أصول الفقه
أصول الفقه، هو العلم الذي يُدرس فيه العناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي، وموضوع هذا العلم: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، وكل قاعدة صالحة بأن تكون عنصراً مشتركاً في عملية الاستنباط مثل: حجية الظهور العرفي، وحجية الخبر.
علم أصول الفقه من العلوم التي ابتكرها علماء المسلمين، وأول من كتب في هذا العلم من فقهاء السنة محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي كتاب (الرسالة)، وهو أول كتاب علمي منهجي في علم الأصول لفقهاء أهل السنة.
كان للأئمة، دور أساسي في ظهور هذا العلم، وخاصة في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق (ع)، حيث قام بعض أصحاب الأئمة بتأليف رسائل في بعض المسائل الأصولية، منهم: هشام بن الحكم من أصحاب الإمام الصادق (ع) الذي ألف ”رسالةً في الألفاظ“.
في عصر الغيبة، أخذ علم الأصول بالتطور على يد فقهاء هذا العصر، وكلما كان الفقهاء يبتعدون عن عصر الحضور، كانوا يشعرون بمسيس الحاجة إلى هذا العلم، لذلك قاموا بتأليف الكتب في هذا العلم، ومن أهم الكتب التي كتبت في عصر الغيبة: كتاب ”المتمسك بحبل آل الرسول“ للشيخ الحسن بن علي بن عقيل العماني، وكتاب ”التذكرة بأصول الفقه“ للشيخ المفيد، وغيرها.
من العلماء الذين كان لهم الدور في تطور أصول الفقه: الشيخ الأنصاري، والميرزا الشيرازي، والآخوند الخراساني، وضياء الدين العراقي، والشهيد محمد باقر الصدر.
من أهم الكتب التي تدرس الآن في الحوزة العلمية: فرائد الأصول، كفاية الأصول، وأصول الفقه (للشيخ المظفر)، ودروس في علم الأصول.
تعريفه
في اللغة كلمة (أصول) هي جمع، مفردها أصل، مايرتكز عليه الشيء ويبنى.[١] ويقال: استأصلت الشجرة، أي ثبت أصلها.[٢] وفي اصطلاح الأصوليين يوجد تعاريف مختلفة، لعلم الأصول، وقد عرفه السيد محمد باقر الصدر بأنه: ”العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي“.[٣] (بمعنى أنه يتم في هذا العلم دراسة مجموعة من القواعد التي تستخدم في مواضع متعددة من أبواب الفقه).[٤]
موضوعه
ذهب علماء الأصول، إلى أن موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة، وهي عبارة عن: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل؛ بمعنى أنه يبحث عن أحوال الأدلة الأربعة وحجيتها.[٥] وأعتبر الآخوند الخراساني في كتابه (كفاية الأصول)، أنّ موضوع علم الأصول لايختص بالأدلة الأربعة، بل كل مسألة تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي تكون موضوعاً للأصول،[٦] وأعتبر السيد محمد باقر الصدر، أنّ نفس عملية الاستنباط هي موضوع علم الأصول، باعتباره علماً يدرس العناصر المشتركة التي تدخل في تلك العملية، من قبيل: حجية الظهور العرفي، وحجية الخبر.[٧]
الحاجة إلیه
في زمن حضور النبي الأكرم وقرب المجتمع الإسلامي من عصر النص، وكذلك صغر البلاد الإسلامية وسهولة المسائل التي ابتلي بها المسلمون ولوجود أحكام معروفة ومنصوص عليها، لم يكن المسلمون بحاجة إلى التوسع في مسائل الشريعة، ولكن بعد شهادة رسول الله وبشكل تدريجي مع توسع المجتمع الإسلامي، دفع أهل السنة إلی المزید من البحث والتدبّر في القرآن الكريم والنصوص الشريفة للإجابة على المسائل الجديدة وتقديمها للمسلمين.[٨]
مع مضي أكثر من مئة عام على زمان النبي شَعَرَ الفقهاء، الذين كانوا يستخرجون الأحكام الفقهية من المتون الدينية، بالحاجة إلى تدوين قواعد كلية وعناصر مشتركة، لیتمکنوا بواستطها من استنباط أحکام المسائل.[٩]
أما الإمامية فقد كانوا يعيشون عصر النص؛ لأن الإمام امتداد لوجود النبي، فكانت المشاكل التي يعاني منها فقهاء الإمامية في استخراج الحكم الشرعي أقل بكثير من الذين انتهى عندهم عصر النص بعد شهادة الرسول، لذلك لم تكن هنالك حاجة إلى وضع علم الأصول،[١٠] ولكن بعدما انتهى عصر النص عند الإمامية ببدء غيبة الإمام والابتعاد عن عصر النصوص، أدى أن تكون هناك حاجة ملحة في جعل قواعد وعناصر مشتركة، ليتمكن الفقهاء بواستطها من استنباط الأحكام الشرعية، وكلما زاد الابتعاد عن عصر النص كانت الحاجة أكبر لهذه القواعد.[١١]
تاريخه
علم الأصول من العلوم التي ابتكرها علماء المسلمين، وأول من كتب في هذا العلم من فقهاء السنة محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافعي (المتوفى سنة 204 هـ) كتاب (الرسالة)، وهو أول كتاب علمي منهجي في علم الأصول لفقهاء أهل السنة.[١٢]
أما عند الشيعة، فقد كان للأئمة، دور أساسي في ظهور هذا العلم، وخاصة في زمن الإمام الباقر والإمام الصادق (ع)، حيث بدأوا بتعليم أصحابهم طرق الاستنباط من الكتاب والسنة، وکیفیة ارجاع الفروع إلی الاصول،[١٣] فقد استخدموا نحوين من الطرق:
الأول: أملائهم على أصحابهم قواعد الاستنباط العامة، ثم قام هؤلاء بتدوينها، فالأصول الأربعمائة هي حصيلة هذه التدوينات وبمثابة المصادر الخام للأصول الأربعة عند الشيعة، وكانت في الواقع أمالي الأئمة نفسها.[١٤]
الثاني: تعليم أصحابهم أساليب الاستنباط الصحيح من خلال الممارسة والتطبيق العملي.[١٥] عن الإمام الصادق قال: ”أنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا“.[١٦]
بعض أصحاب الأئمة ألّفوا رسائل في بعض المسائل الأصولية، كهشام بن الحكم من أصحاب الإمام الصادق الذي ألّف ”رسالةً في الألفاظ“،[١٧] وثم يونس بن عبد الرحمن تلميذ الإمام الكاظم الذي صنف كتاب ”اختلاف الحديث ومسائله“، وهو مبحث تعارض الدليلين والتعادل والتراجيح بينهما.[١٨]
علم الأصول في عصر الغيبة
وفي عصر الغيبة، وهو عصر انقطاع النص، أخذ علم الأصول بالتطور على يد فقهاء هذا العصر، وكلما كان الفقهاء يبتعدون عن عصر الحضور، كانوا يشعرون بمسيس الحاجة إلى هذا العلم وتطويره وتوسعته أكثر من ذي قبل، لذلك قاموا بتأليف الكتب في هذا العلم، ومن أهم الكتب التي كتبة في عصر الغيبة:[١٩]
- كتاب ”المتمسك بحبل آل الرسول“ للشيخ الحسن بن علي بن عقيل العماني (المتوفى 329 هـ).[٢٠]
- ومن أبرز من كتب في هذا العلم من فقهاء عصر الغيبة الشيخ المفيد (المتوفى 413 هـ) ألف كتاب ”التذكرة بأصول الفقه“.[٢١]
- كتاب ”الذريعة إلى علم أصول الشريعة“، للسيد المرتضى (المتوفى 436 هـ) .[٢٢]
- كتاب ”عدة الأصول“ في الأصوليين: أصول الدين وأصول الفقه، للشيخ الطوسي (المتوفى 460 هـ).[٢٣]
- كتاب ”الوصول إلى معرفة الأصول“، وكتاب ”المعارج“، للمحقق الحلي (المتوفى سنة 676 هـ).[٢٤]
- للعلامة الحلي (المتوفى سنة 726 هـ) عدة مؤلفات في الأصول منها: ”تهذيب الوصول إلى علم الأصول“، و”مبادئ الوصول إلى علم الأصول“، و”نهاية الأصول“.[٢٥]
- كتاب ”زبدة الأصول“، للشيخ البهائي (المتوفى سنة 1031 هـ).
- كتاب ”معالم الدين وملاذ المجتهدين“، للشيخ حسن بن زين الدين العاملي، (المتوفى سنة 1011 هـ).[٢٦]
أهم الكتب التي تدرس الآن في الحوزة العلمية
العلماء الذين كان لهم الدور في تطور أصول الفقه
هناك مجموعة من علماء الشيعة كان لهم الدور البارز في تطور علم الأصول وهم:
مباحثه
أكثر الكتب المعروفة التي أُلفت في علم الأصول غالباً تبدأ بتعريف علم الأصول، ومن ثم بحث الألفاظ والأصول العملية، ويُختم البحث بالتعادل والتراجيح، وبعض علماء الأصول لم يكتبوا كل المباحث في علم الأصول، بل أكتفوا ببعضها، مثل الشيخ الأنصاري في كتابه (الرسائل)، حيث ذكر ثلاث أقسام من المباحث: القطع، والظن، والشك، وخاتمة في التعادل والتراجيح.[٢٧]
يوجد الآن قسمين مشهورين لمباحث أصول الفقه في الحوزة العلمية:
التقسم الأول: هو مباحث كتاب: كفاية الأصول، وأصول الفقه للشيخ المظفر.
التقسيم الثاني: هو مباحث كتاب دروس في أصول الفقه للسيد محمد باقر الصدر، حيث قسم المباحث الأصولية على ثلاث مراحل: الأولى: حجية القطع، الثانية: الأدلة المحرزة، الثالثة، الأصول العملية، وخاتمة في تعارض الأدلة.[٢٨]
التقسيم المشهور لمباحث علم الأصول
مباحث تمهيدية
- تعريف علم الأصول
- موضوع علم الأصول
- الوضع وأقسامه
- الاستعمال الحقيقي والمجازي
- الترادف والاشتراك
- الحقيقة الشرعية
مباحث الألفاظ
- المشتق
- الأوامر
- النواهي
- المفاهيم
- العام والخاص
- المطلق والمقيد
- المجمل والمبين
الملازمات العقلية
1ــ المستقلات العقلية
- التحسين والتقبيح العقليان
- إدراك العقل للحسن والقبح
- الملازمة العقلية بين حكم العقل وحكم الشرع
2ــ غير المستقلات العقلية
- الإجزاء
- مقدمة الواجب
- مسألة الضد
- اجتماع الأمر والنهي
- دلالة النهي على الفساد
مباحث الحجة
الأصول العملية
بعض المباحث المهمة في علم الأصول
حجية ظواهر الكتاب
من العناوين المهمة التي وقع فيها الاختلاف بين الأخباريين والأصوليين مسألة حجية الظواهر القرآنية، ذهب أصحاب الاتجاه الأخباري إلى عدم حجية ظواهر القرآن الكريم، وأكدوا أنه لا يجوز العمل بها من دون أن يرد بيان وتفسير لها من طريق أهل البيت ،[٢٩] في حين ذهب أصحاب الاتجاه الأصولي إلى خلاف ذلك وأثبتوا حجية الظواهر القرآنية،[٣٠] حيث أستدلوا على الحجية بامور منها: بالاخبار الكثيرة الآمرة بعرض الأحاديث على الكتاب[٣١]
حجية السنة
السنة: عبارة عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره، والمعصوم من أئمة أهل البيت، يجري قوله وفعله وتقريره مجرى قول النبي وفعله وتقريره،[٣٢] فترك المعصوم فعلا من الأفعال يدل على عدم وجوبه، كما أن فعله شيئا منها يدل على عدم حرمته، إذا لم يكن هناك خوف وتقية، واما التقرير: فهو أن يطلع المعصوم على معتقد شخص أو جماعة أو على صدور فعل كذلك؛ أو على جريان سيرتهم على عمل فلم ينكره عليهم ولم يردعهم عنه مع عدم خوف وتقية; فيكون ذلك تقريرا لما صدر عنهم وحجة على صحة تلك العقيدة، وإباحة تلك الأعمال والعادات.[٣٣]
هنالك مطلبين مهمين يبحثهما الأصوليون بشأن السنة، هما حجية خبر الواحد، ومسألة تعارض الأخبار والروايات:
- الخبر الواحد، إما منقول بطرق متعددة من دون أن يبلغ حد التواتر فهو مستفيض وإلا فغير مستفيض،[٣٤] يرى الأصوليين إمكان الاستناد إلى هذه الروايات، بشرط أن يكون راويها أو رواتها عدولاً، ومن أدلتهم على ذلك آية النبأ في سورة الحجرات، وغيرها من الآيات.[٣٥]
- تعارض الأخبار الروايات، يذهب الأصوليين في الدرجة الأولى إلى الجمع بينهما، فإن لم يمكن الجمع فلا بد من تقديم الأرجح، من حيث السند أو اشتهاره بين العلماء، أو مخالفته لأبناء العامة، وإن لم يكن هنالك رجحان فالخيار في العمل بأيهما.[٣٦]
الإجماع
الإجماع من جملة المصادر الفقهية التي يبحث علم الأصول في حجيتها وأدلتها وطرق الاستفادة منها، يدعي أهل السنة أنّ النبي قال: ”لا تجتمع أمتي على خطأ“، فلو اتفقت الأمة على أمر كان ذلك الأمر صحيحاً، ويكون إجماعها حجة، إلا أنّ الأصوليين الشيعة برغم أنهم لا يسلمون نسبة هذا الحديث إلى الرسول الأكرم ، يسلمون باستحالة اجتماع الأمة على الخطأ، وذلك لدخول المعصوم في أفراد الأمة، فتكون الأمة معصومة، لكون أحد أفرادها معصوماً.[٣٧]
من هنا فإن الشيعة لا يولون الإجماع تلك الأهمية التي يوليها أهل السنة له، فالذي يراه الشيعة: أنّ الإجماع حجة بمقدار ماله من كشف عن السنة، التي يكون داخل فيها المعصوم.[٣٨]
حجية العقل
هو أحد مصادر الأحكام الأربعة أيضاً، أحياناً يُستكشف حكماً شرعياً بواسطة العقل، أي من خلال إقامة الأدلة والبراهين العقلية نتوصل إلى أنّ هذا المورد محكوم بالوجوب أو الحرمة، أو يُستكشف طريق الوصول إلى هذا الحكم، وقد ثبتت حجية العقل بدليل العقل والشرع، فإننا نثبت صحة الشرع وأصول الدين بواسطة العقل، والمسائل الأصولية ذات الصلة بالعقل على قسمين: الأول: يتعلق بـ"ملاكات" الأحكام، وبعبارة أخرى: بفلسفة الأحكام، والثاني: يتعلق ب"لوازم الأحكام".[٣٩]
ومن هنا فإنّ الأصوليين، يقولون: بما أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد، فمتى ما وجدت تلك المصالح والمفاسد وجد ما يناسبها من الأحكام الشرعية، ومتى ما انعدمت انعدم الحكم الشرعي بتبعها.[٤٠]
لو فُرض عدم وجود حكم شرعي في مورد من الموارد، إلا أنّ العقل يتمكن من اكتشاف حكم الشارع على نحو الجزم واليقين، ويُسمي الأصوليون التلازم العقلي والشرعي بقاعدة بـ”الملازمات العقلية“، ويقولون: ”ما حكم به العقل حكم به الشرع“.[٤١]
الأصول العملية
وهي حالة عدم حصول الفقيه على دليل يدل على الحكم الشرعي، وبقاء الحكم مجهولاً لديه، فيتجه البحث في هذه الحالة إلى محاولة تحديد الوظيفة العملية،[٤٢] فقد بحث الأصوليين في عدة أمور يتم من خلالها تحديد وظيفة المكلف أتجاه الحكم المجهول، وهي عبارة عن أربع أصول عملية:
- أصالة البراءة: هي براءة ذمة المكلف من التكليف وعدم انشغالها بشيء، ما لم يثبت ذلك بدليل.
- أصالة الاحتياط: هي عبارة عن الحكم بلزوم اتيان فعل يحتمل الضرر الاخروي في تركه، ولزوم ترك فعل يحتمل الضرر الاخروي في فعله. [٤٣]
- أصالة التخيير: هي عبارة عن تخيير المكلف بين فعل شيئ وتركه، أو تخييره بين فعلين.[٤٤]
- أصالة الاستصحاب: وهو حكم الشارع بالبناء على اليقين السابق حالة الشكّ فيه لاحقاً.[٤٥]
بعض المسائل الأصولية الخلافية
هناك بعض المسائل الأصولية التي وقع فيها الخلاف بين الشيعة وأهل السنة وهي:
القياس
القياس في اللغة: التقدير: قاس الشيء يقيسه قيساً إذا قدّره على مثاله، والمقياس المقدار،[٤٦] وفي الاصطلاح: عُرّف القياس بتعاريف مختلفة منها: استنباط حكم واقعة لم يرد فيها نص من حكم واقعة ورد فيها نصّ، لتساويهما في علّة الحكم ومناطه وملاكه.[٤٧]
اختلف الفقهاء في شأن العمل بالقياس، فقد ذهب جمهور أهل السنة إلى أنّه أصل من أصول التشريع ومصدر من مصادر الاستنباط، وخالفهم داود بن خلف، إمام الفرقة الظاهرية، وتبعه ابن حزم الأندلسي، فلم يُقيموا له وزناً.[٤٨] وذهب الإمامية إلى جواز التعبد به عقلاً، ولكنه ممنوع في الشريعة،[٤٩] وذلك للنصوص الواردة من أهل البيت .[٥٠]
الإجماع
الإجماع في اللغة لفظ مشترك بين العزم والتصميم، فمثلاً يقال: (أجمع القوم على النهوض بالعمل الفلاني، أي عزموا وصمموا عليه)، وبين الاتفاق، فيقال: (أجمعوا على القيام بعمل ما، أي اتفقوا عليه).[٥١] وفي اصطلاح الأصوليين توجد تعاريف مختلفة للإجماع، منها: اتفاق الفقهاء المسلمين على حكم شرعي واحد.[٥٢]
أعتبر أهل السنة الإجماع حجة بنفسه، فلو إجمع علماء المسلمين على مسألة من المسائل في عصر من العصور كان اجماعهم حجة، وهو في قوة الحكم الإلهي الذي لا تجوز تخطئته.[٥٣]
عند الشيعة الإجماع ليس حجة بنفسه، وإنما بلحاظ كونه كاشفاً عن رأي المعصوم ورضاه.[٥٤]
الاستحسان
الاستحسان هو عد الشيء حسناً سواء كان الشيء من الأُمور الحسّية أو المعنويّة،[٥٥] وقد عرّفهُ الأصوليين بتعريفات مختلفة منها: هو ما يستحسنه المجتهد بعقله،[٥٦] وهو من مصادر التشريع عند الحنفية والمالكية، وأما الشافعية فلم يعملوا بالاستحسان، ونفوا حجيته، قال الشافعي (من استحسن فقد شّرع)،[٥٧] وأمّا الإمامية وفقهاء أهل البيت فقد أجمعوا على رفضه وعدم حجّيته فيما إذا كان مبتنياً على الوجوه الظنّيّة التي تنقدح في النفس ويستحسنها عقل الإنسان من دون دليل شرعي.[٥٨]
إذا كان الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الأخذ به، إلّا أنّ ذلك فيما إذا رجع إلى الأخذ بالكتاب العزيز أو السنة الشريفة أو الإجماع التعبّدي أو العقل القطعي.[٥٩]
المصالح المرسلة
من المسائل الخلافية بين الشيعة وباقي المذاهب الإسلامية حجية المصالح المرسلة، حيث ذهب مالك بن أنس وأحمد بن حنبل ومن تابعهما إلى أن الاستصلاح طريق شرعي لاستنباط الحكم الشرعي فيما لا نص فيه ولا إجماع،[٦٠] وذهب بعض الحنابلة إلى أكثر من ذلك، فقد اعتبرها الطوفي، الدليل الشرعي الأساس، وقدم المصالح المرسلة على مايعارضها من النصوص عند تعذر الجمع بينها، بينما ذهب الشافعي ومن تابعه، إلى أنه لا استنباط بالمصالح المرسلة، ومن استصلح فقد شرع، لأن الاستصلاح كالاستحسان متابعة للهوى.[٦١] أما الأحناف فالمنسوب إليهم أنهم لا يقولون بالمصالح المرسلة، ولا يعتبرونها دليلاً.[٦٢]
أما الشيعة لايقولون بالمصالح المرسلة، إلا مارجع منها إلى العقل على سبيل الجزم.[٦٣]
التخطئة والتصويب
التخطئة في اللغة: هي النسبة إلى الخطأ، من خطّأ تخطئة وتخطيئاً، أي نسبه إلى الخطأ، وقال له: أخطأت،[٦٤] ويقابله التصويب: وهو النسبة إلى الصواب، وهو ضدّ الخطأ،[٦٥] وفي اصطلاح الفقهاء التخطئة: هي أنّ الأحكام التي يصل إليها المجتهد باجتهاده يحتمل فيها الخطأ وعدم المطابقة للواقع، كما يحتمل الصواب والمطابقة للواقع، ويقابلها التصويب: الذي يعني تبعية حكم اللّه الواقعي لما يتوصّل إليه المجتهد من أحكام.[٦٦]
مبحث التخطئة والتصويب، من أهم المباحث التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة والشيعة، نُسب القول بالتصويب إلى جماعة من الأشاعرة والمعتزلة، وأنهم ذهبوا إلى أن كل مجتهد مصيب، وتبدل الرأي في الأحكام من باب التبدل في الموضوع كتبدل المسافر حاضراً أو العكس، لذلك يطلق عليهم المصوبة، [٦٧] وذهب الشيعة إلى أنّ الحكم الشرعي موجود واقعاً، وهو باقي على حاله، والمجتهد يسعى لتحصيله، فإمّا أن يكون صائباً فيما يتوصّل إليه، وإما أن يكون مُخطئاً، لذلك فقد يُطلَق على الشيعة عنوان المخطّئة.[٦٨]
الهوامش
- ↑ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 1، ص 109.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 155.
- ↑ الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ص 22.
- ↑ علي پور، تاريخ علم الأصول، ص 40.
- ↑ القمي، قوانين الأصول، ص 9؛ الأصفهاني، الفصول الغروية، ص 10.
- ↑ الإيرواني، كفاية الأصول، ج 1، ص 31.
- ↑ الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ص 28.
- ↑ علي پور، تاريخ علم الأصول، ص 55.
- ↑ الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ص 73.
- ↑ الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ص 73.
- ↑ الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ص 73 ــ 74.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 1، ص 10.
- ↑ الصدر، الشيعة وفنون الإسلام، ص 325.
- ↑ علي پور، تاريخ علم الأصول، ص 73.
- ↑ علي پور، تاريخ علم الأصول، ص 74.
- ↑ القمي، سفينة البحار، ج 1، ص 64.
- ↑ الطهراني، الذريعة، ج 2، ص 291.
- ↑ الطهراني، الذريعة، ج 1، ص 361.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 1، ص 15.
- ↑ السبحاني، أدوار الفقه الإمامي، ص 93.
- ↑ السبحاني، أدوار الفقه الإمامي، ص 114.
- ↑ السبحاني، أدوار الفقه الإمامي، ص 116.
- ↑ الحيدري، أصول الاستنباط، ص 35.
- ↑ الصدر، أصول الفقه، ص 16.
- ↑ السبحاني، تاريخ الفقه الإسلامي، ج 1، ص 326.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 1، ص 16.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج 1، ص 2.
- ↑ الصدر، دروس في علم الأصول، ص 69 ــ 70.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 38.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 162.
- ↑ المشكيني، مصطلحات الأصول، ص 229.
- ↑ السبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص 161.
- ↑ المشكيني، مصطلحات الأصول، ص 141 ــ 142.
- ↑ السبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص 162 ــ 164.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 40.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 41.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 53.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 54.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 55.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 56.
- ↑ مطهري، الأصول، ص 57.
- ↑ الصدر، دروس في علم الأصول، ص 139.
- ↑ المشكيني، مصطلحات الأصول، ص 42.
- ↑ المشكيني، مصطلحات الأصول، ص 50.
- ↑ المشكيني، مصطلحات الأصول، ص 33.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 6، ص 187.
- ↑ السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي، ص 206.
- ↑ السبحاني، الوسيط في أصول الفقه، ج 2، ص 75.
- ↑ السيد المرتضى، الذريعة، ج 2، ص 675.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 43.
- ↑ الزبيدي، تاج العروس، ج 5، ص 307.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 102.
- ↑ القائيني، علم الأصول، ص 24.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 110.
- ↑ الطريحي، مجمع البحرين، ج 1، ص 408.
- ↑ الغزالي، المستصفى، ج 1، ص 274.
- ↑ السرخسي، اُصول السرخسي، ج 2، ص 202 ــ 204؛ الشاطبي، الموافقات، ج 4، ص 151.
- ↑ القمي، قوانين الأصول، ج 2، ص 92؛ الطوسي، الخلاف، ج 3، ص 460، م 2.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 24.
- ↑ خلّاف، مصادر التشريع الإسلامي، ص 89.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 31.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 33.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 51.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 133.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 7، ص 433.
- ↑ المشكيني، اصطلاحات الاُصول، ص 98.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 288.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 293.
المصادر والمراجع
- ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1404هـ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم ، لسان العرب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408هـ.
- الأصفهاني، محمد حسين، الفصول الغروية في الأصول الفقهية، د.م، د.ن، 1404هـ.
- الأنصاري، مرتضى، فرائد الأصول، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط5، 1416هـ.
- الإيرواني، محمد باقر، كفاية الأصول في أسلوبه الثاني، النجف الأشرف، مؤسسة إحياء التراث الشيعي، ط2، 1430هـ.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسه آل البيت ، ط1، 1409هـ.
- الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، تحقيق: وفي الشناوة، طهران، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ط1، 1431هـ/ 2010م.
- الحيدري، علي نقي، أصول الاستنباط، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط2، 1364ش.
- الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس، بيروت، دار مكتبة الحياة، 1306هـ.
- السبحاني، جعفر، أدوار الفقه الإمامي، بيروت، دار الولاء للطباعة والنشر، ط2، 1426هـ/ 2005م.
- السبحاني، جعفر، الموجز في أصول الفقه، بيروت، دار جواد الأئمة ، ط1، 1432هـ/ 2011م.
- السبحاني، جعفر، الوسيط في أصول الفقه، بيروت، دار جواد الأئمة ، ط1، 1432هـ.
- السبحاني، جعفر، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره، بيروت، دار الاضواء، ط1، 1419هـ/ 1999م.
- السبحاني، جعفر، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه، قم، مؤسسة الإمام الصادق ، ط1، 1427هـ.
- السرخسي، محمد بن أحمد، اُصول السرخسي، بيروت، دار المعرفة، د.ت.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى، الموافقات في اُصول الشريعة، بيروت، دار المعرفة، د.ت.
- الصدر، حسن، الشيعة وفنون الإسلام، تحقيق: السيد مرتضى الميرسجادي، قم، مؤسسة السبطين (ع) العالمية، ط1، 1427هـ.
- الصدر، حسين، أصول الفقه في سؤال وجواب، د.م، د.ن، د.ت.
- الصدر، محمد باقر، المعالم الجديدة للأصول، قم، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط3، 1429هـ.
- الصدر، محمد باقر، دروس في علم الأصول (الحلقة الأولى والثانية)، قم، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، 1421هـ.
- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم، مؤسسة البعثة، ط1، 1414هـ.
- الطهراني، محمد محسن بن علي ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، ط3، 1403هـ/ 1983م.
- الغروي، علي، التنقيح في شرح العروة الوثقى (الطهارة)، تقرير بحث السيد أبي القاسم الخوئي، قم، مؤسسة أنصاريان، 1417هـ.
- الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، قم، منشورات الشريف الرضي، 1364ش.
- القائيني، علي الفاضل، علم الأصول تاريخاً وتطوراً، طهران، مكتب الاعلام الإسلامي، ط1، 1405هـ.
- القمي، أبو القاسم بن محمد، قوانين الأصول، شيراز ـ إيران، د.ن، د.ت.
- القمي، عباس، سفينة البحار، مشهد ــ إيران، مجمع البحوث الإسلامية، ط3، 1430هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407ه.
- المرتضى، علي بن الحسين، الذريعة في أصول الشريعة، طهران، د.ن، 1348هـ.
- المشكيني، علي، اصطلاحات الاُصول، قم، نشر الهادي، 1409هـ.
- المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط7، 1434هـ.
- خلّاف، عبد الوهاب، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، الكويت، دار القلم، ط5، 1421هـ/ 1982م.
- علي پور، محمد، تاريخ علم الأصول، ترجمة: الشيخ علي ظاهر، بيروت، دار الولاء، ط1، 1431هـ/ 2010م.
- مطهري، مرتضى، الأصول، بيروت، دار الولاء، ط1، 1430هـ/ 2009م.