شهادة الزور

شَهَادَة الزُّور من الذنوب الكبيرة، وهي بمعنى أن يشهد الشخص خلاف الواقع، وحرمها الفقهاء استناداً على الآيات القرآنية والروايات، وفي نظرهم إذا ثبت كذب الشاهد عن طريق الاعتراف أو علم القاضي، فيتم معاقبة صاحبة شهادة الزور بالتعزير، وفي حال ثبوت كذب شهادة الشهود قبل تنفيذ الحكم، يُلغى حكم القاضي، وإذا ثبت بعد تنفيذ الحكم، فإن الشاهدين هم الضامنون للأموال التي دفعها الشخص الذي صدر ضده الحكم، وإذا تم الحكم بالقصاص على المتضرر وتنفذ الحكم بحقه، فيُحكم على الشاهدين بالقصاص أو بدفع الدية.

وفقاً لقانون العقوبات العراقي تُعتبر شهادة الزور جريمة يُعاقب فاعلها بالسجن أو بدفع الغرامة.

الأهمية والمكانة

ذكر الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) في كتاب المبسوط، إنَّ شهادة الزور من الذنوب الكبيرة، وكذلك قال لا يوجد بعد الشرك بالله ذنب أعظم منها. وفي الفقه الإمامي يوجد باب تحت عنوان الشهادات، يُذكر فيه أحكام شهادة الزور.

ذكر محمد محمدي الاشتهاردي (ت: 1427هـ) رجل دين وكاتب شيعي، إنَّ مجيء شهادة الزور بجوار عبادة الأصنام في القرآن يدل على قذارتها. وكذلك اجتناب شهادة الزور يُذكر في القرآن كـأحد خصائص عباد الرحمن.

التعريف

شهادة الزور تعني أنَّ يشهد الشخص عمداً على شيء لا يعرفه أو أنَّ يشهد خلاف الواقع. يعتقد بعض أصحاب القانون أنَّ شهادة الزور تُعتبر من الجرائم التي يُحاسب عليها القانون أمام السلطة القضائية.

أدلة حرمة شهادة الزور

تُعتبر شهادة الزور من المحرمات في الفقه الشيعي، وتم الاستدلال على حرمتها بقوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ ويعتقد الإمام الخميني والسيد علي الخامنئي إنَّ الآية المذكورة تُشير إلى حرمة الكلام الباطل وهو يشمل الكذب، وشهادة الزور، والغناء.

كما ذهب بعض المفسرين إلى حرمة شهادة الزور من خلال الاستفادة من قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، وقد استدل السيد حسين البروجردي من مراجع التقليد عند الشيعة على حرمة شهادة الزور، بناءً على رواية عن الإمام الصادق جاء فيها: «شَاهِدُ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى تَجِبَ لَهُ النَّارُ». واستدل العلامة الحلي برواية أخرى عن الإمام الباقر جاء فيها: «ما من رجل يشهد شهادة زور على مسلم ليقطع ماله إلّا كتب اللّه له مكانه صكّا إلى النار».

الأحكام

تُعتبر شهادة الزور من الذنوب التي لا يوجد عليها حد من قبل الشريعة، ولكن يوجد لها تعزير (ويسمى التأْديب، وهو الضرب دون الحد الشرعي)، ویتفق فقهاء الإمامية والسنة على هذا الأمر، ولكن يوجد اختلاف في التفاصيل: حيث ذهب فقهاء الشيعة وبالاتفاق، إلى التعزير مع التشهير (هو الطواف بالشخص وفضحه بين الناس). وقد صرح الشيخ الطوسي بهذه المسألة، ويوجد اختلاف في هذه المسألة بين فقهاء السنة.

طرق الإثبات

يوجد عدّة طرق في إثبات شهادة الزور:

• الاعتراف: يعترف الشخص ويتراجع عن شهادته.
• شهادة الآخرين: يشهد البعض على خلاف شهادة الشهود السابقين.
• علم القاضي: في بعض الأحيان، يكتشف القاضي من خلال طرق مختلفة أن الشهادة المقدمة شهادة زور. وقال مصطفى المحقق الداماد، إنَّ علم القاضي في هذا المورد مقدم على بقية الأدلة الأخرى.

التبعات الفقهية والقانونية

تم ذكر جملة من التبعات على شهادة الزور:

نقض الحكم الصادر

ذكر الشهيد الأول (الشهادة: 786هـ) في كتاب الدروس الشرعية، في حال ثبوت كذب شهادة الشهود قبل تنفيذ الحكم، يُلغى حكم القاضي. ووفقًا للمادة 1319 من القانون المدني الإيراني، إذا انسحب الشاهد من شهادته أو تبين أنه شهد خلاف الواقع، فلا يترتب الأثر على شهادته.

تعويض الخسارة والقصاص

إذا ثبت أن الشهادة كاذبة بعد تنفيذ الحكم، فإن الشاهدين هم الضامنون للأموال التي دفعها المدعى عليه (الشخص الذي صدر ضده الحكم)، وإذا كان (المدعى عليه) قد حُكم عليه بالقصاص أو الدية وتنفذ الحكم بحقه، فيُحكم على الشاهدين بالقصاص أو بدفع الدية.

السجن والغرامة المالية

وقد أفتى بعض الفقهاء وبالاستناد على سيرة الإمام علي بحبس شاهد الزور. وجاء في المادة 252 من قانون العقوبات العراقي إنَّ أي شخص يدلي بشهادة الزور أمام المحكمة يُعاقب بالسجن أو دفع الغرامة. وتختلف هذه العقوبة عن العقوبة الواردة في باب الحدود والقصاص والديّة التي تختص بشهادة الزور.

عدم قبول الشهادات اللاحقة

بحسب فتوى فقهاء الشيعة، فإن الشهادات اللاحقة لا تُقبل في المحكمة لمن أدلى سابقاً بشهادة الزور، إلّا أن يتوب وتظهر العدالة منه.