مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع الصابئة

من ويكي شيعة

مناظرة الإمام الرضا (ع) مع الصابئة، هي من المناظرات التي جرت بين الإمام الرضاعليه السلام والصابئة في مجلس المأمون، وفي هذا المناظرة أظهر الإمامعليه السلام حقائق إيمانية توحيدية، وبيّن الاعتقاد الصحيح في الله تعالى وعلمه بالأشياء وخلقه لها ووحدانيته وكلامه....

سند الرواية

قال الشيخ الصدوق: حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي (رضي الله عنه)، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقه القمي، قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي، قال: حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي، ثم الهاشمي يقول:[١]

قصّة المناظرة

لما قدم علي بن موسى الرضاعليه السلام على المأمون، أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات... ليسمع كلامه وكلامهم. فجمعهم الفضل بن سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال: أدخلهم عليَّ. ففعل، فرحب بهم المأمون، ثم قال لهم: إني إنّما جمعتكم لخير وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم عليّ فإذا كان بكرة فاغدوا ولا يتخلف منكم أحد فقالوا: السمع والطاعة... فلما أصبحنا أتى الفضل بن سهل فقال له: جعلت فداك ان ابن عمك ينتظرك، وقد اجتمع القوم، فما رأيك في اتيانه؟ فقال له الرضاعليه السلام: تقدمني فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله. فلما دخل على المأمون وإذا المجلس غاصٌّ بأهله... فقام المأمون مستقبلاً، فلم يزل مقبلاً عليه يحدّثه ساعة....

مَن يطلب المناظرة؟

فقال الرضا عليه السلام: يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.

فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً من المتكلمين فقال: يا عالم الناس، لولا أنك دعوت إلى مسألتك لم أقدم عليك بالمسائل، فلقد دخلت بالكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ولقيت المتكلمين، فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيته أفتاذن لي أسئلك؟

قال الرضا عليه السلام: إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو؟

قال: أنا هو.

قال عليه السلام: سل يا عمران وعليك بالنصفة وإياك والخطل والجور.

فقال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت لي شيئا أتعلق به فلا أجوزه.

قال عليه السلام: سل عمّا بدا لك فازدحم الناس وانضم بعضهم إلى بعض.

نصُّ المناظرة

أول الخلق

فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأول وعما خلق.

فقال له عليه السلام: سألت فافهم أما الواحد فلم يزل واحدا كائنا لا شيء معه بلا حدود وأعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة لا في شيء أقامه ولا في شيء حده ولا على شيء حذاه ومثله له، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوه وغير صفوه واختلافاً وائتلافاً وألواناً وذوقاً وطعماً، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا أرى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناً، تعقل هذا يا عمران؟

قال: نعم و الله يا سيدي.

قال عليه السلام: واعلم يا عمرانـ أنّه لو كان خلق ما خلق لحاجه لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق؛ لأنّ الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى والحاجة ـ يا عمران ـ لا يسعها لأنه كان لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت به حاجه أخرى؛ ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجه ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض وفضل بعضهم على بعض بلا حاجه منه إلى فضل ولا نقمه منه على من أذل، فلهذا خلق.

قال عمران: يا سيدي، هل كان الكائن معلوما في نفسه عند نفسه؟

قال الرضا عليه السلام: إنّما يكون المَعْلَمة بالشيء لنفي خلافه، وليكون الشيء نفسه بما نُفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يُخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد ما علم منها، أ فهمت يا عمران؟

علم الله بما في الضمائر

قال: نعم ـ والله سيدي ـ فأخبرني بأي شيء علم ما علم أبضمير أم بغير ذلك؟

قال الرضا عليه السلام: أرأيت إذا علم بضمير هل يجد بدا من أن يجعل لذلك الضمير حدا تنتهى إليه المعرفة؟

قال عمران: لا بد من ذلك.

قال الرضا عليه السلام فما ذلك الضمير؟!

فانقطع ولم يَحِرْ جواباً.

قال الرضا عليه السلام: لا بأس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرفه بضمير آخر؟ فإن قلت: نعم أفسدت عليك قولك ودعواك يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهم منه مذاهب وتجزيه كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم فاعقل ذلك وابنِ عليه ما علمت صوابا.

حدود خلق الله تعالى

قال عمران: يا سيدي، ألا تخبرني حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يكون؟

قال عليه السلام: قد سألت فاعلم أنّ حدود خلقه على ستة أنواع: ملموس، وموزون، ومنظور إليه، وما لا ذوق له ـ وهو الروح ـ، ومنها: منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حس ولا لون ولا ذوق، والتقدير، والأعراض، والصور، والطول، والعرض، ومنها: العمل، والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها، فأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق؛ لأنه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة وبقى الأثر، ويجري مجرى الكلام، يذهب ويبقى أثره.

وحدانية الخالق تعالى

قال عمران: يا سيدي الا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه؟ أليس قد تغير بخلقه الخلق؟

قال له الرضا عليه السلام: قديم لم يتغير عز وجل بخلقه الخلق ولكن الخلق يتغير بتغيره.

قال عمران: يا سيدي فبأي شيء عرفناه؟

قال: بغيره قال: فأي شيء غيره؟

قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك وكل ذلك محدث مخلوق مدبر.

قال عمران: يا سيدي فأي شيء هو؟

قال عليه السلام: هو نور بمعنى أنه هادِ خلقه من أهل السماء وأهل الأرض وليس لك على أكثر من توحيدي إياه.

معنى الكلام والنطق لله تعالى

قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟

قال الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: إن السراج ليضيء، فيما يريد أن يفعل بنا؛ لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه، ولا كون، وإنّما هو ليس شيء غيره، فلما استضاء لنا قلنا: قد أضاء لنا حتى استضاءنا به، فبهذا تستبصر أمرك.

التغيّر والحدوث

قال عمران: يا سيدي، فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق.

قال الرضا عليه السلام: أحلت ـ يا عمران ـ في قولك: إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره ـ يا عمران ـ هل تجد النار تغيرها تغير نفسها؟ وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره؟


هل هناك اتحاد بين الخالق والمخلوق؟

قال عمران: لم أر هذا إلا أن تخبرني يا سيدي أهو في الخلق؟ أم الخلق فيه؟

قال الرضا عليه السلام: أجل ـ يا عمران ـ عن ذلك ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه تعالى عن ذلك، وساء علمك، ما تعرفه ولا قوة إلا بالله. أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأي شيء استدللت بها على نفسك ـ يا عمران ـ.

قال: بضوء بيني وبينها.

قال الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر مما تراه في عينك؟

قال: نعم.

قال الرضا عليه السلام: فأرناه.

فلم يحر جوابا.

قال عليه السلام: فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً،﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى [٢].

ثم التفت إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت.

فقال عمران: يا سيدي، لا تقطع علي مسألتي فقد رق قلبي.

قال الرضاعليه السلام: نُصلي ونعود.

فنهض عليه السلام ونهض المأمون، فصلّى الرضاعليه السلام داخلاً... فعاد الرضا عليه السلام إلى مجلسه ودعا بعمران، فقال: سل يا عمران.

حقيقة وجود الله تعالى

قال: يا سيدي، ألا تخبرني عن الله هل يوحّد بحقيقه أو يوحّد بوصف؟

قال الرضاعليه السلام: إن الله المبدئ، الواحد، الكائن، الأول لم يزل واحدا لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً ولا مجهولاً ولا، محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكورا ولا منسياً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكن، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكل فهي صفات محدثة، وترجمة يفهم بها من فهم.

واعلم أنّ الإبداع والمشيئة والإراده معناها واحد وأسماؤها ثلاثة، وكان أول ابداعه وارادته ومشيته الحروف التي جعلها أصلاً لكل شيء، ودليلاً على كل مُدْرَك، وفاصلاً لكل مُشكل، وبتلك الحروف تفريق كل شيء من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الأمور كلها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها تتناهى، ولا وجود لها؛ لأنها مبدعة بالإبداع، والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو ﴿نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ[٣]، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها مدار الكلام والعبادات كلها من الله علمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفا فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على لغات العربية ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا تدل على لغات السريانية والعبرانية ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات. من العجم والأقاليم واللغات كلها وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا فأما الخمسة المختلفة فيتجحخ لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله (عز وجل): ﴿كُنْ فَيَكُونُ[٤] وكن منه صنع وما يكون به المصنوع فالخلق الأول من الله عز وجل الإبداع لا وزن له ولا حركه ولا سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعه موصوفه غير منظور إليها والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله (عز وجل) شيء ولا كان معه شيء والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدل على غير نفسها.

قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟

قال الرضا عليه السلام: لأن الله (تبارك وتعالى) لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل، لم يؤلفها بغير معنى، ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيء.


معرفة معنى الحروف

قال عمران: فكيف لنا بمعرفه ذلك؟

قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك.

وبيانه: إنك: تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فرداً فقلت: (أ ب ت ث ج ح خ...) حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفه لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليله علي معانيها داعيه إلى الموصوف بها أفهمته؟

قال: نعم.

قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود ولا تدل على الإحاطة كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك: وليس يحل بالله وتقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا ولكن يدل على الله (عز وجل) بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حق لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطه بقلب ولو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه أسماؤه لا تدعو إليه والمَعلَمة من الخلق، لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه فلولا أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله لأن صفاته وأسمائه غيره، أ فهمت؟

قال عمران: نعم يا سيدي، زدني.

وجود الله تعالى في الدنيا والآخرة

قال الرضا عليه السلام: إياك وقول الجهال من أهل العمى والضلال الذين يزعمون أنّ الله (جل وتقدّس) موجود في الآخرة للحساب في الثواب والعقاب وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ولو كان في الوجود لله عز وجل نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ولكن القوم تاهوا وعُموا وصُمّوا عن الحق من حيث لا يعلمون وقوله (عز وجل): ﴿وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا [٥]. يعنى أعمى عن الحقائق الموجودة وقد علم ذووا الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما هيهنا ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأن الله (عز وجل) جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.

الإبداع والخلق

قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع أخلق هو أم غير خلق؟

قال الرضا عليه السلام: بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لأنه شيء محدث والله تعالى الذي أحدثه فصار خلقا له وإنما هو الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فما خلق الله عز وجل لم يعد أن يكون خلقه ويكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله (عز وجل).

واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس وكل حاسه تدل على ما جعل الله عز وجل لها في ادراكها والفهم من القلب بجميع ذلك كله.

واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر وليس في كل واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر وجعلهما مدركين بنفسهما ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه واثبات وجوده فالله (تبارك وتعالى) فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يكنه والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله تعالى ومشيئته وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

الله تعالى غني عن كل شيء

قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة.

قال عليه السلام: سل عمّا أردت.

قال: أسألك عن الحكيم في أي شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحول من شيء إلى شيء؟ أو به حاجه إلى شيء؟

قال الرضا عليه السلام: أخبرك ـ يا عمران ـ فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم وليس يفهم المتفاوت عقله العازب حلمه ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون، أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجه منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ولكنه لم يخلق شيئا لحاجة ولم يزل ثابتا لا في شيء ولا على شئ ان الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤده حفظه ولا يعجز عن إمساكه ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك؟ إلا الله ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سرّه والمستحفظين لامره وخزانه القائمين بشريعته وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب إذا شاء شيئا فإنما يقول له﴿كن فيكون بمشيئته وارادته وشئ من خلقه أقرب إليه من شئ ولا شئ أبعد منه من شئ أفهمت يا عمران؟


إسلام عمران الصابي

قال: نعم يا سيدي، قد فهمت وأشهد أنّ الله تعالى على ما وصفت ووحّدت، وأشهد أنّ محمداًصلی الله عليه وآله وسلم عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خرّ ساجداً نحو القبلة وأسلم.

قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي ـ وكان جَدلاً لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط ـ، لم يَدْنُ من الرضاعليه السلام أحد منهم ولم يسألوه عن شيء، وأمسينا، فنهض المأمون والرضاعليه السلام فدخلا، وانصرف الناس.[٦] [٧]

الهوامش

  1. الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 2، باب 12، ص 139، ح 1.
  2. سورة النحل، الآية 60.
  3. سورة البقرة، الآية 255.
  4. سورة البقرة، الآية 2117.
  5. سورة الإسراء، الآية 72
  6. الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 2، باب 12، ص 150 ـ 157، ح 1.
  7. الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 212 ـ 214.

المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1404 هـ/ 1984 م.
  • الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق: السيد محمد باقر الخرسان، النجف الأشرف، مطابع النعمان، 1386 هـ/ 1966 م.