ندامة أبي بكر

من ويكي شيعة
(بالتحويل من تأسف أبي بكر)

ندامة أبي بكر هي إعراب أبي بكر بن أبي قحافة عن أسفه وندمه على ما أمر بـالهجوم على دار الزهراء عليها السلام، وعلى توليه الخلافة بعد وفاة النبي صلی الله عليه وآله وسلم وذلك بحضور عبد الرحمن بن عوف. وقد ورد هذا الخبر في بعض مصادر أهل السنة مثل تاريخ الطبري، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، والمعجم الكبير للطبراني مع اختلاف في الألفاظ. وقد اعتبر بعض علماء الشيعة ومتكلميهم كـالعلامة الحلي أنّ شك أبي بكر وندمه هذا مؤشر على عدم أهليته للخلافة، وعلامة على أن غيره يستحق هذا الأمر أكثر منه.

ويقول العلامة الأميني (1320-1390هـ) إنّ ندم أبي بكر، وخاصة على الاعتداء على بيت الزهراء ومسألة الخلافة، علامة على ضعف تدبيره وفعله شيئاً مخالفاً للشرع والقانون، وهو ما عبّر عنه عند دنو أجله.

ويشكك بعض علماء أهل السنة في أحد رواة خبر ندامة أبي بكر، ويدعى علوان بن داوود، ويرون أنّ "علوان لم يرو إلا هذه الرواية وهو معروف بها". وقال البعض أنّ رجاليي أهل السنة، يذكرون أمثال هذه الجملة " لم يرو إلا هذه الرواية" تحت أسماء الرواة الذين رووا حديثاً في التقليل من شأن الصحابة.

إعراب أبي بكر عن ندمه

وفقاً لما جاء في تاريخ الطبري (تأليف: 303هـ)، فقد أعرب أبو بكر في لحظات عمره الأخيرة وبحضور عبد الرحمن بن عوف عن أسفه وندمه على قيامه بتسعة أشياء، وقال: "ليتني لم أفعل ذلك"؛ ومن بينها الحالات الثلاث التالية:[١]

وقد ذُكر خبر ندامة أبي بكر في بعض المصادر السنية الأخرى مع اختلافات في المتن، مثل كتاب "الأموال" لأبي عبيد القاسم بن سلام (وفاة: 224هـ[٣] و"تاريخ مدينة دمشق" لابن عساكر (449-571هـ[٤] و"المعجم الكبير" للطبراني (وفاة: 360هـ[٥] و"تاريخ الإسلام" لشمس الدين الذهبي (وفاة: 748هـ).[٦] ففي رواية أبي عبيد - أحد علماء الحديث السنّي في القرنين الثاني والثالث الهجريين – ليس هناك ذكر للجزء المتعلق بكشف دار الإمام علي عليه السلام، وتمّ تجاوز هذا الجزء بعبارات مثل "كذا وكذا".[٧]

كما أن موضوع ندمه قد ورد في بعض المصادر الرجالية والتاريخية والتفسيرية لأهل السنة،[٨] وقد نقله علماء من الشيعة كالفضل بن شاذان (وفاة: 260هـ) في الإيضاح،[٩] والشيخ الصدوق (305-381هـ) في الخصال عن أهل السنة.[١٠] وقد تناول الباحث الديني الشيعي محمد الله أكبري في مقال بعنوان "حدیثِ پشیمانی" (حديث الندامة) الأبعاد المختلفة لمسألة ندامة أبي بكر في آخر حياته.[١١]

واستشهد العلامة الحلي (648-726هـ) وبعض علماء ومتكلمي الشيعة في مؤلفاتهم الكلامية في مناسبات مختلفة بأجزاء من كلام أبي بكر، وذكروا أنّ شك أبي بكر دليل على عدم أهليته للخلافة، وعلى أنّ الآخرين مؤهلون أكثر منه في هذا المجال.[١٢] وبحسب العلامة الأميني (1320-1390هـ) في موسوعة الغدير، فإن ندم أبي بكر عند دنو أجله، وخاصة في مسألتي الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام والخلافة، علامة على ضعف تدبير الخليفة، وفعله لشيء بخلاف الشريعة والقانون.[١٣] ومن وجهة نظر آخرين فأن أبا بكر شكك في خلافته، وأقرّ بأنه لا يستحق الخلافة بعد النبي.[١٤]

التشكيك في علوان بن داوود

أخرج محمد بن جرير بن يزيد الطبري (وفاة: 310هـ) هذا الحديث مسنداً؛[١٥] ولكن البعض شكك في أحد رواته، وهو علوان بن داوود. حيث يرى محمد بن عمرو العقيلي (وفاة: 322هـ)، وهو أحد علماء الحديث من أهل السنة، أن علوان منكر الحديث[ملاحظة ٢] وروايته ضعيفة. ويعتقد أن علوان لم يرو إلا هذا الحديث، بل يُعرف به.[١٦] كما ردّد بعض علماء أهل السنة نفس عبارة العقيلي في كتبهم.[١٧] لكن ابن حبان (وفاة: 354هـ) أدخل علوان بين الرواة الموثّقين في كتابه "الثقات".[١٨] كما ذكر ابن القيم الجوزية (وفاة: 751هـ) في كتابه "عدّة الصابرين" حديث أبي بكر دون النقل عن علوان.[١٩]

وبحسب محمد الله أكبري (باحث ديني شيعي) فقد نقل العقيلي أحاديث عن علوان في عدة مواضع أخرى،[٢٠] وفي كل مرة كان يكرر جملة "علوان لم يرو إلا هذا الحديث".[٢١] وقد قيل إن بعض علماء السنة يستخدمون عبارة "لم يرو إلا هذه الرواية..." في ذيل أسماء الرواة الذين يروون حديثاً في التقليل من شأن الصحابة.[٢٢]

الهوامش

  1. الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص430.
  2. الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص430.
  3. أبو عبيد، الأموال، ص174.
  4. ابن‌ عساكر، تاریخ مدینة دمشق، ج30، ص422.
  5. الطبراني، المعجم الكبير، ج1، ص62.
  6. الذهبي، تاريخ الإسلام، ج3، ص118.
  7. أبو عبيد، الأموال، ص174.
  8. الله‌ أكبري، «حديث پشيماني»، ص184-192.
  9. ابن‌ شاذان، الإيضاح، ص82-83.
  10. الشيخ الصدوق، الخصال‌، ج1، ص172.
  11. الله‌ أكبري، «حديث پشيماني»، ص184-192.
  12. العلامة الحلي، كشف المراد، ج1، ص376-377؛ العلامة الحلي، نهج الحقّ، ص265؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج28، ص381-383؛ العاملي، وصول الأخيار، ص68؛ الشوشتري، إحقاق الحق، ص68.
  13. الأميني، الغدير، ج7، ص174.
  14. السيد المرتضى، الشافي في الإمامة، ج4، ص475؛ ابن‌ أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج17، ص166.
  15. الطبري، تاريخ الطبري، ج3، ص429-431.
  16. العقيلي، الضعفاء الكبير، ج3، ص419.
  17. الذهبي، ميزان الاعتدال، ج3، ص108؛ ابن‌ حجر العسقلاني، لسان الميزان، ج4، ص188.
  18. ابن‌ حبان، الثقات، ج8، ص526.
  19. ابن‌ قیم الجوزية، عدة الصابرين، ص211-212.
  20. العقيلي، الضعفاء الكبير، ج3، ص421-422.
  21. الله‌ أكبري، «حديث پشيماني»، ص190.
  22. الله‌ أكبري، «حديث پشيماني»، ص190.

الملاحظات

  1. فجاءة سلمى من قبيلة بني سليم جاء إلى أبي بكر في الأيام الأولى من تمرد القبائل وادعاء النبوة من قبل بعض الناس، وطلب منه المدد والسلاح لمحاربة أهل الردة، فأعطاه أبو بكر عدداً من الرجال المقاتلين مع معداتهم العسكرية. فخرج من المدينة المنورة، وبدلاً من قتال المتمردين، بدأ بقطع الطرق والقتل والنهب. فاضطر أبو بكر إلى إرسال جيش لقمعه. فأخذوه وجاءوا به إلى المدينة، وأمر أبو بكر بأن يحرق حياً بالنار، ففعلوا. (ابن‌ الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص350-351.)
  2. الأحاديث التي لها سند واحد وراويها لم يوثّق ويخالف رواية العلماء المشهورين تسمى أحاديث منكرة.. (الشهيد الثاني، الرعاية في علم الدراية، ص115 و 209؛ المامقاني، مقباس الهداية، ج1، ص199-200.)

المصادر والمراجع

  • الله‌ أكبري، محمد، «حديث پشيماني»، مجلة علوم حديث، رقم62، 1390ش.
  • ابن‌ أبي‌ الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تصحيح و تنظيم محمد أبو الفضل إبراهيم، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1404هـ.

ابن‌ الأثير، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1385ش.

  • ابن‌ حجر العسقلاني، أحمد بن علي، لسان الميزان، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1390هـ/ 1971م.
  • ابن‌ شاذان، الفضل، الإيضاح، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1402هـ.
  • ابن‌ القيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، المحقق: إسماعيل بن غازي مرحبا، بيروت ودمشق، دار ابن‌ كثير/ المدينة، مكتبة دار التراث، الطبعة الثالثة، 1409هـ/ 1989م.
  • أبو عبيد، القاسم بن سلام، الأموال، تصحيح وتنظيم: محمد خليل هراس، بيروت، دار الفكر، 1408هـ/ 1988م.
  • الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، المحقق: علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1382هـ/ 1963م.
  • ‌السيد المرتضى، علي بن الحسين، الشافي في الإمامة، مشهد، آستان قدس رضوي، 1398ش.
  • الشوشتري، نور الله بن شريف الدين، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، قم، مكتبة آية‌ الله المرعشي النجفي، الطبعة الأولى، 1409هـ.
  • الشهيد الثاني، زين‌ الدين بن علي، الرعاية في علم الدراية، المحقق: عبد الحسين محمد علي بقال، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1408هـ.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الخصال‌، تحقيق وتصحيح: علي أكبر غفاري، قم‌، جامعة المدرسين‌، الطبعة الأولى، 1362ش.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، (د.ن)، (د.ت).
  • العاملي، حسين بن عبد الصمد، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار، تصحيح و تنظيم: عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري، قم، مجمع الذخائر الاسلامية، 1360ش.
  • العقيلي، أبو جعفر محمد بن عمرو، الضعفاء الكبير، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت، دار المكتبة العلمية، الطبعة الأولى، 1404هـ/ 1984م.
  • العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، المحقق: حسن حسن‌ زادة الآملي، قم، جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم. مؤسسة النشر الإسلامي، 1413هـ.
  • العلامه الحلي، الحسن بن يوسف، نهج الحقّ وكشف الصدق، بيروت، دار الكتاب اللبناني، الطبعة الأولى، 1982م.
  • المامقاني، عبدالله، مقباس الهداية في علم الدراية، المحقق: محمد رضا المامقاني، قم، دار دليل ما للنشر، الطبعة الأولى، 1428هـ/ 1385ش.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، طهران، مؤسسة الوفاء، 1403هـ.