منطقة الفراغ

من ويكي شيعة
(بالتحويل من نظرية منطقة فراغ)

منطقة الفَراغ، نظرية في الفقه الشيعي، تتحدث عن وجود مساحة فارغة من التشريع في الشريعة الإسلامية، وقد ذكرها السيد محمد باقر الصدر (1353 - 1400 هـ) في كتاب «اقتصادنا»، فبناء على هذه النظریة ترك الإسلام المجال للحاكم الإسلامي (وليّ الأمر) أن يشرّع لبعض المسائل الاجتماعية بالاعتماد على ظروف ومقتضيات الزمان.

وقيل إن جذور هذه النظرية تعود إلى آراء بعض الفقهاء المتقدمين على السيد الصدر، كـالشيخ محمد حسين النائيني، وقد أورد بعض المحققين إشكالات عليها.

النظرية ومؤسسها

منطقة الفراغ معناها وجود مساحة في الدين ليس لها تشريع في الخصوص، فبناء على هذه النظرية لم يشرّع الدين حكما في بعض المسائل الاجتماعية، وترك المجال للحاكم الإسلامي أن يشرّع لها بالنظر إلى القواعد العامة ومقتضيات الظروف.[١]

هذه النظرية قدّمها السيد محمد باقر الصدر، الفقيه والمفكر الشيعي، في كتابه «اقتصادنا».[٢] وله آراء وتأليفات في مجال الفقه، والأصول، والفلسفة، والاقتصاد.[٣]

بيان النظرية

ذهب السيد الصدر في كتابه «اقتصادنا» إلى أن التشريع الاقتصادي للحياة الاقتصادية في الإسلام يشتمل على جانبين:

  • ما شرّع له الإسلام أحكاماً خاصة، بحيث لا يقبل التغيير والتبديل.
  • ما ترك الإسلام التشريع فيه للدولة الإسلامية أو ولي الأمر، وذلك وفقاً لمقتضيات ذلك الزمان.

[٤] وأطلق الصدر على هذا الجانب «منطقة الفراغ»، وقال إن النبي (ص) قد ملأ هذا الفراغ بما كانت تتطلبه أهداف الشريعة على ضوء الظروف التي كان المجتمع الإسلامي يعيشها، ولكن ليس بوصفه نبياً، بل بوصفه ولي الأمر وحاكم الدولة الإسلامية، حيث كلّفته الشريعة أن يملأ هذا الفراغ وفقا للظروف. ويرى الصدر أن هذا القسم من تشريع النبي (ص) ليس أزلياً، ولا يعتبر من ثوابت التشريع الاقتصادي في الإسلام.[٥]

أهمية وجود منطقة الفراغ

أكّد السيد الصدر على ضرورة وجود منطقة الفراغ في الشريعة الإسلامية، فقال في كتابه اقتصادنا: «إن تقويم المذهب الاقتصادي في الإسلام لا يمكن أن يتمّ بدون إدراج منطقة الفراغ ضمن البحث.» فيعتقد الصدر أنّ التغافل في الاهتمام بالمناطق الفارغة من التشريع في الإسلام يؤدي إلى إهمال عناصر مهمة في الاقتصاد الإسلامي.[٦]

ويرى السيد كاظم الحائري من تلامذة السيد الصدر أنّ الدليل الذي اعتمد عليه الصدر في إبداع هذه النظرية هي التطورات الاقتصادية المتعاقبة في شتى الأماكن والأزمنة، وأنّ الأحكام الإسلامية أحكام عالمية غير مختصّة بشريعة الإسلام.

ويردف الحائري أنّ علاقة الإنسان بالطبيعة تتحول إثر التطورات التكنولوجية عبر الزمن، فبما أن الإسلام يجب أن يقدّم حلولا تتناسب مع هذه التغيّرات لا بدّ أن تكون هناك منطقة فراغ يتمكّن الحاكم الإسلامي أن يشرّع فيها بإرادته لما يراه مناسبا لتحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة في الإسلام.[٧]

خلفية النظرية

نظرية منطقة الفراغ من إبداعات السيد محمد باقر الصدر، مع هذا فإنّ البعض يعتقد بأنّ أصل هذه النظرية يعود إلى ما حمله علماء المسلمين من آراء في الخصوص، حيث قاموا بمقارنتها مع نظرية المصالح المرسلة في فقه أهل السنة.[٨]

ويقال إنّه يوجد جملة من الإشارات إلى نظرية منطقة الفراغ في كتب بعض فقهاء الشيعة كـالشيخ الأنصاري،[٩] إلا إنّ الشيخ محمد حسين النائيني كان له الحظّ الأوفر في طرح عناصر هذه النظرية، حيث تحدّث في كتابه «تنبيه الأمة وتنزيه الملة» عن أحكام شرعية لم ترد فيها آية أو رواية، ومن هنا قال النائيني إنّ تشريع هذه الأحكام قد فُوّض أمرها إلى الفقهاء في عصر غيبة الإمام المهدي (ع).[١٠]

انتقادات

إنّ نظرية منطقة الفراغ حظيت بالاهتمام في كثير من البحوث العلمية، حيث قام بعض الباحثين بالدفاع عنها، فيما وجّه آخرون انتقادات لها، فقال بعض إنّ هذه النظرية تفصح عن مضامين مهمّة حول روايات الحكومة الإسلامية وغيرها؛ إلاّ أنها لم تعط ضابطا في التمييز بينهما.[١١] كما أشكل بعض على قول السيد الصدر: باختصاصه منطقة الفراغ بالأحكام غير الإلزامية، وقالوا: إذا ثبتت منطقة الفراغ في الدّين فلا دليل على اختصاصها بالأحكام غير الإلزامية.[١٢]

وقد أشكل بعض على هذه النظرية لمعارضتها للآيات والروايات الدالة على كمال الدين وشمولية الشريعة الإسلامية.[١٣] إلا أنّ السيد الصدر قد إلتفت إلى هذا الإشكال، وأجاب عنه بأنّ وجود منطقة فراغ في الشريعة‌ الإسلامية لا يعدّ نقصا وإهمالا في أمر التشريع، حيث إن الشريعة لم تغفل عن هذه المنطقة، بل فوّضت أمر التشريع فيها إلى الحاكم الإسلامي (وليّ الأمر) بحسب مقتضيات الظروف، فعلى هذا الأساس تعبّر منطقة الفراغ عن «استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة».[١٤]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. الصدر، اقتصادنا، ص 443.
  2. الصدر، اقتصادنا، ص 443.
  3. الحسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 90.
  4. الصدر، اقتصادنا، ص 443.
  5. الصدر، اقتصادنا، ص 444.
  6. الصدر، اقتصادنا، ص 444.
  7. الحسيني الحائري، «اقتصاد اسلامي و روش كشف آن از ديدگاه شهيد صدر رحمه الله»، ص 29.
  8. الحسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 91.
  9. الحسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 92.
  10. الحسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 92.
  11. الحسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 96.
  12. حسيني، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، ص 94.
  13. القائدي، «تحليل و ارزيابي نقدهاي موجود بر نظريه منطقة‌الفراغ شهيد صدر»، ص 148.
  14. الصدر، اقتصادنا، ص 803، 804.

المراجع والمصادر

  • الحسيني الحائري، السيد كاظم، «اقتصاد اسلامي و روش كشف آن از ديدگاه شهيد صدر رحمه الله»، ترجمة: أحمد علي اليوسفي، مجلة اقتصاد اسلامي، رقم 1، 1380 هـ ش.
  • الحسيني، السيد علي، «بازشناسي، تحليل و نقد نظريه منطقه الفراغ»، مجلة انديشه صادق، رقم 6 و 7، 1381 هـ ش.
  • الصدر، السيد محمد باقر، اقتصادنا، تحقيق: المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، قم، پژوهشگاه علمي‌تخصصي شهيد صدر، 1424 هـ.
  • القائدي، عبد المجيد، «تحليل و ارزيابي نقدهاي موجود بر نظريه منطقة‌الفراغ شهيد صدر» مجلة حكمت اسلامي، رقم 70، 1392 هـ ش.