الآية 108 من سورة الأنعام

من ويكي شيعة
الآية 108 من سورة الأنعام
رقم الآية108
في سورةالأنعام
في جزءالسابع
رقم الصفحة141
شأن النزولإهانة المسلمين لأصنام المشركين
مكان النزولمكة
الموضوعتحريم إهانة المقدسات


الآية 108 من سورة الأنعام، تحذّر المسلمين من سبّ أصنام المشركين؛ لأنّ ذلك يدفعهم إلى سبّ الله. وبناء على هذه الآية إنّ الله يزيّن أعمال الإنسان، ويكشف عن حقيقة أعماله يوم القيامة. واعتقد الطبرسي المفسر الشيعي واستنادا إلى هذه الآية أنّ دعوة الكفار إلى الإسلام يجب أن تكون مصحوبة بالمنطق والاستدلال، واعتبر أبو الفتوح الرازي هذه الآية دليلاً على وجوب التقية. وذهب صاحب تفسير الأمثل إلى ضرورة الالتزام بالأدب، حتى في مواجهة المذاهب الباطلة.

القسم الثاني من الآية يشير إلى أنّ الله يزيّن للبشر أعمالهم، واستنتج منها بعض المفسرين أنّ تحريم إهانة المقدسات لا يختص بمقدسات الموحدين فقط،‌ بل يشمل مقدسات سائر الأديان أيضا. ومن جانب آخر يعتقد بعض المفسرين أن عملية التزيين يمكن نسبتها إلى الله وإلى الشيطان معاً، حيث أن الشيطان يحثّ على التصرفات السيئة، ومع ذلك يصحّ نسبتها إلى الله؛ لأنه مسبّب الأسباب.

موجز عن الآية

قال الله تعالى في الآية 108 من سورة الأنعام: ﴿وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيرِ عِلْمٍ كذلِك زَينَّا لِكلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلي رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَينَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يعْمَلُونَ

بحسب ما ورد في تفسير الأمثل إنّ هذه الآية تأتي ضمن سياق الآيات السابقة التي تؤكد على قيام الدعوة الإسلامية على أساس الاستدلال والإقناع، لا الإكراه، فتُواصل هذه الآية نفس التوجيهات، وتنهى عن سبّ الأصنام التي يعبدها المشركون، لأنّ هذا سوف يدعوهم إلى توجيه السبّ إلى اللّه، فإنّ كل ملة تتعصب لمعتقداتها. لكن نهاية الآية تؤكد على أن مرجع الجميع إلى الله، فينبّئهم بما كانوا يعملون.[١]

وذهب السيد محمد حسين فضل الله في تفسيره من وحي القرآن إلى أنّ الآية تفيد قاعدة قرآنية إسلامية لإبعاد الجو العلمي للدعاة عن أساليب السباب والشتائم.[٢] كما يستنتج من الآية ضرورة الاحتراز من أي نوع من أنواع السباب، الذي يؤدي إلى ردود فعل سلبية في جميع مواقف الصراع الفكري والديني والسياسي وغيرها.[٣]

شأن النزول

ذكرت عدة روايات في شأن نزول هذه الآية.[٤] فروي عن ابن عباس أنّ المشركين ذهبوا إلى النبيصلی الله عليه وآله وسلم وقالوا يا محمد! لتنتهينّ عن سبّك آلهتنا أو لنهجونّ ربّك. فنهى الله أن يسبّوا أوثانهم.[٥] وبحسب رواية أخرى عندما نزلت الآية 98 من سورة الأنبياء ﴿إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ اعترض المشركون على النبي، فنزلت الآية تمنع عن سبّ الأصنام.[٦]

أما السيد الطباطبائي مؤلف تفسير الميزان يرفض بعض هذه الروايات، بسبب تعارض صدر الرواية مع ذيلها، وأيضا تنزيه النبيصلی الله عليه وآله وسلم عن مثل هذه التصرفات، ويستنتج أن مخاطب النهي في الآية هو عموم المسلمين وليس النبي.[٧]

سبّ المقدسات حرام

يرى السيد الطباطبائي المفسر الشيعي أنّ الآية 108 من سورة الأنعام توصي بالاجتناب من إهانة المقدسات وسبّها، لأن إهانة المؤمنين للأوثان يسبب ردّ فعل المشركين وإهانتهم إلى الله، فيكون السبب الحقيقي لهذه الإهانة هو عمل المؤمنين.[٨] ويعتقد الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان أنّ في الآية دلالة على أنه لا ينبغي لأحد أن يفعل أو يقول ما يوقع غيره في معصية.[٩] وقد ذهب أبو الفتوح الرازي إلى أن هذه الآية تدلّ على وجوب التقية، بسبب وجوب دفع الخطر، وهو مقتضى العقل والشرع.[١٠] وبحسب مكارم الشيرازي إنّ القرآن أكد على التزام قواعد الأدب، حتى في التعامل مع المذاهب الباطلة.[١١]

تزيين الأعمال للإنسان

الفقرة الثانية من الآية تؤكد على أن الله يزيّن للإنسان أعماله. وبحسب صاحب تفسير الميزان إنّ هذه الفقرة هي في الواقع علّة للفقرة الأولى من الآية.[١٢] ويرى الشيخ جوادي الآملي وبالاستفادة من الفقرة الثانية أنّ مقدسات كل أمة هي محترمة ومحبوبة عندهم،[١٣] وبناء عليه تحرم إهانة مقدسات الآخرين، وهذا الحكم لا يختص بالمسلمين، بل يشمل مقدسات المشركين وأتباع سائر المذاهب والأديان.[١٤] ويرى السيد الطباطبائي أن مفهوم هذه الفقرة يفيد النهي العام عن كل قول سيئ يجعل الآخرين يذكرون المقدسات الدينية بسوء.[١٥]

نسبة تزيين الذنوب إلى الله

بحسب هذه الآية إنّ الله تعالى نسب تزيين الأعمال إلى نفسه ﴿زَينَّا، وقد ورد في تفسير الأمثل أنّ أمثال هذه التعابير القرآنية تشير إلى صفة العمل وأثره، أي إنّ الإنسان عندما يستمر في ارتكاب عمل سيئ، فإنّ قبح عمله يتلاشى في نظره شيئا فشيئا، ويتخذ شكلا جذابا، وبما أنّ علّة العلل وسبب الأسباب هو اللّه، وأنّ جميع التأثيرات ترجع إليه، فإنّ هذه الآثار تنسب أحيانا إلى اللّه في التعبير القرآني.[١٦] ومن هنا يظهر أن نسبة الأعمال إلى الله لا تتنافى مع نسبتها إلى الشيطان، حيث أنّ الشيطان يوسوس للأنسان لكي يرتكب الأعمال القبيحة، وبعبارة أخرى إنّ السببية من اللّه، ولكنّ هؤلاء هم الذين يوفّرون الأسباب.[١٧] وأكد صاحب تفسير الميزان على أنّ عملية التزيين قد تنسب إلى الله، كما تنسب إلى النفس أو الشيطان، حيث أن نسبتها إلى الله قد تكون بلا واسطة وقد تكون مع الواسطة.[١٨]

الهوامش

  1. مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج4، ص422 - 423.
  2. فضل الله، من وحي القرآن، ج9، ص266.
  3. فضل‌الله، من وحي القرآن، ج9، ص268.
  4. الواحدي، أسباب النزول، ص224.
  5. الواحدي، أسباب النزول، ص224.
  6. الطبرسي، مجمع البيان، ج4، ص537.
  7. الطباطبائي، الميزان، ج7، ص323.
  8. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج7، ص315.
  9. الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج4، ص537؛ الطبرسي، تفسير جوامع الجامع، ج1، ص403.
  10. أبو الفتوح الرازي، روض الجنان وروح الجنان، ج7، ص410.
  11. مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج4، ص422.
  12. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج7، ص314
  13. جوادي الآملي، تفسير تسنيم، ج26، ص529.
  14. جوادي الآملي، تفسير تسنيم، ج26، ص533.
  15. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج7، ص314-315.
  16. مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج4، ص423.
  17. مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج4، ص423 - 424.
  18. الطباطبائي، تفسير الميزان، ج7، ص317.

المصادر والمراجع

  • أبو الفتوح الرازي، الحسين بن علي، روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، مشهد، العتبة الرضوية، 1408هـ.
  • جوادي الآملي، عبد الله، تفسير تسنيم، قم، إسراء، 1394ش.
  • الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دمشق _ بيروت، دار القلم _ دار الشامية، 1412هـ.
  • الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير جوامع الجامع، قم، حوزة قم العلمية، 1412هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، ناصر خسرو، 1372ش.
  • فضل الله،‌ السيد محمد حسين، من وحي القرآن، لبنان، دار الملاك، 1419هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، 1379ش.
  • الواحدي، علي بن أحمد، أسباب النزول، بيروت، دار الكتب العلمية، 1411هـ.