الباطنية
الباطنيّة هي تسمية تطلق في العالم الإسلامي على الفِرق التي تَسْتَبْطِنُ معتقدها ولا تظهره إلاّ في ما بينها، إلاّ أنّ هذه التسمية شاع استعمالها لتدليل على الفرقة الإسماعيلية، لأنّهم يقولون بالظاهر والباطن بالنسبة إلى آيات القرآن وأحكام الدين، ويؤمنون أنَّ الباطن أسمى من الظاهر، وأنّ المراد الأصلي للآيات وللأحكام هو الباطن دون الظاهر.
وقد اتسع استخدام هذه التسمية لتشمل كل من ينكر من الأشخاص أو المجموعات المعنى الظاهري للآيات والأحاديث وللأحكام الدينيّة، ويؤكد على معناها الباطني [أو من يُتّهم بذلك].
منشأ الباطنية
نَشر الإسماعيليون خلال قرن ونيّف بعد وفاة الإمام الصادق في العام 148هـ ، وإلى حين تأسيس الخلافة الفاطمية في شمال أفريقيا في العام 297هـ، شفوياً أصول عقائدهم ومبادىء دعوتهم . ولهذا السبب لم يبق من تلك المرحلة سوى بعض الأجزاء من النصوص الإسماعيلية الأصيلة [١]. لكنّ النظام المذهبي للإسماعيليّين الأوائل ، وعددًا كبيرًا من آرائهم تنعكس في مصادر المرحلة الثانية من تاريخ الإسماعيليّة ، أيّ العصر الفاطمي ، هذه المصادر التي وقعت في العقود الأخيرة في متناول المحققين غير الإسماعيليّين ، توضّح أنَّ الإسماعيليين كانوا في البداية باطنيين متطرّفين ، وأنَّ نظامهم الفكري والمذهبي المدوّن مبنيٌّ على أساس هذا الأصل العام.
ويمكن القول، إنَّ النظام الباطني للإسماعيلية مبنيٌّ بشكل عام على مفاهيم الظاهر والباطن ، و التنزيل والتأويل ، والخاص والعام . وكان الإسماعيليون الأوائل يعتقدون أنَّ لكل آية من آيات القرآن، ولكلِّ حديث من الأحاديث أو حكم من الأحكام الشرعية معنىً باطنياً وحقيقياً يختلف عن معناه اللفظي والظاهري. وبعبارة أخرى كان الإسماعيليون يقولون بساحتين مختلفتين اختلافًا جذرياً لظاهر الدين وباطنه ، فليست الآيات وحدها التي لها معنى مجازي موعنى رمزي وباطني، وإنّما أيضًا القصص والوصايا الأخلاقية والأحكام والعبادات ، أو أنَّ لكلِّ شخص أو عمل أو شيء ورد ذكره في القرآن الكريم معنى رمزياً وباطنياً، وهم يعمّمون هذا الرأي على سائر الكتب السماوية ، وجميع المدوّنات والأحكام الدينيّة وحتى على ظواهر الطبيعة أيضاً.
تاريخ المعتقدات الإسماعيلية
بحسب نظرية الإسماعيليين حول تاريخ المعتقدات الدينيّة للبشر المبنيّة على قاعدة الأفهوم الدوري أو الأدوار، يتغير ظاهر الدين كلما ظهر أحد الأنبياء السبعة المشرّعين، الذي يكون هو البادىء لمرحلة جديدة من مراحل التاريخ، والمؤسس لشريعة جديدة، ولكنّ باطن الدين يبقى ثابتًا لا يتغير، لأنّ الباطن هو حمّال الحقائق المعنوية الثابتة التي لا تتغيّر.
لقد أنكر الإسماعيليون الأوائل الذين كانوا يعيشون الدور السادس من التاريخ_أيّ دور الإسلام_ موتَ إمامهم محمد بن إسماعيل، وكانوا ينتظرون ظهوره على أنّه القائم المهدي، وكانوا يعدّونه كذلك النبيّ السابع، وآخر الأنبياء الناطقين، وبظهوره يبدأ الدور الأخير من أدوار التاريخ. وكانوا يعتقدون في الوقت نفسه أنّ محمد بن إسماعيل لن يأتِ حين ظهوره بشريعة جديدة، لأنّ مهمته هي توضيح المعنى الباطني الكامل للشرائع السابقة، وتبيين الحقائق المستورة فيها، ولا يتسنّى إدراك الحقائق المستورة في باطن الدين في نظرهم إلاَّ للإسماعيليين، وهذا الأمر غير ممكن أيضاً إلاّ بواسطة التأويل، أيّ التعبير الباطني والتمثيلي والرمزي[٢].
المعاني الرمزية لدى الإسماعليين
والإسماعيليون يقولون أيضاً بمعان رمزية وتمثيلية للحروف وللأعداد، ويظهر ذلك في معظم تأويلاتهم، وتأويل النصوص والأحكام الدينيّة هو في الواقع بالنسبة إليهم بمنزلة السفر من ظاهر الدين إلى باطنه، ومن الشريعة إلى الحقيقة، وتاليًا من الدنيا الظاهريّة الواضحة إلى الدنيا الحقيقيّة الباطنيّة، والحصول على هذه الدنيا الباطنية واكتساب المعرفة العرفانية هو في نظرهم نوعٌ من الولادة الروحيّة.
ويعتقد الإسماعيليون كذلك أنَّ التأويل كالتنزيل، مصدره الله أو الذين اصطفاهم، وعلى كل ناطق أو نبيّ شارع، ينزل عليه الوحي، أن يوضّح للناس معناه الظاهري. لكنّ التأويل، أي بيان المعنى الباطني الحقيقي للشرائع الموحى بها إلى المختارين من الرسل، فإنما هو وظيفة الأوصياء [أي خلفاء الرسل] والأئمّة. ففي دور الإسلام كان عليّ عليه السلام هو الوصيّ، وهو أساس الإمامة، وتولّى بعده الأئمة المعصومون، بتأييد من الله وبهدايته عزّ وجلّ، مهمّةَ تأويل الشريعة الإسلامية[٣].
منشأ التاويل لدى الباطنية
إنَّ بعض جوانب التأويل، أو بشكل عام أسلوب التعبير التمثيلي، موجود في بعض المذاهب اليهودية والنصرانية وبعض الجوانب الأخرى موجودة لدى الغنوصيين ، لكنَّ منشأ التأويل الإسماعيلي إسلاميّ، ويجب البحث عن جذوره الأصلية لدى غلاة الشيعة في ما بين النهرين في القرن الثاني الهجري، وبخاصة لدى الفرقتين المغيرية و المنصورية، والفرقة الأهمّ الخَطّابيّة[٤].
مؤسسوا الفرق الباطنية
لقد وردت في كتب المِلَل والنِّحل والفِرق تفاصيل وافرة، حول عقائد هذه الفرق، التي كان أعضاؤها منضوين لمدة في سلك أتباع الإمامين محمد الباقر و جعفر الصادق عليهما السلام.
- وبناء على هذه المصادر، يبدو أن المغيرة بن سعيد المقتول في العام 119هـ، زعيم الفرقة المغيرية ، هو أوّل من قال – من بين المسلمين – بمعانٍ رمزية للحروف الأبجدية، وكان يؤوّل كذلك بعض آيات القرآن الكريم، فالأمانة التي أبت السموات والأرض والجبال أنْ يحملنها وأشفقنَ منها[٥]، إنّما هي كما عبّر عنها المغيرة حرمان عليّ عليه السَّلام من الخلافة [٦].
- أبو منصور العجلي المقتول في العام 124هـ، زعيم غُلاة الفرقة المنصورية، كان أيضًا يؤوّل القرآن المجيد، ونُقل عنه أنّه كان يقول إن السماوات في النص القرآني ترمز إلى الأئمة، والأرض رمز لأتباعهم.
وكذلك نُسبت إليه الفكرة الباطنية المبدئية التي تقول إنّ النبي محمد صلّى الله عليه وآله على الرغم من أنّه هو الذي أتى بالقرآن، فإنّ الإمام هو المخوّل بالتعبير التمثيلي الرمزي أي بتأويله. كما أنّه أنكر الجنة والنار وقال إنّهما اسمان لشخصين، وأوّلَ المحرَّمات بأنّها الأشخاص الذين يجب معاداتهم، والفرائض بالأشخاص الذين تجب محبّتهم[٧].
- شاع التأويل أيضًا بين أتباع أبي الخطّاب المقتول في العام 138هـ، مؤسّس فرقة الخَطابية ، وأبرز الغلاة الأوائل. فهو أوّل من أسَّس في الواقع بين المسلمين حركة ذات توجّهات باطنية، وفضلا عن ذلك فقد كان أتباع الخَطّابية يقولون بوجود نبيّين في كل فترة زمنية، أحدهما الناطق يبلّغ واقع الدين الظاهري إلى الناس، والآخر الصّامت يؤوّل الدين للمختارين[٨].
تأثير الخطابية على الإسماعيلية
من المحتمل أنْ تكون الجوانب المختلفة لتأويل العناصر قد تغلغلت بشكل أساسي في الحركة الإسماعيلية، من طريق الخَطّابيّة – الذين كانوا شديدي الصلة بأوائل الفرق شِبه الإسماعيلية – ثم انتشرت في أوساط الإسماعيلية، وتكاملت إلى حدّ أنّها أصبحت السمة البارزة لحركتهم.
فصول من معتقدات الإسماعيلية
- يعتقد الإسماعيليون أنَّ قلّة من البشر بإمكانهم أن يتعرّفوا حقائقَ الدين الباطنية من خلال تأويل الأئمة، وهؤلاء هم أعضاء الفرقة الإسماعيلية الذين قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر . وعلى هذا النحو، فإنّ أفراد البشر في النظام الإسماعيلي الباطني يُقسّمون إلى فريقين:
- الخاصة أي النخبة الذين يتوصّلون إلى الباطن بعد اجتياز بعض المراحل.
- والعامّة أي الأكثرية غير الإسماعيلية التي هي عاجزة عن إدراك المفاهيم الباطنيّة للمذهب، ولا يمكنها إلا فهم المعاني الواضحة الظاهريّة.
وبعبارة أدقّ إن الخاصّة هم الذين يدخلون رسميًا، وطبق آداب خاصة، إلى الفرقة الإسماعيلية، ويحظَوْن بمعرفة إمام زمانهم الإسماعيلي الذي هو وحده المصدر المشروع للتأويل، وعليهم تالياً إطاعته.
- وترتكز الدعوة الإسماعيلية على قواعد تنظيم دينيّ، متنوّع الدرجات والمراتب. ففي هذا التنظيم هنالك رُتب ودرجات مختلفة من المعلّمين والوعّاظ يسمّون الباب، والحجّة، والداعي والمأذون وغيرهم، هم صِلة الوصل بين شخص الإمام والمنتسِب حديثاً إلى الفرقة، الذي يُسمّى المستجيب، وكان الإمام والمعلّمون المتفاوتو المراتب يعلّمون الحقائق الباطنية للإسماعيليين.
- وهكذا عبّر الإسماعيليون عن مبدأ التقيّة الشيعي على نحو جديد، وعدّوا إخفاء الباطن عن العامَّة واجباً، حتى لو لم يكن هناك وجود للخوف على الروح؛ لأنه من الممكن أنْ يكونوا قد أخطؤوا في استنباط الحقائق الباطنية والاستفادة منها.
وبعبارة أخرى فإنّ الباطن، فضلاً عن كونه مكتوماً بنفسه ومستوراً، ولا يتضح لأحد إلاّ بالتعلّم، يجب على الأشخاص الذين توصلّوا إلى معرفته أن يكتموا علمهم عن الآخرين، وبخاصة عن العامة، الذين هم أولئك المتشرّعون العاديون، الذين يتبعون ظاهر الدين. وقد توسّع بعض الكتّاب الإسماعيليين بهذا المفهوم الجديد للتقيّه إلى حدّ أنّهم عدّوا العمل بظواهر الشرع نوعًا من التقيّة، لأنّ حفظ ظاهر أيّ عمل يؤدي إلى كتمان باطنه عن غير المستحقّين.
- على الرغم من وجود سلسلة المراتب واليقين لدى الإسماعيليين، لم يتمكنوا مطلقًا من إيجاد نظام تأويل موحّد. وقد أوّل الكتّاب المختلفون شعائر الدين وأحكامه بأشكال متنوّعة، وكان الكاتب يؤوّل الحكم في الكتاب الواحد بأكثر من صورة، مثلًا في تأويل وجوب الزكاة، كان يُقال أحيانًا إنّ معناها الباطني هو الخمس الذي يجب أنْ يدفع إلى الإمام، وقيل أحياناً إنَّ المقصود منها دفع الفائض من الأموال إلى الفقراء، وقيل أحياناً إن المعنى الباطني للزّكاة هو تعليم العلم، الذي كان وحده يُعدّ الثروة الحقيقية. ويرى الإسماعيليون أنهم قد نجحوا عن طريق التأويل في تخطّى الإختلافات السطحية بين الفِرق، وأنْ يصلوا إلى الحقيقة العميقة المشتركة بينهم.
وقد كان التأويل يُستخدم من ثلاث زوايا مهمة ومترابطة، ولذا كانت روحه واحدة تشير إلى نوع من علم الوجود المأخوذ من المصادر الأفلاطونية الحديثة، وكان يعبّر عن نهاية العالم ويوم القيامة بنظرية الأدوار، وأحياناً التناسخ، وكان يسوّغ أيضاً المراتب الدينيّة للفرقة الإسماعيلية، التي كانت كلّ مرتبة من مراتبها أو درجة من درجاتها تتطابق قليلاً أو كثيراً مع أحد مراتب العالم الأفلاطوني الجديد.
لقد أدّى الاعتقاد بالتأويل والتأكيد على أهمية باطن الدين مقابل ظاهره إلى ظهور معتقدات ونزعات مخالفةٍ للشريعة وإباحيةِ السلوك، وبخاصة في أوساط الإسماعيليين الأوائل والقرامطة والنزاريّين في المراحل اللاحقة. وهذه الفرق المتطرفة من الإسماعيليين الباطنيين كانت ترفض التمسّك بظاهر الشريعة، وبخاصة العمل بأحكام الشرع، وترى أنَّ مراعاة ذلك غير واجبة على الذين عَرَفوا الإمام والحقائق الباطنيّة، وعادةً كانت لديهم نزعة لإكرام الوصيّ أي الإمام علي عليه السَّلام، وكانوا يرون أن درجته أرفع من درجة النبي صلّى الله عليه وآله، لأنهم كالنصيريّة كانوا يعدّون مقام التأويل أرفع من مقام التنزيل.
الإسماعليون في العصر الفاطمي
على الرغم من أنّ الإسماعيليين في العصر الفاطمي عبّروا عن عقائدهم في القالب الفكري للإسماعيليّين الأوائل، وكانوا كذلك يعتقدون بالتمايز بين ظاهر الكتب السماوية والأحكام الشرعية وبين بواطنها، إلاً أنّهم على العكس من أسلافهم أقاموا توازناً أكبر بين هذين الجانبين، وتخلّوا عن التأكيد المبالغ به على الباطن. فالإسماعيليّون الفاطميون في الوقت نفسه الذي قالوا فيه بتلازم ظاهر الأحكام والشعائر الدينيّة وباطنها كلازم وملزوم، وقالوا كذلك بأنّ لكلٍّ منهما مقامه الخاص. بناء على ذلك كان قادة الدعوة الفاطمية يعارضون بشدة المواقف المتطرّفة والمخالفة للشريعة لقرامطة منطقة البحرين و للدروز وللبعض الآخر من الفرق الإسماعيلية التي تؤكد على الباطن وحده دون الظاهر. مع ذلك، حافظ التأويل في العصر الفاطمي على أهميته في الفكر الإسماعيلي، وكان الإسماعيليون الفاطميون يعتقدون أنّ الوصول إلى الحقائق المكتومة المستورة في باطن الدين لا يتأتّى إلاً من خلال تعليم الإمام الإسماعيلي المعصوم والمعلّمين الذين يصطفيهم هو، ومن خلال التأويل كذلك. لذلك كان الإسماعيليون الفاطميون غالباً ما يسمّون النص القرآني بالقرآن الصامت ويسمّون أئمتهم القرآن الناطق[٩].
التشعّبات الإسماعيلية
بعد وفاة المستنصر بالله عام 487هـ وانقسام الإسماعيليين الفاطميين إلى فرعَين: المستعلوي الطيبيّة و النزارية؛ تابع المستعلويّون الإسماعيليّون التفكير نفسه للإسماعيليّين الفاطميّين. لكنّ النزاريّين الذين استلموا السلطة بزعامة الحسن الصبّاح لمدة قصيرة في إيران والشام، أدخلوا منذ بداية دعوتهم الجديدة قواعد ونظريات ومبادىء متطرّفة إلى منظومتهم المذهبية. وكانوا يعتقدون أنّ تعاليم إمام العصر يمكنها أن تنسخ قوانين الأئمة السابقين، وتاليًا، كانوا يقبلون بكل ترحاب أيّ نوع من أنواع التغيير الذي يُدخله الإمام على أصول مذهبهم .
- الحسن الثاني، أحد خلفاء الحسن الصبّاح، الذي كان مشهوراً بين النزارية بـالحسن على ذكره السّلام، كان يعدّ نفسه من نسل نزار، وإماماً؛ وهو مؤسّس ثورة في أصول عقائد النزاريين، فقد أعلن في رمضان من العام 559هـ في قلعة أَلَموت، أن القيامة قد قامت وأعلن غسل الشرع عن رقاب أتباعه. والثورة التي أوجدها الحسن الثاني في أصول العقائد النزاريّة، من هذا السبيل، والمعروفة في كتابات المحققين الجدد بـ نظرية القيامة، أكملها وتابعها ابنه وخليفته محمّد بن الحسن[١٠]
اكتسب مفهوما المعاد والقيامة _ في هذه النظرية على قاعدة التأويل الإسماعيلي _معانٍ رمزيةً وباطنيةً، وعُبّر عن القيامة بتجلّي الحقائق في الذات الروحية لشخص الإمام الإسماعيلي.
- وهكذا فإنّ الذين كانوا قد اعتنقوا المذهب النزاري اطّلعوا من خلال معرفتهم بالإمام النزاري على حقيقة الدين، أي باطن الشريعة، ودخلوا الجنّة المعنويّة. لكنّ الآخرين الذين حُرموا من معرفة الإمام لأّنهم كانوا لا يتمتّعون بالوجود الروحاني فإنهم يقيمون في جهنّم.
لقد عُدّ الإمام النزاري قائم القيامة، ونال مرتبة أعلى من مرتبة الأئمّة العاديّين، وحتى الأنبياء. وبحسب التعاليم الإسماعيليّة القديمة حول القيامة، كان الحسن الثاني وابنه محمّد قد نسخا الشريعة أيضًا، ففي دور القيامة وحياة الجنَّة برأيهما لا ضرورة لاتّباع أحكام الدين. وعلى النزاريين بدلًا من إقامة الصلوات الخمس ليل نهار، أنْ يعبدوا الله في قلوبهم باستمرار. إنَّ نسخ الأحكام الشرعية في مرحلة القيامة يُعبَّر عنه بـ إلغاء التقيّة. ففي دور القيامة المؤمنون مكلّفون فقط بفهم حقيقة الإمام الروحانية. لأنَّه كان يُعدّ تجلّيًا لذات الباري تعالى، ومظهر الكلمة والأمر الإلهيين.
على هذا النحو كان النزاريون، فضلًا عن الظاهر والباطن، قادرين على إدراك ساحة ثالثة، كانت عبارة عن الباطن المخفيّ في الباطن أو الحقيقة النهائية في دَوْر القيامة أهل التضادّ. وانقسم النزاريّون أنفسُهم إلى مجموعتين: أهل الترتّب وأهل الوحدة. أهل الترتّب هم الأفراد الخاصّون وأتباع الإمام النزاري العاديّون، لكنّ أهل الوحدة، أو أخصّ الخاصّة كانوا النزاريين الذين نالوا الحقيقة كلّها، وعرفوا حقيقة الإمام ووصلوا إلى قمة الفلاح [١١].
وقد أدخل النزاريون في أواخر دورة ألَموت تغييرات أُخرى في أصول عقائدهم، لكن نظريّة القيامة ظلت كما هي الركن الأصلي لعقائد هذه الفرقة.
ويبدو أنّ التفكير الباطني بصورته الإسماعيليّة قد أثّر في بعض الفِرق التي أتت في ما بعد ومن بينها الحروفيّة، فاستخدمت هذه الفِرق أيضًا تعابير تمثيليّة ورمزيّة، ولو بأشكال مختلفة. كما أن المصطلحات والمفاهيم الباطنيّة – عدا خصوصيّات الفِرق – أثّرت كذلك في التفكير العرفاني.
من ناحية أخرى، كان أهل السنّة، في كتاباتهم الجدليّة، يسمّون الأشخاص الذين كانوا يعتمدون على باطن الكلام الإلهي دون أن يهتمّوا بظاهره: الباطنيين على سبيل التخطئة. على سبيل المثال، لم يكن ابن تَيْمِيّة يطلق هذه الكلمة على الشيعة الباطنيّة وحدهم، وإنما أيضاً على بعض المتصوّفة والفلاسفة كابن رشد.
الهوامش
- ↑ يوانف، 1963م، ص17–18؛ بونافالا، ص34، 74–75؛ سزغين، ج1، ص583
- ↑ يفتقر إلى مصدر
- ↑ يفتقر إلى مصدر
- ↑ يفتقر إلى مصدر
- ↑ [إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولا] سورة الأحزاب، الآية 72
- ↑ سعد بن عبد الله الأشعري، ص43–44، 55، 74، 76–77؛ علي بن إسماعيل الأشعري، ص6–9، 23–24؛ ابن حزم، ج4، ص184–185؛ الشهرستاني، ج1، ص176–178؛ وللاطلاع على تبرّي أئمّة الشيعة من هذا الشخص لاحظ رجال الكشّي ص 191–192، وفي أماكن مختلفة من خلال فهرس هذا الكتاب
- ↑ سعد بن عبد الله الأشعري، ص46–47؛ علي بن إسماعيل الأشعري، ص9–10، 24–25؛ الملطي، ص120؛ البغدادي، ص243–245؛ ابن حزم، ج4، ص185–186؛ الشهرستاني، ج1، ص178–179
- ↑ النوبختي، ص37–41، 58–60؛ سعد بن عبد الله الأشعري، ص50–55، 63–64، 81–82؛ الكشي، ص224–226، 228؛ 290–308، وأماكن مختلفة من خلال فهرس هذا الكتاب، وبخاصة بصدد تبرؤ الأئمة المعصومين من أبي الخطاب، ومن أتباعه؛ علي بن إسماعيل الأشعري، ص10–13؛ البغدادي، ص247–250؛ إبن حزم، ج4، ص187؛ الشهرستاني، ج1، ص179–181، وكذلك برنارد لويس، ص32 وما بعدها؛ الترجمة الفارسيّة، ص40 وما بعدها؛ إيفانوف، 1946م، ص113–137؛ هالم، ص199–217
- ↑ القاضي النعمان، ص25–27، 31 وما بعدها؛ المؤيّد في الدين، 1947م، ص29–30؛ الشيرازي، م.ن، 1974م، ج1، ص410–411). لقد ركّز الدعاة والمفكرون الإسماعيليون البارزون في العصر الفاطمي، في كتبهم ورسائلهم الكثيرة في معظم الأحيان، على ضرورة حفظ التوازن بين ظاهر الدين وباطنه ( القاضي النعمان، 1963م، ج1، ص53؛ المؤيّد في الدين، 1974م، ج1، ص114، 124، 162، 189، 192، 260، 232، 351؛ حميد الدين الكرماني، ص1–29؛ هذه الرسالة التي كتبت ردًّا على الدروز الذين قالوا بألوهية الحاكم بأمر الله، وتعكس النظرية الرسمية لدعوة الإسماعيليّين الفاطميّين، وهي مدرجةٌ أيضًا في مجموعة رسائل الكرماني، ص134–147
- ↑ الجويني، ج3، ص225–230، 237–239؛ رشيد الدين فضل الله، ص164–166، 168–169؛ الكاشاني، ص199–208؛ إيفانوف، 1933م، ص40–41؛ نصير الدين الطوسي، ص62–63، 83–84، 101–102، 128–149؛ أبو اسحق القهستاني، ص19، 24، 38–39، 40–42، 43–44، 46–47، 53، 58، 65؛ خيرخواه الهراتي، ص46، 51، 62–64، 65–66، 68، 90–92، 95–96، 100، 112–113
- ↑ إيفانوف، 1933م، ص26–36، 40؛ نصير الدين الطوسي، ص42، 44–45، 73، 77، 82، 84، 98–99، 101–102، 136؛ القهستاني، ص21، 46–48؛ خيرخواه الهراتي، ص48–49، 90–92، 106 وما بعدها؛ بدخشاني، ص35، 62–64
المصادر والمراجع
- ابن حزم الأندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة 1317–1321هـ
- أبو إسحاق القهستاني، هفت باب بابا سيدنا [الأبواب السبعة لبابا سيدنا]، في مرام الإسماعيلية، ط. إيفانوف، بومباي 1959م
- إسحاق بن أحمد أبو يعقوب السجستاني، كتاب إثبات النبوّات، ط. عارف تامر، بيروت 1966م
- م.ن، كتاب الافتخار، ط. مصطفى غالب، [بيروت] 1980م
- م.ن، كتاب الينابيع في إيران واليمن: أي ثلاث رسائل إسماعيلية، ط. هنري كوربان، طهران 1340ش [1961م]
- م.ن، كشف المحجوب: رسالة في المذهب الإسماعيلي من القرن الرابع الهجري، ط. هنري كوربان، طهران 1327ش [1948م]
- سعد بن عبد الله الأشعري، المقالات والفِرق، ط. محمود جواد مشكور [طهران] 1361ش [1982م]
- علي بن إسماعيل الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، ط. هلموت ريتر، إسطنبول 1929–1930م
- عبد القاهر بن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، ط. محمد محي الدين عبد الحميد، بيروت [لا تا.]
- عطا الملك بن محمد الجويني، تاريخ جهانگشا، ط. محمد القزويني، ليدن 1911–1937م
- إبراهيم بن الحسيني الحامدي، كنز الولد، ط. مصطفى غالب، ويسبادن 1971م
- أحمد بن عبد الله حميد الدين الكرماني، راحة العقل، ط. مصطفى غالب، بيروت 1967م
- م.ن، الرسالة الواعظة، ط. محمد كامل حسين، مجلة كلية الآداب جامعة فؤاد الأول، ج 14 (أيار 1952م)
- مجموعة رسائل الكرماني، ط. مصطفى غالب، بيروت 1403هـ/1983م
- رشيد الدين فضل الله، جامع التواريخ: قسم الإسماعيليين، ط. محمد تقي دانش بجوه ومحمد مدرّسي الزنجاني، طهران 1338ش [1959م]
- محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، ط. عبد العزيز محمد الوكيل، القاهرة 1968م
- نعمان بن محمد القاضي النعمان، أساس التأويل، ط. عارف تامر، بيروت 1960م؛ م.ن، تأويل الدعائم، ط. محمد حسن الأعظمي، القاهرة 1967–1972م
- م.ن، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام، والقضايا والأحكام عن أهل بيت الرسول عليه وعليهم أفضل السلام، ط. آصف بن علي أصغر الفيضي، [القاهرة] 1963–1965م
- عبد الله بن علي الكاشاني، زبدة التواريخ: قسم الفاطميين والنزاريين، في العام 700هـ، ط. محمد تقي دانش بجوه، طهران 1366ش [1987م]
- محمد بن عمر الكشي، إختيار معرفة الرجال، المعروف به رجال الكشي، ط. حسن المصطفوي، مشهد 1348ش [1969م]
- برنارد لويس، تاريخ الإسماعيليين، ترجمه بالفارسيّة فريدون بدريي، طهران 1362ش [1983م]
- محمد بن أحمد الملطي، كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، ط. س. ديرينغ، إسطنبول 1936م
- هبة الله بن موسى المؤيد في الدين، المجالس المستنصرية، ط. محمد كامل حسين القاهرة 1947م؛ م.ن، المجالس المؤيّدية، المائة الأولى، ط. مصطفى غالب، بيروت 1974م؛ ناصر خسرو، وجه الدين، ط. غلام رضا أغوائي، طهران 1356ش [1977م]
- محمد بن محمد نصير الدين الطوسي، روضة التسليم، أو التصورات، ط. فـ. إيفانوف، بومباي 1950م
- حسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة
- علي بن محمد والد الجميع، كتاب تاج العقائد ومعدن الفوائد، ط. عارف تامر، بيروت 1967م
- سهراب ولي بدخشاني، ست وثلاثون صحيفة، ط. هوشنغ أجافي، طهران 1339ش [1961م]
- مارشال هاجسن، الفرقة الإسماعيليّة، ترجمه بالفارسيّة فريدون بدريي، تبريز 1343ش [1964م]، ص289، 311–339؛ خير خواه الهراتي، كلام المرشد، ط. فـ. إيفانوف، بومباي 1935م
- جعفر بن منصور اليمني، سرائر وأسرار النطقا، ط. مصطفى غالب، بيروت 1404هـ/1984م
- م.ن، كتاب الكشف، ط. ر. ستروثمان، لندن 1952م.
- فرهاد دفتري؛ م. هاجسن (د. الإسلاميّة)/
- H. corbin, “Herméneutique spirituelle comparée”, Eranos Jahrbuch, 23 (1964), 122–153; reprinted in Face de Dieu, face de l’homme, Paris 1983, 108–151; idem, Histoire de la Philosophie islamique, I, paris 1964, 27ff; 146ff; idem, “L’Initiation Ismaélienne ou l’ésotérisme et le Verbe”, Eranos Jahrbuch, 39 (1970), 63–84 and En Islam Iranien, Paris 1971–1972, I, 212–218; idem, Le livre réunissant les deux sagesses, Tehran–Paris 1953, ةtude préliminaire, 65–73; idem, “Rituel Sabéen et exégèse ismaélienne du rituel”, Eranos Jahrbuch, 19 (1950), 181–188, 229–246; English tr. in his Temple and contemplation, tr. Philip Sherrard, London 1986, 132–138, 170–184; Heinz Halm, Die islamische Gnosis, Zürich 1982; Marschell G.S. Hodgson, The Order of Assassins, The Hague 1955, 148ff, 162–180; Wladimir Ivanow, The Alleged founder of Ismâîlism, Bombay 1946; idem, Ismâîli Literature: A Bibliographical survey, Tehran 1963; idem, ed, Two Early Ismâîli Treatises, Bombay 1933; Bernard Lewis, The Origins of Ismâîlism, Cambridge 1940; Ismail K. Poonawala, Biobibliography of Ismâîli Literature, Malebo 1977; F. Sezgin, Geschichte das arabischen schrifttums, Leiden 1967.