إمارة بني مزيد

إمارة بني مزيد

التأسيس
سنة التأسيس	عام 403هـ
الإنهيار	عام 545هـ على يد السلاجقة
الشخصيات
المؤسس	علي بن مزيد بدعم من البويهيين
أشهر الحكام	صدقة بن منصور
جغرافيا
العاصمة	الحلة
الدين والمذهب
شيعة

إمارة بني مزيد أو الدولة المزيدية هي إحدى الحكومات الشيعية التي حكمت في العراق ما بين القرن الرابع والقرن السادس الهجريين، والتي استطاعت أن تصبح من أكثر القوى نفوذاً في المنطقة. كان بنو مزيد من قبيلة بني أسد الذين هاجروا إلى أجزاء من العراق وإيران أيام الفتوحات الإسلامية، وبعد فترة اكتسبوا الكثير من النفوذ في المنطقة، واشتهروا هناك من خلال قمعهم للقبائل الغازية. حتى تمكّن علي بن مزيد، أحد ولاة البويهيين، من تأسيس حكومة المزيديين بمساندة معز الدولة البويهي. وتولى الحكم من بعده سبعة آخرون من بني مزيد، وأخيراً سقطت حكومتهم في سنة 545هـ.

كانت الإمارة المزيدية متزامنة مع الحكومات العباسية والبويهية والسلجوقية، وكان الخلفاء العباسيون يرون في المزيديين تهديداً لحكومتهم، وكانوا يتهمونهم أحياناً بفساد دينهم ويحرضون الناس ضدهم. ومن أجل منع نفوذ العباسيين، اعتمدت الدولة السلجوقية سياسة الحفاظ على قوة الأمراء العرب مثل بني مزيد.

يُعدّ صدقة بن منصور أشهر حكام المزيديين، حيث تمكن من توسيع حكم بني مزيد من خلال استغلال الخلافات الداخلية للسلاجقة، وهو مؤسس مدينة الحلة التي أصبحت بعد فترة من أهم مدن العراق والعاصمة العلمية في الوسط الشيعي. كان لحكام بني مزيد دور فعال في ازدهار الثقافة والحضارة الإسلامية ذات التوجه الشيعي من خلال إحلال الأمن والسلم وتوفير الإمكانات والاحتياجات العلمية، وأصبحت أرضهم أحد المراكز العلمية والأدبية في العالم الإسلامي، وبالإضافة إلى كونها مسقط رأس العديد من الشخصيات الشيعية المعروفة؛ باتت أيضاً مقصد هجرة لعلماء المناطق الأخرى، الأمر الذي ظهرت معظم ثمراته في القرون اللاحقة.

نبذة تعريفية

المزيديون
أمراء بني مزيد
الأمراء سناء الدولة علي بن مزيد نور الدولة دبيس الأول بهاء الدولة منصور بن دبيس سیف الدولة صدقة بن منصور نور الدولة دبيس بن صدقة سيف الدولة صدقة بن دبيس محمد بن دبيس علی بن دبيس	فترة الحكم 350-408 408-474 474-479 479-501 501-529 529-532 532-540 540-545

الإمارة المزيدية أو (أصحاب الحلة) هي حكومة شيعية حكمت أجزاء من العراق بين عامي 403هـ و545هـ. وكانت مدة حكمهم التي عرفت بحكومة ملوك العرب 142 عاماً، وتزامنت مع حكم البويهيين والسلاجقة والخلافة العباسية في العراق وإيران، وكذلك الفاطميين في مصر. تمكّنوا من بسط سيطرتهم في منطقة الفرات الأوسط خلال فترة ضعف العباسيين وسيطرة البويهيين وبدعم منهم.

أصبح المزيديون بفضل شجاعتهم وإرادتهم القتالية إحدى القوى المؤثرة في المنطقة. واعتبرهم البعض قادةً وسياسيين ماهرين، استطاعوا باستغلالهم أحداث العصر السلجوقي أن يصبحوا قوة مهمة في المنطقة.

وكان الحكام المزيديون موضع رضا العامّة، وانعكست صفاتهم الحميدة وسيرتهم الحسنة في المصادر التاريخية. وغالباً ما توصف المناطق الخاضعة لحكمهم بأنها مستقرّة وآمنة، ومأوًى للاجئين، كما وُصف المزيديون بأنهم كانوا حماة للمستضعفين.

الأصول والنشأة

يقال أنهم من أعراب وبدو الشمال، ويصل نسبهم إلى مُضر، وهم فرع من قبيلة بني أسد، والتي كانت تسكن في مكة وأطرافها. وبعد إسلامهم سنة 9هـ ومشاركتهم في الفتوحات، هاجروا إلى مناطق مختلفة من سورية والعراق في مجموعات متفرقة. وواصلوا حياتهم البسيطة في بوادي جنوب العراق حتى منتصف القرن الثالث الهجري. وفي القرن الرابع الهجري استقرت جماعة من بني مزيد في منطقة خوزستان قرب الحويزة وفي المناطق الواقعة بين واسط والبصرة والأهواز، ومن ثم في مكان بين الكوفة وهيت.

أمراء بني مزيد

مؤسس الحكومة المزيدية هو علي بن مزيد (وفاة 408هـ) الملقب بسند الدولة. وكان لبني مزيد تأثير كبير في المنطقة منذ عام 350هـ، فكانوا يُعتبرون من أصحاب السطوة هناك، واشتهروا بقمع القبائل الغازية وإحلال الأمن في المنطقة. تمكن علي بن مزيد بعد مدة من الزمن من تشكيل حكومة بني مزيد سنة 403هـ بدعم من معز الدولة البويهي. وينتقل بالمزيديين من مرحلة الضعف إلى مرحلة الإمارة.

وبعد علي بن مزيد تولى الحكم من هذه الأسرة سبعة أفراد، واستمروا في الحكم حتى سنة 545هـ، وهم:

• دبيس بن علي (408-474هـ)، المعروف بنور الدولة؛
• منصور بن دبيس (474-478هـ أو 479هـ)، الملقب ببهاء الدولة؛
• صدقة بن منصور (479-501هـ)، المشهور بسيف الدولة، وهو مؤسس الإمارة، وباني مدينة الحلة؛
• دبيس بن صدقة (512-529هـ)، المعروف بنور الدولة؛
• صدقة بن دبيس الثاني (529-532هـ)؛
• محمد بن دبيس (532-540هـ)؛
• علي بن دبيس (540-545هـ).

وبعد وفاة علي بن دبيس انهارت حكومة المزيديين، وطُرد أهل الحلة من مدينتهم، وأصبحت هذه المدينة تابعة للحكومة العباسية.

العصر الذهبي للدولة المزيدية

يعتبر عهد صدقة بن منصور الذي كان يُلقّب بملك العرب عصر ذروة بني مزيد. حيث قام صدقة بتوسيع نطاق حكمه ليشمل مدن تكريت والبصرة والكوفة وواسط وهيت، مستغلاً الخلافات والصراعات بين الحكام السلاجقة، وبعد إنشائه لمدينة الحلة نقل عاصمته إليها. واتّسع نطاق حكمه حتى أنّ البعض قال إنّ المناطق ما بين الفرات والبحرين كانت تحت إمرته؛ كما أنّ ابن خلدون ذكر أنّ المناطق الواقعة من بغداد إلى البصرة ومنطقة نجد والنعمانية كانت جزءاً من أراضي بني مزيد.

ومع توسع حكم وسلطة صدقة بن منصور، شعر المحيطون بالسلطان السلجوقي بالتهديد، وبدأوا حملة للتشهير به، وأخيراً؛ بعد إيواء صدقة للحاكم الشيعي لمنطقة ساوه وآبه المتهم بالباطنية والمطلوب من قبل الدولة السلجوقية؛ نشبت الحرب بينهم وبين السلاجقة، وقُتل صدقة مع ثلاثة آلاف من جنوده سنة 501هـ.

تأسيس مدينة الحلة

أنشأ صدقة بن منصور مدينة الحلة عام 495هـ بمشورة من ذويه في منطقة الجامعَين بين بغداد والكوفة، كونها منطقة ذات مناخ معتدل ولموقعها الاستراتيجي البعيد عن منال الغزاة، وجعلها عاصمة لحكومة بني مزيد. مدينة الحلة والتي تُعرف أيضاً بحلة بني مزيد أو حلة السيفية؛ أصبحت بعد فترة قاعدة ومركزاً للعلم في الوسط الشيعي في القرن الخامس الهجري وما بعده، كما أنها صارت أجمل وأعظم مدن العراق وأهمها كذلك.

وأصبحت هذه المدينة بجهود أمراء بني مزيد كسيف الدولة أحد المراكز العلمية والأدبية في العراق ومنشأً لحركة فكرية وأدبية إسلامية عربية عظيمة.

العلاقات السياسية مع دول الجوار

يقال بأنّ حكومة المزيديين كانت تعتبر دائماً منافساً وتهديداً للخلفاء العباسيين بسبب الخلافات المذهبية معهم. وكان الخلفاء العباسيون يشعرون بالخطر من قوة بني مزيد، وكانوا يتهمونهم أحياناً بفساد دينهم ويحرّضون الناس عليهم. وكان المزيديون بدورهم يتقرّبون من الفاطميين بين الفينة والأخرى بهدف إثارة العباسيين وتهديدهم. ولم يُعتبروا قطّ تهديداً للبويهيين، بل كانوا يحظون بالاحترام المتبادل فيما بينهم.

فقدَ بنو مزيد أكبر داعميهم مع ظهور الدولة السلجوقية وسقوط حكم آل بويه، غير أنّ السلاجقة اعتمدوا سياسة الحفاظ على قوة الأمراء العرب من أجل منع توسع نفوذ الخلفاء العباسيين. ورغم اتّساع حكم بني مزيد والنظرة المتشائمة والعدائية بين الجانبين، إلا أنهم لم يشكلوا تهديداً حقيقياً للسلاجقة.

تبنّي المذهب الشيعي

اعتُبر المزيديون من الطائفة الشيعية منذ القِدم، بل قيل أن هناك إجماعاً على أنّ هذه العائلة شيعية. وأعرب بنو مزيد عن تشيّعهم علناً متأثّرين بالبويهيين، وأعلنوا المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لحكومتهم. وجعلوا الشعائر الدينية عُرفاً ودعوا الناس لممارستها. كما أن أمراء وحكام هذه الأسرة، مثل دبيس الأول، أنشدوا أشعاراً في مدح أهل البيت أيام فترة حكمهم.

وقيل أنّ المصادر التاريخية لم تذكر شيئاً عن كيفية تحوّل زعمائهم الأوائل إلى التشيع؛ غير أنّ هناك أخباراً تحدثت عن وجودهم في جيش الإمام علي (ع)؛ كما أنّ دفن أجساد شهداء كربلاء بعد حادثة عاشوراء يُعدّ أحد الأدلة على الوجود اللافت لهذه القبيلة في تاريخ الشيعة.

دعمهم للشيعة

تعتبر الحكومة المزيدية من الحكومات التي عُرفت منذ القَدم بدعمها للتشيّع، وبعد وصولها إلى السلطة كانت دائماً تدعم الشيعة أمام السنّة، كما جرى إثر حادثة هجوم بعض المتشددين من أهل السنة على الكاظمية، حيث قاموا بإزالة اسم الخليفة العباسي من الخُطب. وحتى عندما تعرض الشيعة وعلماؤهم للاضطهاد والأذى من قبل السلاجقة، جعل المزيديون أراضيهم ملاذاً آمناً لهم. وكان دعمهم للشيعة كبيراً لدرجة أن صدقة بن منصور فقد حياته دفاعاً عنهم.

دعمهم لعلماء الشيعة

انتقل علماء وفقهاء الشيعة من بغداد إلى النجف والحلة بسبب تشدّد السلاجقة، وحظوا هناك بحماية ودعم المزيديين، ومن خلال نقلهم للتراث العلمي والروحي للماضين؛ فقد وفروا الأرضية لإيجاد الإبداعات العلمية وتطوير الاجتهاد وازدهاره. وقدّم سيف الدولة التسهيلات العلمية من أجل تطوير العلم والمعرفة، وأنشأ مكتبة تضم آلاف الكتب.

وبعد مرور مدة من الزمن، أضحت مدينة الحلة بجهود أمراء بني مزيد مركزاً رائداً في تدريس الفقه الجعفري وغيره من العلوم الدينية، وتحوّلت لسنوات طويلة مركزاً لعلوم أهل البيت من خلال تربية الأدباء والفقهاء وعلماء الشيعة البارزين من أمثال ابن إدريس الحلي، وابن بطريق، ومحمد بن جعفر بن نما الحلي، وجعفر بن محمد بن نما الحلي، والسيد ابن طاووس، ويحيى بن سعيد الحلي من آل سعيد، والمحقق الحلي، والعلامة الحلي. وبحسب بعض الباحثين؛ أثمر ذلك عن حركة علمية وثقافية مهمة هناك، ظهرت آثارها في القرون اللاحقة.

ويعتبر إحلال الأمن والسلم في المناطق الخاضعة لسلطان بني مزيد إحدى السياسات الإستراتيجية لبعض أمرائهم، حيث أدّى ذلك إلى هجرة العلماء والموالين لأهل البيت إلى مدينة الحلة. في حين أنّ الأراضي المجاورة كانت تعاني من فقدان الأمن والاستقرار بسبب اشتداد الخلافات الداخلية بين السلاطين السلاجقة وضعف الخلافة العباسية، ما أسفر عن ركود في الأنشطة العلمية في مراكز مثل بغداد.

النهضة الثقافية والحضارية الإسلامية

على الرغم من أن الحكومة المزيدية كانت لها مساحة تاريخية وجغرافية أصغر من حكوماتها المعاصرة نسبيّاً؛ إلا أنها بحسب بعض الباحثين لعبت دوراً فعالاً في ازدهار الثقافة والحضارة الإسلامية ذات التوجه الشيعي. وقيل أنّ أمراء بني مزيد عملوا على تقدّم وازدهار العلوم من خلال التقدير الصحيح لمكانة العلم والعلماء، بالإضافة إلى كونهم شعراء وأدباء بارزين. وهذا ما دفع المؤرخين إلى مدح أمراء هذه الأسرة لاهتمامهم بالعلم واحترامهم للعلماء والشعراء، بل إنّ الشعراء قد أنشدوا الشعر في مدحهم.

وقد أتاح ظهور حكومة شيعية المذهب، ومهتمة بالعلم والأدب؛ فرصة مناسبة لشعراء الشيعة لنشر أفكار وعقائد شيعية بعيداً عن القيود والتعصّبات الدينية والمذهبية. ويقال إنّ دعمهم المادي والمعنوي للشعر والأدب جعل الشعراء يرغبون بشدة بالتواجد في مدينة الحلة. وكان الشعراء البارزون على اتصال بهؤلاء الأمراء دائماً، والذين كانوا بدورهم يهيئون الأساس لوجود الأدباء والشعراء في بلاطهم.

وكانت سياسة المزيديين من النوع الذي جعل الشعراء من مدارس فكرية أخرى مثل حيصَ بيصَ الشافعي، وابن التلميذ النصراني، وابن أبي الصقر الشافعي، والسنبسي يتواجدون في بلاطهم. وحتى وُصف بعضهم كالسنبسي بشاعر البلاط المزيدي.