الآية 109 من سورة التوبة
| رقم الآية | 109 |
|---|---|
| في سورة | التوبة |
| في جزء | 11 |
| رقم الصفحة | 204 |
| شأن النزول | بناء مسجد بالقرب من مسجد قباء من قبل المنافقين |
| مكان النزول | المدينة |
| آيات ذات صلة | الآية 107 و 108 من سورة التوبة |
الآية 109 من سورة التوبة تُقارن بين أهداف بُناة المساجد. فإنّ المساجد المبنية على أساس التقوى تشبّه بالبناء المتين والمستدام، بينما المساجد المبنية على أساس النفاق، والتي تُشَبَّه بالبناء الهشّ وغير المستقر المبنيّ على حافة جرف يوشك على الانهيار إلى نار جهنم.
وتشير الآية إلى التمييز بين سلوك المؤمنين والمنافقين وطرق التديّن المختلفة بينهما، فيعتقد المفسرون أنّ سبب نزول الآية مرتبط بالمنافقين وبناء مسجد الضرار. أمر النبي محمد
بعد نزول الآيات، بهدم مسجد ضرار لمنع الفساد والتفرقة. يمكن من خلال هذه الآية، استنباط مفاهيم مثل التمييز بين أعمال المتقين وأعمال المنافقين، وصمود الحق في وجه الباطل، وضرورة تأسيس الأمور على أسس ثابتة.
ويختلف المفسرون بشأن ما إذا كان انهيار مسجد المنافقين في نار جهنم حقيقياً أم مجازياً، واستند البعض في صحّة الأمر إلى روايات تؤكد خروج الدخان من مسجد ضرار في عهد بني أمية وبني عباس.
ملاحظات عامة حول الآية
تتناول الآية 109 من سورة التوبة المقارنة بين مسجد قباء، الذي بُني على أساس التقوى ورضا الله، ومسجد الضرار، الذي بُني بهدف النفاق والفساد.[١] تشبِّه هذه الآية المؤمنين بأشخاص يبنون بُنيانهم على أرض جيدة ببناء متين، بينما المنافقون مثل الذين يبنون بُنيانهم على حافة جرف ضعيف وخطير يمكن أن ينهار في أي لحظة.[٢] يُظهر هذا التشبيه الفرق بين أسلوب حياة المؤمنين والمنافقين،[٣] ويؤكد أن بناء المؤمنين يستحق البقاء، بينما يستحق بناء المنافقين الزوال.[٤] وأشارت الآيتان السابقة (107 و108) أيضًا إلى مسجد الضرار وأهدافه التفرقية، وقد مُنع النبي
والمؤمنين من الصلاة فيه.[٥]
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
سورة التوبة: الآية 109
شأن النزول
اختلف المفسرون حول ما إذا كان سقوط مسجد المنافقين في نار جهنم هو حقيقة أم مجاز. فيؤيّد البعض حقيقة ذلك، ويستدلون بروايات تشير إلى خروج الدخان من مسجد ضرار خلال فترة بني أمية وبني عباس.
ويرى المفسرون سبب نزول هذه الآية مع الآيتين السابقتين (الآيتين 107 و108 من سورة التوبة) بأنّها تتعلّق بمجموعة من المنافقين[٦] الذين قاموا ببناء مسجد آخر بجانب مسجد قباء بهدف خلق الفتنة،[٧] وطلبوا من النبي
أن يصلّي فيه، ولكن بعد نزول الآية وكشف نيّاتهم،[٨] أمر رسول الله
بهدم ذلك المسجد وتم تحويل موقعه إلى مكان لجمع النفايات.[٩] وفقًا لبعض الروايات، بُني مسجد الضرار بأمر من أبي عامر الراهب،[١٠] وهو من المسيحيين المخالفين للنبيّ
.[١١] ويُقال إنّ هناك إجماعًا بين المفسرين حول سبب نزول الآية.[١٢]
انهيار مسجد ضرار في جهنم؛ حقيقة أو مجاز؟
هناك اختلاف بين المفسرين حول انهيار بناء المنافقين في نار جهنم،[١٣] ويعتقد بعضهم أنّ هذا الحدث قد وقع بشكل حقيقي وأنّ ذلك المكان جزء من جهنم، بينما يعده آخرون أنّه مجازي،[١٤] ويعتقدون بأنه تشبيه كأنّه انهار نحوها. هذا الرأي مشابه لتفسير الآية «فَأُمُّهُ هاوِيةٌ».[١٥][١٦] يرى القرطبي، أحد مفسري أهل السنة، أن الرأي القائل بحقيقة نار جهنم هو الأصح،[١٧] ويستدل بروايات مثل روايات جابر بن عبد الله الأنصاري الذي رأى خروج الدخان من مكان مسجد ضرار في زمن النبي
.[١٨] وهناك روايات تشير إلى خروج الدخان من مكان مسجد ضرار في عهد بني أمية[١٩] وحتى في زمن خلافة المنصور العباسي.[٢٠]
دلالات الآية
في تفسير الآية 109 من سورة التوبة، أشار المفسرون إلى عدة نقاط، منها:
- الفرق بين أعمال المؤمن والمنافق: لا يمكن مقارنة أعمال الإنسان التّقي بأعمال الشخص المنافق؛ فإنّ أعمال الأتقياء مبنيّة على أساس قوي ومبدئي، بينما أعمال المنافقين مبنية على أسس ضعيفة وسرعان ما تزول.[٢١] ويعتقد العلامة الطباطبائي أنّ دين المؤمن يقوم على التقوى والسعي لنيل رضا الله بالاعتماد على اليقين، بينما دين المنافق مبنيّ على الشكّ وعدم الاستقرار.[٢٢]
- بقاء الحق وزوال الباطل: تجسّد هذه الآية استقرار الإسلام، وقوته، وسعادة أتباعه، وأنّها أيضا تشير إلى ضعف وسرعة زوال الباطل واقتراب نهايته ويأس أتباعه. فآمال أهل الباطل تنهار بسرعة، وزوالها حتمي.[٢٣] ويعتقد آية الله الخامنئي، قائد الجمهورية الإسلامية في إيران، مستنداً إلى هذه الآية، أنّه إذا أُنشئ بناءٌ على أساس التقوى، فإنّه سيدوم، وإذا لم يُبنى على أساس التقوى، فالبناء سيكون باطلا وسيتلاشى؛ لأنّ مسار العالم يوافق مع مسار الحق، وكل ما يوافق مع الحق سيبقى، بينما مسار الباطل، الذي يعارض المسار الطبيعي للعالم، لن يبقى وسيتلاشى بفعل حركة العالم.[٢٤]
- ضرورة بناء الأمور على أسس متينة: من الضروري بناء الأمور على أسس تبعد الإنسان عن نار جهنم وتوصله إلى رضا الله ونعمه. وفي المقابل، الاعتماد على أسس هشّة وغير مستقرة تؤدي إلى سقوط الإنسان وهلاكه، وينتهي بمصير هؤلاء الأفراد إلى دخول نار جهنم.[٢٥]
- المسجد رمز للأمن والاستقرار: إنّ المسجد الذي يُبنى على أساس التقوى يكون له أسس متينة وراسخة لا يمكن لشيء أن يزعزعها. وأهل هذا المسجد يعيشون في أمان وطمأنينة ويتنعمون من بركاته.[٢٦]
الهوامش
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، 1371ه، ج۶، ص۲۲۴ - ۲۲۵.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، 1372ه، ج5، ص111، فخر الرازي، التفسير الكبير، 1420ه، ج16، ص149، الطبري، جامع البيان، 1412ه، ج11، ص25، مكارم الشيرازي، تفسير تفسير الأمثل، 1371ه، ج۶، ص۲۲۴ - ۲۲۵.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390ه، ج9، ص391.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير تفسير الأمثل، 1371ه، ج۶، ص۲۲۴ - ۲۲۵.
- ↑ فخر الرازي، التفسير الكبير، 1420ه، ج16، ص147، الطباطبائي، الميزان، 1390ه، ج9، ص389.
- ↑ البغوي، معالم التنزيل، 1420ه، ج2، ص387، الميبدي، كشف الأسرار، 1371ه، ج4، ص211.
- ↑ الآلوسي، روح المعاني، 1415ه، ج6، ص19.
- ↑ القمي، تفسير القمي، 1363ش، ج1، ص305، الطبري، جامع البيان، 1412ه، ج11، ص18، الزمخشري، الكشاف، 1407ه، ج2، ص310.
- ↑ الشيخ الطوسي، التبيان، بيروت، ج5، ص298، القمي المشهدي، كنز الدقائق، 1368ش، ج5، ص540-541. ابوالفتوح الرازي، روض الجنان، 1408ه، ج10، ص36.
- ↑ القمي، تفسير القمي، 1363ش، ج1، ص305، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1364ش، ج8، ص257.
- ↑ المكارم الشيرازي، تفسير نمونه، 1371ش، ج8، ص135.
- ↑ الحسيني الهمداني، انوار درخشان، 1404ه، ج8، ص117.
- ↑ الزحيلي، التفسير المنير، 1418ه، ج11، ص46 - 47.
- ↑ الزحيلي، التفسير المنير، 1418ه، ج11، ص46 - 47.
- ↑ سورة القارعة، آيه 9.
- ↑ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1364ش، ج8، ص265 نقل من آخرين.
- ↑ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1364ش، ج8، ص265.
- ↑ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1364ش، ج8، ص265.
- ↑ الطبري، جامع البيان، 1412ه، ج11، ص25.
- ↑ مغنية، تفسير الكاشف، 1424ه، ج4، ص104.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج5، ص111.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، 1390ش، ج9، ص391.
- ↑ المراغي، تفسير المراغي، بيروت، ج11، ص28.
- ↑ الخامنئي، تفسير سوره برائت، 1398 ه، ص686.
- ↑ البيضاوي، أنوار التنزيل، 1418 ه، ج3، ص98.
- ↑ مغنية، تفسير الكاشف، 1424ه، ج4، ص103.
المصادر
- الآلوسي، السيد محمود، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415هـ.
- ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحرير والتنوير، بيروت، مؤسسة التاريخ، د.ت.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419هـ.
- أبو الفتوح الرازي، حسين بن علي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، مشهد، العتبية الرضوية المقدسة، 1408هـ.
- البغوي، حسين بن مسعود، معالم التنزيل في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420هـ.
- البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1418هـ.
- الخامنئي، السيد علي، تفسير سورة براءة، طهران، انتشارات الثورة الإسلامية، 1398ش.
- الحسيني الهمداني، محمد، أنوار درخشان در تفسير قرآن، طهران، انتشارات لطفي، 1404هـ.
- الزحيلي، وهبة بن مصطفى، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، بيروت، دار الفكر المعاصر، 1418هـ.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، بيروت، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، 1407هـ.
- الشيخ الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانية، 1390هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش.
- الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المعرفة، 1412هـ.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثالثة، 1420هـ.
- القرشي، السيد علي أكبر، تفسير أحسن الحديث، طهران، مؤسسة البعثة، 1377ش.
- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، طهران، ناصر خسرو، 1364ش.
- القمي المشهدي، محمد بن محمد رضا، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، تحقيق حسين درغاهي، طهران، منظمة الطباعة والنشر لوزارة الإرشاد الإسلامي، 1368ش.
- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، قم، دار الكتاب، الطبعة الثالثة، 1363ش.
- المراغي، أحمد بن مصطفى، تفسير المراغي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- مغنية، محمد جواد، التفسير الكاشف، قم، دار الكتاب الإسلامي، 1424هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، 1379هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير نمونه، طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة العاشرة، 1371ش.
- الميبدي، أحمد بن محمد، كشف الأسرار وعدة الأبرار، طهران، أمير كبير، الطبعة الخامسة، 1371ش.