المراثي
المصاب الحسيني |
المراثي هي إنشاد الشعر وذكر للمصائب يصاحبها الحزن والأسى مع مراسيم خاصة بها في رثاء وعزاء كبار الشخصيات الدّينية. سادت في الثقافة الشيعية إقامة مجالس العزاء على المعصومين (ع) وخاصة إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع). وقد ورد في الأحكام الفقهية بأنّ رثاء الأموات مكروه، إلاّ للمعصومين (ع)، فإنه من شعائر الدين وفيه إحياء لذِكْرِ أهل البيت (ع).
التعريف
هو القول الذي يذكر عند المصيبة للتسلية والتعزية خاصة عند فقدان الأحبة والأعزة وهي موجودة في جميع الأمم وأنواع البشر وتختلف بحسب لغاتهم وأديانهم، علماً بأن حادثة الموت من الديون التي لا بد لها من التقاضي، وأنه لا سبيل إلى الخلود والبقاء، ولا بد لكل نفسٍ من الذهاب ولكل جسدٍ من الفناء. [١]
التأريخ
بدأت المراثي منذ بداية البشر، ومع المصائب التي نزلت على آدم أبو البشر والتي واجهها من فراقه للجنة ونزوله إلى الأرض وقتل هابيل على يد أخيه قابيل.[٢]
أنواع المراثي
- دائرة المراثي أوسع من النظم فهي تشمل النثر أيضاً كما ورد أنّه وقف علي بن أبي طالب على قبر رسول الله ساعة الدفن وقال: إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإنّ الجزع لقبيحٌ إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنّه قبلك وبعدك لجلل.[٣]
- وأمّا المراثي الواردة في النظم والشعر فهي كثيرة، فمنها ما رثى بها حسان النبي :
بطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومعهدُ | منيرٌ، وقد تعفو الرُّسومُ وتهمدُ | |
ولا تمَّحي الآياتُ من دارِ حرمةٍ | بها منبرُ الهادي الَّذي كان يصعدُ | |
وواضحُ آياتٍ وباقي معالمٍ | وربعٌ له فيه مصلىً ومسجدُ....[٤] |
المراثي عند العرب
نشأت المراثي عند العرب منذ العصر الجاهلي حيث برز في الساحة بعض الشعراء كالخنساء وليلى الأخيلية ولبيد وأوس بن حجر.[٥]
مراثي أهل البيت
لم يكن النبي الأعظم وأهل بيته بأقل حظاً في المراثي من غيرهم، بل كان لهم النصيب الأوفر في ذلك نظراً إلى امتداد المراثي التي سبقتهم من العصر الجاهلي والبيئة التي كانوا فيها، ففضلاً على ما تقدم من رثاء حسّان شاعره ,فهناك مراثي ابنته السيدة فاطمة الزهراء في حق أبيها وذلك بعد وفاته وهي قد أخذت قبضة من تراب قبر النبي ، فوضعتها على عينها، ثم قالت :
ماذا على من شم تربة أحمد | أن لا يشم مدى الزمان غواليا | |
صبت على مصائب لو أنها | صبت على الأيام صرن لياليا[٦] |
وفي مقام شهادات أهل البيت عليهم السلام مراثي كثيرة، فمن ذلك ما قيل في الإمام أمير المؤمنين ، ويكثر قرائتها في ليلة شهادته:
قُم ناشد الإِسلامَ عن مُصابه | أُصيب بالنبيّ أم كتابه | |
أم أنَّ ركب الموت عنه قد سرى | بالرُّوح محمولاً على ركابه | |
بل قضى نفسُ النبيّ المرتضى | وأُدرج الليلة في أثوابه...[٧] |
وكذلك ما يُنعى بها السيدة الزهراء وهو قول الإمام علي بعد وفاتها:
مالي وقفت على القبور مسلما | قبر الحبيب فلم يرد جوابي | |
أحبيب ما لك لا ترد جوابنا | أنسيت بعدي خلة الأحباب...[٨] |
وهنالك مراثي لبقية الأئمة ذكرتها الكتب، كما أنّ للمصيبة العظمى واقعة الطف وشهادة الإمام الحسين الأثر الأكبر في المراثي حيث طوّرتها وحوّلتها من قالب الإلقاء والإنشاد إلى مجالس التعازي كما نشاهدها اليوم في الحسينيات والتشابيه التي تقرأ فيها المصيبة بالطريقة الخاصة وفضلاً على ذلك ما نراه في المواكب بشتى أقسامها: مواكب الزنجيل أو الضرب بالسلاسل، ومواكب اللطم، ومواكب الدمّام وهي إعلان للحداد وبداية للحزن البكاء.[٩]
- ومن الأئمة التي رثى نفسه في حياته بأبيات من الشعر الإمام أبو الحسن الرضا حيث أدرج بيتين من الشعر في ضمن قصيدة دعبل بن علي الخزاعي، وذلك عند ولاية عهده في طوس وفي خلافة المأمون العباسي:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة | ألحت على الأحشاء بزفرات | |
إلى الحشر حتى يبعث الله قائما | يفرج عنا الغم والكربات[١٠] |
الهوامش
- ↑ النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب: ص1749.
- ↑ الصدوق، عيون أخبار الرضا: ج1، ص220.
- ↑ ابن حمدون، التذكرة الحمدونية: ج4، ص197.
- ↑ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب: ج1، ص210.
- ↑ المبرد، التعازي والمراثي: ص9.
- ↑ ابن قدامة، المغني: ج2، ص411.
- ↑ حيدر الحلي، ديوانه: ج1، ص26.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار: ج43، ص217.
- ↑ احسان فضلي، فلسفة الشعائر الحسينية.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار: ج49، ص248.
المصادر
- ابن حمدون، محمد بن الحسن، التذكرة الحمدونية، تحقيق: احسان عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1996 م.
- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1956 م.
- ابن قدامة، عبدالله بن أحمد، المغني، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، د ت.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق: محمد باقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 هـ.
- الحلي، حيدر بن سليمان الحلي، ديوان السيد حيدر الحلي، تحقيق: علي الخاقاني، د ن، د م، د ت.
- الشيخ الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، تحقيق: حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1404 هـ.
- موسوعة الشعر العربي، مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، الإصدار الأول، 2009م.