زواج أم كلثوم من عمر بن الخطاب

من ويكي شيعة
(بالتحويل من زواج أم كلثوم)

تزويج أم كلثوم ابنة الاِمام عليّ بن أبي طالب من عمر بن الخطاب من القضايا التاريخية التي أثارت جدلا واسعا بين الشيعة وأهل السنة في أصل الوقوع وكيفيته ودوافعه. فبعض أهل السنة أكّد وقوع الزواج ورأى أن ذلك دلالة واضحة على عدم وجود خلاف فيما بين الإمام علي (ع) وعمر. ونفت بعض مصادر الشيعة أصل الزواج وأسقطت اعتبار الروايات القائلة بالزواج. وفي المقابل أكّدت مصادر أخرى شيعية وقوع الزواج لكنه عن إكراه ورفضوا دعوى عدم الخلاف بين الإمام علي (ع) وعمر بن الخطاب.

تألّفت العديد من الكتب حول هذا الزواج.

حول أم كلثوم

أم كلثوم هي الرابعة في ترتيب أولاد الإمام عليعليه السلامو فاطمة الزهرا عليها السلام، أوردت بعض المصادر عن زواجها بعمر بن الخطاب الخليفة الثاني. يكمن أهمية هذا الزواج في أنّ قسماً من علماء السّنة اعتبر حصول هذا الزواج هو خير شاهد على نفي أيّ نوع من الخلاف فيما بين الإمام علي (ع) وعمر بن الخطاب في طليعة الإسلام وحتى بعد أحداث السقيفة. فينتهي هؤلاء العلماء إلى ردّ احتمال غصب الخلافة من الإمام علي (ع) واستشهاد فاطمة الزهراء (س).(1) وفي مقابل هذا الرأي، أجاب البعض من علماء الشيعة أنه لو سلّمنا وقوع هذا الزواج فإنه كان عن إكراه، وأرغم الإمام علي (ع) على القبول بهذه المصاهرة.[١] فدلّت روايات عديدة من مصادر الحديث الشيعية على ذلك.[٢]

دوافع الزواج

نُقل عن عمر أنّه قال ممّا دعاني إلى هذا الزواج ليس رغبتي في المتعة والجنس؛ لكن سَمِعتُ رسول الله (ص): كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة، فأنا: أبوهم وعصبتهم، فأحببت أن يكون لي: من رسول الله سبب ونسب. [٣] وقد وردت هذه الرواية في المصادر الشيعية عن الإمام الرضا (ع) أيضاً.[٤]

وفي الردّ على هذا القول قال بعض الأعلام، أنّه لو فرضنا صحّة الرواية التي استند إليها عمر وأهل السنة، فيكون ذلك بشرط رضا الرّسول (ص) على ذلك الفرد ومقبوليته وإلاّ فأبو جهل سيكون في مأمن يوم القيامة لقرابته من رسول الله (ص).[٥] ومن جهة أخرى قد حصل ذلك السبب كما في الرواية في ما مضى بتزويج حفصة للرسول الأكرم (ص).

الرأي الاول: حصول الزواج

أكّدت غالبية مصادر أهل السّنة على حصول زواج أم كلثوم بعمر؛ حتى ذكروا مقدار المهر وعدد أولادهما.[٦] روى الطبري في تاريخه: أنّ عمر خطب في البداية أم كلثوم بنت أبي بكر من عائشة. غير أن أم كلثوم رفضت هذا العرض لقساوة عمر بالتعامل مع النساء، فتوسلت عائشة بعمرو بن عاص لينسحب عمر من خطوبته، فاقترح بن العاص على عمر أم كلثوم بنت الإمام علي (ع) بدعوى مصاهرته بـرسول الله (ص).[٧]

وقد نقلت بعض مصادر أهل السنة أنّ الخطوبة تمت دون وساطة أحد وجاءت فيها: أنّ عمر خطب أم كلثوم لنفسه من علي (ع) فردّ عليه بأنها صغيرة، فأعقب عمر أنها ليست صغيرة بل لا تريد أن تزوجها لي. إذن أرسلها لي حتى أرآها، فأرسلها الإمام علي (ع) لعمر. بعد أن اطّلع عمر على أم كلثوم قال لها: ارجعي إلى أبيك وقولي له عني إنّه ليس كما قلت. ثم وافق علي (ع) على زواجهما.[٨]

نقلت بعض النصوص الروائية لأهل السّنة أنّ عمر عمد إلى لمس ساق رجلها أو ساقها أو ضمها إليه و.. فواجهته أم كلثوم بحدّة وقالت: لو لا أنك أمير المؤمنين لعميتك وكسرت أنفك. ثم خرجت من عنده وعادت إلى أبيها فأخبرته بما جرى وقالت: أرسلتني إلى شيخ سوء.[٩] علّق سبط إبن الجوزي على الرواية فقال: هذا قبيح. والله، لو كانت أمة لما فعل بها هذا، ثم بإجماع المسلمين، لا يجوز لمس الأجنبية، فكيف ينسب إلى عمر هذا، فكذب الخبر وضعّف الرواية.[١٠]

إنّ بعض علماء الشيعة سلّم بوقوع هذا الزواج.[١١] فروى الكليني في كتابه أنّ الإمام علي (ع) بعد أن توفي عمر أخذ بيد ابنته أم كلثوم، وذهب بها إلى بيته.[١٢] جاءت في المصادر أنّ من تولّى زواج أم كلثوم هو نفس الإمام علي (ع) [١٣]والبعض منها ذكر عباس بن عبد المطلب والبعض الآخر يروي أنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) هما من زواجا أختهما للخليفة الثاني عمر بن الخطاب.

التزويج عن إكراه

سلّم البعض من علماء الشيعة بوقوع الزواج المذكور استناداً لروايات، واعتبر حصوله بالإكراه والقهر. فمثلاً يقول السيد المرتضى: اضطرّ الإمام علي (ع) تقيةً بواسطة عمّه إلى زواج أم كلثوم لعمر. وفي معرض سؤال له حول زواج أمّ كلثوم بعمر يقول السيد المرتضى: تم هذا الزواج بعيداً عن رغبة الإمام (ع) ورضاه، بل تم الأمر بعد طلبات متكررّة وبتعسّف واضطهاد شديدين مورسا على الإمام (ع) حتى أوشك وقوع شجار ومرافعة لهذه القضية.[١٤] كما دلّت على ذلك روايات عديدة؛ فمثلاً سُئل الإمام الصادق (ع) حول تزويج أم كلثوم بعمر فيقول (ع): ذلك فرج غصبناه أو غصبنا عليه.[١٥]

وورى في كتاب الكافي: أنّ أمير المؤمنين (ع) رفض طلب عمر للزواج وقال له: أنها (أم كلثوم) صبية. ذهب عمر إلى عباس بن عبد المطلب عمّ الإمام (ع)، فقال: خطبت إلي ابن أخيك فردّني، فوالله لأطمطم بئر زمزم، ولا أدع لكم (بني هاشم) مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمن عليه (الإمام علي (ع)) شاهدين أنه سرق ولأقطعن يمينه! فأتا العباس أمير المؤمنين (ع) فأخبره، وسأله أن يجعل أمر زواج أم كلثوم إليه، فجعله (ع) إليه.[١٦]

الرأي الثاني: عدم حصول الزواج

نفى بعض علماء الشيعة أصل وقوع الزواج جملة وتفصيلاً. قال الشيخ المفيد: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين (ع) ابنته من عمر لم يثبت لدينا، وطريقته من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لأمير المؤمنين (ع) وغيرمأمون. [١٧] (في حين سلّم الشيخ المفيد في كتاب آخر له بثبوت الزواج)[١٨] قال ابن شهر آشوب عن لسان ابي محمد النوبختي: حصل عقد قران أم كلثوم بعمر، لكنها كانت صغيرة وصبر عمر حتى كبرت، لكنّ عمر فارق الحياة قبل زفافها إليه.[١٩]

كتب ذبيح الله محلاتي: ولو تأملنا قليلا لوجدنا يقينا عدم حدوث هذا الزواج من أصله.[٢٠] كما فنّد بعض المعاصرين أصل وقوع الزواج مع ذكر بعض الأدلة النافية له.[٢١]

أورد الآغا بزرك الطهراني مؤلفات في شأن إنكار حصول زواج أم كلثوم بنت الإمام علي (ع) في موسوعته:

ومن العلماء المعاصرين ألّف السيد علي الميلاني كتابين في هذا الموضوع أحده (تزويج أم كلثوم من عمر) والآخر (في خبر تزويج أم كلثوم من عمر) دراسة تحليلية.[٢٩]

الرأي الثالث: أم كلثوم، بنت أبي بكر

احتمل البعض أنّ أم كلثوم التي تزوجت عمر بن الخطاب هي بنت أبي بكر وليست بنت الإمام علي (ع). فمال النووي أحد علماء أهل السنة إلى هذا الرأي في كتابه تهذيب الأسماء.[٣٠] وذهب آية الله المرعشي النجفي إلى هذا القول في هامش كتابه إحقاق الحق ورأى أنّ أم كلثوم التي تزوجت عمر هي بنت أسماء بنت عميس من أبي بكر التي أصبحت ربيبة الإمام علي (ع) بعد وفاة أبي بكر وزواج الإمام (ع) بأسماء، وأم كلثوم المعنية في روايات تزويج عمر هي ابنة أبي بكر. وبما أنّ أم كلثوم هي ربية الإمام علي (ع) فلهذا أخطأ المؤرخون وعرّفوا أم كلثوم أنّها بنت الإمام (ع).[٣١]

الهوامش

  1. الرسائل، ج3، ص 149.
  2. الكافي، ج5، ص 346.
  3. كنز العمال،ج16 ص531.
  4. وسائل الشيعة، ج20، ص 38.
  5. الغروي النائيني، محدثات الشيعة، ص 102.
  6. تاريخ مدينة دمشق، ج19، ص 486. طبقات ابن سعد، ج8، ص 464؛ المصنّف، ج6، ص 163.
  7. تاريخ الأمم والملوك ج3 ص270؛ الكامل في التاريخ ج3 ص54 و55 ؛البداية والنهاية ج7 ص157.
  8. طبقات ابن سعد، ج8، ص 463.
  9. الاصابة، ج 8، ص 464؛ سير أعلام النبلاء، ج3، ص 501؛ الاستيعاب، ج4، ص 1955.
  10. تذكرة الخواص، ص 321.
  11. قاموس الرجال، ج12، ص 216؛ الرسائل، ج3، ص 149؛ الكافي ج5، ص 346.
  12. الكافي، ج 6، ص 114، 115.
  13. طبقات ابن سعد، ج8، ص 463.
  14. الرسائل، ج3، ص 149.
  15. الكافي، ج5، ص 346.
  16. الكافي، ج5، ص 346.
  17. المسائل السروية، ص 86و87.
  18. المسائل العكبرية، ص 60.
  19. المناقب، ج3، ص 189.
  20. رياحين الشريعة، ج3، ص 245.
  21. الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء، ج7، ص 340-354.
  22. الذريعة، ج2، ص 257.
  23. الذريعة، ج4، ص 172 وج11، ص 146.
  24. الذريعة، ج10، ص 175.
  25. الذريعة، ج11، ص 146.
  26. الذريعة، ج15، ص 223.
  27. الذريعة، ج17، ص 214.
  28. الذريعة، ج18، ص 168.
  29. http://www.al-milani.com/farsi/library/lib-mas.php?booid=3
  30. تهذيب الأسماء، ج2، ص 630، ش 1224.
  31. احقاق الحق، ج 2، ص 490.

المصادر والمراجع

  • العاملي، السيد جعفر مرتضى، ظلامة أم كلثوم، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، الطبعة الأولى، 1423هـ/2022م.
  • المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول، دار الكتب الإسلامية، طهران، بلا تا.
  • ابن الأثير، الكامل في التاريخ،دار بيروت، 1385ه/1965م.
  • البيهقي، أحمد بن حسين، السنن الكبرى، بي جا، دار الفكر، بلا تا.
  • صنعاتي، عبد الرزاق، المصنف، تحقيق شيخ عبد الرحمن أعظمي.
  • عاملي، محد بن الحسن الحر، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، قم، آل البيت، 1414هـ.
  • ابن سعد، د الطبقات الكبرى، بيروت، دار صادر، بلا تا.
  • الغروي النائيني، نهلة، محدثات شيعة (بالفارسية)، طهران، جامعة تربية مدرس، 1387هـ ش.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1403هـ .
  • ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، أسد الغابة في معرفة الصحابة، بيروت، دار الكتاب العربي، بلا تا.
  • ابن كثير، البداية والنهاية، دار إحياء التراث،بيروت،الطبعة الأولى، سنة 1408 ه/1988مـ.
  • ابن عبد البر، أحمد بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، بيروت، دار الجيل، 1412هـ.
  • الذهبي، محمد بن أحمد سير أعلام النبلاء، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1413هـ.
  • ابن الجوزي، يوسف بن قزاوغلي، تذكرة الخواص، قم، المجمع العالمي لأهل البيت، 1426هـ .
  • الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، تحقيق علي أكبر غفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363هـ ش.
  • ابن عساكر، علي بن حسن، تاريخ مدينة دمشق، بيروت، دار الفكر، 1415هـ.
  • الشوشتري، محمد تقي، قاموس الرجال، قم، جامعة المدرسين، 1419هـ.
  • المتقي الهندي، علاء الدين،كنز العمال،مؤسسة الرسالة ، بيروت، 1409ه /1989م.
  • علم الهدى، السيد مرتضى، الرسائل، قم، دار القرآن، 1405هـ.
  • الطهراني، آغا بزرك، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، 1403 هـ.
  • المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، المسائل العكبرية، بيروت، دا رالمفيد، 1414هـ.
  • المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، المسائل السروية، تحقيق صائب عبد الحميد، بيروت، دار المفيد، 1414 هـ .
  • ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، النجف، المطبعة الحيدرية، 1376هـ.
  • -الشوشتري، قاضي نور الله المرعشي التستري (1019هـ )، إحقاق الحق وإزهاق الباطل، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، 1409هـ، الطبعة الأولى.
  • محلاتي، ذبيح الله، رياحين الشريعة، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1368هـ ش.
  • الأنصاري الزنجاني، اسماعيل، الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء، قم، دليل ما، 1428هـ.
  • النووي، أبو زكريا محيى الدين يحيى بن شرف بن مري (متوفى 676 هـ)، تهذيب الأسماء واللغات، تحقيق مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1996م.

الوصلات الخارجية