نص:خطبة فاطمة الصغرى في الكوفة

من ويكي شيعة
رَوَى زَيْدُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عليه السلام قَالَ خَطَبَتْ فَاطِمَةُ الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ مِنْ كَرْبَلَاءَ، فَقَالَتْ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ الرَّمْلِ والْحَصَى وزِنَةَ الْعَرْشِ إِلَى الثَّرَى. أَحْمَدُهُ، وأُؤْمِنُ بِهِ، وأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ (ص)، وأَنَّ وُلْدَهُ ذُبِحُوا بِشَطِّ الْفُرَاتِ بِغَيْرِ ذَحْلٍ ولَا تِرَاتٍ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَرِيَ عَلَيْكَ الْكَذِبَ وأَنْ أَقُولَ عَلَيْكَ خِلَافَ مَا أَنْزَلْتَ مِنْ أَخْذِ الْعُهُودِ لِوَصِيِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَسْلُوبِ حَقُّهُ الْمَقْتُولِ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، كَمَا قُتِلَ وُلْدُهُ بِالْأَمْسِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَعْشَرٌ مُسْلِمَةٌ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَعْساً لِرُؤوسِهِمْ مَا دَفَعَتْ عَنْهُ ضَيْماً فِي حَيَاتِهِ ولَا عِنْدَ مَمَاتِهِ حَتَّى قَبَضْتَهُ إِلَيْكَ؛ مَحْمُودَ النَّقِيبَةِ، طَيِّبَ الْعَرِيكَةِ، مَعْرُوفَ الْمَنَاقِبِ، مَشْهُورَ الْمَذَاهِبِ، لَمْ يَأْخُذْهُ اللَّهُمَّ فِيكَ لَوْمَةُ لَائِمٍ، ولَا عَذْلُ عَاذِلٍ هَدَيْتَهُ ـ يَا رَبِّ ـ لِلْإِسْلَامِ صَغِيراً، وحَمِدْتَ مَنَاقِبَهُ كَبِيراً، ولَمْ يَزَلْ نَاصِحاً لَكَ ولِرَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وآلِهِ حَتَّى قَبَضْتَهُ إِلَيْكَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا غَيْرَ حَرِيصٍ عَلَيْهَا رَاغِباً فِي الْآخِرَةِ مُجَاهِداً لَكَ فِي سَبِيلِكَ رَضَيْتَهُ. فَاخْتَرْتَهُ، وهَدَيْتَهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

أما بعد :

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ! يَا أَهْلَ الْمَكْرِ والْغَدْرِ والْخُيَلَاءِ! فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ ابْتَلَانَا اللَّهُ بِكُمْ وابْتَلَاكُمْ بِنَا، فَجَعَلَ بَلَاءَنَا حَسَناً، وجَعَلَ عِلْمَهُ عِنْدَنَا، وفَهْمَهُ لَدَيْنَا؛ فَنَحْنُ عَيْبَةُ عِلْمِهِ ووِعَاءُ فَهْمِهِ وحِكْمَتِهِ وحُجَّتُهُ فِي الْأَرْضِ لِبِلَادِهِ ولِعِبَادِهِ. أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ، وفَضَّلَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ (ص) عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا بَيِّناً، فَكَذَّبْتُمُونَا، وكَفَّرْتُمُونَا، ورَأَيْتُمْ قِتَالَنَا حَلَالًا وأَمْوَالَنَا نَهْباً كَأَنَّا أَوْلَادُ تُرْكٍ أَوْ كَابُلٍ، كَمَا قَتَلْتُمْ جَدَّنَا بِالْأَمْسِ وسُيُوفُكُمْ تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لِحِقْدٍ مُتَقَدِّمٍ قَرَّتْ بِذَلِكَ عُيُونُكُمْ، وفَرِحَتْ قُلُوبُكُمْ افْتِرَاءً مِنْكُمْ عَلَى اللَّهِ ومَكْراً مَكَرْتُمْ واللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ. فَلَا تَدْعُوَنَّكُمْ أَنْفُسُكُمْ إِلَى الْجَذَلِ بِمَا أَصَبْتُمْ مِنْ دِمَائِنَا، ونَالَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا؛ فَإِنَّ مَا أَصَابَنَا مِنَ الْمَصَائِبِ الْجَلِيلَةِ والرَّزَايَا الْعَظِيمَةِ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ؛ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ واللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ.

تَبّاً لَكُمْ، فَانْتَظِرُوا اللَّعْنَةَ والْعَذَابَ، وكَأَنْ قَدْ حَلَّ بِكُمْ، وتَوَاتَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَقِمَاتٌ، فَيُسْحِتَكُمْ بِمَا كَسَبْتُمْ، ويُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ثُمَّ تُخَلَّدُونَ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا ظَلَمْتُمُونَا، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ. :وَيْلَكُمْ! أَ تَدْرُونَ أَيَّةَ يَدٍ طَاعَنَتْنَا مِنْكُمْ؟! وأَيَّةَ نَفْسٍ نَزَعَتْ إِلَى قِتَالِنَا؟! أَمْ بِأَيَّةِ رِجْلٍ مَشَيْتُمْ إِلَيْنَا تَبْغُونَ مُحَارَبَتَنَا؟! قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، وغَلُظَتْ أَكْبَادُكُمْ، وطُبِعَ عَلَى أَفْئِدَتِكُمْ، وخُتِمَ عَلَى سَمْعِكُمْ وبَصَرِكُمْ، وسَوَّلَ لَكُمُ الشَّيْطَانُ، وأَمْلَى لَكُمْ، وجَعَلَ عَلَى بَصَرِكُمْ غِشَاوَةً، فَأَنْتُمْ لَا تَهْتَدُونَ.

تَبّاً لَكُمْ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ! أَيُّ تِرَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ قِبَلَكُمْ وذُحُولٍ لَهُ لَدَيْكُمْ بِمَا عَنِدْتُمْ بِأَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع جَدِّي وبَنِيهِ عِتْرَةِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِينَ الْأَخْيَارِ؟ وافْتَخَرَ بِذَلِكَ مُفْتَخِرُ[كُم]، فَقَالَ:

نَحْنُ قَتَلْنَا عَلِيّاً وبَنِي عَلِيٍّبِسُيُوفٍ هِنْدِيَّةٍ ورِمَاحٍ‏
وَ سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ سَبْيَ تُرْكٍوَنَطَحْنَاهُمْ، فَأَيَّ نِطَاحٍ!‏
بِفِيكَ ـ أَيُّهَا الْقَائِلُ ـ الْكَثْكَثُ، ولَكَ الْأَثْلَبُ افْتَخَرْتَ بِقَتْلِ قَوْمٍ زَكَّاهُمُ اللَّهُ، وطَهَّرَهُمْ، وأَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ؛ فَاكْظِمْ، وأَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوكَ، وإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ حَسَدْتُمُونَا. وَيْلًا لَكُمْ عَلَى مَا فَضَّلَنَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ!
فَمَا ذَنْبُنَا أَنْ جَاشَ دَهْراً بُحُورُنَاوَ بَحْرُكَ سَاجٍ لَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا

ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ

قَالَ: فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ، وقَالُوا: حَسْبُكِ يَا ابْنَةَ الطَّيِّبِينَ، فَقَدْ أَحْرَقْتِ قُلُوبَنَا، وأَنْضَجْتِ نُحُورَنَا، وأَضْرَمْتِ أَجْوَافَنَا، فَسَكَتَتْ.[١]

الهوامش

  1. ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف في قتلى الطفوف، قم، أنوار الهدى، الطبعة الأولى، 1417هـ، ص 88؛ ابن نما الحلي، محمد بن جعفر، مثير الأحزان، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1950 م، ص 67.