مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع أبي قرة

من ويكي شيعة

مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع أبي قرّة، من مناظرات الإمام الثّامن من الأئمّة المعصومين، أجراها مع أبي قرة، وتصدّى الإمام (ع) لإبطال الشُبَه الّتي أثارها أبو قرّة حول العقيدة الإسلامية، وهذا جلي فيما بين أيدينا من مناظرة الإمام الرضا(ع) معه في باب الكلام الإلهي وكونه من أهل الحديث، فقد ناظر الإمام(ع) أبا قرّة في مسائل متعدّدة في التوحيد وعدم مقايسة صفات الذات بصفات المخلوقين، وبساطة الذّات الإلهيّة. وهناك مناظرتان إحداهما مختصرة والأخرى مطوّلة.

الرواية الأولى

هناك رواياتان وردت لمناظرة الإمام الرضاعليه السلام مع أبي قرة: رواية الشيخ الصدوق، ورواية الطبرسي، أما رواية الصدوق فهي:

سند الرواية

روى الشيخ الصدوق: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم المكتب وعلي بن عبد الله الوراق قالوا: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن صفوان بن يحيى صاحب السابري.[١]

أبو قرّة يطلب الدخول

قال صفوان بن يحيى: سألني أبو قرّة صاحب الجاثليق أن أوصله إلى الرضا (ع)، فاستأذنته في ذلك فقال (ع): «أدخله عليّ». فلمّا دخل عليه قبل بساطه وقال: هكذا علينا في ديننا أن نفعل بأشراف أهل زماننا.

نص المناظرة

  • ثمّ قال: أصلحك الله ما تقول في فرقة ادّعت دعوى فشهدت لهم فرقة أخرى معدلون؟
  • قال: «الدعوى لهم».
  • قال: فادّعت فرقة أخرى دعوى فلم يجدوا شهوداً من غيرهم؟
  • قال: «لا شي‏ء لهم».
  • قال: فإنّا نحن ادّعينا أنّ عيسى روح الله وكلمته ألقاها فوافقنا على ذلك المسلمون وادّعى المسلمون أنّ محمّداً نبي فلم نتابعهم عليه وما أجمعنا عليه خير ممّا افترقنا فيه؟
  • فقال له الرضا (ع): «ما اسمك ؟»
  • قال: يوحنّا.
  • قال: «يا يوحنّا إنّا آمنّا بعيسى بن مريم (ع) روح الله وكلمته الذي كان يؤمن بمحمّدصلی الله عليه وآله وسلم ويبشّر به ويقرّ على نفسه أنّه عبد مربوب فإن كان عيسى الذي هو عندك روح الله وكلمته ليس هو الذي آمن بمحمّدصلی الله عليه وآله وسلم وبشّر به ولا هو الذي أقرّ لله (عزّ وجلّ) بالعبوديّة والربوبيّة فنحن منه براء. فأين اجتمعنا».

فقام وقال لصفوان بن يحيى: «قم فما كان أغنانا عن هذا المجلس».

الرواية الثانية

قال الشيخ أحمد بن علي الطبرسي: وعن لصفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرّة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله على أبي الحسن الرضا (ع)، فاستأذنه، فأذن له، فدخل فسأله عن أشياء من الحلال والحرام، والفرائض والأحكام، حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد.[٢]

نص المناظرة

فقال له: قال أبو قرّة: أخبرني جعلني الله فداك عن كلام الله لموسى؟

فقال (ع): «اللهُ أعلم بأيٍّ كَلَّمَهُ، بالسِّريانيَّة أم بِالعِبرَانِيَّة».
فأخرج أبو قُرَّة لسانه وقال: إنما أسألك عن هذا اللسان؟
فقال (ع): «سبحان الله عما تقول، ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلم بمثل ما هم متكلِّمون، ولكنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء، ولا كمثله قائل ولا فاعل».

كيفية كلام الله تعالى

فقال أبو قُرَّة: كيف ذلك؟
فقال (ع): «كَلام الخالقِ لمخلوقٍ ليس كَكَلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بِشَقِّ فَمٍ ولسان ولكن يقول: (كُنْ ، فكان بمشيئتِه ما خاطب به موسى من الأمر والنهي من غير تردّد في نَفَس».

الكتب السماوية مُحْدَثةٌ

فقال أبو قُرَّة: ما تقول في الكُتُب؟
فقال (ع): «التَّوراةُ، والإنجِيل، والزَّبُور، والفُرقَان، وكل كتابٍ أُنزِل كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهُدىً، وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله حيث يقول (عزَّ وجلَّ): ﴿أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً.[٣] وقال (عزَّ وجلَّ): ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِّنْ ذِكْرٍ مِّنْ رِّبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ استَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ،[٤] والله أحدَثَ الكتب كلها التي أنزَلَها».
فقال أبو قُرَّة: هل تُفنَى؟
فقال (ع): «أجمعَ المسلمون على أنَّ ما سوى الله فانٍ، وما سوى الله فعل الله، والتوراة والإنجيل والزَّبور والفرقان فعل الله، ألم تسمع الناس يقولون: رب القرآن، وأن القرآن يقول يوم القيامة: يا ربِّ هذا فلان – وهي أعرف به منه – قد أظمأتُ نهارَه وأسهرتُ ليله، فَشَفِّعنِي فيه. وكذلك التوراة والإنجيل والزَّبور وهي كلها مُحدَثة، مَربُوبة، أحدثها من ليس كمثله شيء هُدىً لقومٍ يعقلون، فمن زعم أنَّهُنَّ لم يَزلْنَ معه فقد أظهر أن الله ليس بأول قديم، ولا واحد، وإن الكلام لم يزل معه، وليس له بدو، وليس بإِلَه».

بساطة الذات الإلهية

فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الكتب كلّها تجيء يوم القيامة والناس في صعيد واحد، قيام لِربِّ العالمين، ينظرون حتى ترجع فيه، لأنها منه وهي جزء منه، فإليه تصير.
فقال (ع): «هكذا قالت النصارى في المسيح إنه روحه، جُزء منه، ويرجع فيه، وكذلك قالت المجوس في النار والشمس أنهما جزء منه ترجع فيه. تعالى ربُّنا أن يكون متجزياً أو مختلفاً، وإنما يختلف ويأتلَّف المُتجزي لإن كل متجزي متوَّهم ، والكثرة والقلة مخلوقة دالَّة على خالق خلقها».

إمكان رؤية الباري تعالى

فقال أبو قُرَّة: إنا روينا: إن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيَّين، فقسم لموسى الكلام ولمحمد الرؤية؟
فقال (ع): «فمن المُبلغ عن الله الثقلين: الجن والأنس؟ إنه لا تدركه الابصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، أليس محمد؟»
فقال أبو قُرَّة: بلى.
قال أبو الحسن: «كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، ويقول: إنه لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء. ثم يقول: أنا رأيتُه بعيني، واحطتُ به علماً، وهو على صورة البشر. أما تستحيون؟!! ما قَدِرَت الزنادقة أن ترميهِ بهذا، أن يكون أتى عن الله بأمر ثم يأتي بخلافه من وجه آخر».
فقال أبو قُرَّة: إنه يقول: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى[٥]
فقال (ع): «إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيثُ قال: ﴿مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى،[٦] يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عينَاه ، فقال: ﴿لَقَدْ رَأى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى[٧] فآياتُ الله غير الله. وقال: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً،[٨] فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة».
فقال أبو قُرَّة: فنكذِّب بالرواية؟
فقال(ع): «إذا كانت الرواية مُخالفة للقرآن كَذَّبتُها، وما أجمع المسلمون عليه أنه - أي الله تعالى - لا يُحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء».
فقال أبو قُرَّة: ما معنى قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى...[٩]
فقال(ع): «لقد أخبر الله تعالى أنه أسرَى به، ثم أخبر أنَّه لِمَ أُسْرِيَ به، فقال: ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا،[١٠] فآيات الله غير الله، فقد أعذر، وبَيَّن لِمَ فعل به ذلك، وما رآه، وقال: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ.[١١]»

هل لله تعالى مكان؟

فقال أبو قُرَّة: أين الله؟
فقال (ع): «الـ ( أيْنَ ) مَكان، وهذه مسألة شاهدٍ عن غائب ، فالله تعالى ليس بغائب، ولا يُقدِمُه قادم، وهو بِكُل مكان، موجود، مدبِّر، صانع، حافظ، ممسك السماوات والأرض».
فقال أبو قُرَّة: أليس هو فوق السماء دون ما سواها؟
فقال (ع): «هو الله في السماوات وفي الأرض، وهو الذي في السماء إِلَه، وفي الأرض إله، وهو الذي يصوِّرُكم في الأرحام كيف يشاء، وهو معكم أينما كنتُم، وهو الذي استوى إلى السَّماء وهي دُخَان. وهو الذي استوى إلى السماءِ فَسوَّاهُنَّ سبع سماوات، وهو الذي استوى على العرش، قَد كان وَلا خَلْق، وهو كما كان إذ لا خَلْق، لم ينتَقِل مع المُنتَقِلين».

علة رفع اليدين عند الدعاء

فقال أبو قُرَّة: فَما بَالُكم إذا دعوتُم رفعتم أيديكم إلى السماء؟
فقال (ع): «إن الله استعبدَ خلقه بِضُروب من العبادة، ولله مَفازِعَ يفزعون إليه ومستعبد، فاستعبَدَ عبادَه بالقول والعلم، والعمل والتوجّه، ونحو ذلك استعبدهم بتوجيه الصلاة إلى الكَعبة، ووجه إليها الحَجَّ والعمرة. واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب، والتضرّع ببسط الأيدي، ورفعها إلى السَّماء حال الاستكانة، وعلامَة العبودية والتذلل له».

الكل قريب عند الله تعالى

فقال أبو قُرَّة: من أقرب إلى الله الملائكة أو أهل الأرض؟
فقال (ع): «إن كُنتَ تقول بالشِّبر والذراع، فإن الأشياء كلها باب واحد هي فعله، لا يشتغل ببعضها عن بعض، يدبِّر أعلى الخلق من حيث يدبر أسفله، ويدبر أوَّله من حيث يدبِّر آخره من غير عناء، ولا كُلفة ولا مُؤْنة، ولا مشاورة، ولا نصب. وإِن كنتَ تقول: من أقرب إليه في الوسيلة، فأطوَعهم لهُ، وأنتم ترون أن أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد. وروَيتم أن أربعة أملاك التقوا أحدهم من أعلى الخلق، وأحدهم من أسفل الخلق، وأحدهم من شرق الخلق، وأحدهم من غرب الخلق، فسأل بعضهم بعضاً فكلهم قال: مِن عندِ الله، أرسلني بكذا وكذا. ففي هذا دليل على أن ذلك في المنزلة دون التشبيه والتمثيل».

ليس الله تعالى بمحمول

فقال أبو قُرَّة: أتقرّ أنَّ الله مَحْمُول؟
فقال (ع): «كُل محمولٍ مفعول، ومضاف إلى غيره، محتاج، فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، وهو في اللفظ ممدوح. وكذلك قول القائل: فوق، وتحت، وأعلى، وأسفل، وقد قال الله تعالى: ﴿وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[١٢] ولم يقل في شيء من كُتُبه أنه محمول، بل هو الحامل في البَرِّ والبحر، والمُمسك للسماوات والأرض، والمحمول ما سوى الله، ولم نسمع أحداً آمن بالله وعظَّمَه قط قال في دعائه: يا محمول..».
فقال أبو قُرَّة: أفنكذِّب بالرواية: إن الله إذا غضب يعرفُ غضبه الملائكة الذين يحملون العرش، يَجدُونَ ثقله في كواهلهم، فَيَخرّونَ سُجَّداً، فإذا ذهب الغَضَب، خَفَّ فرجعوا إلى مواقفهم؟
فقال (ع): «أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لَعَن إبليس إلى يومك هذا ، وإلى يوم القيامة ، فهو غضبان على إبليس وأوليائه ، أو عَنهم رَاضٍ))؟
فقال أبو قُرَّة: نَعَم ـ هو غضبان عليه ـ.
فقال(ع): «وَيْحَك، كَيف تَجتَرِئ أنْ تَصِفَ رَبَّك بالتغيّر من حال إلى حال، وأنه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟ سُبحانه ، لم يزل مع الزَّائلين ، ولم يتغيَّر مع المُتغيِّرين».

قال صفوان: فتحير أبو قرة ولم يحر[١٣] جواباً حتى قام وخرج.

الهوامش

  1. الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 2، باب 56، ص 245، ح 1.
  2. الطبرسي، احتجاج، ج 2، ص 184 - 189؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 10، ص 343 - 347.
  3. طه: 113.
  4. الأنبياء: 2.
  5. النجم: 13.
  6. النجم: 11.
  7. النجم: 18.
  8. طه: 11.
  9. الإسراء: 1.
  10. الإسراء: 1.
  11. الجاثية: 6.
  12. الأعراف: 180.
  13. لَمْ يَحِرْ جَوَابًا: أَيْ لَمْ يَرُدَّ جَواباً

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق: السيد محمد باقر الخرسان، د.م، د.ن، 1386 هـ/ 1966 م.
  • الصدوق (بن بابويه)، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1404 هـ/ 1984 م.