التعايش السلمي

التعايش السلمي أو التعايش المشترك، هو بمعنى أن يعيش الناس من مختلف العقائد والمذاهب مع بعضهم البعض بتفاهم وتوافق، وقد اُعتبر قيمةً وهدفًا في الإسلام، ويُعدّ تقبّل حقوق الأقليات الدينية والتعامل مع غير المسلمين من أصول التعايش السلمي في الإسلام.

تعتبر أحكام أهل الذمة في الفقه الإسلامي هي الأرضية الأساسية للتعايش السلمي بين الأقليات الدينية والمسلمين، وتُعدّ عهود النبي مع القبائل الأخرى والتزامه بها نموذجاً بارزاً من سيرة النبي (ص) في طريقة التعايش المشترك.

ونجد أمثلة لذلك في سيرة أهل البيت مثل احترام المقدسات وتقبّل اعتقادات الآخرين، ومداراة عموم الناس، وعدم الإساءة لأتباع الأديان والمذاهب الأخرى، والمشاركة في الأمور الاجتماعية غير الشيعية، مما يُظهر اهتمام أهل البيت بالتعايش المشترك في المجتمع. ومع ذلك، يُقال إن التعايش في نظر أهل البيت مقيّد بمبادئ دينية.

التعريف والاهميّة

التعايش السلمي يعني أن يعيش أبناء المجتمع الواحد بتعاون وسلام على الرغم من اختلاف معتقداتهم وأديانهم، وحل خلافاتهم بطرق سلمية. هذا النوع من التعايش بين البشر هي طريقة تعترف بالحقوق الاجتماعية للأفراد بغض النظر عن احقيّة مذاهبهم و مدارسهم أو سعادة وشقاء افرادها. حسب قول جعفر السبحاني، التعايش السلمي هو أحد دوافع طرح التعددية الدينية التي ظهرت بعد الحروب الطائفية والدينية العنيفة. ويعتقد البعض أيضًا أن المجتمع المدني يعتمد على التعايش المشترك.

التعايش السلمي في المجتمع من منظور الاسلام

يُعتبر الصلح والتعايش السلمي بين الناس من مختلف العقائد والمذاهب قيمة اساسية وهدفًا في الإسلام، ويُقال بأن المستثنى الوحيد لمبدأ التعايش السلمي هم المحاربون والمعتدون على حقوق الناس. ويُعدّ التسامح في المفهوم الإسلامي من الحجج الواضحة على التعايش المشترك في الدين الاسلامي.

وفقًا لمجموعة من الباحثين، فإنّ مظاهر التعايش السلمي في الإسلام تشمل: المساواة بين الناس، والإعتراف بالأنبياء، ومحاربة الافكار التي تدّعي احقيّة الأديان، والحوار مع المخالفين، والدعوة إلى الشراكة، وحرية المذهب والعقيدة، والإحترام الذاتي للإنسان، والتأكيد على الصلح، والعدل والإحسان مع المخالفين.

تُعتبر قبول حقوق الأقليات الدينية، والتعامل مع غير المسلمين، من مبادئ التعايش السلمي في الإسلام.

تأتي الابحاث المتعلقة بالأقليات الدينية في الفقه الإسلامي تحت عنوان أحكام أهل الذمة، وقيل إن فلسفة تشريعها هي خلق بيئة للتعايش السلمي بين الأقليات الدينية والمسلمين. وتُعدّ قاعدة الإلزام في الفقه من البراهين على التعايش المشترك بين المذاهب والأديان.

سيرة المعصومين في تعاملهم مع غير المسلمين

الامام الكاظم(ع):

إنّ أهل الأرض لمرحومون ما تحابّوا وأدّوا الأمانة وعملوا بالحق.

أحد الأهداف الرئيسية للأنبياء، وخاصة الرسول الأكرم (ص)، هو نشر الصلح والسلام والتعايش السلمي بين الناس. وقد تم الاستناد إلى هذه النقاط في سيرة الرسول الأكرم (ص) لإثبات المكانة الدينية للتعايش السلمي، مثل المداراة والتعامل السلمي مع المخالفين، دعوة الرسول (ص) لمختلف اتباع الديانات التوحيدية للوحدة، رسائل الرسول(ص) إلى رؤساء الحكومات وزعماء القبائل، ومعاهدات الرسول(ص) مع القبائل الأخرى والتزامه بها.

تظهر المعاملة السلميّة مع اهل الكتاب من خلال السنّة النبوية، بما في ذلك حماية أهل الكتاب مقابل الاعتداءات الخارجية والظلم الداخلي، سماح الرجل المسلم بالزواج من نساء أهل الكتاب العفيفات، حق السكن والعمل، قبول شهاداتهم والثقة بها، احترامهم، زيارة مرضاهم، الإحسان للجيران غير المسلمين وإعطاء الصدقة لهم، التعامل العادل مع أهل الذمة واعطاء الحرية الدينية لأهل الكتاب. في سيرة أهل البيت (ع) نجد ايضا بعض المسائل مثل إحترام المقدسات وتقبّل عقائد الآخرين، مداراة عامة الناس، عدم إهانة أتباع الديانات والمذاهب الأخرى، المشاركة في الأمور الاجتماعية والدينية، المعاشرة الحسنة مع المخالفين، غض النظر عن عيوب الآخرين وتمنّي الخير لهم والاهتمام بشؤون كافة المسلمين، التأكيد على الصلح، زيارة المرضى المخالفين، ومنع التعصبات العرقية. فهذه الممارسات في سيرة أهل البيت (ع) تدل على محاولاتهم للتأكيد على الوحدة بين المسلمين والتعايش فيما بينهم.

يُقال إن التعايش من منظور أهل البيت هو مقيد بمبادئ دينية، حيث أنَّه في ظرف التعايش لا تتضرر معتقدات الانسان الصحيحة. فمن أبرز الأمثلة على التعايش المشترك في سيرة الأئمة (ع) هو تعامل الإمام جعفر الصادق (ع) بحلم وصبر في مواجهة الملحدين والمشركين، حيث كانت المواجهة مبنية على الحوار والنقاش.

التعايش السلمي في العلاقات الخارجية وتأكيد الإسلام على ذلك

كتاب فقه التعایش: غیر المسلمین في المجتمع الإسلامي حقوقهم وواجباتهم

يرى عباس علي عميد زنجاني، الفقيه الشيعي، بأن التعايش السلمي بين الشعوب هو من أهم مبادئ الإسلام في العلاقات الخارجية. يُعَدّ السلام والتعايش السلمي في السياسة الخارجية من أكثر البرامج تقدمًا والتي قد تبناها الإسلام، ويراها سببًا للمودة والصداقة مع الأجانب. بالنظر إلى سيرة المعصومين، يتبيّن بأن الأصل في السياسة الخارجية للإسلام هو السلام والتعايش المشترك. وقد قيل من وجهة نظر الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأن الاصل هو العلاقة السلميّة والصلح بين الدول.

الدراسات

في موضوع التعايش السلمي وعلاقته بالإسلام، ألفت عدة كتب، منها:

• أصول التعايش السلمي دراسة استنباطية في عهد الإمام علي(ع) لمالك الأشتر، محمد ناصر العذاري ومحمد حسن الدرنبدي، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 2017م.
• الإسلام والتعايش السلمي مع الأقليات الدينية، من تأليف ثابت مهدي حمادي الجنابي وإكرام نايف محمد العكيدي، عمان (الأردن)، دار غيداء للنشر والتوزيع، 2020م.
• شريعتي، روح الله، فقه التعايش: غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ترجمة: علي آل دهر الجزائري، بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2017م.
• سلام و همزيستي مسالمت‌آميز، عباسعلي عميد زنجاني، تهران، دارالكتب الاسلاميه، 1344ش.