ما رأيت إلا جميلا

من ويكي شيعة

ما رأيتُ إلّا جميلاً نص مشهورة عن السيدة زينبعليها السلام بعد واقعة عاشوراء ردت فيه على عبيد الله بن زياد، وذلك عندما دخل أسرى كربلاء عليه في قصر الكوفة، ونسب ما حدث في واقعة كربلاء إلى الإرادة الإلهية. حيث سألها ابن زياد عن صنع الله بأخيها وأهل بيته، فأجابته بهذه العبارة الخالدة. وأكملت قائلة إنَّ الله تعالى كتب للإمام الحسينعليه السلام وأصحابه الشهادة، وسيجمع الله بينه وبينهم ويجري عليه الحكم الإلهي.

وتدل هذه العبارة على قوة الإيمان، والإخلاص، والتسليم لدى السيدة زينب في قبال الامتحان الإلهي. وقد اختلف المحققون في بيان كلمة الجمال الذي قصدتها في هذا النص، منها: جمال عمل الإمام الحسينعليه السلام وأصحابه، وجمال التدبير الإلهي. ومن جملة الغايات التي كانت تقصدها السيدة زينب في هذه الجملة، هي فضح ابن زياد، وإثبات أحقية الإمام الحسينعليه السلام.

الأصل التاريخي

تُعد عبارة «مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً» من النصوص المشهورة والخالدة للسيدة زينبعليها السلام بعد واقعة عاشوراء،[١] ورد في النصوص التاريخية، عندما دخل أسرى كربلاء على عبيد الله بن زياد في قصر الكوفة، سأل عبيد الله ـ الشامت بقتل الإمام الحسينعليه السلام وأصاحبه ـ السيدة زينب: كيف رأيت صنع الله في أخيك وأهل بيته؟ فأجابته بهذه العبارة.[٢] وأكملت قائلة: هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم (الشهادة) وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجّ فانظر لمن يكون الفلج (الظفر والفوز) يومئذ ثكلتك أمك يا ابن مرجانة (أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت).[٣] فغضب ابن زياد وهم بقتل السيدة زينب، ولكنه أنصرف عن ذلك؛ بسبب كلام أحد أصحابه.[٤]

ويرى المؤرخ محمد هادي يوسفي الغروي (ولادة: 1368هـ) أن هذه النص ورد لأول مرة في القرن السابع الهجري من قبل السيد ابن طاووس (وفاة: 664هـ) في كتاب اللهوف على قتلى الطفوف.[٥] إلا أن عبارة «مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً» وردت في كتاب الفتوح من تأليف ابن أعثم الكوفي (314هـ).[٦] وذكر علي شيري مصحح كتاب الفتوح أن عبارة «حملا» الواردة لا تُناسب سياق الجملة، فغيرها إلى عبارة «جميلا».[٧][ملاحظة ١]

النكات الأدبية حول «ما رأيت إلا جميلا»

ذكر السيوطي (وفاة: 911هـ) (المفسر، والمحدث، والمؤرخ، والأديب الشافعي الشهير) في كتاب البهجة المرضية في شرح الألفية، أنَّه إذا كانت الصفة المشبهة مشتقة من فعل على وزن فَعُل فهي تأتي على وزن فُعل وفعيل، مثل ضُخم وجميل وعليه فجميل صفة مشبهة، والصفة المشبهة[ملاحظة ٢] تشبه الفعل أي أنها تحتوي على ضمير في داخلها مثل الفعل.[٨] وعليه فإذا كانت العبارة «ما رأيت إلا جمالًا» فإن الجَمال اسم مصدر ولا يوجد في اسم المصدر ضمير، ولكن جميل في عبارة السيدة زينب «ما رأيت إلا جميلا» هي صفة مشبهة تحتوي على ضمير بداخلها، فلذا ينبغي بيان معناها بحسب الضمير الذي بداخلها، فتكون (لم أرَ إلا صاحب الجمال)، وهذه العبارة تُعبر عن مضمون حديث وارد عن الإمام عليعليه السلام: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ».[٩]

التعبير عن شخصية السيدة زينب

وتدل عبارة ما رأيت إلا جميلُا على قوة الإيمان، والإخلاص والتسليم لدى السيدة زينبعليها السلام في قبال الامتحان الإلهي.[١٠] وذهب البعض أن استعمال السيدة زينب لهذه العبارة يدل على البعد العرفاني في شخصيتها.[١١] كما يرى البعض أن لهذه العبارة نظرة توحيدية تدل أيضًا على الإيمان بالقضاء والقدر.[١٢] وذكر أنَّ السيدة زينب رأت في يوم عاشوراء جمالين لإيمانها العميق بالتوحيد، أحدهما ربوبية الله تعالى، والأخرى جمال عبودية الإمام الحسينعليه السلام، وهذا الأمر يدل على أعلى مقام في المحبة والرضا لله تعالى.[١٣]

المقصود من الجمال

ذكر البعض أن عبارة ما رأيت إلا جميلًا، تأتي بمعنى «لم أرَ إلا صاحب الجمال».[١٤] وبحسب بعض المحققين، من حيث الظاهر لم يكن هناك منظر جميل في واقعة عاشوراء، ولكن السيدة زينب كانت تُشير إلى حقيقة أخرى موجودة وراء الظاهر.[١٥]

جمال الهدف

ويرى البعض أن جمال واقعة عاشوراء في كلام السيدة زينبعليها السلام، ينبغي أن يُبحث عنه في أهدافها، وهذه الأهداف تتجلى في هداية الإنسان وإخراجه من ظلمات الجهل، وإحياء الإسلام والسنة النبوية، وكشف زيف بني أمية، وإزالة البدع والانحرافات، وإحياء الحق وقتل الباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[١٦]

جمال العمل

وذًكر أيضًا أنَّ مقصود السيدة زينب هو جمال عمل الإمام الحسينعليه السلام وأصحابه، وجمال الشهادة والقتل في سبيل الله.[١٧] فلقد حقق الإمام الحسينعليه السلام وأصحابه النصر والسعادة بامتثالهم لأمر الله تعالى والقيام بواجبهم على أكمل صورة؛ ولذلك لم يكن هناك أحلى وأجمل بالنسبة لهم من القيام بالواجب الإلهي، سواء كان هذا الأمر سهلًا تتحقق به الراحة، أو صعبًا فيه المشقة والعناء.[١٨] لذلك اعتبرت السيدة زينب كل ما حدث جميلًا.[١٩]

جمال التدبير الإلهي

وذهب البعض أن الأصل في كلام السيدة زينب هو جمال التدبير الإلهي، ومن هذا المنطلق فهي رأت مصائب عاشوراء جميلة.[٢٠] وذهب بعض المحققين، أنَّ الفكرة المشهورة التي ترى أن السيدة زينب عبرت عن كل ما رأته في كربلاء جميلًا غير صحيحة، بل يرون أنها إجابة عن السؤال الذي سُلت فيه عن صنع الله تعالى بأخيها؛ لذلك فالمراد من كلماتها «ما رأيت من الله إلا صنعًا جميلًا».[٢١]

الغاية من هذه العبارة

إن عبارة ما رأيت إلا جميلًا، والغاية منها من قبل السيدة زينب، أصبحت محط اهتمام من قبل المحققين وذكروا لها آثار مختلفة،[٢٢] بعضها عبارة عن:

فضح ابن زياد

ويرى بعض المحققين أن عبيد الله بن زياد كان يحاول التغطية على جرائمه في يوم عاشوراء من خلال ربط عمله بإرادة الله تعالى، وتجاهل أخطاء الإنسان، وطي صفحة شهادة الإمام الحسينعليه السلام وأصحابه،[٢٣] ولكن السيدة زينب وضحت الحقائق بهذا الكلام، وردت مزاعم ابن زياد بأن هزيمة الإمام في الحرب كانت من قبل الله تعالى،[٢٤] وعليه فقد فضحت السيدة زينب بهذا الكلام ابن زياد، وبينت للحاضرين في المجلس حقيقة قيام الإمام الحسينعليه السلام.[٢٥]

إثبات أحقية الإمام الحسين(ع)

ذُكر أن أدنى تعبير عن الضعف والاستياء يصدر عن السيدة زينب يُمكن أن يظهر العدو منتصرًا؛ ولكن كلامها تسبب في إضعاف موقف الأعداء، وأثبت أحقية الإمام الحسين للناس،[٢٦] بالإضافة إلى منع تحريف واقعة كربلاء من قبل الحكومة، أعدّ الناس للانتقام.[٢٧]

الهوامش

  1. «مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً» الجانب الفني للنصِّ»، العتبة الحسينية المقدسة.
  2. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5، ص122؛ المقرم، مقتل الحسين، ص431؛ ابن طاووس، اللهوف، ص160.
  3. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص457؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص193؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص82؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5، ص122.
  4. الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص457؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص193.
  5. «عدم تایید منابع تاریخی در نسبت دادن"ما رایت الا جمیلا" به حضرت زینب(س)»، خبرگزاری شبستان.
  6. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5، ص122.
  7. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج5، ص122 الهامش6.
  8. السيوطي، البهجة المرضية، ص306.
  9. https://qasedoon.blog.ir/1392/11/25/ما-رایت-الا-جمیلا-را-درست-معنا-کنیم؛ الكليني، الكافي، ج6، ص438.
  10. علوي علي آبادي، فاطمة سادات، «مارأیت الا جمیلا».
  11. مجموعة من المؤلفين، مع الركب الحسيني، ج5، ص131.
  12. مجموعة من المؤلفين، مع الركب الحسيني، ج5، ص131.
  13. «حضرت زینب(س) چگونه به مقام «مارایت الا جمیلا» رسید»، کبنا نیوز.
  14. «ما رأیت الا جمیلا را درست معنا کنیم»، سایت قاصدون.
  15. «چرا حضرت زینب(س) فرمودند ما رایت الا جمیلا؟»، تبیان؛ «منظور از «ما رأیت الا جمیلا»»، پایگاه اطلاع رسانی یاوران مهدی(عج).
  16. «معنا و تفسیر دقیق جمله حضرت زینب(س) مارایت الا جمیلا چیست؟»، شهر جواب.
  17. «مَا رَأَیتُ إِلَّا جَمِیلًا؛ جواب دندان شکن «حضرت زینب(ع) به ابن زیاد»، خبرگزاری میزان.
  18. «معنای «ما رأیت الا جمیلاً»، خبرگزاری حوزه؛ «سرّ تولد «ما رأیتُ الّا جمیلاً» از دل مصائب کربلا، خبرگزاری شبستان.
  19. «معنای «ما رأیت الا جمیلاً»، خبرگزاری حوزه.
  20. علوي علي آبادي، فاطمة سادات، «مارأیت الا جمیلا»؛ «شرح عبارت "ما رأیت الا جمیلا" (بخش اول) - سید محمد مهدی میرباقری»، موسسه تحقیقات و نشر معارف اهل البیت(ع).
  21. «معنای صحیح ما رأیت الا جمیلا»، پایگاه اطلاع رسانی هیأت رزمندگان اسلام.
  22. مشاهری فرد، «تأملی زیبایی‌شناختی بر ما رأیت الا جمیلا».
  23. هاشمي نژاد، درسی که حسین(ع) به انسانها آموخت، ص208؛ «معنا و تفسیر دقیق جمله حضرت زینب(س) مارایت الا جمیلا چیست؟»، شهر جواب.
  24. هاشمي نژاد، درسی که حسین(ع) به انسانها آموخت، ص208.
  25. هاشمي نژاد، درسی که حسین(ع) به انسانها آموخت، ص208.
  26. علوي علي آبادي، فاطمة سادات، «مارأیت الا جمیلا».
  27. هاشمي نژاد، درسی که حسین(ع) به انسانها آموخت، ص209.

الملاحظات

  1. وفي بعض طبعات ونسخ الفتوح لأبن أعثم وردت عبارة «مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً».(ابن أعثم الكوفي، الفتوح، تصحيح: سهيل زكار، ج2، ص175.)
  2. الصفة المشبهة مشتقة من الفعل اللازم، ومعناها إثبات الصفة لفاعلها في زمن الحال

المصادر والمراجع