الآية 216 من سورة البقرة
![]() | |
رقم الآية | 216 |
---|---|
في سورة | البقرة |
في جزء | 2 |
مكان النزول | المدينة المنورة |
الموضوع | الوجوب الكفائي للجهاد - العلم الإلهي المطلق - محدودية العلم البشري - ضرورة إرسال الرسل |
الآية 216 من سورة البقرة تتحدث عن وجوب الجهاد على المسلمين. ويقول المفسرون أنّ المقصود بوجوب الجهاد في هذه الآية هو الوجوب الكفائي. وفقًا للمفسرين، أشارت هذه الآية إلى أنّ الإنسان بسبب محدودية علمه قد لا يرغب في بعض الأمور التي هي في الحقيقة خيرٌ ومصلحة له، وفي المقابل قد يرغب في أمور أخرى هي في الواقع شرٌ له.
ويرى المفسرون بالاستناد إلى مضامين هذه الآية أنّ الجهاد رغم ما يحمله من مشاقٍ وعدم ارتياح للمسلمين، إلا أنّ ثماره تعوّض عن صعوبات الحرب الطبيعية. كما يُستفاد من هذه الآية أنّ العلم البشري محدودٌ ولا يكفي لتحديد برنامج حياة الإنسان، ولذلك يجب على الإنسان الاعتماد على العلم الإلهي غير المحدود.
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
البقرة/216
الوجوب الكفائي للجهاد على المسلمين
تتحدث الآية 216 من سورة البقرة عن الجهاد ووجوبه الكفائي على المسلمين.[١] وفي رواية وردت في كتاب دعائم الإسلام عن الإمام علي (ع) أنّ الجهاد واجب كفائي على المسلمين.[٢] ويقول مكارم الشيرازي من مفسري الشيعة أنّ هذه الآية تتمّة للآية 215 من سورة البقرة التي تتحدث عن إنفاق المال، حيث تؤكد على بذل النفس في سبيل الله.[٣] وذُكر في تفسير أنوار درخشان أنّ هذه الآية توبّخ فئة من المسلمين كانوا يعترضون على حكم الجهاد بسبب مشقّته، غافلين عن أنّ الله قد أمر بذلك مراعاةً لمصالح المجتمع الإسلامي، وإزالة العقبات أمام انتشار دين الإسلام.[٤] وبحسب المفسرين أنّ الآية 216 من سورة البقرة تشير إلى أنّ الإنسان بسبب محدودية إدراكه للحقائق الحياتية، كالجهاد في سبيل الله، يحلّلها بشكل خاطئ. ومن هنا يعتبر الأمور الشريرة خيرًا له، كما يعتبر الأمور الخير شرًّا له.[٥] وقد أورد الطبرسي في تفسيره أنّ المفسرين أجمعوا -باستثناء عطاء بن أبي رباح الذي رأى أنّ وجوب الجهاد في هذه الآية خاص بـ الصحابة- أنّ الخطاب في الآية موجّه لجميع المسلمين.[٦]
لماذا كانت الحرب غير مرغوبة لدى المسلمين؟
يعتقد المفسرون مثل العلامة الطباطبائي وجوادي الآملي والسيد محمد حسين فضل الله أنّ المسلمين كانوا يرون الحرب أمرًا غير مرغوب بسبب طبيعتها العنيفة، وكان قبولهم للجهاد فقط لرضا الله.[٧] وفي المقابل، يرى محمد جواد مغنية أنّ مراجعة سلوك صحابة النبي تظهر أنّ الجهاد لم يكن صعبًا أو غير مرغوب لديهم، بل كانوا يتلهّفون له، لدرجة أنّهم إذا لم يُستشهدوا في الحرب اعتبروا أنفسهم خاسرين. ويعتقد أنّ سبب عدم رغبة المسلمين في الحرب لم يكن طبيعتها العنيفة، بل شعورهم بنقص العدد والتجهيزات مقارنةً بالكفار، مما جعلهم يتوقّعون الهزيمة.[٨]
علم الإنسان وعمله مبنيّان على الرغبات النفسية
وعن فقرتي منتصف الآية 216 من سورة البقرة التي تقول: ﴿وَعَسَى أنّ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أنّ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾، قال بعض المفسرين إنّ البشر عادةً يبنون علمهم وعملهم على رغباتهم النفسية، بينما تُظهر هذه الآية أنّ هذه الطريقة خاطئة. وإنّ الإنسان قد يحبّ أشياءً هي في الحقيقة شرٌ له، مثل الكسل، والرغبة في الراحة والأطعمة المحرمة، والذنوب. وفي المقابل، قد يكره أشياءً هي في الواقع خيرٌ له، مثل الدواء المرّ الذي يصفه الطبيب لعلاج المريض.[٩] إنّ معيار الخير والشرّ ليس رغبة الإنسان أو عدمها، ولا ينبغي لمشاعره أنّ تمنعه من تنفيذ أو ترك الأحكام الشرعية.[١٠]
الثقة بعلم الله بالمصالح والمفاسد
يستدل السيد محمد حسين فضل الله بالآية 216 من سورة البقرة قائلاً إنّ على المؤمن أن يثق بالقوانين الإلهية لأنّ الله يعلم الأمور الخفية وبواطن كل شيء، ويشرّع بناءً على هذا العلم. ويعتقد أنّ ثقة المؤمن بالتشريع الإلهي تجلب له الخير وتبعد عنه الشرّ.[١١] ويرى مكارم الشيرازي أنّ هذه الآية تشتمل على مبدأ عام، وهو أنّه لا ينبغي للبشر أنّ يربطوا مصيرهم بعلمهم المحدود، بل يجب أنّ يتصلوا -خاصة في التشريعات- بالعلم الإلهي غير المحدود.[١٢] كما يرى عدد من المفسرين أنّ الالتفات إلى محدودية العلم البشري يعزّز روح التواضع والخضوع للقوانين الإلهية لدى الإنسان.[١٣] ويوضّح الشيخ الطوسي في تفسير الجزء الأخير من الآية: ﴿والله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ أنّه دليل على بطلان رأي الجبرية، لأنّ الله أمر المسلمين بالجهاد بعلمه بالمصالح والمنافع.[١٤] ووفقًا لهذه الآية، یرى البعض أنّ المشرّع يجب أنّ يكون على علم بالمصالح والمفاسد الحقيقية للأمور حتى لا ينخدع بالمظاهر الجميلة أو القبيحة للسلوكيات الاجتماعية.[١٥]
الهوامش
- ↑ الطوسي، التبيان، دار إحياء التراث العربي، ج2، ص202؛ الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج2، ص549؛ الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج2، ص164؛ فضل الله، من وحي القرآن، 1439هـ، ج2، ص220؛ جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387، ج10، ص536.
- ↑ ابن حيون، دعائم الإسلام، 1342ش، ج1، ص341.
- ↑ مكارم الشيرازي، التفسير الأمثل، 1379ش، ج2، ص101.
- ↑ الحسيني الهمداني، أنوار درخشان، 1404هـ، ج2، ص191.
- ↑ هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، 1386ش، ج2، ص65؛ رضائي الأصفهاني، تفسير قرآن مهر، 1387ش، ج2، ص176-177؛ مكارم الشيرازي، التفسير الأمثل، 1379ش، ج2، ص102.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج2، ص549.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390هـ، ج2، ص164؛ فضل الله، من وحي القرآن، 1439هـ، ج2، ص220-221؛ جوادي الآملي، تفسير تسنيم، 1387، ج10، ص541-547؛ رضائي الأصفهاني، تفسير قرآن مهر، ج2، ص176-177.
- ↑ مغنية، الكاشف، 1424هـ، ج1، ص322-323.
- ↑ رضائي الأصفهاني، تفسير قرآن مهر، 1387ش، ج2، ص177.
- ↑ هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، 1386ش، ج2، ص66.
- ↑ فضل الله، من وحي القرآن، 1439هـ، ج2، ص221.
- ↑ مكارم الشيرازي، التفسير الأمثل، 1379ش، ج2، ص102.
- ↑ هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، 1386ش، ج2، ص66؛ مكارم الشيرازي، التفسير الأمثل، 1379ش، ج2، ص102؛ رضائي الأصفهاني، تفسير قرآن مهر، 1387ش، ج2، ص177.
- ↑ الطوسي، التبيان، ج2، ص203.
- ↑ هاشمي رفسنجاني، تفسير راهنما، 1386ش، ج2، ص66.
المصادر والمراجع
- ابن حيون، نعمان بن محمد، دعائم الإسلام، القاهرة، دار المعارف، 1342 ش/1383 هـ.
- جوادي الآملي، عبد الله، تفسير تسنيم، قم، مؤسسة الإسراء، 1387 ش.
- الحسيني الهمداني، محمد، أنوار درخشان في تفسير القرآن، طهران، دار لطفي للنشر، 1380 هـ.
- رضائي الأصفهاني، محمد علي، تفسير قرآن مهر، قم، أبحاث التفسير وعلوم القرآن، ط1، 1387 ش.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، ناصر خسرو، 1372 ش.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- فضل الله، محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، بيروت، دار الملوك للطباعة والنشر والتوزيع، ط3، 1439 هـ.
- المدرسي، محمد تقي، من هدى القرآن، طهران، دار محبي الحسين عليه السلام، ط1، 1419 هـ.
- مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، قم، دار الكتاب الإسلامي، ط1، 1424 هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ط1، 1379 ش.
- هاشمي رفسنجاني، أكبر، تفسير راهنما، قم، بستان الكتاب، ط4، 1386 ش.