الاستحسان (فقه)
الاستحسان، من مصادر التشريع عند الحنفية والمالكية وقد عرّفه الأصوليين بتعريفات مختلفة منها: هو ما يستحسنه المجتهد بعقله، أو الأخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة. توجد تقسيمات مختلفة للاستحسان وهي: العمل بالرأي والظن، والعدول عن مقتضى قياس جلي إلى قياس خفي، والاستحسان والأخذ بالعرف، والاستحسان وبعض الحالات النفسية. أمّا الإمامية وفقهاء أهل البيت فقد أجمعوا على رفضه وعدم حجّيته فيما إذا كان مبتنياً على الوجوه الظنّيّة التي تنقدح في النفس، ويستحسنها عقل الإنسان من دون أمارة ودليل شرعي.
تعريفه
- لغةً: الاستحسان هو عد الشيء حسناً سواء كان الشيء من الأُمور الحسّية أو المعنويّة.[١]
- اصطلاحاً: عرّفه الأصوليين بتعريفات مختلفة فقيل:
- الاستحسان: هو ما يستحسنه المجتهد بعقله.[٢]
- هو دليل ينقدح في نفس المجتهد لا تساعد العبارة عليه ولا يقدر على إبرازه وإظهاره.[٣]
- هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه أو تخصيص قياس بدليل هو أقوى منه.[٤]
- هو الاخذ بالسماحة وانتقاء ما فيه الراحة.[٥] وغيرها من التعاريف.
أقسامه
- العمل بالرأي والظن: قد يطلق الاستحسان و يراد منه العمل بالرأي فيما جعله الشارع موكولًا إلى آرائنا،[٦] ويظهر هذا من السرخسيّ في أُصول فقهه، كما في مورد تمتيع المطلقة غير المدخول بها قال تعالى: ﴿لاجُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾[٧] فقد ترك الشارع تعيين كيفية التمتيع وتقدير المعروف بحسب اليسر والعسر إلى آرائنا.[٨]
الاستحسان بهذا المعنى، عمل بالظن في موضوع من الموضوعات، كالعمل به في سائر الموارد الذي جعل الظن فيه حجّة، فلو قام دليل على حجّية مثل هذا الظن يُتمسك به.[٩]
- العدول عن مقتضى قياس جلي إلى قياس خفي: يطلق الاستحسان ويراد منه، هو العدول عن مقتضى القياس الجلي إلى قياس خفي،[١٠] ومثال القياس الجلي: هو إلحاق سؤر الطيور المعلمة بسؤر الحيوان المفترس في النجاسة ــ على القول بنجاسة سؤره ــ لاشتراكهما في الافتراس، ولكن مقتضى القياس الخفي إلحاقه بسؤر الإنسان في الطهارة.[١١]
- الاستحسان والأخذ بالعرف: كالاستحسان في عقد الاستصناع (وهو عقد على معدوم وصح استحسانا لاخذ العرف به)، ولايكون حجة ودليلا إلا إذا وصل الحكم الذي يقوم عليه إلى زمن المعصومين وأقر من قبلهم، وعندها يكون إقرار المعصوم هو الدليل لا الاستحسان العرفي وإقرار المعصوم من السنة.[١٢]
- الاستحسان والمصلحة: ويدخل ضمن هذا النوع ما يرجع منه إلى إدراك العقل لمصلحة توجب جعل حكم من الشارع له على وفقها، وهذا ما يرجع إلى المصالح المرسلة.[١٣]
- الاستحسان وبعض الحالات النفسية: وهو دليل ينقدح في نفس المجتهد لا يقدر على التعبير عنه، ومثل هذا النوع من الاستحسان لا يمكن عده من مصادر التشريع لكونه عرضة لتحكم الاهواء فيه بسبب من عدم ذكر الضوابط له، حتى في أنفس المستحسنين.[١٤]
حُجيته
اختلف فيه الاصوليّون من أهل السنة فقبله بعضهم وردّه بعض آخر، قال الشافعي (من استحسن فقد شّرع)،[١٥] وأمّا الإمامية وفقهاء أهل البيت فقد أجمعوا على رفضه وعدم حجّيته فيما إذا كان مبتنياً على الوجوه الظنّيّة التي تنقدح في النفس ويستحسنها عقل الإنسان من دون أمارة ودليل شرعي.[١٦]
فإنّهم لا يجوّزون الاعتماد عليه في مقام استنباط الأحكام الشرعية، كما لا يجوّزون الاعتماد على القياس والرأي؛ إذ لا يفيد شيء منها إلّا الظنّ والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ولذا يحرم الإفتاء بمثل القياس والاستحسان.[١٧]
ويدلّ على ذلك ما ورد عن المعصومين من أنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول، كرواية أبي حمزة الثمالي، قال: قال علي بن الحسين: «إنّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول الناقصة، والآراء الباطلة، والمقاييس الفاسدة، ولايصاب إلّا بالتسليم، فمن سلّم لنا سلم، ومن اهتدى بنا هدي، ومن دان بالقياس والرأي هلك...».[١٨] وغيرها من الروايات.[١٩]
إذا كان الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين فهو حسن ولا مانع من الأخذ به، إلّا أنّ ذلك فيما إذا رجع إلى الأخذ بالكتاب العزيز أو السنة الشريفة أو الإجماع التعبّدي أو العقل القطعي.[٢٠]
الهوامش
- ↑ الطريحي، مجمع البحرين، ج 1، ص 408.
- ↑ الغزالي، المستصفى، ج 1، ص 274.
- ↑ الغزالي، المستصفى، ج 1، ص 281.
- ↑ الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 163.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 6.
- ↑ السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه، ص 277.
- ↑ البقرة: 236
- ↑ السرخسي، أصول الفقه، ج 2، ص 200.
- ↑ السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه، ص 278.
- ↑ الزحيلي، الوجيز، ص 86.
- ↑ السبحاني، الوسيط في أصول الفقه، ج 2، ص 81.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 17.
- ↑ السبحاني، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه، ص 284.
- ↑ الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، ص 245.
- ↑ السرخسي، اُصول السرخسي، ج 2، ص 202 ــ 204؛ الشاطبي، الموافقات، ج 4، ص 151.
- ↑ القمي، قوانين الأصول، ج 2، ص 92؛ الطوسي، الخلاف، ج 3، ص 460، م 2.
- ↑ الغروي، التنقيح في شرح العروة، ج 1، ص 94.
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 17، ص 262.
- ↑ العاملي، وسائل الشيعة، ج 29، ص 352.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة، ج 2، ص 24.
المصادر والمراجع
- الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في اُصول الأحكام، بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، 1406هـ.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم ـ إيران، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، د.ت.
- الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، طهران ـ إيران، ط1، 1431هـ.
- السبحاني، جعفر، الوسيط في أصول الفقه، بيروت ـ لبنان، دار جواد الأئمة ، ط1، 1432هـ.
- السبحاني، جعفر، مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه، قم ـ إيران، مؤسسة الإمام الصادق ، ط1، 1427هـ.
- السرخسي، أبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل، اُصول السرخسي، بيروت ــ لبنان، دار المعرفة، د.ت.
- الشاطبي، إبراهيم بن موسى اللخمي، الموافقات في اُصول الشريعة، بيروت ــ لبنان، دار المعرفة، د.ت.
- الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، اللمع في أصول الفقه، دمشق ـ سورية، دار الكلم الطيب، ط2، 1418هـ.
- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم ـ إيران، مؤسسة البعثة، ط1، 1414هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، الخلاف، قم ـ إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411هـ.
- الغروي، علي، التنقيح في شرح العروة الوثقى (الطهارة)، تقرير بحث السيد أبي القاسم الخوئي، قم ـ إيران، مؤسسة أنصاريان، 1417هـ.
- الغزالي، محمد بن محمد، المستصفى، قم ـ إيران، منشورات الشريف الرضي، 1364ش.
- القمي، الميرزا أبو القاسم، قوانين الأصول، شيراز ـ إيران، علمية الإسلامية، د.ت.
- النوري، حسين، مستدرك الوسائل، قم ـ إيران، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، 1407هـ.