله (ص) كان يتعامل مع المنافقين بالعفو والمداراة قدر الإمكان.[١٨] فرغم أنه (ص) كان على علم بكفر المنافقين الخفيّ والذي أخبر به القرآن الكريم في عدة مواضع .[١٩] إلا أنه كان (ص) يرفض رأي أصحابه في قتل المنافقين وينهاهم عن ذلك، ولكن مداراته مع المنافقين لم تؤدِ إلى إهماله للمجتمع الإسلامي وظروفه، فكان يرقب تحركات المنافقين، ويحبط مؤامراتهم، ويكشف دعاياتهم ويبين الحقيقة للمسلمين، وقد تصدى النبي (ص) أمامهم بالحسم في مواقف خاصة، منها تخريب مسجد الضرار.[٢٠]

موضع المنافقين في الجحيم

أشار القرآن الكريم إلى مصير المنافقين في الآخرة حيث قال ﴿إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْك الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ.[٢١] قال مكارم الشيرازي من مفسري الشيعة يظهر من آيات القرآن أن النفاق من وجهة نظر الإسلام هو أشد أنواع الكفر، وإن المنافقين أبعد الخلق من اللّه.[٢٢]

صلاة الميت على جثة المنافق

تعرّضت المصادر الفقهية لكيفية الصلاة على جثة المنافق،[٢٣] كما هناك خلاف بين الفقهاء بالنسبة لجوازها وعدمه،[٢٤] وبناء على فتاوى الفقهاء الصلاة على المنافق لها أربع تكبيرات، بخلاف الصلاة على المؤمن التي لها خمس تكبيرات.[٢٥] كما لا يُستغفر له في الصلاة بخلاف المؤمن، وقال بعض الفقهاء إنه يجب لعن الميت المنافق بدل الاستغفار له.[٢٦]

كتب حوله

إضافة إلى ما ورد في المصادر الفقهية والتفسيرية حول النفاق والمنافقين هناك تأليفات مختصة بهذا الموضوع يعود بعضها إلى القرون المتقدمة، كـ«صفة النفاق وذم المنافقين» من تأليف جعفر بن محمد الفرياني (207 - 301 هـ) و«صفة النفاق ونعت المنافقين من السنن الماثورة عن رسول الله»، بقلم أبي نعيم الأصفهاني (334 - 430 هـ) و«صفات المنافقين»، من تأليف ابن قيّم الجوزي (691 - 751 هـ)، كما هناك تأليفات في القرون المتاخرة كـ«النفاق والمنافقون في القرآن الكريم»، بقلم جعفر السبحاني التبريزي (ت 2004 م) و«المواجهة بين النبي (ص) وبين المنافقين» لعبد الكريم النيري.

الهوامش

  1. الطريحي، مجمع البحرين، 1416 هـ، ج 5، ص 241.
  2. المطهري، مجموعة آثار، ج 25، ص 201 - 202.
  3. حسینی شاه عبدالعظیمی، تفسیر اثنی عشری، 1363ش، ج13،ص177؛ قرائتی، تفسیر نور، 1388ش، ج10، ص50.
  4. الطباطبايي، الميزان، 1417 هـ، ج 19، ص 249.
  5. مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 18، ص 347-348
  6. الطباطبايي، الميزان، 1417 هـ، ج 19، ص 278.
  7. المقريزي، إمتاع الأسماع، 1420 هـ، ج 14، ص 343-364.
  8. المقريزي، إمتاع الأسماع، 1420 هـ، ج 2، ص 74.
  9. الواقدي، المغازي، 1409 هـ، ج 3، ص 1045-1044؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 1398 هـ، ج 5، ص 20.
  10. الطبرسي، مجمع البيان، 1372هـ ش، ج 5، ص 79.
  11. الشيخ الصدوق، الخصال، 1362 هـ ش، ج 2، ص 398.
  12. السيوطي، الدر المنثور، دار الفكر، ج 4، ص 243.
  13. مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج18، ص360 – 361.
  14. الطباطبايي، الميزان، 1417 هـ، ج 9، ص 315؛ ج 19، ص 279.
  15. قرائتی، تفسیر نور، 1383ش، ج10، ص49.
  16. الطباطبايي، الميزان، 1417 هـ، ج1، ص55.
  17. الطباطبايي، الميزان، 1417 هـ، ج1، ص56.
  18. دانش، «رسول خدا(ص) واستراتژي ايشان در برابر خط نفاق»، ص 23.
  19. دانش، «رسول خدا(ص) واستراتژي ايشان در برابر خط نفاق»، ص 23.
  20. جعفريان، تاريخ سياسي اسلام، 1380 هـ ش، ص 650؛ دانش، «رسول خدا(ص) واستراتژي ايشان در برابر خط نفاق»، ص 21 - 22
  21. مكارم الشيرازي، الأمثل فى تفسير القرآن، 1421 هـ، ج 3، ص 505.
  22. مكارم، الامثل فى تفسير، 1421 هـ، ج 3، ص 504.
  23. العلامه الحلي، تحرير أحكام الشريعة، 1420 هـ، ج 1، ص 129؛ النجفي، جواهر الكلام، بيروت، ج 12، ص 47.
  24. النجفي، جواهر الكلام، بيروت، ج 12، ص 47.
  25. العلامه الحلي، تحرير أحكام الشريعة، 1420 هـ، ج 1، ص 129؛ النجفي، جواهر الكلام، بيروت، ج 12، ص 47.
  26. النجفي، جواهر الكلام، بيروت، ج 12، ص 49-51.

المصادر والمراجع

  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، بيروت، دار الفكر، 1398 هـ..
  • جعفريان، رسول، تاريخ سياسي إسلام، قم، دليل، 1380 هـ ش.
  • دانش، محمد قدير، «رسول خدا (ص) واستراتژي ايشان در برابر خط نفاق»، مجلة معرفت، رقم 129، 1387 هـ ش.
  • حسين، شاه عبد العظيمي، تفسير اثني عشر، طهران، نشر ميقات، الطبعة الأولى، 1363ش.
  • العلامة الحلي، حسين بن يوسف، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، تصحيح: أبراهيم بهادري، قم، مؤسسة الإمام الصادق، 1420 هـ.
  • السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالماثور، بيروت، دار الفكر، د. ت.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الخصال، تصحيح: علي أكبر الغفاري، جامعة مدرسين، قم، 1362 هـ ش.
  • الطباطبايي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم، انتشارات اسلامي، 1417 هـ.
  • الطبرسي، فضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، ناصرخسرو، 1372 هـ ش.
  • الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيد احمد الحسيني، طهران، كتابفروشي مرتضوي، 1416 هـ.
  • قرائتي، محسن، تفسير نور، طهران، مركز فرهنگى درسهايى از قرآن‏، الطبعة الأولى، 1388هـ ش.
  • المقريزي، أحمد بن علي، إمتاع الأسماع بما للنّبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق: محمد عبد الحميد النسيمي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1420 هـ/ 1999م.
  • المطهري، مرتضى، مجموعة آثار، طهران، انتشارات صدرا، 1390 هـ ش.
  • مكارم الشيرازى، ناصر، الأمثل فى تفسير كتاب‌ الله المنزل، قم، مدرسة الإمام على بن أبي طالب (ع)، 1421 هـ.
  • النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تصحيح: عباس قوچاني وعلي آخوندي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 7، د.ت.
  • الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1409 هـ/ 1989 م.