الحديث المتواتر
الحديث المتواتر في اصطلاح علم الحديث بمعنى الحديث الذي بلغت سلسلة رواته إلى المعصوم بحدٍّ من الكثرة في جميع الطبقات؛ بحيث يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب في نسبة الحديث إلى المعصوم، فهذا الخبر يوجب العلم واليقين بصدور الحديث. ويقابله خبر الآحاد وهو الحديث الذي لم يصل الى حد التواتر. والتواتر على نوعين: التواتر اللفظي والتواتر المعنوي.
التعريف اللغوي والاصطلاحي للتواتر
التواتر في اللغة تعني تتابع الشيء وتراً...﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا﴾،[١] أي متواترين.[٢]
والاحاديث المنقولة في المصادر الحديثية عن الأئمة المعصومين (ع) تنقسم من حيث عدد رواتها في جميع الطبقات الناقلة للخبر الى نوعين: الروايات المتواترات وروايات الآحاد، وكل واحد ينقسم بدوره الى أقسام.
والخبر المتواتر إصطلاحاً يعني: ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم علي الكذب واستمر ذلك الوصف – أي الكثرة- في جميع الطبقات حيث يتعدّد بأن يرويه قوم عن قوم، وأنه يفيد تحصيل العلم واليقين.[٣] [٤] [٥]
وبعبارة أخرى الخبر المتواتر يعني الحديث الذي سلسلة رواته الى المعصوم بحدّ من الكثرة في جميع الطبقات يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب في نسبة الحديث إلى المعصوم، وإنه يوجب العلم بصدوره عن المعصوم.
عدد الروايات المتواترات
الروايات المتواترة وإن كانت قليلة قياسا بروايات الآحاد الا أنّها تنصبّ غالبا في الامور المهمة والجوهرية من مسائل الدين كحديث الغدير الذي رواه في طبقة الصحابة أكثر من 100 صحابي، وحديث الثقلين الذي رواه في طبقة الصحابة أكثر من 80 صحابيا، وكذلك قول الرسول (ص) «من كذّب علي متعمدا» والذي حذر فيه من تعمد الكذب عليه حيث رواه أكثر من 60 راويا من تلك الطبقة، وكذلك أحاديث وجوب الصلاة اليومية وعدد الركعات، وروايات وجوب الزكاة والروايات المتعلقة بفضائل أمير المؤمنين (ع) كالشجاعة و...[٦]
شروط التواتر
ذكر الأصوليون مجموعة من الشروط للحديث المتواتر بعضها يعود إلى سامع الخبر ومتلقيه والبعض الآخر يرجع إلى ناقله وراويه، وهي:
شروط السامع
لكي يستفيد السامع العلم بالواقعة المخبر عنها بالتواتر لابدّ من توفر شرطين أساسيين، هما:
1. أن لا يكون السّامع عالماً بالواقعة من غير طريق التواتر، ولهذا لا يُقال وجود بلداننا التي شاهدناها متواترة عندنا، وعُلّل بأنّ الخبر حينئذٍ لا يُفيد العلم للزوم تحصيل الحاصل.
2. أن لا يكون السّامع قد سبق إليه شبهة أو تقليد يؤدي إلى عدم الوثوق بالخبر، من هنا نرى المشركين لعدم إيمانهم المسبق بالنبي الأكرم (ص) لم يسلموا بالمتواتر من معجزاته.
شروط الناقلين للخبر المتواتر
1. الضابط في التواتر الكثرة العددية بمعنى كثرة الرواة الناقلين للخبر في جميع الطبقات بنحو يمنع تواطؤهم على الكذب، ولكن لا يوجد تحديد دقيق لدرجة هذه الكثرة التي يحصل بسببها اليقين بالقضية المتواترة، لأن ذلك يتأَثر بعوامل موضوعية مختلفة وعوامل ذاتية أيضاً.[٧]
2. أن يكون الناقلون للخبر مطمئنين بحصوله ولم يتطرق الشك اليهم في اصل حدوث الواقعة او الخبر المنقول.
3. أن يكونوا قد علموا بالخبر عن طريق الحس كالسمع والمشاهدة لا عن طريق الحدس والتخمين والاستدلال.
4. أن تحفظ شرائط التواتر في جميع الطبقات فلو اختلت الشرائط في طبقة من الطبقة خرج الخبر عن عنوان التواتر وانتقل الى العناوين الحديثية الاخرى كالآحاد مثلا، ومن هنا لو توفرت الشروط في الطبقات الخمس الاولى واختلت في السادسة يقال عنه أنه متواتر في طبقاته الخمس الأولى.
علما أنه لا يشترط في ناقل الخبر المتواتر العدالة والإسلام والتشيع أو وجود المعصوم بين الناقلين للخبر.[٨]
أقسام التواتر
الروايات المتواترة تنقسم الى قسمين؛ التواتر اللفظي والتواتر المعنوي:
التواتر اللفظي
ما اذا اتّحد الفاظ المخبرين في خبرهم، وبعبارة أخرى: التواتر اللفظي هو اتفاق الناقلين الذين يمتنع اجتماعهم على الكذب عادة في نقل ألفاظ الخبر وعباراته،[٩] كتواتر نقلهم لقوله (ص) «إني تارك فيكم الثقلين» وقوله (ص) «من كنت مولاه فعلي مولاه» وقوله (ص) «إنما الاعمال بالنيات» و...[١٠]
التواتر المعنوي
هو اتفاقهم على نقل مضمون واحد وإن ختلفوا في نقل الألفاظ، سواء كانت دلالة ألفاظهم على المضمون بالمطابقة أو بالتضمن أو بالالتزام، كالاتفاق على شجاعة أمير المؤمنين (ع)، فإن الأخبار الحاكية لإقدامه في الحروب ومنازلاته، وإن لم تكن متواترة في كل قضية بخصوصها إلا أن المستفاد من مجموعها مطابقة والتزاماً هو القطع برباطة جأشه.[١١]
والتواتر المعنوي هو أكثر أنواع المتواتر قياساً بالتواتر اللفظي وإن غالب المعارف الدينية وأجزاء العبادات قد نُقلت لنا من خلال هذا النوع من التواتر كعدد الركعات ومبطلات الصيام وأركان الحج والزكاة و...
مواضيع ذات صلة
الهوامش
- ↑ المؤمنون: 44.
- ↑ يقول الراغب: التواتر تتابع الشيء وتراً... ثمّ أرسلنا رسلنا تتري، أي متواترين. مفردات، الراغب ص 548 ـ تحقيق نديم مرعشلي.
- ↑ الشهيد الثاني: وهو ما بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم علي الكذب واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث يتعدّد بأن يرويه قوم عن قوم. الرعاية في علم الدراية، ص 62.
- ↑ الشيخ البهائي: فان بلغت سلاسله في كلّ طبقه حداًّ يؤمن معه تواطؤهم على الكذب فمتواتر.. الوجيزة في علم الدراية، ص 4.
- ↑ المحقّق القمي: خير جماعه يؤمن تواطؤهم على الكذب عادهً و إن كان للوازم الخير دخل في إفادة تلك الكثرة، العلم. قوانين الأصول، ج 1، ص 421.
- ↑ الأميني، الغدير، ج 1، ص 61؛ الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية، ص 66.
- ↑ للاطلاع بشكل أوسع راجع: المامقاني، مقباس الهداية، ج 1، ص 112، وقد ذكر سبعة أقوال ومن جملتها عدد أصحاب بدر، ثم نقد هذه الأقوال.
- ↑ للاطلاع بشكل أوسع راجع: المامقاني، مقباس الهداية، ج 1، ص 109.
- ↑ يقول المامقاني: «ما إذا اتّحد ألفاظ المخبرين في خبرهم». المؤلف المذكور: 1 / 115.
- ↑ السبحاني، أصول الحديث، ص 131؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 19.
- ↑ الخوئي، دراسات في علم الاصول، ج 3، ص 184.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الأميني، عبد الحسين، الغدير، بيروت، دارالكتاب العربي، 1397 هـ.
- البهائي، محمد بن حسين، الوجيزة في علم الدراية، د.م، د.ن، د.ت.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1410 هـ.
- الخوئي، أبو القاسم، دراسات في علم الاصول، قم، مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي، 1419 هـ.
- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، قم - إيران، منشورات ذوي القربى، ط 6، 1431 هـ.
- السبحاني، جعفر، أصول الحديث وأحكامه في علم الدراية قم، د.ن، د.ت.
- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي العاملي، الرعاية في علم الدراية، د.م، د.ن، د.ت.
- القمي، الميرزا أبو القاسم، قوانين الأصول، شيراز، د.ن، د.ت.
- المامقاني، عبد الله، مقباس الهداية في علم الدراية، قم ــ إيران، نشر دليما، ط 1، 1428 هـ.