الحوزة العلمية
الحوزة العلمية مصطلح يطلق على المراكز الدراسية التي تضم طلبة العلوم الدينية في الوسط الشيعي، والتي تقع تحت إشراف وإدارة العلماء الكبار ومراجع التقليد. وتنقسم الحوزة العلمية الشيعية إلى مجموعة من المدارس الفرعية، وتحظى باستقلال مادي واقتصادي خاص. فلا تخضع في مواردها المالية والإقتصادية إلى الدعم الحكومي بل يقوم مراجع التقليد بتأمين ما تحتاج إليه الحوزات العلمية من خلال الوجوه الشرعية كالأخماس والزكوات وهدايا المؤمنين.
وقد اختارت الحوزة العلمية وعلى مرّ التاريخ منهجاً دراسياً خاصاً يقسّم- تقليدياً- إلى ثلاث مراحل هي مرحلة المقدمات، والثانية مرحلة السطوح، والثالثة مرحلة الخارج.
ويصدق معنى الحوزة أيضا وبوضوح على أوائل المدارس العلمية التي أنشأها الشيعة في القرون الأولى لتلقي المعارف والعلوم الدينية. وتنقسم الحوزات العلمية إلى الحوزة العلمية الأمّ، والمدارس الفرعية التي تمثل الروافد التي تمد الحوزة العلمية بالطلاب الذي أتموا مراحلهم الدراسية الأولى في تلك المدراس الفرعية. وقد ظهر على مرّ التاريخ الشيعي مجموعة من المدارس العلمية منها: المدرسة النجفية، القمية، البغدادية، الأصفهانية، مدرسة الحلة، مدرسة جبل عامل؛ وقد مثلت كل واحدة من تلك المدارس المحور والقطب الأساسي الذي ترجع إليه جميع الحوزات الفرعية ويستقطب جميع الراغبين للدراسات الدينية في حينها. وتحظى الحوزة العلمية القميّة اليوم بالمركز الأوّل حيث استطاعت استقطاب عدد كبير من الطلاب من شتى البلدان وعلى جميع المستويات.
مفردة الحوزة العلمية
الحوزة العلمية، هي كيان علمي وبشري يؤهل للاجتهاد في علوم الشريعة الإسلامية، ويتحمل مسؤولية تبليغ الأمة.[١] صحيح أنّ وجود مراكز علمية تعنى بفهم الدين وتلقي المعارف الاسلامية يضرب بجذوره في عمق التاريخ الاسلامي، الا أن وسم تلك المراكز بعنوان خاص واطلاق اسم "الحوزة العلمية" على تلك المراكز لم يكن متداولا، بل لم يكن مطروحا حتى في أيام الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس) مؤسس الحوزة العلمية القميّة سنة 1313 هـ ش. وإنما شاع إطلاق هذه المفردة في فترة متأخرة وقريبة جداً من عصرنا الراهن. [٢]
نبذة مختصرة عن تاريخ الحوزة العلمية
مركزية الحوزات العلمية الشيعية | |
الحوزة العلمية الحوزة العلمية في الكوفة |
عصر المرجعية القرن الثاني الهجري |
الحوزات العلمية الشيعية:
صحيح – كما مرّ- أن مصطلح الحوزات العلمية من المصطلحات التي شاع استعمالها في السنين الاخيرة الا أن ماهية ما تشير إليه المدارس العلمية التي تقصدها تضرب بجذورها في عمق التاريخ الاسلامي حيث ظهرت مع بزوغ فجر الإسلامي وتأسيس المجتمع الإسلامي في (المدينة المنورة)؛ فلما كانت المدينة المنورة هي المنطلق الأول للرسالة الإسلامية، فلا غرو إذا كانت (المدرسة الأولى للفقه الإسلامي). واستمرت في عطائها كمركز علمي حتى عصري الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) حيث تألقت المدينة في تلك الفترة. وجاء بعد المدينة دور الكوفة بعد أن انتقلت مدرسة الفقه الشيعي من (المدينة) إلى (الكوفة)، وبذلك بدأت حياة فقهية جديدة في الكوفة، وكان لمساجدها والدور العلمية فيها الدور الكبير في تمهيد الأرضية المناسبة لنشوء المراكز البحثية والعلمية فيها. [٣] ومع تأسيس بغداد واتخاذها عاصمة للدول العباسية تحولت هي الأخرى إلى مركز علمي استقطب علماء الشيعة لما توفر فيها من مشايخ كبار كالشيخ الكليني والشيخ المفيد، وكانت المدرسة البغدادية ما بين 260 هـ ق إلى 327 هـ ق المعروفة بفترة الغيبة الصغرى تدار من قبل النواب الأربعة، ثم تواصلت الدراسة والنشاط العملي فيها إلى أن أثيرت الفتنة في منتصف القرن الخامس وتم إحراق مكتبة دار العلم مما اضطر الشيخ الطوسي (ره) إلى الهجرة منها إلى النجف عام 448 او 451 هـ ق ليؤسس هناك المدرسة النجفية التي تحولت بعد مدرسة بغداد إلى المركز الأمّ للدراسات الشيعية. وكان إلى جانب النجف حوزة الحلة العلمية التي تمكنت من حمل راية المرجعية العلمية على يد فقهاء ومراجع كبار كالعلامة الحلي والمحقق الحلي وابن فهد الحلي. في تلك الفترة ظهرت حوزة متنقلة (مشائية) تحت إشراف العلامة الحلي نفسه. [٤] كذلك كان لجبل عامل نصيب كبير في دعم الحركة العلمية الشيعية لما جادت به يراع كبار علمائها كالشهيدين الأول والثاني. [٥] أما المدرسة القمية فترجع جذورها إلى القرن الثاني أو النصف الثاني من القرن الثاني وما زالت تؤتي ثمارها بحمد الله. وكان لانتقال الشيخ عبد الكريم الحائري إليها سنة 1340 ق الدور الكبير في بعث الحياة فيها. وما أن حلّ السيد حسين البروجردي فيها حتى زادت تألقا وحظيت بشهرة عالمية وتحولت بعد إنتقاله إليها إلى أكبر حوزة علمية في الوسط الشيعي. [٦]
النظام التعليمي
نشير هنا إلى جدول بالنظام التعليمي المعتمد في الحوزة العلمية للطلاب الايرانيين والذي يقترب في خطوطه العريضة مع الانظمة الأخرى المعتمدة للطلاب غير الايرانيين:
الكتب الدراسية:
إن النظام التعليمي المعتمد في الحوزة العلمية يعتمد اسلوب "محورية المتن" بمعنى أنّه يتم اختيار متن معين للدراسة والتحليل العلمي؛ ومن هنا تقتضي الخطوة الأولى إعداد الطالب وتأهيله علميا لفهم المتون الدراسية التي خطها يراع كبار العلماء في الحوزة والتي تتسم أحياناً بتعقيد العبارة وصعوبتها. ومن هنا يكون إحدى معايير تقييم الطالب قدرته على شرح العبارة وفك رموزها والوصول إلى المعنى المقصود منها، علما أن المنهج التعليمي الحوزوي قائم قبل كل شيء على أسلوب الأئمة الأطهار (عليهم السلام) في عرض العلوم على أصحابهم وتلامذتهم عن طريق الخطوات التالية:
- الإلقاء
- الإملاء
- السماع
- القراءة
- الكتابة
- المباحثة
ولاريب أن المباحثة تعد من أهم الاساليب وأنجعها في فهم النص وترسيخ المعلومة في ذهن الطالب، بالاضافة إلى صيانة النظام التعليمي من الانفلات والتسرع في الأحكام وطرح الأفكار غير المدروسة والمتوازنة. وتتواصل طريقة المباحثة في جميع المراحل الدراسية حتى يصل الطالب إلى مرحلة الأستاذية والتصدي للتدريس بنفسه. وقد يعتمد البعض من المشايخ والأساتذة طريقة عقد حلقات البحث العلمي الخاصة التي يتناول الحاضرون فيها بعض المسائل العلمية المطروحة مسلطين الأضواء على جميع الزوايا والأبعاد مع مناقشة النظريات والأدلة المطروحة فيها. إلا أن طريقة المباحثة ضعفت في العقود الأخيرة بسبب ضبط الدروس وسهولة المتون الدراسية.
النظام التعليمي الحديث
قام المختصون بالشأن الحوزوي بعد قيام الجمهورية الإسلامية بإعداد نظام تعليمي جديد بجمع بين المحافظة على النظام التقليدي وبين النظم التعليمة الحديثية مستفيداً من بعض النظم التعليمية الجامعية؛ وذلك اعتماداً على التوجيهات والانتقادات العلمية التي سجلها كبار العلماء كالإمام الخميني والشهيد المطهري والسيد علي الخامنئي والتي اقتضت الإصلاح والتجديد لتخطّي بعض نقاط الضعف الموجودة في النظام القديم من قبيل: التخلف وعدم مواكبة العصر [٨] الغفلة وعدم الاهتمام بمتطلبات العصر [٩] عدم مواكبة العلوم العصرية، [١٠] الاقتصار على البحوث الفقهية وتعقيد المتون الدراسية، بالاضافة إلى النصوص الطويلة وضخامة الكتب الدراسية الفقهية وغيرها. [١١] نعم، لا ينبغي الغفلة عن نقاط القوة التي تتوفر عليها المناهج القديمة والتي يمكن أن تكون نموذجا تحتذي به الجامعات العلمية المعاصرة. [١٢] هذا النظام الحوزوي الجديد يوزع على عشر مراحل تطوى كل مرحلة منها في عام دراسي واحد وبعد أن يكمل الطالب المراحل العشر هذه يكون قد استعداد للمشاركة في المرحلة الأخيرة المعروفة بمرحلة الخارج التي سيأتي التعريف بها لاحقا.
العلوم الحوزوية
العلوم الأصلية | العلوم الأصلية | العلوم المرتبطة | العلوم الرائجة في الحضارة الإسلامية | الدروس الجديدة |
---|---|---|---|---|
القرآن | الفقه | الأدب العربي | الطب | دراسة ونقد الفلسفة ومدارسها المتأخرة |
التفسير | الأصول/أصول الفقه | المنطق | الرياضيات | التعرف علي الأديان والفرق |
الحديث | الرجال | النجوم/الفلک | التاريخ/السيرة وشرح الكتب الحديثية | |
الكلام | الأخلاق | الفلسفة | العرفان | |
يمكن تصنيف العلوم التي يدرسها طلبة العلوم الدينية إلى علوم أساسية وعلوم مقدماتية بالاضافة إلى بعض العلوم المعاصرة، وهذه العلوم هي: العلوم المقدماتية التي لابد للطالب منها للاستعداد لفهم العلوم الأصلية والخوض فيها، هي: علوم اللغة العربية بجميع فروعها، التاريخ، علم الرجال، علم أصول الفقه، علم معرفة الحديث أو ما يسمى بدراية الحديث بالاضافة إلى المنطق والفلسفة. أما العلوم الأصلية فهي: علوم القرآن وتفسيره؛ الفقه، تحليل متون الحديث، علم الكلام، الأخلاق. وقد أضيفت دراسات حديثة من قبيل : نقد وتحليل المدارس الفكرية المعاصرة، تاريخ الأديان المقارن بالاضافة إلى تاريخ الفرق الاسلامية وتاريخ بعض العلوم وفلسفتها. علما أن هناك علوما كانت رائجة في الحوزات العلمية في القرون السالفة من قبيل علم الطب والنجوم (الفلك) والرياضيات والعرفان والتي استقلت اليوم وأصبحت باستثناء الأخير من شؤون وتخصصات الجامعات الأكاديمية.
المراحل الدراسية
- مرحلة المقدمات: يقتصر الطالب في هذه المرحلة على دراسة علوم اللغة (النحو والصرف والبلاغة والعروض) والمنطق ومقدمات في أصول الفقه، إضافة لدراسة بعض الكتب الفقهية. وقد أشرنا في فقرة النظام التعليمي إلى المتون العلمية التي تدرس في هذه المرحلة التي تشمل حسب النظام التعليمي الجديد في الحوزة القميّة المرحل الست الأولى. ومن تلك الكتب منطلق المظفر والبهجة المرضية في شرح الألفية للسيوطي وألفية ابن مالك ، ومنها كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية بالاضافة الى كتب ومتون خاصة في أصول الفقه. [١٣]
- مرحلة السطوح: وهي المرحلة الثانية التي تؤهل الطالب حضور الأبحاث الاستدلالية المعمقة، وتعتمد الدراسة في هذه المرحلة أسلوب محورية المتن بمعنى أن الاستاذ ينتخب متناً دراسياً في مادة الفقه أو أصول الفقه و... فيقوم الأستاذ بقراءة المتن المنتخب مقطعاً مقطعاً ثم يشرع بشرح الموضوع وتفكيك العبارات وطرح ما يزيل الغموض والإبهام الموجود فيها. وفي الوقت نفسه يستمع لما يثيره الطلبة من تعليقات فيصحح آراءهم أو يتنزل عندها إذا كانت آراؤهم جديرة، وتتسم هذه المرحلة بالطابع الاستدلالي في الفقه والكلام. وعادة ما يختار الأساتذة في هذه المرحلة كتاب المكاسب للشيخ الانصاري وكتابه الآخر في الأصول المعروف بالرسائل بالاضافة إلى كتاب كفاية الأصول للآخوند الخراساني.
والهدف من هذه المرحلة تعزيز قدرات الطالب الاستدلالية وتقوية قواه الادراكية لفهم المتون الدينية والتعرف على مناهج الاستنباط من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. [١٤]
- مرحلة الخارج: وتمثل هذه المرحلة الدور الأخير من المراحل الدراسية الحوزوية، وتدار حلقات أبحاث الخارج بطريقة تقليدية يقوم برعايتها المجتهدون وكبار الفقهاء (مراجع التقليد) حيث يختار الأستاذ بحثاً فقهياً أو أصولياً أو بحثاً في تفسير القرآن- من دون الالتزام بمتن دراسي خاص- يلقيه على شكل محاضرات يعرض خلالها مادة البحث عرضاً استدلاليا مسلطا الأضواء على جميع زوايا وتفريعات المسألة والأدلة المستند إليها مع استعراض آراء علماء الطائفة وسائر علماء المذاهب الإسلامية فيها، مع الأدلة التي ساقوها ومناقشتها تفنيداً تارة وتصويباً أخرى، مستعرضا في الوقت نفسه دليل الآراء الفقهية المطروحة ليناقشه ويؤيده أو يفنده بالدليل العلمي والحجج القاطعة ليصل في نهاية المطاف إلى الرأي الذي يتبناه في المسألة مع ذكر المستند الذي اعتمده في فتواه. [١٥]
التدريس
يكون الخيار في النظام التدريسي الحوزوي إلى الاستاذ هو الذي يختار المادة الدراسية والبحث الذي يريد طرحه مع اختيار الوقت المناسب شريطة أن يكون الاستاذ مؤهلا لتدريس تلك المادة وملما بابعادها وجديراً بالإجابة عن جميع الاشكالات والتساؤلات التي يطرحها الطلبة، وأن يثبت للحاضرين قدرته العلمية كي يحظى بمواصلة الدرس وإلا ينفرط عقد حلقة درسه ويذهب كل طالب إلى حيث يجد الاستاذ المناسب والأقدر على البحث العلمي.
المراكز التعليمية
- المدارس العلمية: وتمثل أهم المراكز العلمية لما تتوفر عليه من إمكانات توفر للطالب ما يرومه. علما أن الرائج في القرون الماضية إطلاق عنوان "المدرسة" على تلك المدارس من دون ضمّ مفردة "العلمية" التي أصبحت– مؤخّراً- هي الرائجة في الاستعمال للتمييز بينها وبين المدارس الأكاديمية حيث يصطلح على المدارس التقليدية عنوان "المدارس العلمية" تمييزاً لها عن المدارس الحديثة.
والملاحظ من تاريخ الحوزات العلمية الشيعية أنها قامت بتأسيس الكثير من المدارس العلمية التي تصدى لإنشائها رجال السلطة كالحكام والوزراء تارة [١٦] وأخرى على يد المؤمنين من التجار وشيوخ القبائل [١٧] وتارة على يد كبار العلماء والفقهاء. [١٨] وغير هؤلاء من المساهمين والمتبرعين في هذا المجال. وتقوم المدارس الدينية فضلاً عن تأمين المادة الدراسية بتوفير مصادر البحث العلمي المتمثلة بالمكتبات ودعم المدرسين والطلبة ماديا وتأمين الحد الأدنى مما يحتاجه الطالب اعتماداً على الموقوفات والهباب والحقوق الشرعية. [١٩]
- المساجد: وتعد المساجد من أهم المراكز العلمية في الوسط الحوزوي منذ القرون الأولى من عمر الدراسات الدينية، والملاحظ أنّ رجال الدين الكبار ومراجع التقليد يختارون المساجد لعقد حلقات دروسهم رغم وجود المدارس العلمية وذلك لما للمسجد من قداسة وبعد معنوي ينعكس على أخلاقية طالب العلوم الدينية. [٢٠] وهذه الظاهرة ما زالت مستمرة حيث نرى الكثير من المساجد عامرة بحلقات البحث العلمي.
- الأماكن الخاصة: قد يختار المشايخ والأساتذة أماكن خاصة لعقد حلقات الدرس ومن أبرزها مكاتب العلماء أنفسهم؛ وذلك لأسباب كثيرة منها ما يعود إلى شخصية الأستاذ نفسه وظروفه الخاصة ومنها ما يرجع إلى المادة التي يروم طرحها، فعلى سبيل المثال تحتاج الدراسة الفلسفية إلى محيط خاص يتسم بالهدوء والاستقراء ودائرة ضيقة تنسجم مع تلك المادة ومن هنا يضطر بعض المختصين بالشأن الفلسفي لتدريس المادة في مكاتبهم الخاصة أو في بيوتهم.
ومن تلك العوامل التي تؤدي إلى اختيار أمكان خاصة– وقد انقرض في عصرنا الراهن- عامل كسب المال حيث يضطر الأستاذ أحياناً لتأمين معاشه بنفسه. من هنا يمارس التجارة أو يحترف صنعة ما مما يضطره لالقاء الدروس في نفس المحل التجاري او الورشة الصناعية التي يديرها.
- سائر الأماكن: ومن الأماكن التي يتم التدريس فيها أضرحة الأئمة (عليهم السلام )والسادة من السلالة الطاهرة وأضرحة العلماء والفقهاء الكبار.
الأهداف
- يُعد تبليغ الاحكام الالهية والمعارف الدينية من أولويات وأبرز أهداف ومهام الحوزة العلمية، [٢١] إنطلاقا من قوله تعإلى ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ﴾.[٢٢]
- التفقه في الدين؛ بمعنى فهم الدين فهما معمقا معتمداً على المصادر الإسلامية الأصيلة والفهم الصحيح، انطلاقا من قوله تعالى في الآية 122 من سورة التوبة ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾. [٢٣]
الدروس الأخلاقية
تعد الدروس الأخلاقية من أنشط الدروس الفرعية في الحوزة العلمية. والجدير بالذكر أنه لم يكن درس الأخلاق قد أدرج ضمن برامج الدرس الحوزوي الرسمي في قم المقدسة قبل هجرة الشيخ عبد الكريم الحائري من أراك إلى قم. الا أنه ومع تسنمه رحمه الله أمور المرجعية في الحوزة تصدّى لإدراج درس الأخلاق ضمن النظام التعليمي الذي رسمه في وقته. علماً أنّه قد تعارف بين الكثير من مشايخ السطوح العالية وأبحاث الخارج أن يختموا درسهم في نهاية كل اسبوع ببحث أخلاقي يثيرون خلاله مجموعة من المواعظ والإرشادات والوصايا الأخلاقية مستندين في ذلك على آيات الذكر الحكيم وما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) وكلمات العرفاء وأساتذة الأخلاق المعروفين. وكان لكل من السيد علي الشوشتري والميرزا جواد ملكي التبريزي والإمام الخميني والشيخ عباس القمي دروس في الأخلاق وحلقات وعظ يلقونها على تلامذتهم. [٢٤]
أهم الكتب الأخلاقية
عوامل البناء وأسباب الركود
إن العوامل التي ساعدت في بناء الصرح الحوزوي وتشييد أركانه كثيرة جداً منها:
- وجود علماء كبار تصدوا لعقد حلقات البحث العلمي ونشر المعارف الاسلامية، ويمكن الاشارة هنا إلى تجربة الشيخ الطوسي (ره) عندما هاجر- أثر الفتنة- من بغداد إلى النجف وتأسيسه للحوزة العلمية النجفية هناك مستفيدا من البعد المعنوي والروحي لمرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) وأثره على الوجدان الشيعي حيث أخذت جموع الشيعة تتجه صوب النجف الأشرف من شتى البلدان (بغداد، الري، حلب، طرابلس، قم، خراسان وما وراء النهر و...) لتلقي برحالها في تلك البقعة المباركة ولتكون النواة التي شكلت المنطلق لمدرسة شيعية هي من أكبر المدارس التي شهدها التاريخ الإمامي.
- مراقد الأئمة وأضرحتهم؛ كان لتلك المراقد المقدسة الدور الكبير في استقطاب الشباب والراغبين في تلقي العلوم والمعارف الدينية حيث شيدت في جوارها المدارس العلمية كما يشاهد ذلك وبوضوح في كل من مدينة قم المقدسة، وخراسان في مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) وكربلاء والكاظمية وسامراء.
- عواصم الحكومات الشيعية؛ هي الأخرى لها دور بارز في حينها لنشر العلم ودعم الحركة المعرفية في العالم الشيعي كما حصل ذلك في كل من أصفهان وطهران وقزوين وتبريز.
- شعور سكان بعض المدن بالحاجة إلى وجود مراكز علمية في أوساطهم كما حصل في الحوزة العلمية في كاشان وشيراز وسبزوار وتستر وجبل عامل والبحرين و...
عوامل الركود
- قد تفتقر الحوزة أحيانا- ولاسباب عديدة- إلى علماء بارزين من الرعيل الأوّل الذين يملكون الحيوية والاستعداد الذاتي للعطاء. بل قد تبتلي أحيانا أخرى بانكماش في عدد الوافدين إليها لطلب العلم مما ينعكس سلبا على سير الحركة التكاملية فيها خاصة إذا اجتمع العاملان المذكوران في وقت واحد، ومن الشواهد التاريخية على ذلك سقوط المدرسة البغدادية بعد رحيل الشيخ الطوسي منها إلى النجف الأشرف. [٢٥]
- ومن عوامل الركود التي يمكن الإشارة إليها العوامل السياسية والطبيعية، يشهد لذلك الانعكاس السلبي لهجوم الأفغان على مدينة أصفهان وتقهقر الدراسة الحوزوية فيها؛ والنموذج الآخر الشاهد على هذه الحقيقة موقف الحكم البهلوي الأول من رجال الدين واعتماد سياسة الاقصاء بحقهم مما كان له الأثر البارز في تراجع الحركة العلمية والثقافية في جميع البلاد وخاصة الحوزة العلمية الطهرانية التي تلقت ضربة قاصمة في حينها من قبل النظام البهلوي.
مديرية الحوزة
تقع الحوزة عادة تحت إشراف مراجع الدين العظام وقد يشترك أكثر من مرجع في الإشراف والادارة في وقت واحد. وتتكفل مديرية الحوزة بالأمور الكلية من قبيل:
- الاهتمام بشؤون الطلاب من قبيل: المسكن، الراتب الشهري، توفير المستلزمات الضرورية والمواد اللازمة للدراسة الحوزوية وإنشاء المكتبات العامة.
- الإشراف ومراقبة الحركة العلمية والتدريسية على جميع المستويات وفي كافة المراحل.
- الاهتمام بشؤون المدرسين.
- إعداد وتوفير المدرسين ممن تتوفر فيهم الكفاءة العالية فضلاً عن رفد الحوزة بالأساتذة من الحوزات المنتشرة في المدن.
- مراقبة ورصد الحركة التربوية والسلوك الاجتماعي للطلاب ومدى تقيد الطالب بالمعايير الأخلاقية والمعنوية ونوع العلاقة بينهم وبين سائر الناس.
- الاهتمام بتنظيم العلاقة وطريقة التعامل بين الحوزة العلمية والجهات الحكومية.
- اتخاذ المواقف والمشاركة الفاعلة في الكثير من الأحداث والمناسبات السياسية والاجتماعية وكذا الدينية.
الجانب الاقتصادي
المصادر المالية
تعتمد الحوزات العلمية عادة على الوجوه الشرعية كالخمس والزكاة والهدايا التي يتبرع بها الميسورون من المؤمنين والتي تصل إلى يد مراجع التقليد وعلماء الدين الكبار لتأمين هذه المؤسسة الكبيرة، إضافة إلى الأموال الحاصلة من الموقوفات؛ وما زالت هذه الطريقة هي المعتمدة لتأمين الجانب المالي للحوزوات العلمية.
الراتب الشهري للطلاب
تؤمن الأمور المالية للطلاب من قبل مراجع التقليد وتدفع إليهم شهريا تحت عنوان "الشهرية" وهي طريقة متبعة في الوسط الحوزوي منذ قرون طويلة وما زالت جارية على نفس المنوال. [٢٦] وكما مر تؤمن هذه الأمول عن طريق الحقوق الشرعية كالخمس والزكاة وهدايا الموسرين من المؤمنين.[٢٧]
استقلالية الحوزة
يلاحظ مما مرّ أن الحوزات العلمية الشيعية مستقلة عن هيمنة الحكومات الشيعية وغير الشيعية، فلا تسمح لأي جهة بالتدخل في قرارها أو المساس باستقلالها المالي فلم تخضع على مر التاريخ لنفوذ أي سلطة حتى لو كانت حكومة شيعية.[٢٨]
العطل الحوزوية
هناك نظام خاصل لتعطيل الدوام الدراسي في الحوزة العلمية يتمثل في:
- يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع
- المناسبات الدينية كشهادات الأئمة والأعياد الإسلامية.
- شهر رمضان والعشرة الأولى من شهر محرم والعشرة الأخيرة من شهر صفر؛ وذلك لافساح المجال للعلماء وطلبة العلوم الدينية بممارسة مسؤولياتهم التبليغية والارشادية في تلك المناسبات. ومن لم يسافر للتبليغ يستغل تلك الفترة للاعداد العلمي والكتابة والتدريس وما شابه ذلك. [٢٩]
- العطلة الصيفية في بعض أو تمام الفصل.
وعادة ما يكون المعيار في الدوام والتعطيل هو دروس الأساتذة من الرعيل الأول كالمراجع وكبار الفقهاء. علماً أن بعض المدارس العلمية تضع برنامجاً خاصا لاستغلال فترة العطل بالوعظ والخطابة يتصدى له رواد الفن وكبار المبلغين لتكون بمنزلة دورة تأهيلية لإعداد جيل من المبلغين والخطباء يستند على أصول وقواعد علمية. وهناك من يستفيد من فترة تعطيل الدروس الرسمية للاطلاع على العلوم الأخرى لم تدرس عادة في الحوزات. [٣٠]
الانتساب إلى الحوزة
كانت الطريقة المتبعة حتى النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري قائمة على أن يحضر الطالب- وخاصة الصغار منهم- في الكتاتيب للتعرف على القراءة والكتابة وتعلّم شيء من القرآن الكريم ثم الانتقال إلى تعلّم مقدمات الصرف والنحو وبعض العلوم المقدمات، فاذا فرغ منها التحق بحلقات الدرس الحوزوي. وقد هجرت هذه الطريقة بعد انتشار المدارس الأكاديمية- التي أغنت عن مرحلة الكتاتيب- حيث يلتحق الطالب بعد إكمال مراحل الدراسة المتوسطة او الإعدادية. والمتعارف اليوم في الحوزة القميّة قبول الطلاب ممن أكملوا الإعدادية وعلى أقل تقدير من تخرج من الثالث المتوسط. بل نجد الكثير من الطلاب من خريجي الجامعات والمعاهد الاكاديمية. [٣١]
الألقاب الحوزوية
ثقة الإسلام | ثِقَةُالإسلام، هو عنوان عام لاحترام و تعظيم علماء الإمامية، و هو اللقب الخاص لـمحمد بن يعقوب الكليني و في الآونة الأخيرة تبين قدرا معينا من العلوم الحوزوية للشخص. |
الآخوند | هي كلمة فارسية بمعنى العالم، و رجل دين والمعلم و كان في البداية في العصر التيموري في إيران تستعمل كعنوان محترم لرجال الدين العلماء. و في العصر القاجاري توسع استعمال هذه المفردة و كانت تشمل المدرسين في المدارس التقليدية.و كان يسمى الملا محمد كاظم الخراساني بالآخوند بين علماء ذلك العصر. و الآن تستعمل المفردة بصورة عامة لرجال الدين عادة. |
الشيخ | يعادل الشيخ لغة كبير السن، و كان يطلق في العصر الجاهلي على الرئيس و عميد القبيلة، و يعد أيضا من المصطلحات الصوفية في إيران القديمة. و هذا لقب خاص لبعض العلماء المسلمين الكبار في الحضارة الإسلامية. و اليوم ليس في إيران هذا اللقب عنوان رسمي بل يطلق على كل من درس في الحوزات العلمية و لبس العمامة البيضاء و زي رجال الدين. |
حجة الإسلام | يحتسب لقب خاص لبعض العلماء المسلمين و من الألقاب العامة لرجال الدين الشيعة في الآونة الأخيرة. و شاع استعمال هذه المفردة لعلماء الشيعة في عصر فتح علي شاه القاجاري و يؤتى في بعض الأحيان بلقب حجة الإسلام و المسلمين للتكريم. و اليوم يستعمل هذا اللقب للذين اجتازوا بعض المراحل الدراسية للسطوح العالية من الدراسات الحوزوية في الفقه و الأصول و خلافا للعصر الدستوري لا يطلق هذا المصطلح على رجال الدين الأعاظم. |
المجتهد | هو من يستطيع أن يستنبط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية يعني (القرآن الكريم، والسنة، والعقل والإجماع). |
مرجع التقليد | يطلق على كل مجتهد جامع للشرائط الذي يقلده كثير من الناس في أخذ أحكامهم الشرعية منه. وعادة ينشر مرجع التقليد الأحكام المبتلى بها المقلدون في رسالة باسم رسالة توضيح المسائل. |
العلامة | هو لقب للعلماء المسلمين الذين عندهم مهارات في مختلف الفنون العلمية. و هو لقب خاص للعلماء المسلمين في البلاد الفارسية و العربية ولا يوجد لها نظير في سائر اللغات خاصة الإنجليزية. لكنها لا تعد من الألقاب الرسمية في الحوزة العلمية وعادة تطلق على من تكون لديه خبرة و مهارة في الفلسفة. |
هناك مجموعة من الألقاب في الحوزات العلمية التابعة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) تعكس المرتبة العلمية التي وصل إليها الطلاب من جهة وتنطوي على نوع من الاحترام والتقدير لمقام العلم والعلماء، وهذه الألقاب هي:
- ثقة الاسلام:
- مصطلح يطلق ويراد من تعظيم العلماء الامامية عامة وقد اختص الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بهذا اللقب في القرون الماضية. اما اليوم فيطلق ويراد منها الطالب الذي وصل مرحلة معينة في السلم العلمي الحوزوي.
- الآخوند:
- مفردة فارسية تعني العلم ورجل الدين الشيعي، وتعود جذور هذه المفردة إلى العصر التيموري تم اتسع استعمالها في العصر القاجاري كثيرا لتشمل مدرسي الكتاتيب أيضا. ومن أبرز العلماء الملقبين بالآخوند الشيخ الملا محمد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند حتى ان الكلمة اذا اطلقت في الوسط الحوزوي انصرف الذهن اليه خاصة.
- الشيخ:
- مفردة الشيخ لغة تعني الكبير في السن، وكانت تطلق في العصر الجاهلي على رئيس العشيرة وكبيرها، وكانت من المصطلحات الرائجة في الوسط الصوفي، وقد دخلت الساحة الحوزوية ليشار بها بعض الأعلام الكبار كالشيخ الطوسي والشيخ الأنصاري؛ فيما أخذت في العقود الاخيرة تطلق على طلبة العلوم الدينية ممن لبس الزي الحوزوي من غير السادة المنتسبين للبيت الهاشمي الذين عادة ما يعتمروا العمائم السوداء.
- حجة الاسلام:
- كانت مفردة حجة الاسلام مختصة ببعض أعلام الطائفة الشيعية وقد راج استعمال المفردة في عصر السلطان القاجاري فتح علي شاه وتارة يقرن بها لمزيد التكريم مفرد والمسلمين فيقال (حجة الاسلام والمسلمين). وقد تعارف إطلاقها اليوم على بعض طلبة العلوم الدينية ممن طوى مراحل معينة من الدرس الحوزوي وخاصة في مادتي الفقه والأصول وإن لم يصلوا إلى مرحلة الاجتهاد، خلافا لعصر المشروطة حيث كانت تطلق على خصوص الشخصيات العلمية الكبيرة فقط.
- المجتهد:
- مصطلح يختص بالعلماء الذين نالوا مرتبة درجة الاجتهاد وحصلوا على ملكة استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية القرآن والسنة والعقل والإجماع.
- مرجع التقليد:
- يطلق على المجتهد الجامع للشرائط والذي تقلده كل أو أغلب الطائفة وترجع إليه في معرفة أحكامها وتكاليفها الشرعية المدونة عادة في كتاب فقهي خاص يحتوي على فتواه يعرف بالرسالة العملية.
- العلامة:
- مصطلح يطلق على بعض العلماء المتضلعين في كثير من العلوم، وهو من المصطلحات الرائجة في البلدان الإسلامية الناطقة بالعربية والفارسية والأردو . علما أن مصطلح العلامة ليس من الألقاب الحوزوية الرسمية وعادة ما يطلق على المتبحر في العلوم العقلية والفلسفية. [٣٢] وقد يطلق لقب العلامة في كتب الفقه على خصوص الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي المتوفى سنة 726 هـ صاحب كتاب تحرير الأحكام وتذكرة الفقهاء وقواعد الأحكام ومختلف الشيعة ومنتهى المطلب ونهاية الأحكام وغيرها من الكتب التي كانت مرجعاً من مراجع الطائفة.
- المحقق:
- يطلق في كتب الفقه على أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي المتوفي سنة 676 هـ ق صاحب كتاب شرائع الإسلام وغيرها وكان من مراجع الطائفة.
- آية الله العظمى:
- لقب يطلق على من نال رتبة الاجتهاد وأشير له من قبل بعض أهل الخبرة بالأعلمية.
- زعيم الحوزة العلمية:
- يطلق على المرجع الذي تصدّر زعامة الحوزة العلمية في وقته كالشيخ عبد الكريم الحائري والسيد البروجردي والسيد الخوئي و... وقد يطلق عليه عنوان زعيم الطائفة.
مراتب الحوزات وتصنيفها
ينتشر في الكثير من المدن الشيعية رجال دين كبار وعلماء افذاذ استطاعوا أن يؤسسوا مراكز علمية في مدنهم تعدّ الرافد المهم الذي يرفد الحوزات العلمية الأم بالكثير من الطلاب والمهتمين بالشأن العلمي. ففي العصر الصفوي كانت الحوزة الاصفهانية تمثل المركز العلمي الأكبر في الوسط الإيراني وفي الوقت نفسه كانت كل من المدارس الأخرى في البحرين وشيراز وخوزستان ولاهيجان وقزوين وكاشان وخوانسار ترفد تلك الجامعة بالمزيد من الطلاب. فيما تحولت طهران في العصر القاجاري إلى مركز يستقطب طلاب العلوم الدينية الوافدين من المناطق الشمالية ومنها إلى أصفهان. وفي الوقت نفسه كانت أصفهان ترفد الحوزة النجفية بكثير من الطلاب الذين شدّوا الرحال متجهين صوب الحوزة الكبرى في جوار مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام). ولم يقتصر الأمر على الدائرة الايرانية والعراقية بل كانت الحركة نشطة بين تلك البقاع وبين المسلمين الشيعة في الهند. وفي العقود الأخيرة كانت حركة الاستقاطب والهجرة العلمية من نصيب مدينة قم المقدسة التي تمكنت من جلب عشرات الالاف من الطلاب من شتّى أقطار العالم كالباكستان ولبنان والبحرين والعراق والكثير من الدول العربية والافريقية والاوربية.
أبرز الحوزات العلمية الشيعية
- المدرسة القمية:
- وهي من أهم وأبرز الحوزات الشيعية ويعود تاريخها إلى النصف الأول من القرن الثاني على أثر هجرة الأشعريين إليها، وقد تألق نجم الحوزة القمية بعد الغيبة الكبرى في القرنين الثالث والرابع الهجريين؛ إلا أن حركتها العلمية ضعفت بظهور مدرستي الري وبغداد في القرن الخامس الهجري، ووصلت إلى مرحلة الانحلال والاندثار بعد هجوم المغول سنة 621 هـ ق. وبقيت حالة الركود هي السائدة في المدرسة القمية حتى قدوم الشيخ عبد الكريم الحائري سنة 1300 شمسي[1921م] حيث تمكن من إحيائها وإنشاء مدرسة علمية جديدة، وكان لقدوم السيد البروجردي بعد ذلك الدور الكبير في انتعاش المدرسة القمية حيث بلغت الذورة في عطائها وأصبحت في مصاف أهم الحوزات العلمية حينها. ثم جاء دور الثورة الإسلامية لترفع من مكانة الحوزة القميّة على مستوى المناهج والتنظيم واستقطاب الكثير من الطلاب من شتى بلدان العالم فضلاً عن وجود شخصيات علمية ومراجع تقليد كبار بذلوا جهوداً جبارة في دعم الحركة العلمية وإنشاء جيل كبير من خيار العلماء وتربية الكثير من المحققين والباحثين في شتى العلوم العقلية والنقلية.
- المدرسة البغدادية:
- تعود جذور المدرسة البغدادية إلى عصر الامام الكاظم (عليه السلام) وكانت لها الصدارة بعدما برز فيها علماء كبار كابن الجنيد والشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي وكانت قمة توهجها العلمي في عصر آل بويه إلى منتصف القرن الخامس حيث ظهرت فتنة السلاجقة ودخول طغرل بك السلجوقي بغداد سنة 447 هـ ق مما اضطر شيخ الطائفة وزعيم الحوزة حينها الشيخ الطوسي للهجرة من بغداد إلى النجف الاشرف.
- المدرسة النجفية:
- أسست مدرسة النجف الأشرف عند ما وصل الغري شيخ الطائفة الشيعية الشيخ الطوسي أواسط القرن الخامس الهجري بعد وقوع حادثة كبرى بين السنة والشيعة. فكانت المركز العملي للتشيع حتى القرن السادس الهجري؛ ولكن مع ظهور محمد بن إدريس الحلي في القرن السادس الهجري في الحلة ضعف الإشعاع العلمي والفكري للحوزة النجفية وانتقلت الزعامة إلى مدينة الحلة، إلى أن تمكن المحقق الأردبيلي من إعادة الريادة للمدرسة النجفية. وقد ابتليت الحوزة النجفية كسائر الحوزات الشيعية في العقد الرابع من القرن الحادي عشر بظهور المدرسة الإخبارية إلى أن تمكن العلامة بحر العلوم وتلامذة الوحيد البهبهاني من بث الروح العلمية في الحوزة النجفية وإعادة النشاط الأصولي فيها لتتحول إلى أعظم جامعة دينية علمية عرفها تاريخ الطائفة الإمامية ولا تزال باقية يقصدها رواد العلم وأبناؤه من أقاصي البلاد الإسلامية.
- مدرسة الحلّة:
- تعود جذور مدرسة الحلة إلى القرن الخامس على يد حكومة بني مزيد في الحلة. وقد تمكنت من أواسط القرن السادس إلى نهاية القرن الثامن التصدي لزعامة الحركة العلمية في الوسط الشيعي. إلّا أن النزاعات التي حصلت بين ملوك الطوائف بعد سقوط الدولة الايلخانية أضعفت رويداً رويداً الحركة العلمية فيها لتعود الصدارة من جديد إلى المدرسة النجفية. انجبت مدرسة الحلة كبار العلماء ومراجع الدين كابن ادريس الحلي والمحقق الحلي والعلامة الحلي وابن طاووس و....
- مدرسة جبل عامل:
- يراد من هذه المدرسة مجموع المراكز العلمية الشيعية التي ظهرت في بعض قرى ومدن جبل عامل في لبنان من اواسط القرن الثامن إلى أواسط القرن العاشر. ومن أشهر أعلام المدرسة العاملية كل من الشهيد الأول والشهيد الثاني والشيخ الحر العاملي والمحقق الكركي. وكان لرجال هذه المدرسة وخريجيها الدور الكبير في تشكيل المدرسة الأصفهانية وغيرها من الحوزات العلمية بما فيها الحوزة النجفية في القرون الأخيرة.
- مدرسة أصفهان:
- ظهرت المدرسة الاصفهانية بعد اعتراف الحكام الصفويين بالمذهب الامامي الاثني عشري واتخاذ الصفويين أصفهان عاصمة لهم. انجبت المدرسة الاصفهانية ثلة من كبار العلماء كالميرزا عبد الله الافندي والشيخ البهائي ومحمد باقر السبزواري ومحمد تقي المجلسي ومحمد باقر المجلسي وآقا جمال الخوانساري وآقا حسين الخوانساري والسيد أبو الحسن الاصفهاني.
- مدرسة الري:
- ظهرت مدرسة الري في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري بعد هجرة السادة العلويين اليها. ومن ابرز وجوه هذه المدرسة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ الصدوق، وابن قبة الرازي، وأبو الفتوح الرازي.
- مدرسة خراسان: وهي ثاني مدرسة علمية في ايران من حيث الأهمية بعد المدرسة القمية وما تزال عامرة بالبحث العلمي والتحقيقي حيث يوجد فيها ما يزيد على أربعين حلقة درسة على مستوى أبحاث الخارج واكثر من 400 حلقة على مستوى السطوح. وهي تشرف على جميع الحوزات العلمية في كل من خراسان الرضوية وخراسان الجنوبية وخراسان الشمالية.
- مدرسة طهران: يعود تاريخ تأسيسها إلى عصر محمد خان القاجاري وكانت تمثل في حينها حلقة الوصل أو الوسطى بين كل من المدرسة النجفية والكربلائية والأصفهانية من جهة وبين المدراسة الفرعية المنتشرة في المدن الايرانية. من أشهر رجال المدرسة الطهرانية كل من: محمد حسين الآشتياني، والحاج المولى علي الكني، والشيخ فضل الله النوري، ومحمد تقي الآملي، والسيد أحمد الخوانساري، ومحمد مهدي إلهي قمشئي وأبو الحسن الشعراني.
كان للمدرسة الطهرانية مشاركة فاعلة في الكثير من الحوادث السياسية كثورة التنباك وحركة المشروطة، والتصدي لحركة رضا خان المناهضة للدين فضلاً عن حركة تأميم النفط وثورة الخامس عشر من خرداد ودعم الثورة الاسلامية. من أبرز مراجع الدين الساكنين مؤخرا في طهران الشيخ مجتبى الطهراني.
لمزيد الاطلاع
- الحوزة العلمية في النجف الأشرف، تأليف السيد محمّد الغروي
- مقدمة كتاب الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية تحقيق السيد كلانتر، بقلم آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي، طبع دار العالم الاسلامي، بيروت.
- مقدمة رياض المسائل، طبع مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين- ق 1412 ق.
- تطور حركة الاجتهاد عند الشيعة الامامية، الدكتور عدنان فرحان، رسالة دكتوراه.
- تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية، جودت القزويني، دار الرافدين للطباعة والنشر.
الهوامش
- ↑ البهادلي، الحوزة العلمية في النجف، ص 94.
- ↑ حكمي زاده، 1-4 و دايرة المعارف بزرگ اسلامي. ج 21، ص 462
- ↑ الصافي، ص 29-33.
- ↑ تاريخ الجايتو، ص 108.
- ↑ الصافي، ص 33-37.
- ↑ الصافي، ص 37-39.
- ↑ درسنامه حوزه سال ۹۳-۹۴
- ↑ الإمام الخميني، ج20، ص231
- ↑ الإمام الخميني، ج 21، ص 47؛ المطهري، اسلام، سراسر اثر
- ↑ الإمام الخميني، ج 16، ص 14.
- ↑ مصطفوي، ص 3-4.
- ↑ الكوراني، ص 84.
- ↑ مراحل الدراسة في الحوزة
- ↑ .مراحل الدراسة في الحوزة
- ↑ الدرس الخارج، مقر التقرير
- ↑ مينورسكي، ص 38.
- ↑ سلطان القرائي، ص 104.
- ↑ البلاغي، ج 1، ص 270.
- ↑ البلاغي، ج 1، ص 198.
- ↑ معتمدي، ص 455.
- ↑ التبليغ أهم هدف للحوزة
- ↑ الأحزاب: 39
- ↑ تبيان
- ↑ مجلة الحوزة، العدد 62/44 و تبيان و مختاري، ص 119.
- ↑ آقا بزرك، طبقات أعلام الشيعة، صص 162- 161.
- ↑ شهرية[رواتب] الطلاب
- ↑ آية الله الكلبايكاني وشهرية الطلاب و شهرية الطلاب
- ↑ أباذري، ص35 و من خطاب لقائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي في لقائه طلاب وفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية في مدينة قم
- ↑ كيلاني، ص 530.
- ↑ مطهري، ص 10؛ ريحان، ص 67.
- ↑ انطلاق التسجيل للدخول في الحوزة العلمية لجميع أنحاء البلاد و الاختبار والقبول في الحوزة العلمية بقم
- ↑ "العلامة" لايعد اصطلاحا رسميا في مراتب الحوزة العلمية
وصلات خارجية
المصادر والمراجع
- آقا بزرك الطهراني، محمد محسن، طبقات أعلام الشيعة، قم، اسماعيليان، د.ت.
- البلاغي، عبد الحجة، تاريخ طهران، قم، د.ن، 1350 هـ ق.
- سيد كباري، سيد علي رضا، حوزه هاي علميه شيعه در گستره جهان[الحوزات العلمية الشيعية في أنحاء العالم، تهيه، بجوهشكده باقر العلوم، انتشارات أمير كبير، طهران، 1378هـ ش.
- الصافي الكلبايكاني، لطف الله، سير حوزههاي علمي شيعه[مسيرة الحوزات العلمية الشيعية]، مركز نشر آثار حضرت آية الله العظمى الصافي، قم، 1430هـ ق.
- أباذري، عبد الرحيم، تبارنامه حوزه و روحانيت از صدر اسلام تا پهلوي[نسبة الحوزة وعلماء الدين من صدر الإسلام الى زمن بهلوي]، انتشارات سلمان فارسي، قم، 1389 هـ ش.
- الكوراني، علي، الى طالب العلم، قم، 1431 هـ ق.
- الكيلاني مرتضى، مدارس نجف و زي طلبگي[مدارس النجف وزي طلاب الحوزة، بيام بهارستان، خريف سنة 1389 هـ ش، الدورة 2، السنة 3، العدد 9.
- سلطان زاده، حسين، تاريخ مدارس ايران از عهد باستان تا تأسيس دارالفنون[تاريخ المدارس الإيرانية من العهد القديم الى تأسيس دار الفنون]، طهران، 1364هـ ش.
- سلطان القرائي، جعفر، ملحقات باب تبريز، مع تاريخ تبريز، مينورسكي.
- الإمام الخميني، صحيفة النور، طهران، 1376هـ ش.
- مصطفوي، محمد كاظم، فقه المعاملات، قم، 1423هـ ق.
- معتمدي، محسن، جغرافياي تاريخي تهران[الجغرافيا التاريخية لطهران]، طهران، 1381هـ ش.
- ريحان يزدي، علي رضا، تأسيس و تكوين حوزه علميه قم[تأسيس وتكوين الحوزة العلمية بقم]، شناخت نامۀ قم، قم، 1390هـ ش.
- مطهري، مرتضى، مجموعه آثار، طهران، 1358هـ ش.
- مختاري، رضا، سيماي فرزانگان [علائم الحكماء]، دفتر تبليغات اسلامي، قم، 1367هـ ش.
- مجلة [الـ] حوزه، [شهري] آذر و دي 1383هـ ش، العدد 125، ص195.