وضع الحديث

وضع الحديث، أو اختلاق الحديث بمعنى صنع الحديث وانتسابه إلى النبي الأكرم أو الأئمة المعصومين، وقد ينشأ وضع الحديث من خلال وضعه بأكمله، أو بإضافة جملة على الحديث أو تغيير جُمله وعباراته. كما يعود تاريخ وضع الحديث إلى حياة النبي، لكن شهد توسّعاً ملحوظاً في زمن حكم معاوية بن أبي سفيان.

ويعد الانتقاص من فضائل الإمام علي، وإضفاء الشرعية لحكم معاوية، والتعصّب تجاه الفرق من الغايات والبواعث لوضع الحديث، ويعد إقصاء أهل البيت، وإبطال بعض الأحاديث الصحيحة، والصعوبة للوصول إلى الأحاديث الصحيحة من تبعات وضع الحديث.

ويرى علماء الشيعة أنّ أبا هريرة، وكعب الأحبار، وأبيّ بن كعب، وابن أبي العوجاء هم من رواة الأحاديث الموضوعة.

وأُلّفت كتب حول وضع الحديث، ومنها: الموضوعات لابن الجوزي (ت 597 هـ) والذي يعتبر في مقدمة هذه الكتب، والأخبار الدخيلة للشيخ محمد تقي الشوشتري، والموضوعات في الآثار والأخبار للسيد هاشم معروف الحسني، خمسون ومائة صحابي مختلق للسيد مرتضى العسكري (1332- 1428 هـ).

المفهوم

•  طالع أيضًا: الحديث الموضوع

وضع الحديث هو اختلاقه، وصنعه، كما أن الحديث الموضوع هو الحديث المصنوع، والذي يصنع بالخطأ أو بالتعمد وينسب إلى النبي (ص) أو الإمام المعصوم. ويعد اعتراف الواضع للحديث بفعله المختلق، والقرائن التي تشير إلى وضع الحديث، هي تعارض الحديث مع العقل، والقرآن، وضروريات المذهب.

الأساليب

لوضع الحديث أساليب مختلفة: وقد يصنع الحديث بوضعه بأكمله وينسب إلى النبي (ص) والأئمة (ع)، وتارة بإضافة بعض الألفاظ إلى الحديث، وتارة بتغيير ألفاظ الحديث.

ورد أن وضع الحديث بأكمله يحدث عادتا في الأحايث المرتبطة بالعقائد والأخلاق، والتاريخ، والطب، والفضائل، والأدعية. ومن نماذج إضافة جمل إلى الحديث، إضافة جملة للمنصور الدوانيقي الخليفة العباس الثاني إلى حديث النبي (ص) حول الإمام الزمان (ع)، فورد في الحديث أن الله سيبعث رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي، لكن المنصور أضاف عبارة أخرى وهي "واسم أبيه اسم أبي" حتى يصبح مصداق الحديث ابنه محمد؛ إذ أن اسم المنصور أيضا كان عبد الله فيصبح ابنه محمد بن عبد الله كاسم النبي (ص) واسم والد النبي.

ومن نماذج وضع الحديث بتغيير ألفاظ الرواية، تحريف رواية النبي (ص) من ذم معاوية إلى مدحه، فورد في الحديث: ورد في كتاب تاريخ بغداد (من مؤلفات القرن الخامس للهجرة) عن النبي (ص): إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِي فَاقْبَلُوهُ، فَإِنَّهُ أَمِينٌ مأمون، ذكروا أن هذا الحديث كان في ذم معاوية، فغيرت عبارة فاقْتُلُوه إلى فاقبَلِوه.

ويعد سرقة الأحاديث، وهي نقل الرواية المسجلة باسم محدث ما إلى تسجيلها باسم السارق لها أو اسم شخص آخرى، والدس في كتب المحدثين ونشر الأكاذيب على لسانهم، من الأساليب الأخرى لوضع الحديث.

التاريخ

يعتقد بعض الباحثين أن تاريخ وضع الحديث يعود إلى حياة النبي الأكرم (ص)، والحديث النبوي الذي يقول أن مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، شاهد على ذلك، وورد في المصادر نماذج مثل هذا الحديث والذي ينسب الكذب إلى النبي (ص) في حياته، وبناء على رواية عن الإمام علي (ع) أن وضع الحديث حدث في عصر النبي (ص).

ويقول هاشم معروف الحسني أن بعض باحثي أهل السنة يعتقدون أن وضع الحديث لم يحصل في عصر الخلفاء الأوائل، وبدأ بعد استشهاد الإمام علي (ع)، ففي هذه الفترة ظهرت فرق سعت لإثبات شخصيتها عن طريق القرآن والسنة والاستناد بهما، وعندما لم تجد ما تستند إليه من القرآن والسنة، التجأت إلى وضع الحديث أو تحريفه بصالحها.

ورد أن وضع الحديث كثر في زمن معاوية، ويقول شارح نهج البلاغة في القرن السابع ابن أبي الحديد المعتزلي أن معاوية كان يشجع الرواة الذين يصنعون أحاديث في فضل عثمان وسائر الصحابة، وينتقصون من الإمام علي (ع)، ويعتقد البكرية الذين يرون أن النبي(ص) نص على خلافة أبي بكر من بعده وضعوا أحاديث له في قبال فضائل الإمام علي (ع).

تاريخ مكافحة الوضع

ذكر أحمد باكتجي أن في أواخر القرن الخامس للهجرة ألفت كتبا حول الأحاديث المختلقة ووضع الحديث. كما يعود التهمة الصريحة لوضع الحديث في تقييم علماء علم الرجال عند الشيعة إلى بداية القرن الرابع للهجرة، وهذا ما وجد في آراء ابن عقدة وابن الوليد، وفي القرن الخامس في آراء ابن الغضائري. يقول باكتجي أيضا أن أهل السنة وللمرة الأولى علماء رجاليهم في مدرسة بغداد أشاروا إلى نسبة وضع الحديث في تقييماتهم.

البواعث لوضع الحديث

هناك بواعث عديدة لوضع الحديث، فمنها:

• إخفاء وانتقاص فضائل الإمام علي (ع): ذكروا أن أكثر الأحاديث الموضوع هي التي صنعت ضد الإمام علي (ع). روى ابن أبي الحديد عن المتكلم المعتزلي أبي جعفر الإسكافي في القرن الثالث للهجرة أن معاوية أمر الصحابة والتابعين أن يزوّر أحاديث في ذم الإمام علي (ع)، فكتب معاوية إلى عماله طلب منهم أن يبحثوا عن محبي عثمان ويقربوهم إليهم، وأن يكتبوا لهم ما ورد في فضل عثمان. وبناء عليه كتب في رسالة أخرى إلى عماله ادعوا الناس إلى رواية فضائل الصحابة والخلفاء الثلاثة حتى لا يبقى حديث في فضل علي (ع)، إلا ورد مثله في فضل الخلفاء الأوائل والصحابة، أو ما يعارض فضل الإمام علي (ع).

• إضفاء الشرعية للحكام والخلفاء: يقول هاشم معروفي الحسني ٍالباحث اللبناني في القرن الرابع عشر أن دولتي بني أمية وبني العباس وضعوا أحاديث منسوبة إلى النبي في فضل كبارهم أو انتساب خلفائهم من أجل تبرير الشرعية لحكمهم. ومن الأحايث المختلقة لبني العباس المنسوبة للنبي (ص) ما رووه أن "الخلافة في ولد عمي العباس".

• التعصب لفرقتهم وتنحي الفرق الأخرى: إن مؤيدي أي حزب أو فرقة يستندون لإثبات أنفسهم إلى القرآن والسنة، وإذا لم يجدوا ما ينسبون إليه اختلقوا حديثا.

الاقتراب من السلاطين والحكام، وإصلاح المجتمع، وتنبيه الناس على القرآن، واختلاق الفضائل، واكتساب الجزاء الإلهي، وبث الخلاف في الخلافة بعد النبي (ص) والتأييد للفرق من البواعث الأخرى لوضع الحديث.

التداعيات والتبعات

ذكرت لوضع الحديث تبعات وتداعيات، منها:

• صعوبة الوصول إلى الأحاديث الصحيحة: أدى وضع الحديث إلى صعوبة الفرز بين الأحاديث الصحيحة من الأحاديث المختلقة
• عزل بعض الأحاديث الصحيحة: هناك أحاديث نحيت بذريعة عملية إزالة وضع الحديث، وعلى سبيل المثال عد العالم السني وتلميذ ابن تيمية، ابن قيّم الجوزية (ت 751 هـ) إمامة الإمام علي (ع) في غدير خم من الوضع والاختلاق، في حين أن العلامة الأميني أثبت تواتر حديث الغدير في المصادر الشيعية والسنية، كما اعتبر العالم السني ابن الجوزي (ت 597 هـ) في كتاب الموضوعات أن أحاديث فضائل الإمام علي (ع) أحاديث موضوعة.

• حرمان الناس من أهل البيت: هناك من ينسب للأئمة روايات لم تصدر عنهم ما يسبب الكراهية لهم، وعادتا هذه الروايات وضعت من قبل الفرق الشيعية كالزيدية، والفطحية، والغلات.

• تدوين الكتب الرجالية: إن وضع الحديث أدى إلى تأليف كتب حول الرواة، وأقسام الحديث والأحاديث المختلقة، ويعد معرفة وضاعي الحديث من الأدلة التي تحتاج إلى دراسة علم الرجال.

وضاعو الحديث

ذكر العلامة الأميني في كتاب الغدير 700 شخصا من وضاعي الحديث مع أحاديثهم المختلقة، وقد نسب إلى بعضهم 100 ألف حديث مصنوع، وطبع هذا القسم تحت عنوان "الوضاعون وأحاديثهم الموضوعة" على حدة ومنفصلا عن كتاب الغدير.

ومن وضاعي الحديث هم:

• أبو هريرة: ورد 5374 حديثا مرويا عنه في كتب الحديث ، في حين أنه لم يعش مع النبي (ص) إلا ثلاث سنين؛ فلذا احتج بعض الصحابة كالإمام علي (ع)، وعمر، وعثمان، وخصوصا عائشة على كثرة مروياته عن النبي (ص). وتقول عائشة أنه يروي عن النبي ما لم أسمعه أنا.

• كعب الأحبار: قال السيد مرتضى العسكري أن معظم أخبار اليهود، ومدْح أهل الكتاب والثناء عليهم، وتمجيد بيت المقدس ورد عن طريقه في المصادر الإسلامية.

• أبيّ بن كعب: هناك روايات نقلت عنه في فضائل سور القرآن الكريم، وقد اعترف هو بوضعها.

• نوح بن أبي مريم المروزي: وهو أيضا اختلق أحاديث في فضائل السور، وسبب هذا الأمر إعراض الناس عن القرآن، والتوجه إلى فقه أبي حنيفة والمغازي لابن إسحاق.

• ابن أبي العوجاء: ذكروا أنه اختلق أربعة آلاف حديث.

كتب حول الوضع

هناك تأليفات حول وضع الحديث، ومعظمها تتطرق إلى جمع الأحاديث المختلقة، إلى سيرة وضاعي لها، ومنها: كتاب الموضوعات لابن الجوزي (ت 597 هـ)، اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة لجلال الدين السيوطي (ت 911 هـ)، والأخبار الدخيلة للشيخ محمد تقي التستري (ت 1374 ش)، والموضوعات في الآثار والأخبار للسيد هاشم معروف الحسني، وخمسون ومائة صحابي مختلق للسيد مرتضى العسكري (1386 ــ 1293 ش).

كما أن هناك تأليفات ناقشت ظاهرة وضع الحديث، ومنها:

• الوضع في الحديث لعمر بن حسن فلاتة طبع سنة 1401 هـ في مكتبة الغزالي بدمشق.
• ومن التأليفات الأخرى درسنامه وضع حديث باللغة الفارسية لناصر رفيعي محمدي. حيث ذكر المؤلف في هذا الكتاب مفهوم وضع الحديث وتاريخه ودوافعه وطرقه والعواقب المترتبة على وضع الحديث. وفي نهاية الكتاب تم ذكر أهم الكتب التي تكلمت عن مسألة وضع الحديث.

مواضيع ذات صلة

الإسرائيليات