قال حذيم بن شريك الأسدي: خرج زين العابدين عليه السلام إلى الناس وأومَأَ إلَى النّاسِ أنِ اسكُتوا، فَسَكَتوا، فَقامَ قائِما، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عَلَيهِ، وذَكَرَ النَّبِيَّ بِما هُوَ أهلُهُ فَصَلّى عَلَيهِ، ثُمَّ قالَ:

أيُّهَا النّاسُ! مَن عَرَفَني فَقَد عَرَفَني، ومَن لَم يَعرِفني فَأَنَا اُعَرِّفُهُ بِنَفسي: أنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ، أنَا ابنُ المَذبوحِ بِشَطِّ الفُراتِ مِن غَيرِ ذَحلٍ ولا تِراتٍ، أنَا ابنُ مَنِ انتُهِكَ حَريمُهُ وسُلِبَ نَعيمُهُ وَانتُهِبَ مالُهُ وسُبِيَ عِيالُهُ، أنَا ابنُ مَن قُتِلَ صَبرا وكَفى بِذلِكَ فَخرا .

أيُّهَا النّاسُ! ناشَدتُكُمُ اللّه َ، هَل تَعلَمونَ أنَّكُم كَتَبتُم إلى أبي وخَدَعتُموهُ، وأعطَيتُموهُ مِن أنفُسِكُمُ العَهدَ وَالميثاقَ وَالبَيعَةَ وقاتَلتُموهُ وخَذَلتُموهُ؟! فَتَبّا لِما قَدَّمتُم لِأَنفُسِكُم وسوءا لِرَأيِكُم، بِأَيَّةِ عَينٍ تَنظُرونَ إلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إذ يَقولُ لَكُم: قَتَلتُم عِترَتي وَانتَهَكتُم حُرمَتي فَلَستُم مِن اُمَّتي؟

قالَ الرّاوي: فَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ، ويَقولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ: هَلَكتُم وما تَعلَمونَ! فَقالَ عليه السلام: رَحِمَ اللّه ُ امرَأً قَبِلَ نَصيحَتي وحَفِظَ وَصِيَّتي فِي اللّه ِ وفي رَسولِهِ وأهلِ بَيتِهِ، فَإِنَّ لَنا في رَسولِ اللّه ِ اُسوَةً حَسَنَةً .

فَقالوا بِأَجمَعِهِم: نَحنُ كُلُّنا يَابنَ رَسولِ اللّه ِ سامِعونَ مُطيعونَ، حافِظونَ لِذِمامِكَ غَيرَ زاهِدينَ فيكَ ولا راغِبينَ عَنكَ، فَأمُرنا بِأَمرِكَ يَرحَمُكَ اللّه ُ، فَإِنّا حَربٌ لِحَربِكَ وسِلمٌ لِسِلمِكَ، لَنَأخُذَنَّ يَزيدَ ونَبرَأُ مِمَّن ظَلَمَكَ وظَلَمَنا .

فَقالَ عليه السلام: هَيهاتَ هَيهاتَ! أيُّهَا الغَدَرَةُ المَكَرَةُ، حيلَ بَينَكُم وبَينَ شَهَواتِ أنفُسِكُم، أتُريدونَ أن تَأتوا إلَيَّ كَما أتَيتُم إلى أبي مِن قَبلُ؟! كَلّا ورَبِّ الرّاقِصاتِ، فَإِنَّ الجُرحَ لَمّا يَندَمِل، قُتِلَ أبي صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ بِالأَمسِ وأهلُ بَيتِهِ مَعَهُ، ولَم يُنسِني ثُكلَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وثُكلَ أبي وبَني أبي، ووَجدُهُ بَينَ لَهَواتي، ومَرارَتُهُ بَينَ حَناجِري وحَلقي، وغُصَصُهُ تَجري في فِراشِ صَدري، ومَسأَلَتي أن لا تَكونوا لَنا ولا عَلَينا .

ثم قال (ع):

[١]
لا غَروَ إن قُتِلَ الحُسَينُ وشَيخُهُ قَد كانَ خَيرا مِن حُسَينٍ وأكرَما
فَلا تَفرَحوا يا أهلَ كوفانَ بِالَّذي أصابَ حُسَينا كانَ ذلِكَ أعظَما
قَتيلٌ بِشَطِّ النَّهرِ روحي فِداؤُهُ جَزاءُ الَّذي أرداهُ نارُ جَهَنَّما

المصادر والهوامش

  1. الطبرسي، الاحتجاج، تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، النجف الأشرف، دار النعمان، 1966 م، ج 2، ص 31.