حقوق الأقليات الدينية

حقوق الأقليات الدينية هي مجموعة من الحقوق والحريات التي ينبغي مراعاتها لأتباع الديانات المختلفة في المجتمع الإسلامي. ومن بين هذه الحريات حرية الاعتقاد، والحقوق المدنية. يقول المؤرخون إنَّ الإسلام قد اعترف بحقوق الأقليات الدينية في عهد الذمة منذ نشأته. وبحسب فقهاء الشيعة إنه في مقابل الجزية التي تأخذها الحكومة الإسلامية من الأقليات بموجب معاهدة الذمة، تضمن لهم أمنهم، وتعفيهم من المشاركة في الحرب، وتعترف بحريتهم في الاعتقاد، وحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وحقوقهم المدنية، وحريتهم الاقتصادية.

تشير النصوص التاريخية إلى أن الحكومات الإسلامية التزمت بذلك على أرض الواقع، على الرغم من وجود بعض الأمثلة لانتهاك حقوق الأقليات. ومنذ القرن الثالث عشر الهجري، تم إلغاء الجزية تدريجيًا في البلدان الإسلامية، وحصل غير المسلمين على امتيازات أكثر في قوانين هذه البلدان. ومع ذلك، توجد مجموعة من الانتقادات التي تم توجيهها للحكومات الإسلامية مثل حظر تولي المناصب الرئيسة من قبل أهل الذمة. ويرى بعض المفكرين والفقهاء في القرن الرابع عشر الهجري أنه مع الحفاظ على القوانين الإسلامية، من الممكن تحسين حقوق الأقليات الدينية بالاعتماد على الكرامة الذاتية للإنسان.

مفهوم حقوق الأقليات الدينية

معاهدة رسول الله مع نصارى نجران:
«ولنجران وحاشيتهم جوار اللَّه وذمة محمد النبي رسول الله على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبيعهم. لا يغير أسقف عَن سقيفاه. ولا راهب عَن رهبانيته. ولا واقف عَن وقفانيته.»

حقوق الأقليات الدينية هي مجموعة من الحقوق والحريات التي ينبغي على الحكومات أن توفرها لأتباع الديانات المختلفة. وبموجب المعاهدات مثل المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينبغي أن تتمتع الأقليات الدينية بـحرية المعتقد، وحرية ممارسة دينها، وحقوق المواطنة. وبموجب هذه المعاهدات لا ينبغي للحكومات أن تحرم المؤمنين بأديان أخرى من هذه الحقوق لمجرد أن دينهم لا يتوافق مع الدين الرسمي لذلك البلد، على الرغم أن هذه الحقوق ليست خالية من القيود.

ويرى المفكرين المسلمين أنّ كل من آمن طواعية بنبوة النبي محمد، بغض النظر عن العرق أو القومية أو الجنسية، سيكون جزءًا من المجتمع الإسلامي. ووفق مجموعة من الأصول كـالكرامة الإنسانية، وقاعدة العدالة، وقاعدة نفي السبيل، أعطى الفقهاء أهمية لحقوق الأقليات غير المسلمة التي تعيش مع المجتمع الإسلامي، تحت مسمى عهد الذمة.

حقوق الأقليات في عهد الذمة

رسالة الإمام علي إلى والي فارس والبحرين:
«إِنَّ دَهَاقِينَ (الزعماء والأشراف) أَهْلِ بَلَدِكَ شَكَوْا مِنْكَ غِلْظَةً وَقَسْوَةً وَاِحْتِقَاراً وَجَفْوَةً وَنَظَرْتُ فَلَمْ أَرَهُمْ أَهْلاً لِأَنَّ يُدْنَوْا لِشِرْكِهِمْ وَلاَ أَنْ يُقْصَوْا وَيُجْفَوْا لِعَهْدِهِمْ فَالْبَسْ لَهُمْ جِلْبَاباً مِنَ اَللِّينِ تَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ اَلشِّدَّةِ وَدَاوِلْ لَهُمْ بَيْنَ اَلْقَسْوَةِ وَاَلرَّأْفَةِ وَاُمْزُجْ لَهُمْ بَيْنَ اَلتَّقْرِيبِ وَاَلْإِدْنَاءِ وَاَلْإِبْعَادِ وَ اَلْإِقْصَاءِ.»

بحسب المباني الفقهية، تدخل الحكومة الإسلامية في عهد الذمة مع الأقليات الدينية. وبموجب هذا العهد فإنَّ الحكومة ملزمة بحماية غير المسلمين المقيمين في أراضيها (الذميين) مقابل دفع ضريبة تسمى الجزية. يرى أغلب فقهاء الشيعة أن الذمة منحصرة بـأهل الكتاب (اليهود، والنصارى، والمجوس)، وأن دفع الجزية يختص بالذكور البالغين الأحرار، ولا تشمل النساء والأطفال. ووفقًا لبعض الباحثين أن الحكومات الإسلامية وعبر التاريخ لم تقتصر عمليا على أهل الكتاب في هذا العقد، وقد اُستدل من بعض الروايات أيضًا على أن عهد الذمة كان في صدر الإسلام يشمل المشركين أيضًا.

هل دفع الجزية يتعارض مع حقوق الأقليات الذاتية؟

وقد رأى بعض منتقدي الإسلام أن دفع الجزية يتنافى مع كرامة الأقليات، لكن أغلب الفقهاء والمفكرين المسلمين يخالفون هذا الرأي. يرى مرتضى المطهري، المفكر والكاتب الشيعي، أن الجزية (مثل الضريبة الإسلامية) هي ضريبة للحفاظ على أمن المجتمع؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن غير المسلمين، بخلاف المسلمين، معفون من المشاركة في الحرب بدفع هذه الضريبة، وكلما شاركوا في خطوط الدفاع الإسلامية فإنهم معفون من دفع الجزية. وما جاء في الروايات من إعفاء النساء والأطفال من الجزية يؤكد هذا الأمر.

حقوق غير المسلمين في الفقه الشيعي

بالمحصلة فإن الحقوق التي عدّها فقهاء الشيعة لغير المسلمين يمكن تصنيفها على النحو التالي:

الحقوق الأساسية

ومن خلال عقد الذمة تعترف الدولة الإسلامية بحق الأقليات في الحياة، وتلتزم بالدفاع عن ممتلكات وأرواح وأعراض غير المسلمين، مثل المواطنين المسلمين. طبقًا للأحكام الفقهية، إذا لم تستطيع الحكومة الإسلامية الوفاء بهذه الحقوق، فينبغي عليها إرجاع الجزية إلى أهل الذمة.

الحقوق القضائية

يتمتع غير المسلمين بالحق في محاكمة عادلة بناء على الفقه الشيعي. يرى الفقهاء أن النزاعات القانونية بين أتباع هذه الديانات يجوز إحالتها إلى المحاكم المختصة بهم، ولا يجوز عرضها على محكمة إسلامية؛ إلا إذا كان أحد طرفي النزاع مسلمًا. وكذلك إذا قتل مواطن ذمي مسلمًا غير متعمد، ولم يكن قادرًا على دفع الدية، فإنَّ الحاكم الإسلامي مسؤول عن دفع الدية من بيت المال.

حرية العقيدة

بحسب فقهاء الشيعة، ليس لأحد الحق في إجبار الآخرين على اعتناق الإسلام، وحتى لو دخل الكافر الحربي إلى أرض إسلامية بقصد التعرف على الإسلام ولم يقتنع، وجب على المسلمين إرجاعه إلى بلاده دون فرض عقيدتهم عليه.

الحريات الدينية

وفق ما ورد في الفقه الشيعي فإن غير المسلمين لهم الحق في إقامة شعائرهم الدينية بحرية، بشكل فردي أو جامعي. كما أن أماكن العبادة التي بُنيت قبل معاهدة الذمة تبقى آمنة، وبناء أماكن العبادة الجديدة يعتمد على أحكام معاهدة الذمة؛ إلا أن بعض الفقهاء يرون عدم جواز بناء مكان جديد للعبادة.

الحقوق المدنية

يعتقد فقهاء الشيعة أن غير المسلمين أحرار في اختيار مدينة إقامتهم، ويمكنهم أيضًا العمل في وظائف لا تخالف الشريعة الإسلامية.

الحقوق الاقتصادية

حق الملكية والتجارة الحرة لغير المسلمين معترف بها في الفقه الشيعي، ولا يحق لأحد التدخل في ممتلكاتهم وعلاقاتهم التجارية من دون إذن قانوني. وفقًا للفقه الشيعي، إذا تعدى المسلم على أملاك غير المسلمين التي لا يحل للمسلمين تناولها، ولكنها جائزة لغير المسلمين (مثل الخمر أو لحم الخنزير)، فيجب عليه دفع التعويض لهم، وكذلك إذا أوقف المسلمون شيئاً لمصلحة غير المسلمين، فإن من واجب الدولة الإسلامية أن تحافظ على هذا الوقف.

حقوق غير المسلمين في الفقه السني

يعتقد باحثو أهل السنة فإن فقهاء المذهب السني قد اعترفوا أيضًا وبشكل رسمي بحقوق غير المسلمين استناداً إلى قانون الذمة. والفرق بين الفقه السني والشيعي أن عددًا من فقهاء السنة يعدّون جميع الكفار (حتى المشركين) من أهل الذمة، على سبيل المثال، قام فقهاء السنة في الهند بتوسيع مفهوم أهل الذمة ليشمل الديانات الهندية.

هل احترمت الحكومات الإسلامية حقوق الأقليات الدينية؟

حق أهل الذمة في رسالة الحقوق للإمام السجاد:
«أما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل اللّه وتفي بما جعل اللّه لهم من ذمته وعهده وتكلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه وتحكم فيهم بما حكم اللّه به على نفسك في ما جرى بينك وبينهم من معاملة وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة اللّه والوفاء بعهده وعهد رسول اللّه.»

يقدم الباحثون تقييمًا في السجل التاريخي لتفاعل المسلمين مع الأقليات بشكل إيجابي، مقارنة بالحكومات غير الإسلامية. ويرى المؤرخون أنَّه خلال الفترات التي التزم فيها الحكام المسلمون بالعهد الشرعي للذمي، كان غير المسلمين يتمتعون بحقوق وحرية نسبية؛ ومع ذلك، ففي العديد من الدول الإسلامية (خاصة قبل القرن الثالث عشر الهجري)، تم الاستشهاد بأشياء مثل ارتداء الملابس المختلفة، ومنع ركوب الخيل، ومنع بناء المنازل المرتفعة، وانتقادها.

صدر الإسلام

بحسب المصادر التاريخية، فقد تعهد النبي في معاهدة مع المسيحيين بالحفاظ على ثقافتهم وحقوقهم. حتى أن أهل الذمة كانوا معفيين من بعض الأحكام الاجتماعية في الإسلام، مثل الحجاب. كان رسول الله حريصًا على حماية أهل الذمة إلى درجة أن الجماعات التي اكتفت بظاهر الدين، مثل الخوارج، كانت تقتل الأسرى المسلمين، ولكنها كانت تكرم المسيحيين. وبعد النبي أمر الإمام علي ولاة أمره أيضًا أن يحسنوا إلى غير المسلمين؛ لأنهم أيضًا خلق الله.

من القرن الثاني إلى القرن الثاني عشر الهجري

ذكر المؤرخون أن يهود الأندلس كانوا ينظرون إلى المسلمين الفاتحين على أنهم قوة جاءت لكي تحررهم؛ ولأنهم كانوا أكثر حرية هناك عما كانوا عليه في أوروبا المسيحية، فقد ارتقوا في المناصب الحكومية إلى مستوى الوزارة، ومثلوا العصر الأكثر ازدهارًا في العلم والأدب اليهودي. اعتبر أيضًا زعيم المسيحيين في أنطاكية أن الفتح الإسلامي للشام كان نعمة للتحرر من الظلم الروماني. يقول المؤرخون إنَّ الأقليات الدينية عاشت حياة آمنة في عهد الخلافة الشيعية الفاطمية، باستثناء مدة حكم الحاكم بأمر الله. وكان العديد من الوزراء الفاطميين مسيحيين أيضًا. حيث اعتبر المؤرخون المسيحيون أن هذه المدة بمنزلة العصر الذهبي للمسيحيين في مصر. وهناك أيضًا علامات على التسامح اتجاه الأقليات في العهد الصفوي؛ ومع ذلك، هناك تقارير عن فترات اضطهاد لغير المسلمين في عهد الحكم الصفوي، والتي كان سببها التعصب الديني.

من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الهجري

تُشير الأخبار التاريخية إلى أنه ابتداء من القرن الثالث عشر الهجري فصاعدا، تم التخلي تدريجيا عن الجزية في البلدان الإسلامية. كما أدى ظهور الدستور إلى الاعتراف بحقوق أهل الكتاب بشكل رسمي في هذه البلدان. يرى بعض الباحثين أنه خلال هذه المدة، وعلى الرغم من إجراء بعض التغييرات القانونية لصالح حقوق الأقليات الدينية، إلا أنها لم تسفر عن نتائج عملية كثيرة. وتُعدّ مسائل مثل عدم معاقبة المسلم الذي يقتل غير المسلم، ومنع تولي المناصب القيادية، من الانتقادات الموجهة للحكومات الإسلامية في هذا العصر.

الأقليات الدينية في دساتير الدول الإسلامية

اجتماع ممثلي الأقليات الدينية الإيرانية في طهران

يذكر باحثون إن المادة 46 من الدستور المصري تنص على الحريات المتعلقة بالأديان والمذاهب، كما يضمن الدستور العراقي حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية لجميع المواطنين العراقيين. ولغير المسلمين ستة مقاعد في البرلمان العراقي.

إن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وباعتباره نظامًا أعلن المذهب الشيعي مذهبًا رسمياً، اعترف أيضًا بحقوق أهل الكتاب بشكل رسمي. ولغير المسلمين أربعة مقاعد في البرلمان الإيراني. ويُعدّ عدم دفع الجزية، وتخصيص ميزانية منفصلة، والدية المتساوية للمسلمين وغير المسلمين، من بين الجوانب الإيجابية للقانون الإيراني، ومن ناحية أخرى، فإن عدم المداراة العملية، وعدم وجود الحق في تغيير الدين، وعدم الاعتراف بغير أهل الكتاب، هي أيضًا من بين الانتقادات الموجهة للنظام السياسي الإيراني.

فكرة مراجعة حقوق الأقليات في الشريعة الإسلامية

يرى بعض المختصين في القانون، وفي الدفاع عن حقوق الأقليات في الإسلام، أن الاعتراف بهذه الحقوق بشكل رسمي، في إطار مفهوم «العقد»، يؤدي إلى مراعاة العدالة، وفي قبال ذلك، يعتقد العديد من علماء الشيعة أن الكرامة الإنسانية من منظور الإسلام هي كرامة ذاتية، وبالتالي لا يمكن انتزاعها من المسلمين أو غير المسلمين أو منحها لهم من خلال العقود. يرى العلامة الطباطبائي وبالاستناد على آيات القرآن الكريم فإن الكرامة الإنسانية تنطبق على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. ويذهب يوسف الصانعي أيضًا وبناءً على كرامة الإنسان الذاتية إلى المساواة في الدية والقصاص بين المسلمين وغير المسلمين، ويرى بعض المفكرين أنَّه من الممكن الحفاظ على القوانين الإسلامية مع السماح بتغيير بعض هذه القوانين.