مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع رأس الجالوت
من المناظرات التي كانت في مجلس المأمون مناظرته الإمام الرضا (ع) مع رأس الجالوت اليهودي، وفي هذا المناظرة فنّد الإمام (ع) رأيه.
سند الرواية
قال الشيخ الصدوق: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقه القمي، قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي يقول:[١]
قصّة المناظرة
لما قدم علي بن موسى الرضا (ع) على المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات... ليسمع كلامه وكلامهم. فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم عليَّ. ففعل، فرحب بهم المأمون ثم قال لهم: انى إنما جمعتكم لخير وأحببت ان تناظروا ابن عمى هذا المدني القادم على فإذا كان بكره فاغدوا ولا يتخلف منكم أحد فقالوا: السمع والطاعة... فلما أصبحنا أتى الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ان ابن عمك ينتظرك، وقد اجتمع القوم، فما رأيك في اتيانه؟ فقال له الرضا: تقدمني فانى صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله. فلما دخل على المأمون وإذا المجلس غاصٌّ باهله... فقام المأمون مستقبلاً، فلم يزل مقبلا عليه يحدّثه ساعة....
نصُّ المناظرة
فالتفت الرضا إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟
فقال: بل أسألك ولست أقبل منك حجه إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم و موسى .
قال الرضا : لا تقبل منى حجه إلا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران ، و الإنجيل على لسان عيسى بن مريم ، و الزبور على لسان داود.
نبوّة النبي محمد (ص)
فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوه محمد؟
قال الرضا : شهد بنبوته: موسى بن عمران و عيسى بن مريم و داود خليفه الله في الأرض.
فقال له: ثبت قول موسى بن عمران فقال له الرضا : هل تعلم ـ يا يهودي ـ أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: "إنه سيأتيكم نبي من إخوانكم فبه فصدقوا ومنه فاسمعوا"، فهل تعلم أن لبني إسرائيل إخوه غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابه إسرائيل من إسماعيل والسبب الذي بينهما من قبل إبراهيم.
فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.
فقال له الرضا : هل جاءكم من إخوه بني إسرائيل نبي غير محمد.
قال: لا قال الرضا : أوليس قد صح هذا عندكم؟
قال: نعم، ولكني أحب أن تصححه إليَّ من التوراة.
فقال له الرضا : هل تنكر أن التوراة تقول لكم: "جاء النور من قبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟
قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.
قال الرضا : أنا أخبرك به.
أما قوله: "جاء النور من قبل طور سيناء "، فذلك وحى الله الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء.
وأما قوله: "وأضاء لنا من جبل ساعير "، فهو الجبل الذي أوحى الله إلى عيسى بن مريم وهو عليه.
وأما قوله: "واستعلن علينا جبل فاران "، فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم.
وقال شعياء النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: "رأيت راكبين أضاء لهم الأرض أحدهما على حمار والآخر على جمل"، فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟
قال رأس الجالوت: لا أعرفهما ! فخبّرني بهما.
قال: أما راكب الحمار فعيسى ، وأما راكب الجمل فمحمد، أتنكر هذا من التوراة؟
قال: لا، ما أنكره.
ثم قال الرضا : هل تعرف حيقوق النبي؟
قال: نعم، إنى به لعارف.
قال : فإنه قال: "وكتابكم ينطق به جاء الله تعالى بالبيان من جبل فاران وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس يعنى بالكتاب الفرقان، أتعرف هذا وتؤمن به؟
قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله.
قال الرضا: فقد قال داود في زبوره، وأنت تقرأه: "اللهم ابعث مُقيم السّنة بعد الفترة""، فهل تعرف نبياً أقام السّنة بعد الفترة غير فمحمد؟
قال رأس الجالوت: هذا قول داود، نعرفه ولا نُنكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة.
قال له الرضا: جهلت أن عيسى لم يُخالف السّنة، وكان موافقاً لسنه التوراة حتى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: "إن ابن البَرّة ذاهب، والبارقليطاً (الفارقليطا) جائيٌ من بعده، وهو الذي يحفظ الآصار، ويفسّر لكم كل شيء، ويشهد لي كما شهدتُ له، أنا جئتكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل "، أتؤمن بهذا في الإنجيل؟
قال: نعم.
نبوّة موسى (ع)
فقال له الرضا: يا رأس الجالوت، أسألك عن نبيك موسى بن عمران.
فقال: سل.
قال: ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته؟
قال اليهودي: إنه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله.
قال له: مثل ماذا؟
قال: مثل "فلق البحر"، و قلبه "العصا حيه" تسعى، و "ضربه الحجر" فانفجرت منه العيون، وإخراجه "يده بيضاء للناظرين"، وعلاماته لا يقدر الخلق على مثلها.
قال له الرضا: صدقت في أنه كانت حجّته على نبوّته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله، أ فليس كل من ادّعى أنه نبي ثم جاء بما لا يقدر الخلق مثله وجب عليكم تصديقه؟!
قال: لا؛ لأن موسى لم يكن له نظير ؛ لمكانه من ربه وقربه منه، ولا يجب علينا الإقرار نبوّة من ادّعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل جاء به.
فقال الرضا: فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى ولم يفلقوا البحر، ولم يفجّروا من الحجر اثني عشرة عيناً، ولم يُخرجوا أيديهم مثل أخراج موسى يده بيضاء، ولم يقلبوا العصا حيه تسعى!!
قال: اليهودي: قد خبّرتك أنه متى ما جاؤوا على نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاؤوا بما يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى، وجب تصديقهم.
نبوة عيسى (ع)
قال له الرضا: يا رأس الجالوت، فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وقد كان يُحيى الموتى، ويُبرء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئه الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله تعالى؟
قال رأس الجالوت: يقال: إنه فعل ذلك ولم نشهده.
قال الرضا: أرأيت ما جاء به موسى من الآيات، شاهدته؟ أ ليس إنما جاءت الأخبار من ثُقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك؟
قال: بلى.
قال: فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل بعيسى بن مريم ، فكيف صدقتم بموسى ولم تصدقوا بعيسى؟.
فلم يَحِرْ جواباً.
قال الرضا: وكذلك أمر محمد وما جاء به، وأمر كل نبي بعثه الله. ومن آياته أنه كان يتيماً فقيراً، راعياً، أجيراً لم يتعلم كتاباً، ولم يختلف إلى مُعلم، ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً، وأخبار من مضى ومن بقي إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيره لا تُحصى.
قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى ولا خبر محمد، ولا يجوز لنا أن نُقر لهما بما لا يصح.
قال الرضا: فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمد شاهد زور !!
فلم يحر جواباً.[٢]
الهوامش
المصادر والمراجع
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، بيروت، منشورات موسسة الأعلمي للمطبوعات، 1404 هـ/ 1984 م.
- الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق: السيد محمد باقر الخرسان، النجف الأشرف، مطابع النعمان، 1386 هـ/ 1966 م.