الفَاسِق هو الشخص الذي يعصي أوامر الله تعالى، ومن صفاته تكذيب الآيات القرآنية، ونقض العهد، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد.

وتوجد أحكام فقهية وكلامية خاصة بالفاسق، منها: أنَّه لا يصل إلى مقام الإمامة، ولا يُمكن أن يكون إمام جماعة، ولا تُقبل شهادته. يعتقد الشيعة الإمامية أنَّ المسلم الفاسق ليس بكافر، والخلود في العذاب يختص بالكافر فقط.

المفهوم

الفسق في اللغة بمعنى ترك أمر الله، والابتعاد عن طريق الحق والميل إلى المعصية، فالفاسق هو الشخص الذي يعصي أوامر الله تعالى ويخرج عن طريق الحق.[١] وذكر بعض كُتاب المعاجم أنَّه خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد، مثل خروج الرطبة من قشرها.[٢] يذكر حسن المصطفوي مؤلف كتاب التحقيق في كلمات القرآن الكريم عن الفسق: هو الخروج عن مقررات دينية أو عقلية أو طبيعية، ومن مصاديقه خروج العبد عن أمر الرب وطاعته، والأحكام الإسلامية والأخلاقية كالحسد والبخل والتكبر والطمع، وعن ضوابط الطبيعة الازمة كما في الرطبة الخارجة عن القشرة، وأن مفاهيم الترك والميل والجور فمن لوازم الفسق وآثاره.[٣]

أوصاف الفاسق في القرآن

لقد وردت في القرآن الكريم صفات مختلفة للفاسق، من جملتها: نقض عهد الله، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والفساد في الأرض،[٤] وتكذيب الآيات الإلهية،[٥] والظلم،[٦] عدم اتباع الأوامر الإلهية،[٧] والاستكبار،[٨] ونسيان الله تعالى وبالنتيجة يؤدي الأمر إلى نسيان النفس.[٩]

الإيمان وعذاب الفاسق

يعتقد الشيعة الإمامية أن الفاسق ليس بكافر، والخلود في العذاب يختص بالكافر؛ وحتى لو كان المسلم فاسق فإنَّه لا يبقى في العذاب الإلهي إلى الأبد، وتشمله شفاعة الله أو مغفرته.[١٠] لكن الوعيديّة ـ وهم مجموعة من الخوارج ـ يعتقدون أنَّ العمل الصالح جزء من الإيمان؛[١١] ولهذا فإنَّ مرتكب الكبيرة كافر، وبالنتيجة يبقى في العذاب إلى الأبد.[١٢] والمرجئة في قبال الوعيديّة وهم يعتقدون أن العمل الصالح ليس جزء من الإيمان، ومن أرتكب الكبيرة لا تضر بإيمانه، وفي الآخرة يُعرف هل هو في الجنة أو في النار، وفي الدنيا حاله غير معروف.[١٣] أما المعتزلة وخلافاً لهذه الآراء طرحوا نظرية المنزلة بين المنزلتين: وهو أنَّ الفاسق لا مؤمن ولا كافر، بل هو بين المنزلتين؛ وعليه فإنَّ مصيره في الآخرة ليس له فيه ثواب عظيم ولا عذاب شديد، بل عذابه يقع بين المنزلتين.[١٤] وبعقيدة المعتزلة أنَّ الذي يدخل جهنم لا يخرج منها أبداً.[١٥]

ولا يوجد اختلاف في أن الفاسق الذي يتوب يغفر الله له ويهديه، ولا يُخلد في العذاب إلى الأبد: [١٦] حيث ورد في القرآن إنَّ الذي عنده إيمان ويتوب إلى الله تعالى توبة خالصة، فإنَّ الله تعالى يغفر سيئاته ويُدخله الجنة. [١٧]

الفاسق والإمامة

يعتقد الشيعة الإمامية أن الفاسق لا يصل إلى مقام الإمامة؛ لأنَّ الفاسق ظالم،[١٨] ولا يصل إلى مقام الإمامة ظالم.[١٩] أما أكثر أهل السنة يعتقدون أنه بعد تعيين الإمام، وأصبح فاسقًا بسبب الظلم وسرقة الأموال ونحو ذلك؛ فإنه لن يُعزل عن الإمام ولن يفقد شرعيته.[٢٠]

الأحكام الفقهية للفاسق

توجد جملة من الأحكام الفقهية تختص بالفاسق، منها: لا تحرم غيبة الفاسق المرتكب للمعاصي بشكل علانية ومتجاهر في فسقه،[٢١] ولا تُقبل شهادته،[٢٢] ولا يُقبل نقله، ويجب التحقيق من صحة أو كذب كلامه.[٢٣] وكما لا يجوز أن يكون إمام للجماعة.[٢٤]

مواضيع ذات صلة

الهوامش

  1. الفراهيدي، العين، ج5، ص82؛ ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص308.
  2. الفيومي، المصباح المنير، 1418هـ، ص245.
  3. المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج9، ص 97.
  4. سورة البقرة، الآية 27؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج1، ص141 ـ 143.
  5. سورة الأنعام، الآية 49.
  6. سورة الأعراف، الآية 165.
  7. سورة الكهف، الآية 50.
  8. سورة الأحقاف، الآية 20.
  9. سورة الحشر، الآية 19.
  10. العلامة الحلي، كشف المراد، ص274 ـ 276؛ السبحاني، محاضرات في الإلهيات، ص 461 ـ 463.
  11. الطوسي، قواعد العقائد، 1413هـ، ص106.
  12. الشهرستاني، الملل والنحل، 1364ش، ج1، ص132.
  13. الشهرستاني، الملل والنحل، 1364ش، ج1، ص162.
  14. القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، 1422هـ، ص471 ـ 472.
  15. السبحاني، منشور جاويد، 1383هـ، ج5، ص561.
  16. السبحاني، منشور جاويد، 1383هـ، ج5، ص561.
  17. سورة التحريم، الآية 8.
  18. سورة الأعراف، الآية 165.
  19. سورة البقرة، الآية 124؛ مجموعه‌ای از نویسندگان، امامت‌پژوهی (بررسی دیدگاه‌های امامیه، معتزله واشاعره)، 1381ش، ص268.
  20. الباقلاني، تمهيد الأوائل، 1407هـ، ص478.
  21. المجلسي، بحار الأنوار، 1403هـ، ج75، ص261؛ مكارم الشيرازي، الأخلاق في القرآن، 1428هـ، ج3، ص84.
  22. المفيد، المقنعة، 1413هـ، ص726 ـ 727.
  23. سورة الحجرات، الآية 6.
  24. الطوسي، الخلاف، 1407هـ، ج1، ص471.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط3، 1414 هـ.
  • الخواجة نصير الدين الطوسي، محمد بن محمد، قواعد العقائد، د.م، انتشارات دار الغربة، 1413 هـ.
  • السبحاني، جعفر، محاضرات في الإلهيات، تلخيص: المحقق علي الرباني، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع)، 1428 هـ.
  • السبحاني، جعفر، منشور جاويد، قم، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، ط1، 1383 ش.
  • الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، قم، الشريف الرضي، ط3، 1364 ش.
  • الطوسي، محمد بن الحسن، الخلاف، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1407 هـ.
  • العلامة الحلي، حسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، ط2، 1382 ش.
  • العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1403 هـ/ 1983 م.
  • الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، قم، انتشارات أسوة، ط3، 1432 هـ.
  • الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، بيروت، المكتبة العصرية، ط2، 1418 هـ.
  • القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1422 هـ.
  • المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن، طهران، مركز نشر آثار العلامة المصطفوي، ط1، 1385 ش.
  • المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، المقنعة، قم، المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، 1413 هـ.
  • مجموعه‌ای از نویسندگان، امامت پژوهی (بررسی دیدگاه‌های امامیه، معتزله واشاعره)، مشهد، دانشگاه علوم اسلامی رضوی، 1381ش.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، الأخلاق في القرآن، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ط3، 1428 هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام علي ، ط1، 1426 هـ.