طوفان نوح

^{النبي نوح وقومه - كتاب مرقع كلستان - القرن الحادي عشر الهجري.}

طوفان نوح هو العذاب الإلهي الذي نزل على قوم نوح بسبب عبادة الأصنام. دعا نوح(ع) الناس إلى عبادة الله تعالى لمدة 950 عام، ولم يؤمن به طوال تلك السنوات إلا القليل منهم، فلعنهم نوح، وأنزل الله تعالى عليهم الطوفان؛ ليعذبهم به. ويوجد اختلاف فيما إذا كان الطوفان إقليمي أم عالمي، و زمان وقوعه ومدته.

تُعد قصة طوفان نوح(ع) من القصص التي انتشرت بين مختلف شعوب العالم وقبائله، وقد ورد ذكرها في المصادر القديمة، حيث يُعتبر أقدم مصدر له هو الرواية السومرية. وتفاصيل هذه الحادثة مختلفة في هذه المصادر.

قصة طوفان نوح(ع)

وبحسب ما ورد في القرآن الكريم، إن طوفان نوح كان عذاب إلهي من أجل القضاء على قوم النبي نوح المشركين. فهم كانوا وبحسب الآيات القرآنية يعبدون أصناماً متعددة اسمها «وَدَّ»، «سُوَاع»، «يَغُوث»، «يَعُوق»، و«نَسر». وقد ورد في القرآن أن نبي الله نوح(ع) سعى جاهداَ لهدايتهم، ولكنه في نهاية المطاف لم يوفق في هدايتهم، ولم يؤمن به بعد فترة طويلة إلا عدد قليل من الناس. بحسب ما جاء في القرآن الكريم، إن قوم نوح كذبوه وعللوا عدم قبول نبوته بجملة من الأدلة، منها: إنما أنت بشر مثلنا، وما اتبعك إلا أراذ لنا لا رأي لهم، وما نرى لك علينا من فضل. وجاء في القرآن الكريم أن نوح دعا قومه إلى التوحيد لمدة 950 سنة.

وبعدها أوحى الله تعالى لنوح(ع) أنه لم يؤمن من قومه إلا من آمن، ولعنهم نوح وقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً. وذكر الطبرسي في مجمع البيان، وعلى إثر هذا اللعن أصيب الرجال والنساء بالعقم، ولم يولد لهم ولد لمدة أربعين سنة، وعمت المجاعة في كل مكان، حتى فقدوا كل ما لديهم وأصبحوا فقراء وبائسين. فقال لهم نوح: استغفروا ربكم إنه كان غفارا. لكن قوم نوح(ع) لم يستجيبوا لدعوته، وأمروا بعضهم البعض ألا ينسوا آلهتهم. وبعد هذا استجاب الله تعالى لنوح(ع) وأهلك جميع المشركين بالطوفان.

وقد ذكر القرآن الكريم طوفان نوح 12 مرة، وتأتي ذكر قصة طوفان نوح في القرآن، ضمن أهداف القصص القرآنية، والتي مع تكرارها لم يتم ذكر تفاصيلها. ويرى بعض الباحثين أنه في المصادر التاريخية والروائية، أضيفت تفاصيل مختلفة ومتعددة إلى قصة طوفان نوح(ع)، الكثير منها عبارة عن خرافات.

سعة الطوفان

يرى بعض المفسرين أنَّه على الرغم من عدم وجود نص صريح في القرآن، فيما إذا كان الطوفان إقليمي أم عالمي؛ إلا أنه من خلال ظاهر الآيات القرآنية أنَّ الطوفان لم يكن لمنطقة من الأرض دون أخرى، بل غطى كل سطح الأرض؛ لأنّ كلمة «الأرض» بوجهة نظرهم وردت بشكل مطلق في الآيات التي أشارت إلى طوفان نوح، ولم يتم تحديدها بمنطقة معينة. كما أنّ مسألة اختيار نوح(ع) من كل نوع من الحيوانات زوجين وحملها معه على السفينة، يؤيد كون الطوفان عالميّا.

يستدل العلامة الطباطبائي بالآية 43 من سورة هود، و26 من سورة نوح، و77 من سورة الصافات لإثبات عالمية الطوفان. وذكر أيضاً أن الأبحاث الجيولوجية تُثبت أيضاُ عالمية طوفان نوح(ع). وذكر مكارم الشيرازي أيضاً أنَّه في التاريخ الطبيعي هناك فترة تُدعى فترة الأمطار ذات السيول، فلو لم تكن هذه الفترة الزمنية قبل تولّد الحيوانات، فهي تنطبق على طوفان نوح(ع). وقد رفض البعض عالمية الطوفان؛ لأنَّه يظهر من فحص الألواح القديمة، بما فيها السومرية، والبابلية، واليهودية، أن طوفان نوح(ع) لم يكن عالمياً.

الكعبة في طوفان نوح

جاء في بعض الروايات أن أرض الكعبة في أثناء طوفان نوح(ع) هي المكان الوحيد الذي لم يُغمر بالماء ونجا من الطوفان. وقيل: إن البيت العتيق أُطلق على الكعبة لأنه نجا من طوفان نوح. وكما جاء في بعض المصادر أن جبرئيل أخذ الكعبة إلى السماء الرابعة بأمر الله تعالى، حتى لا تتضرر في الطوفان.

الطوفان في المصادر القديمة

تعتبر قصة طوفان نوح(ع) وبحسب جيمس فريزر من القصص التي لاقت رواجاً كبيراً، بين مختلف دول وشعوب العالم، بما في ذلك الشرق الأدنى والهند، وبورما، والصين وجزر المالديف، وأستراليا، وجزر المحيط الهادئ، وجزر القمر، وفي المجتمعات ذات البشرة الحمراء، وتختلف رواياتهم كثيراً عن بعضها البعض.

الاختلاف بين الرواية القرآنية والمصادر القديمة حول طوفان نوح(ع)

1. من بين جميع الألواح القديمة التي تحدثت عن طوفان نوح، فقط القرآن الكريم هو الذي قدم نوح على أنه من أنبياء الله تعالى.
2. بحسب آيات القرآن الكريم، فإن الذين آمنوا بنوح نجوا من الطوفان، بينما في المصادر الروائية الأخرى لم ينجو من الطوفان إلا آل نوح.
3. في قصة القرآن الكريم، زوجة نوح(ع) وابنه ليسا من الناجين، بينما في المصادر القديمة هما من الناجين.
4. في رواية القرآن الكريم لا يوجد تضارب وتناقض في طرح قصة طوفان نوح، أما في المصادر القديمة فالأمر خلاف ذلك.
5. رواية القرآن الكريم هي الرواية الوحيدة المنزه عن الماديات، على عكس الروايات الأخرى.
6. في الرواية القرآنية لم يظهر فيها الله تعالى ندمه على الطوفان، بخلاف بعض النصوص الأخرى.

بداية الطوفان

بحسب ما ورد في القرآن الكريم إن نقطة انطلاق الطوفان كان من التنور«فارَ التَّنُّورُ». يرى بعض المفسرين أن المقصود من كلمة التنور تعني «آبار الأرض»، وذهب البعض الآخر أن التنور هو التنور الذي كانت تخبز به حواء، وذكرت جماعة أن موقع التنور هو مسجد الكوفة الحالي، وذهب فريق آخر إلى أنها تعني فلق الصبح وتنوير الفجر. يقول بيومي بعدما نقل القول الأخير الذي يُنسب إلى الإمام علي، على الرغم من أن ابن كثير اعتبر هذا القول غريب؛ إلا أنَّه أكثر قبولاً من جميع الأقوال الأخرى المختلفة، بالإضافة إلى أن هذه الرواية متوافقة مع النصوص القديمة.

ذهب العلامة الطباطبائي أن في التنور أقوال أخرى بعيدة من الفهم، مثل طلوع الفجر، وأعلى الأرض وأشرفها أي انفجر الماء من الأمكنة المرتفعة ونجود الأرض.

زمان وقوع الطوفان ومدته

لم يرد في القرآن الكريم زمان وقوع الطوفان ومدته، ولكن ورد في بعض الأحاديث أن الطوفان حدث عندما كان عمر نوح(ع) 1900 سنة، وأخرى في عمر 600 سنة، وأخرى في 1200 سنة. كما جاء في التوراة أن الطوفان بدأ في اليوم السابع عشر من الشهر الثاني سنة 600 من حياة نوح، واستمر على الأرض أربعين يوماً وارتفعت المياه 15 مترا، واستغرق الأمر حوالي 150 يومًا حتى غارت المياه.

وذهب البعض أن بداية طوفان نوح كان في العاشر من شهر رجب. وقد روى الكثير من المؤرخين أنه في طوفان نوح(ع) أتصل الماء من السماء والأرض أربعين يوماً، وذكر البعض أن الطوفان استمر لمدة 6 أشهر، والبعض الآخر 150 يوماً، والبعض 5 أشهر، والبعض 13 شهراً، والبعض 27 يوماً. وروى العلامة المجلسي في كتابه «تاريخ الأنبياء» حديث يعتبره صحيحاً أن نوحًا وقومه لبثوا في السفينة سبعة أيام وليالٍ.

ويوجد أيضاً اختلاف فيما يتعلق بكمية الماء المرتفعة، وبحسب ما ورد في القرآن الكريم بأنّه لن يكون هناك مكان آمن للكافرين، ولا حتى أعلى جبال الأرض، ويمكن الاستنتاج من ذلك أن كمية المياه المرتفعة كانت إلى حد أنها شملت أعلى الجبال، وقد ذكر البعض أن حج الماء كان 15 ذراع، وقال البعض إنَّه 80 ذراع.

الدراسات

• تحقیقی پیرامون طوفان نوح(ع) (تحقيق حول طوفان نوح(ع))، لرسول سعيد زاده، انتشارات لاهيجي، ط1، 1378ش، 88 صفحة.
• زندگی پر ماجرای نوح(ع) آموزه‌ها و عبرت‌ها (قصة حياة نوح(ع) دروس وعبر)، ناصر مكارم الشيرازي، منشورات الإمام علي بن ابي طالب(ع)، ط1، ١٣٩١ش، ٢٣٢ صفحة. وقد خُصص الفصل السادس من هذا الكتاب لقصة طوفان نوح.

مواضيع ذات صلة

• سورة نوح
• النبي نوح
• سفينة نوح
• ابن نوح