لوح المحو والإثبات

من ويكي شيعة
(بالتحويل من لوح محو واثبات)

لوَّح المَحوُ والإِثبَات وهو عبارة عن لوح يُسجل فيه جميع أحداث العالم، ولكنه قابل للتغيير. وقد ذكر المفسرون ومن خلال الاستفادة من الآية 39 من سورة الرعد، أن حوادث العالم كُتبت في اللوح المحفوظ على شكل قطعي، وفي لوح المحو والإثبات على شكل غير قطعي. يمثل لوح المحو مرتبة من مرات علم الله تعالى، وحقيقته غير واضحة لنا، ولكن الأنبياء والأئمةعليهم السلام يعلمون حقيقته. وقد قام بعض الفلاسفة بتطبيق لوح المحو والإثبات على النفس الحيوانية أو العالم النفسي.

إنَّ التغييرات التي تجري في لوح المحو والإثبات موجودة أيضًا في علم الله غير المحدود؛ ولهذا السبب أنَّ التغيير في لوح المحو والإثبات لا يعني التغيير في علم الله تعالى. وبحسب ما ورد في الأحاديث، فإنَّ بعض الأعمال مثل الصدقة وصلة الرحم، والدعاء يُمكن أن تحدث تغييراً في لوح المحو والإثبات. وبحسب الباحثين، فإن للوح المحو والإثبات وتغيراته فوائد، منها: سعي الإنسان في تغيير مصيره، أن يعيش المؤمن حالة الخوف والرجاء، وأن يطلع المؤمنين من خلال أخبار الأنبياء على تأثير الحسنات والسيئات في أعمالهم.

أهمية الموضوع في المباحث الإسلامية

يُشير لوح المحو والإثبات إلى وجود مرتبة من مراتب العلم الإلهي تُسجل فيها حوادث العالم.[١] وقد ذكرت كتب التفسير وبالاستفادة من قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»[٢] أنَّ حوادث العالم كُتبت في لوحين منفصلين أحدهما اللوح المحفوظ، والآخر لوح المحو والإثبات.[٣] فالمكتوب في لوح المحو والإثبات قابل للتغيير، ولكن ما كُتب في اللوح المحفوظ غير قابل للتغيير؛ لأنَّ المكتوب في لوح المحو والإثبات بمثابة العلل الناقصة (علة غير قطعية)، والأحداث المكتوبة في اللوح المحفوظ بمثابة العلل التامة (العلة القطعية).[٤]

يذكر العلامة المجلسي، صاحب كتاب بحار الأنوار، أنَّ مصطلح لوح المحو والإثبات مأخوذ من الآيات والروايات.[٥] ومن ناحية أخرى، يرى البعض أن مصطلح لوح المحو والإثبات ليس له أصل قرآني أو روائي، ولكن هذا المصطلح تم ذكره ولأول مرة من قبل العلامة المجلسي.[٦] وعلى هذا الوجه فإنَّ الله تعالى ليس له لوح مستقل يُسمى لوح المحو والإثبات، ولكن المحو والإثبات يتم في نفس اللوح المحفوظ (أم الكتاب).[٧]

ويُعتبر لوح المحو والإثبات مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى المطلقة.[٨] يرى بعض المتكلمين أن الملائكة، والأنبياء، والأئمة لا يعلمون بالأحداث المستقبلية إلا من خلال لوح المحو والإثبات القابل للتغيير، ولكنهم لا يعرفون ما في اللوح المحفوظ.[٩] وبحسب الباحثين، فإنَّ حقيقة لوح المحو والإثبات غير معلومة لدينا، ولا ينبغي مقارنته بالورق والكتب العادية.[١٠] ويرى الفيض الكاشاني مؤلف تفسير الصافي، في مسألة اللوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات، أن حقائق العالم كلها تكتب على الوجه الكلي في لوح القضاء وهو اللوح المحفوظ، ومرة أخرى على الوجه الجزئي في لوح القدر الذي هو لوح المحو والإثبات.[١١]

لا تعارض بين تغير لوح المحو والإثبات مع العلم الإلهي

ولا يرى علماء الإسلام أن التغيير في لوح المحو والإثبات يعني التغيير في علم الله تعالى.[١٢] وقد أثار بعض الباحثين ـ فيما يتعلق بتغيير لوح المحو والإثبات ـ إشكالية مفادها أن هذه التغييرات يمكن اعتبارها بمعنى أنَّ الله تعالى ليس على علم بأحداث العالم القطعية.[١٣] وأجابوا على هذا الإشكال بأن التغييرات التي تجري في لوح المحو والإثبات موجودة أيضًا في علم الله غير المحدود،[١٤] ولا يكشف الله تعالى هذه التغييرات إلا في الأمور التي لم تعبر عن إرادته القطعية.[١٥]

وبحسب بعض الباحثين فإنَّ الاختلاف بين أهل السنة والشيعة في مسألة البداء العقائدية (إظهار شيء من عند الله تعالى على خلاف ما تتوقعه العباد) هو اختلاف سطحي؛ لأنَّ أهل السنة أيضًا يقبلون لوح المحو والإثبات مثل الشيعة، أما البداء فهو الاعتقاد بلوح المحو والإثبات، والبداء الذي هو من عقائد الشيعة لا يقع إلا في لوح المحو والإثبات.[١٦]

من ناحية فلسفية

ويقدم الملا صدرا مؤسس مدرسة الحكمة المتعالية الفلسفية، الإنسان الكامل من حيث نفسه الناطقة كاللوح المحفوظ، ومن حيث نفسه الحيوانية (القوة الخيالية) كلوح المحو والإثبات.[١٧] كما قام الفيض الكاشاني، أحد تلامذة الملا صدرا بتطبيق اللوح المحفوظ على العالم العقلي، ولوح المحو والإثبات على العالم النفسي.[١٨] ويرى الملا صدرا اقتداءً بمحي الدين بن عربي، أن لوح المحو كان مصدر الشرائع والكتب السماوية، ولهذا السبب تُنسخ الشرائع والأحكام.[١٩] إلا أن بعض الباحثين ذكروا أنَّه من غير الصحيح تطبيق المفاهيم العقلية على مصطلح لو المحو والإثبات.[٢٠]

العوامل التي تغير اللوح

أي عمل صالح أو طالح يُمكن أن يسبب تغيير في لوح المحو والإثبات.[٢١] وقد ورد في القرآن والأحاديث بعض هذه الأعمال، وأهمها التأكيد على أثر الدعاء، والصدقة، وصلة الرحم.[٢٢] وبحسب بعض الروايات يُمكن للدعاء أن يرد القضاء المحكم.[٢٣] كما ورد في الأحاديث دور الصدقة في دفع ميتة السوء، وإطالة العمر، ونفي الفقر.[٢٤] وفي حديث عن النبيصلی الله عليه وآله وسلم أن صلة الرحم أيضًا تؤدي إلى زيادة الرزق وإطالة العمر.[٢٥]

فائدة لوح المحو والإثبات

وقد أدرج بعض الباحثين الفوائد التالية للوح المحو والإثبات (البداء):

  • أن يعيش المؤمن حالة الخوف والرجاء[٢٦]
  • أن يطلع المؤمنين من خلال أخبار الأنبياءعليهم السلام على تأثير الحسنات والسيئات في أعمالهم[٢٧]
  • بيان الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق[٢٨]
  • تشديد التكليف والابتلاء على المؤمنين، ليحصلوا في المقابل على المزيد من الأجر[٢٩]
  • سعي الإنسان في تغيير مصيره.[٣٠]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. مصباح اليزدي، معرفة الله، ص285.
  2. سورة الرعد، الآية 39.
  3. الطباطبائي، الميزان، ج7، ص9؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج7، ص433.
  4. الطباطبائي، الميزان، ج7، ص9؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج7، ص433.
  5. المجلسي، مرآة العقول، ج2، ص132.
  6. وطن دوست، وآخرون، «بررسی و بازخوانی نظریه لوح محو و اثبات»، ص137.
  7. وطن دوست، وآخرون، «بررسی و بازخوانی نظریه لوح محو و اثبات»، ص143.
  8. اليعقوبي، «بحثی درباره لوح محفوظ و لوح محو و اثبات»، ص89.
  9. معرفة، التفسير والمفسرون، ج1، ص513.
  10. اليعقوبي، «بحثی درباره لوح محفوظ و لوح محو و اثبات»، ص92.
  11. الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، ج3، ص105.
  12. الطباطبائي، الميزان، ج11، ص381؛ الخوئي، البيان، ص390.
  13. الخوئي، البيان، ص390.
  14. الطباطبائي، الميزان، ج11، ص381.
  15. الخوئي، البيان، ص387 ـ 389.
  16. حسيني زاده، «بداء یا محو و اثبات از منظر قرآن و حدیث»، ص138.
  17. الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج6، ص296.
  18. الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، ج3، ص75.
  19. الملا صدرا، الحكمة المتعالية، ج7، ص47 ـ 50.
  20. اليعقوبي، «بحثی درباره لوح محفوظ و لوح محو و اثبات»، ص92.
  21. السبحاني، البداء على ضوء الكتاب والسنّة، ص44 ـ 58.
  22. السبحاني، البداء على ضوء الكتاب والسنّة، ص44.
  23. الكليني، الكافي، ج2، ص469 ـ 470.
  24. الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص66.
  25. القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص331.
  26. حسيني زاده، «بداء یا محو و اثبات از منظر قرآن و حدیث»، ص138.
  27. المجلسي، مرآة العقول، ج2، ص133.
  28. حسيني زاده، «بداء یا محو و اثبات از منظر قرآن و حدیث»، ص138.
  29. المجلسي، مرآة العقول، ج2، ص133.
  30. السبحاني، البداء على ضوء الكتاب والسنّة، ص44.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • الخوئي، السيد أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار الزهراء، د.ت.
  • السبحاني، جعفر، البداء على ضوء الكتاب والسنّة، قم، مؤسسة الإمام الصادق(عليه السلام)، ط1، 1434 هـ/ 2013 م.
  • الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، من لا يحضره الفقيه، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1413هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1417 هـ/ 1997 م.
  • الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، تفسير الصافي، طهران، مكتبة الصدر، ط2، 1415 هـ.
  • القاضي النعمان المغربي، نعمان بن محمد، دعائم الإسلام، قم، مؤسسة آل البيتعليه السلام، ط 2، 1385 هـ.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح: علي أكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، تحقيق وتصحيح: السيد هاشم رسول محلاتي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط2، 1404هـ.
  • الملا صدرا، محمد بن إبراهيم، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، تعليقة: محمد حسين الطباطبائي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1981 م.
  • اليعقوبي، جعفري، «بحثی درباره لوح محفوظ و لوح محو و اثبات»، در مجله کلام اسلامی، العدد34، صيف 1379 ش.
  • حسيني زاده، عبد الرسول، «بداء یا محو و اثبات از منظر قرآن و حدیث»، در مجله معرفت، العدد173، اردیبهشت 1391 ش.
  • مصباح اليزدي، محمد تقي، معرفة الله، قم، مؤسسه آموزشی و پژوهشی امام خمینی(ره)، 1396 ش.
  • معرفة، محمد هادي، التفسير والمفسرون، مشهد، الجامعة الرضوية للعلوم الاسلامية، ط2، 1425 هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام عليعليه السلام، ط1، 1426 هـ.
  • وطن دوست، محمد علي، وآخرون، «بررسی و بازخوانی نظریه لوح محو و اثبات»، در مجله فلسفه و کلام، العدد100، ربيع وصيف 1397 ش.