انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الدولة العباسية»

ط
imported>Alkazale
imported>Foad
سطر ١٢١: سطر ١٢١:


===قمع الشيعة في العصر العباسي الثاني===
===قمع الشيعة في العصر العباسي الثاني===
كانت سياسية الدولة العباسية لغاية مجيء المتوكل هي سياسية تقوم على التمسك بمذهب [[المعتزلة]] والدفاع عنهم، وهذا يعني فسح المجال تلقائياً أمام الشيعة والعلويين، ولكن الأمور تغيرت بمجيء المتوكل إلى سدة الحكم حيث ابتدأ التشدد والضغط من جديد، وانتهجت سياسة الدفاع عن آراء أهل الحديث وتحريضهم ضد المعتزلة والشيعة، الأمر الذي نجم عنه قمع هذين المذهبين بشدة، حتى بلغ المتوكل ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، حتى أنه كرب قبر [[الحسين]]{{ع}} وعفى آثاره، ووضع على الطرق مسالح له لا يجدون أحداً إلاّ أتوا به فقتله أو أنهكه عقوبة، وذلك لأنّ [[كربلاء]] صارت سبباً لشد الناس عاطفياً مع الأفكار [[الشيعة|الشيعية]] و[[الأئمة]].<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 135-136.</ref> صارت الخلافة بعد مقتل المتوكل إلى المنتصر، ونتج عن ذلك تقليل الضغوط التي كانت تماس ضد الشيعة،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 144-145.</ref> حيث قتل المنتصر أبيه لأنه سمعه يشتم [[فاطمة]]{{عليها السلام}} <ref>مغنية، الشيعة والحاكمون، ص 171.</ref> فكان الشيعة في عهد المتوكل يئنون تحت وطأة الضغوط الشديدة، وكان وكلاء الإمام يعتقلون ويُرمى بهم إلى الحبس، وأثرت هذه الملاحقة على أتباع [[الإمام الهادي]]{{ع}}<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 144-145.</ref>
كانت سياسية الدولة العباسية لغاية مجيء المتوكل هي سياسية تقوم على التمسك بمذهب [[المعتزلة]] والدفاع عنهم، وهذا يعني فسح المجال تلقائياً أمام الشيعة والعلويين، ولكن الأمور تغيرت بمجيء المتوكل إلى سدة الحكم حيث ابتدأ التشدد والضغط من جديد، وانتهجت سياسة الدفاع عن آراء أهل الحديث وتحريضهم ضد المعتزلة والشيعة، الأمر الذي نجم عنه قمع هذين المذهبين بشدة، حتى بلغ المتوكل ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله، حتى أنه كرب قبر [[الحسين]]{{ع}} وعفى آثاره، ووضع على الطرق مسالح له لا يجدون أحداً إلاّ أتوا به فقتله أو أنهكه عقوبة، وذلك لأنّ [[كربلاء]] صارت سبباً لشد الناس عاطفياً مع الأفكار [[الشيعة|الشيعية]] و[[الأئمة]].<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 135-136.</ref> صارت الخلافة بعد مقتل المتوكل إلى المنتصر، ونتج عن ذلك تقليل الضغوط التي كانت تماس ضد الشيعة،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 144-145.</ref> حيث قتل المنتصر أبيه لأنه سمعه يشتم [[فاطمة]]{{عليها السلام}} <ref>مغنية، الشيعة والحاكمون، ص 171.</ref> فكان الشيعة في عهد المتوكل يئنون تحت وطأة الضغوط الشديدة، وكان وكلاء الإمام يعتقلون ويُرمى بهم إلى الحبس، وأثرت هذه الملاحقة على أتباع [[الإمام الهادي]]{{ع}}<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 144-145.</ref>


عاصر [[الإمام الهادي]]{{ع}} [[المعتصم العباسي|المعتصم]] و[[الواثق العباسي|الواثق]] و[[المتوكل العباسي|المتوكل]] و[[المنتصر العباسي|المنتصر]] و[[المستعين بالله]] و[[المعتز العباسي|المعتز]]،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص135.</ref> وفي عهد المتوكل مورست ضد الإمام مضايقات قاسية أعقبتها أمر المتوكل بجلبه إلى [[سامراء]] لغرض مراقبة تحركات الشيعة وزيارتهم،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص136.</ref> فحاول المتوكل الحط من مكانة الإمام في قلوب الناس، ولكن لم تنجح أي من مكائده<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص140.</ref> فأمر بسجنه<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص143.</ref> وأخيراً استشهد الإمام بالسُّم أيام المعتز بعد إقامة في سامراء استمرت عشرين سنة<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص132-133.</ref>
عاصر [[الإمام الهادي]]{{ع}} [[المعتصم العباسي|المعتصم]] و[[الواثق العباسي|الواثق]] و[[المتوكل العباسي|المتوكل]] و[[المنتصر العباسي|المنتصر]] و[[المستعين بالله]] و[[المعتز العباسي|المعتز]]،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص135.</ref> وفي عهد المتوكل مورست ضد الإمام مضايقات قاسية أعقبتها أمر المتوكل بجلبه إلى [[سامراء]] لغرض مراقبة تحركات الشيعة وزيارتهم،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص136.</ref> فحاول المتوكل الحط من مكانة الإمام في قلوب الناس، ولكن لم تنجح أي من مكائده<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص140.</ref> فأمر بسجنه<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص143.</ref> وأخيراً استشهد الإمام بالسُّم أيام المعتز بعد إقامة في سامراء استمرت عشرين سنة<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص132-133.</ref>


وأما فترة إمامة [[الإمام العسكري]] {{ع}} فكانت ست سنوات<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص174.</ref> وعاصر [[المعتز العباسي|المعتز]] و[[المهتدي العباسي|المهتدي]]<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص182.</ref>و[[المعتمد العباسي|المعتمد]]<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص184.</ref> وحددت إقامته في منطقة العسكر بمدينة [[سامراء]] كأبيه [[الإمام الهادي (ع)|الهادي ]]{{ع}} وكانت السلطات العباسية طلبت من الإمام الإبقاء على نوع من الاتصال المستمر بالبلاط حيث ينقل أحد خدم الإمام قائلاً: "كان الإمام يذهب في يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع إلى دار الخلافة"، وهذا الأمر هو أحد أساليب المراقبة<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص177.</ref> فلم يتمكن الإمام من الاتصال بأصحابه إلا سراً، فيروى عنه {{ع}} قال: "ألا لا يسلمن عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده ولا يومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص178.</ref> وأخيراً بعد تعرضه عدة مرات للسجن<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص204.</ref> استشهد مسموماً على يد [[المعتمد العباسي]].<ref>الحكيم، الأئمة الأثني عشر (ع)، ص68.</ref>
وأما فترة إمامة [[الإمام العسكري]]{{ع}} فكانت ست سنوات<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص174.</ref> وعاصر [[المعتز العباسي|المعتز]] و[[المهتدي العباسي|المهتدي]]<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص182.</ref>و[[المعتمد العباسي|المعتمد]]<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص184.</ref> وحددت إقامته في منطقة العسكر بمدينة [[سامراء]] كأبيه [[الإمام الهادي (ع)|الهادي ]]{{ع}} وكانت السلطات العباسية طلبت من الإمام الإبقاء على نوع من الاتصال المستمر بالبلاط حيث ينقل أحد خدم الإمام قائلاً: "كان الإمام يذهب في يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع إلى دار الخلافة"، وهذا الأمر هو أحد أساليب المراقبة<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص177.</ref> فلم يتمكن الإمام من الاتصال بأصحابه إلا سراً، فيروى عنه {{ع}} قال: "ألا لا يسلمن عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده ولا يومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص178.</ref> وأخيراً بعد تعرضه عدة مرات للسجن<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص204.</ref> استشهد مسموماً على يد [[المعتمد العباسي]].<ref>الحكيم، الأئمة الأثني عشر (ع)، ص68.</ref>


المساعي التي قام بها العباسيون لمراقبة حياة [[الإمام العسكري]] {{ع}} في [[سامراء]] و[[بغداد]] كانت هي السبب في اختفاء ولادة [[الإمام المهدي]] {{عج}}،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص210.</ref> وبذلت الحكومة العباسية مساع كبيرة للعثور على الإمام {{عج}}، ولكن لم ينجحوا في محاولتهم.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص212.</ref> ولم يكن للإمام أي صلة مباشرة بالدولة العباسية ومواقفه تمثلت في نوابه الأربعة إبان الغيبة الصغرى، حيث كان [[الحسين بن روح]] النائب الثالث للإمام له نفوذ في البلاط العباسي وله مكانة بارزة في بغداد<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص228.</ref>
المساعي التي قام بها العباسيون لمراقبة حياة [[الإمام العسكري]]{{ع}} في [[سامراء]] و[[بغداد]] كانت هي السبب في اختفاء ولادة [[الإمام المهدي]]{{عج}}،<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص210.</ref> وبذلت الحكومة العباسية مساع كبيرة للعثور على الإمام{{عج}}، ولكن لم ينجحوا في محاولتهم.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص212.</ref> ولم يكن للإمام أي صلة مباشرة بالدولة العباسية ومواقفه تمثلت في نوابه الأربعة إبان الغيبة الصغرى، حيث كان [[الحسين بن روح]] النائب الثالث للإمام له نفوذ في البلاط العباسي وله مكانة بارزة في بغداد<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت (ع)، ج2، ص228.</ref>


المشاكل السياسية والكبت الذي مارسه خلفاء بني العباس ضد [[الأئمة]] {{هم}}أحدثت نوعاً من الاضطراب وعدم الاستقرار في العلاقة بين الأئمة و[[الشيعة]]، وكانت هذه المشكلة تتفاقم بعد رحلة كل [[الإمامة|إمام]] وحلول آخر محله.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 214.</ref> وتضاعفت.</ref>هذه الأزمة بعد رحيل [[الإمام العسكري]]{{ع}} بسبب حصول [[غيبة الإمام المهدي (عج)|الغيبة]] وما سبقها من أحداث خفية.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج2، ص215.</ref> ولكن بعد مجيء المقتدر للسطلة تهيأت الأرضية لنمو واتساع حركة التشيع، وأخذ نفوذهم في مؤسسات الحكم العباسي في تزايد، وهو ما يعدّ من الأسباب المهمة لتنامي نفوذهم في [[بغداد]]، حيث أن حشوداً غفيرة منهم قد حضروا إلى بغداد قبيل دخول [[البويهيين]] إليها.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 244.</ref>
المشاكل السياسية والكبت الذي مارسه خلفاء بني العباس ضد [[الأئمة]]{{هم}}أحدثت نوعاً من الاضطراب وعدم الاستقرار في العلاقة بين الأئمة و[[الشيعة]]، وكانت هذه المشكلة تتفاقم بعد رحلة كل [[الإمامة|إمام]] وحلول آخر محله.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 214.</ref> وتضاعفت.</ref>هذه الأزمة بعد رحيل [[الإمام العسكري]]{{ع}} بسبب حصول [[غيبة الإمام المهدي (عج)|الغيبة]] وما سبقها من أحداث خفية.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج2، ص215.</ref> ولكن بعد مجيء المقتدر للسطلة تهيأت الأرضية لنمو واتساع حركة التشيع، وأخذ نفوذهم في مؤسسات الحكم العباسي في تزايد، وهو ما يعدّ من الأسباب المهمة لتنامي نفوذهم في [[بغداد]]، حيث أن حشوداً غفيرة منهم قد حضروا إلى بغداد قبيل دخول [[البويهيين]] إليها.<ref>جعفريان، الحياة الفكرية والسياسية لأئمة أهل البيت، ج 2، ص 244.</ref>


===النفوذ الشيعي في العصر العباسي الثالث===
===النفوذ الشيعي في العصر العباسي الثالث===
مستخدم مجهول