تكية
المصاب الحسيني |
تكيه، محل اجتماع الصوفيين أو مزار مشايخ الصوفية، أو محل إقامتهم المؤقتة أثناء السفر، أو النُزُل المجّانية التي يسكنها الزوّار في المدن ذات المزارات الدينية، وفي إيران هي مكان إقامة مراسم العزاء على أئمة أهل البيت والرموز الدينية وبالأخص أيام محرم.
مفهوم التكية
كلمة (تكيه) مأخوذة من الاتكاء والاعتماد على شيء، والاستراحة، أو الشيء الذي يُتّكأ عليه، وهي مستعملة في اللغة الفارسية منذ القديم، وهذه الكلمة بالاضافة إلى استعمالها في اللغة الفارسية، تستعمل في اللغتين التركية والعربية أيضاً كمعنىً اصطلاحي.[١]
قيل أيضاً: تسمى تكايا (جمع تكية) لاتّكاء (اي اعتماد) ساكني هذه النُزل والأماكن على التبرعات وأموال الأوقاف التي يقدّمها المحسنون،[٢] وهذه المفردة بهذا الاستعمال ليست من المفردات العربية البتة.
وفي بعض البلدان تسمى التكية بالحسينية أو المأتم،[٣] كما في البحرين.
التكية في إيران
كانت التكايا في العصر الصفوي في أصفهان صوفية الأعمال والظاهر، وقد كان الإيرانيون يسمون الصومعة أو الدير تكية.[٤]
ولكن بسبب انتشار مذهب التشيع والنزاعات الطائفية والحروب التي خاضتها الدولة الصفوية أو السياسات السلبية الخاطئة التي كانت تتّبعها تجاه الصوفيين أدى إلى خراب التكايا وتبديلها بمراكز تردد العصابات والأوباش.[٥]
وفي عهد القاجاريين صار للتكية في أصفهان مفهوماً مختلفاً عمّا كان عليه، فأطلق هذا الاسم على مزار للزُهّاد والشخصيات المعروفة في مقبرة تخت فولاد أو تختبولاد الذي كان في العادة محلاً للتجمع والتعبّد.[٦]
أيضاً يوجد غير هذه المقبرة أماكن أخرى في أصفهان بها مثل هذه التكايا، ومنها:
- تكيه الهيه أو التكية الإلهية في منطقة (جهارباغ) وبها قبر الشاعر والأديب محمد كاظم واله الأصفهاني المتوفى سنة 1229 هـ.[٧]
وفي شيراز كان لتكايا الصوفيين ـ إلى عصر القاجارية ـ ازدهاراً ونظارة، ومنها:
- تكيه جهل تنان أو (الأربعون شخصية) وفيها قبر الشاعر بسحق اطعمه أو أبو إسحاق أطعمة.
- هفت تنان أو (السبع شخصيات).[٨]
وفي القرون اللاحقة في أيام القاجارية صار يطلق اسم تكية حتى على قبر سعدي الشيرازي وحافظ الشيرازي.[٩]
في الدولة الصفوية
في أواخر الدولة الصفوية ومع انتشار التشيع في إيران، صار استعمال تكية يتغير بالتدريج، فأغلب التكايا صارت للاستماع إلى ما يُقرأ فيها، والرقص، ثم بعد ذلك استعملت لإقامة مراسم العزاء على سيد الشهداء،[١٠] وهذا التحوّل صار بشكل أوضح بالأخص في المدن الكبرى التي لها أسبقية في وجود التشيع فيها، كما في كاشان التي بها تكية بانخل في أول السوق والتي كانت مركزاً لتوزيع الأعلام والرايات وأدوات المستعملة في هذه المراسم.[١١]
وفي قزوين مركز وعاصمة الدولة الصفوية في فترة حكم شاه طهماسب الأول (930 ــ 984 هـ) انتشر هذا النحو من الاستعمال للتكايا بشكل واسع، فصارت التكايا مراكز للأنشطة الثقافية المتعددة ومنها: مراسم العزاء، وفي بعض الأوقات ـ بالأخص ليالي شهر رمضان ـ كانت تقام مناظرات أدبية ومساجلات شعرية وأيضاً محاضرات وخطابة، كانت هذه المراسم تقام في غرف التكية والتي كان تزيينها وترتيبها على عاتق الشباب من أهل الحارة والمحل، وكان الأثرياء يوفرون الحلويات والشموع والأسرجة (الإضاءة)،[١٢] ومع هذا الذي تقدم إلاّ أنّ السياح والاوربيين اعتبروا التكية نوعاً من المقاهي والنُزل.[١٣]
في الحكومة القاجارية
وفي أيام القاجارية أخذت التكية مفهوماً آخر وهو ما عليه الفهم العام في إيران للكلمة وهو أنها أصبحت محلاً لإقامة التعزية لمصاب أبي عبد الله ، فانتشرت بحيث ندر استعمالها كمحل إقامة للصوفية ويهذا الاسم، ولذلك قيل: كانوا في هذه الفترة إذا أرادوا بناء محل لإقامة التعزية أو بناء محل تقام فيه هذه المراسم، كانوا يسمونها تكية،[١٤] وأخذ التكايا بهذا المعنى في الازدهار والانتشار فترة حكم ناصر الدين شاه (1262 ـ 1312 هـ) حتى ثورة المشروطة
في أفغانستان
(التكية) في أفغانستان أشبه ما تكون بالمقاهي. وقد تحدث الفينستون في أوائل القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي عن التكايا في مدينتي غزنين وكابل، وقال بأن هناك مجموعات مختلفة من الناس تقضي فيها أوقاتها باتعمال القليون و(عصير القنب الهندي) ويسمون الشيخ فيها بـ(الفقير).[١٥]
التكية في بلاد الهند
نادراً ما تقف على كلمة تكية في المتون الدينية في شبه القارة الهندية، ففي لاهور يسمون بعض المقار تكية،[١٦] وعادة تكون هذه التكايا عبارة عن غرف لا تكون جدرانها عالية ولا مغطاة بسقف وتُبنى بالطوب والجص،[١٧] وتؤمّن مصاريف بعض هذه التكايا من المحاصيل لبعض الأراضي الزراعية التي وُقفت عليها من قِبَل الحكام أو من يعتقدون بهذه التكايا.[١٨]
وقيل بأن التكايا في الهند كانت أماكن صغيرة لعبادة الصوفيين.[١٩]
التكية في الدول العربية
بحكم السيطرة التي كانت للدولة العثمانية على شطر كبير من الدول العربية فإن كلمة (تكية) ـ إضافة إلى الاستعمال الصوفي لها ـ قد استُعملت في أماكن إيواء أبناء السبيل، ومنها: تكية السلطان سليم في دمشق، بناها في فترة إقامته هناك سنة 923 هـ، ولطريقة بنائها بالطراز العثماني حازت اهتماماً كبيراً[٢٠]
وفي فلسطين بنت خاصكي (أو خاصيكي) سلطان، زوجة السلطان سليمان قانون سنة 959 هـ وفاطمه خاتون سنة 974 هـ تكايا لها أوقاف كثيرة خاصّة بها في القدس وصَفَد وغَزّه وحِمْص وحلب ودمشق.[٢١]
في أيام الدولة العثمانية أيضاً كانت هناك أماكن عديدة قد بُنيت لأمور أخرى مشابهة للتكايا واشتهرت بعناوين مختلفة لكنها عُرفت بالتكية أو التكايا، ومنها:
- تكية سيدنا الخليل في أيام المماليك وكانت تُعرف باسم سماط سيدنا الخليل.
- تكية بني موسى التي بناها الظاهر بيبرس في القرن السابع بين القدس وأريحا.
- تكية عيون التجار في طبرية والتي كانت في الأصل نُزلاً للمسافرين بُنيت في عام 843 هـ وفيما بعد رممها السلطان عثمان سنان باشا المتوفى عام 1004 هـ .
كانت التكايا في العراق والشام وفلسطين في الأغلب محلاً للضيافة، وفي بعض التكاياً أيضاً كانت تُحيا مراسم الصوفيين، وفي بعضها تُدق الآلات الموسيقية كما في تكية سرّي سقطي في جبل جِرِزّيم، حيث كانت تُحيا فيها الحفلات المسيقية وضرب الطبول ودق الفوف حتى طلوع الفجر.[٢٢]
كما بنا السلاطين العثمانيون تكايا متعددة في مناطق مختلفة من بلاد الشام، ومن أعظمها وأبرزها:
- تكية السلطان سليم في دمشق.
- التكية المولوية المشهورة بـ (الدرويشيه) في طرابلس بلبنان.[٢٣]
يقول سيمز: كانت التكايا في دمشق تطلق على النُزل ومحل إقامة المسافرين.[٢٤]
وفي العراق أيضاً كان للتكايا رونقها ومكانتها. وهي كثيرة، ومنها:
- تكية بكتاشي في النجف الأشرف كانت نُزلاً يستضيف زوّار حرم الإمام علي .[٢٥]
- تكية كبيرة في كربلاء بالقرب من الحرم الحسيني كان يسكنها الدراويش الذين كانوا مسئولين عن إضاءة وإنارة الحرم.[٢٦]
القاهرة أيضاً كانت مملوءة بالموقوفات والتكايا الكثيرة، ومنها:
- التكية المولوية التي بُنيت في الأعوام 715 ـ 721 هـ.
- التكية البكتاشية وتسمى تكية عبد الله المغاوري المتوفى سنة 857 هـ.
- تكية الجُلشَني (كلشني) التابعة للطريقة القادرية، بُنيت بين في الأعوام 926 ـ 931 هـ.
- التكية السليمانية، بُنية عام 950 هـ.
- تكية الدَمَة.
- تكية قصرالعين.
- تكية الأزبك.
- التكية البخارائية.
- تكية السيدة رقية.
- تكية السيدة نفيسة.
- تكية حسن بن الياس الرومي.[٢٧]
وكانت تكايا القاهرة في الغالب ترجع للصوفية الإيرانيين والأتراك. كما أن الاختلاف والتمايز في بين التكية والخانقاه (الدير) مصر ـ وقد شاع هذا خاصة بعد العصر العثماني ـ بوجود قبور ومراقد الدراويش.[٢٨]
الهوامش
- ↑ علياكبر دهخدا، لغت نامه دهخدا، مفردة (تكيه).
- ↑ أنيس الصايغ، الموسوعة الفلسطينية، ذيل مفردة (تكايا).
- ↑ بنياد قمبكوهي، تاريخ تكايا وعزاداري قم ص 69
- ↑ ابن كربلائي، روضات الجنان وجنات الجنان ج 1 ص 473.
- ↑ محسن كياني، تاريخ خانقاه در ايران ص 264 ـ 265.
- ↑ حسين تحويلدار، جغرافياي اصفهان ص 34. محمد تقي مصطفوي، آثار تاريخي طهران ج 1 ص 390. لطف الله هنرفر، كنجينة آثار تاريخي اصفهان ص 659 و855 و857.
- ↑ لطف الله هنرفر، كنجينة آثار تاريخي اصفهان ص 855 ـ 856.
- ↑ محمد عليبيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده ج 1 ص 78. محمد تقي مصطفوي، آثار تاريخي طهران ج 1 ص 388. حسن كياني، تاريخ خانقاه در ايران ص 213.
- ↑ محمد علي بيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده ج 1 ص 77 و79.
- ↑ يحيي ذكاء، تاريخجة ساختمانهاي ارك سلطنتي تهران وراهنماي كاخ كلستان ص 283.
- ↑ حسن نراقي، تاريخ اجتماعي كاشان ص 107.
- ↑ محمدعلي كلريز، تاريخ وجغرافياي تاريخي قزوين ج 1 ص 620. برويز ورجاوند، سيماي تاريخ وفرهنك قزوين ص 988 ـ 889 و1117 .
- ↑ انكلبرت كمبفر، سفرنامة كمبفر ص 126.
- ↑ حسين سلطان زاده، روند شكل كيري شهر ومراكز مذهبي در ايران ص 182.
- ↑ مونت استوارت الفينستون، افغانان جاي، فرهنك، نكاد (كزارش سلطنت كابل) ص 542 ـ 544 و551
- ↑ نور احمد جشتي، تحقيقات جشتي ص 418 ـ 421 و481.
- ↑ نور احمد جشتي، تحقيقات جشتي ص 482.
- ↑ نور احمد جشتي، تحقيقات جشتي ص 420.
- ↑ نور احمد جشتي، تحقيقات جشتي ص 82.
- ↑ عبد القادر ريحاوي، الأبنية الأثرية في دمشق ص 125 ـ 126.
- ↑ الموسوعة الفلسطينية، ذيل مفردة (تكايا).
- ↑ الموسوعة الفلسطينيه، ذيل مفردة (تكايا).
- ↑ محمد طه ولي، المساجد في الإسلام ص 91.
- ↑ محمد طه ولي، المساجد في الإسلام ص 104.
- ↑ محمد علي بيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده ج 2 ص 343.
- ↑ محمد علي بيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده ج 2 ص 356 ـ 357.
- ↑ محمد علي بيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده ج 1 ص 165. صالح لمعي مصطفى، التراث المعماري الإسلامي في مصر ص 23 ـ 24. عاصم محمد رزق، خانقاوات الصوفية في مصر ص 104 . علي باشا مبارك، الخطط التوفيقية الجديده لمصر القاهره ج 2 ص 187 و190 و284.
- ↑ عاصم محمد رزق، خانقاوات الصوفية في مصر ص 103.
المصادر والمراجع
- ابن كربلائي، روضات الجنان وجنات الجنان، طبعة جعفر سلطان القرائي، طهران 1344 ـ 1349 ش.
- انكلبرت كمبفر، سفرنامة كمبفر، ترجمة كيكاوس جهانداري،طهران، 1360 ش.
- برويز ورجاوند، سيماي تاريخ وفرهنك قزوين، طهران، 1377 ش.
- حسن نراقي، تاريخ اجتماعي كاشان، طهران، 1365 ش.
- حسين بن محمد إبراهيم تحويلدار، جغرافياي اصفهان، طبعة منوجهر ستوده، طهران، 1342 ش.
- حسين سلطان زاده، روند شكل كيري شهر ومراكز مذهبي در ايران، طهران 1362 ش.
- صالح لمعي مصطفي، التراث المعماري الإسلامي في مصر، بيروت 1404 هـ/ 19841 م.
- عاصم محمد رزق، خانقاوات الصوفية في مصر، القاهرة 1997 م.
- علي باشا مبارك، الخطط التوفيقية الجديده لمصر القاهرة، القاهرة 1980 م.
- محمد علي بن محمد إسماعيل بيرزاده نائيني، سفرنامة حاجي بيرزاده، طبع حافظ فرمانفرمائيان، طهران 1342 ـ 1343 ش.
- محمد علي كلريز، مينودر، تاريخ وجغرافياي تاريخي قزوين، طبع قزوين، 1368 ش.
- محسن كياني، تاريخ خانقاه در ايران، طهران، 1369 ش.
- محمد تقي مصطفوي، آثار تاريخي طهران، ج۱، تنظيم وتصحيح ميرهاشم محدث، تهران، 1361 ش.
- محمد طه ولي، المساجد في الإسلام، بيروت 1409 هـ / 1988 م.
- الموسوعة الفلسطينية، دمشق: هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984 م.
- مونت استوارت الفينستون، افغانسان جاي، فرهنك، نكاد (كزارش سلطنت كابل) ترجمة محمد آصف فكرت، مشهد 1376 ش.
- نور احمد جشتي، تحقيقات جشتي، لاهور 2001 م.
- يحيي ذكاء، تاريخجة ساختمانهاي ارك سلطنتي تهران وراهنماي كاخ كلستان، تهران 1349 ش.