سرية الإمام علي إلى اليمن

سرية اليمن
التاريخ السنة الثامنة أو العاشرة للهجرة الموقع اليمن النتيجة انتشار الإسلام في اليمن سبب المعركة الدعوة إلى الإسلام والقضاء
المتحاربون
المسلمون	قبائل اليمن
القادة
علي بن أبي طالب	زعماء قبيلتي همدان ومذحج

سرية الإمام علي إلى اليمن هي مَهمّة أمر بها النبي من أجل نشر الإسلام في تلك المنطقة. وعدّها المؤرخون فيما بين سفرين أو ثلاثة للإمام علي، استطاع الإمام من خلالها أن يقنع قبائل همدان ومذحج بالإسلام، مما مهّد لإسلام جميع قبائل اليمن فيما بعد. وأدى ذلك أيضاً إلى أن يصبح أبناء القبيلتين من الأنصار الأوفياء للإمام علي وولديه الحسنين.

اشتكى بعض أفراد هذه السرية من الإمام علي لدى النبي على إثر تقسيم الإمام للغنائم، مما استدعى ردة فعل من النبي وبيان لفضائل الإمام علي. ويعتقد بعض مؤرخي أهل السنة أنّ حديث الغدير ورد في هذا السياق وردّاً على هذه الشكاوى. وفي المقابل ردّ المخالفون لهذا الربط بين الواقعتين باختلافهما زماناً ومكاناً، فضلاً عن محتوى كل من حديث الغدير وحديث دفاع النبي عن الإمام علي وأسباب كل منهما. وكلّف النبي الإمام علياً في أحد هذه الأسفار أو في إحدى المهمات الخاصة به إلى اليمن بالقضاء بين الناس، وأوصاه بوصايا تتعلق بهذا الشأن.

دعوة قبائل اليمن إلى الإسلام

اعتُبرت سرية الإمام علي إلى اليمن كدعوة لأهل البلاد إلى الإسلام. وقد تفاوتت الأخبار المنقولة في المصادر المتقدّمة حول الواقعة، مما دعا ابن هشام وابن سعد ليتحدّثا عن مهمّتين مختلفتين، بل عدّها بعض المتأخرين ثلاثة أسفار مختلفة.

واختلفت الأخبار حول سرية الإمام علي أو رحلته إلى اليمن ودعوة أهلها إلى الإسلام، فتحدّث بعضها عن مواجهة مع قبيلة همدان، وبعضها الآخر مع قبيلة مذحج.

دعوة قبيلة همدان إلى الإسلام

ينقل الطبري في تاريخه أنّ النبي أرسل خالداً بن الوليد إلى اليمن في بادئ الأمر، غير أنّه بعد ستة أشهر من الفشل، دعا الإمام علياً في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة وأرسله بكتاب إلى هناك وأمر برجوع خالد ومن معه، وإن شاء أحد أن يرافق عليّاً فليفعل. وعند وصول الإمام علي إلى اليمن جاءه أهلها فتلا عليهم كتاب النبي، وفي نفس اليوم أعلنت قبيلة همدان إسلامها. واعتبر بعض المؤرخين أن هذا السفر كان في السنة الثامنة للهجرة.

دعوة قبيلة مذحج إلى الإسلام

ذكر بعض المؤرخين كالواقدي وابن سعد وآخرين بأنّ النبي أرسل الإمام علياً ومعه ثلاثمئة فارس إلى اليمن، وكان أول الذين دعاهم هناك إلى الإسلام هم قبيلة مذحج، فأبوا ذلك، وبعد مواجهة صغيرة جرت معهم أدّت إلى مقتل عشرين نفراً منهم دعاهم عليّ مجدداً إلى الإسلام فأسلموا. وروي أنّ هذه الحادثة كانت في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة. وقيل بأنّ العالم اليهودي كعب الأحبار التقى بالإمام علي في آخر تلك الأسفار، وبعد مناظرة دارت معه حول النبي والإسلام أعلن إسلامه، وسعى إلى دعوة علماء اليهود في المنطقة إلى الإسلام كذلك.

تقسيم الغنائم

غنم الإمام علي جرّاء المعركة مع قبيلة مذحج بعض الغنائم، فقام بعزل الخمس منها ثم قسّم ما بقي فيما بين المقاتلين، فطالب بعض المقاتلين الإمام عليّاً بإعطائهم سهماً من الخمس وفقاً لما جرت عليه عادة من كان قبله من القادة، فرفض علي ذلك، ورأى أن الخمس يبقى على حاله حتى يوصله للنبي الذي كان في طريق الحج وقتها، فيقسّمه ويصرفه كيف يشاء. وطبقاً لبعض الأخبار فإنّ علياً أرسل إلى النبي بذلك، فطلب منه النبي أن يلحق به لأداء مراسم الحج. بعد أن وصل الإمام علي إلى الطائف، أسند قيادة الجند وحفظ الخمس إلى أبي رافع، والتحق بالنبي في مكة. فطلب أفراد من الجند من أبي رافع أن يعطيهم سهماً من الخمس فوافقهم. وعندما التقى بهم الإمام لاحقاً وعلم بما كان، وبّخ أبا رافع لما فعل، واستعاد الأموال من الجند، مما أثار سخطهم ودفع بهم لأن يشتكوا عليّاً لدى النبي. ونُقل بأن النبي ذمّ هؤلاء وأيّد فعل علي وبيّن فضله لهم.

ونُقلت أيضاً شكوى ضد الإمام علي لدى النبي بعد أن أرسله إلى اليمن عوض خالد بن الوليد، حيث دافع النبي عن علي أيضاً وقام ببيان فضائله للناس. إلا أنّ ابن هشام نقل أنّ حادثة الشكوى ضد الإمام علي وردّ النبي لها كان ضمن ذهابه إلى نجران لجمع الزكاة هناك.

علاقة يوم الغدير بحادثة شكوى الإمام علي

اعتبر البيهقي وابن كثير وآخرون أنّ سبب خطبة الغدير هو جواب النبي على الشكاوى التي تقدم بها البعض ضد الإمام علي في حرب اليمن، ولذا فإنهم يرون بأنّ خطبة الغدير لا علاقة لها بمسألة الخلافة أو الوصية. في حين قال بعض المحققين في الإجابة على هذه الشبهة بأنّ الواقعتين مختلفتان تماماً من حيث الزمان والمكان والأسباب وغير ذلك.

التغاير الزماني والمكاني

بناءً على قول بعض المحققين فقد جاء في شكاوى سرية اليمن أنّ النبي ردّ على الذين اشتكوا له عليّاً مباشرة وبوضوح وبلا تردّد أو غموض، ولم يدع شيئاً لما بعد ذلك فيخصّص له خطبة تجيب على التساؤلات. وكما قيل فإنّ مكان حدوث واقعة الغدير يختلف عن مكان قضية شكوى سرية اليمن، فقد حدثت واقعة الغدير في منطقة بين مكة والمدينة بحسب إطباق جميع المحدثين والمؤرخين، في حين أنّ بعض الروايات ذكرت أنّ محل وقوع شكوى سرية اليمن كان في المدينة، وذكرت بعضها أنها كانت في مكة.

تغاير المضمون والأسباب

ذُكر أنّ القصتين تختلفان مضموناً عن بعضهما البعض، فقد خلت مجريات واقعة الغدير عن أي إشارة لمسألة الشكوى، أما في الأخبار الواردة حول سرية اليمن فقد وردت كلمات تتعلق بالشكوى مباشرة كقول النبي "لا تشكوا علياً". كما أنّ أخْذ النبي الإقرار من الناس وإشهادهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم لا يتناسب مع دعوته لعدم شَكْو عليّ ولحبّه. ويضاف إلى ذلك أنّ الأخبار التي وردت في مباركة الحاضرين لعليّ والسلام عليه بإمرة المؤمنين ومبايعته، تعتبر مؤشراً على أنّ الحاضرين فهموا من كلام النبي ارتباطه بالإمامة والخلافة. كما وقع الحديث في اختلاف أسباب كلّ من الواقعتين، فصحيح أنّ كلام النبي في مدح علي كان بعد الشكاوى الموجهة ضده، لكن من وجهة نظر الشيعة وكذلك العديد من محدّثي أهل السنة فإن خطبة الغدير كانت بعد نزول آية التبليغ، ونزلت بعدها آية إكمال الدين وتمام النعمة.

القضاء في اليمن

أشار أحمد بن حنبل والحاكم النيسابوري وآخرون إلى مهمّة أوكلها النبي للإمام علي حيث طلب منه الذهاب إلى اليمن والقضاء بين الناس، فخشي عليّ ألا يقبلوا بحكمه لصغر سنّه، فأوصاه النبي بعدة وصايا ودعا له الله أن يثبته ويسدّده في هذه المهمة. ويرى بعض المؤرخين أنّ هذه القصة كانت في أثناء سفر الإمام علي لدعوة قبيلتي همدان ومذحج إلى الإسلام. بينما يحتمل آخرون بأنّ هذه الرحلة لم تكن بهدف القتال، وأنها وقعت بين السنتين الثامنة والتاسعة للهجرة، وأن الرحلة إلى اليمن دامت لفترة طويلة نظراً لما نُقل من أحكام وقصص قضاء متعدّدة عن الإمام علي هناك.

إنجازات الرحلة

وفقاً لبعض الأخبار، فإن رحلة الإمام علي إلى اليمن، وإسلام كلّ من قبيلتي مذحج وهمدان، كان سبباً لأن تتبعهم بقية قبائل اليمن وتعلن إسلامها. وقيل بأنّ أهل اليمن عموماً، وقبيلتا مذحج وهمدان على وجه الخصوص تعلقوا بالإمام علي منذ ذلك الحين، وصاروا من أنصاره المخلصين في الكوفة لاحقاً، ونصروا الإمام في صفّين و النهروان، كما لم يتخاذلوا عن نصرة الإمامين الحسن والحسين حتى آخر لحظة. ويعتقد البعض أن هذه النصرة والتضحية كانت نتيجة لمعرفتهم العميقة بالإسلام، والمقامات المعنوية للإمام علي كالولاية والوصية.