لُقْمان الحكيم، من الشخصيات القرآنية، حيث سمّيت سورة من القرآن باسمه. عاش لقمان الحكيم في عهد النبي داوود (ع)، كما أنه اشتهر بحِكَمه ومواعظه وقصصه الأخلاقية، ومن أشهر وصاياه الاجتناب عن الشرك بالله، والتواضع للناس، والقصد في المشي، والغضّ من الصوت، والصبر على المصيبة.

ذهب بعض المؤرخين، وبسبب وجود أوجه التشابه، إلى تطبيق لقمان على بعض الشخصيات التاريخية، إلا أنه ورد التصريح في الروايات بعدم كونه نبيّاً.

الشخصية

لقمان الحكيم من الشخصيات المعروفة بالعلم والأخلاق،[١] وقد اعترف المؤرخون بوجوده تاريخياً، لكن زعم البعض وبسبب وجود أوجه التشابه، أنه أحد الشخصيات التاريخية أو الأسطورية، كلقمان بن عاد، أو أزوب، أو بلعم باعوراء، أو أحقيار[٢] ولقمان المعمر.[٣] يرى المفكّر الإسلامي مرتضى مطهري أنّ القرآن عندما يريد أن يقدّم شخصية كأسوة للناس لا يعتمد على شخصيته الدنيوية،‌ بل يهمّه الشخصية الأخلاقية والإنسانية، ومن هنا يذكر عبداً أسود اسمه لقمان، والذي لم يكن من الملوك، ولا من الفلاسفة، ولا من الأثرياء، بل كان عبداً ذو بصيرة، فيصفه القرآن بالحكيم.[٤]

اختلفوا في أصوله وقومه، فقال البعض كان من قوم عاد، ونسبه بعض آخر لبني إسرائيل.[٥] فيما ذهب آخرون إلى أنه كان عبداً حبشياً أو نوبياً عاش في عهد النبي داوود (ع).[٦] وقد أعتقه مولاه بسبب علمه وحكمته.[٧]

كان لقمان مشهوراً بين العرب قبل الإسلام، وكان البعض منهم عنده صحيفة فيها حكمة لقمان.[٨] وعندما ظهر الإسلام قام سويد بن صامت بمقابلة النبي   بالاعتماد على كلمات من لقمان، مدعياً «لعلّ الذي معك مثل الذي معي».[٩]

قيل للإمام الصادق(ع): ما كان في وصية لقمان؟

قَالَ: «كَانَ فِيهَا الأعَاجِيبُ، وَكَانَ أعجَبَ مَا كَانَ فِيهَا أنْ قَالَ لِابْنِهِ: خَفِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَهُ بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وَارْجُ اللهَ رَجَاءً لَوْ جِئْتَهُ بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ.
المصدر: الكليني، الكافي، ج2، ص67

وقد ورد في القرآن سورة باسمه، تحتوي على عشر من حكم ومواعظ لقمان لابنه.[١٠] كما وردت حكمه ومواعظه في الكثير من الروايات التي ذكرتها مصادر الشيعة[١١] وقد تطرقت بعض هذه الروايات إلى شخصية لقمان.[١٢] مشيراً إلى بعض أوصافه وخصائصه، مثل أنه كان كثير التفكر، عميق النظر، حسن اليقين، متورعا في الله تعالى، ساكتاً، مستكيناً، كما صرّحت بعض الروايات أنه لم يكن نبيّاً، لكنه كان يؤازر النبي داود(ع).[١٣]

الحِكَم والمواعظ

اشتهر لقمان بحكمه ومواعظه الأخلاقية، وقد ورد في القرآن والروايات بعض كلماته لابنه. فمما ذكره القرآن من مواعظه عدم الشرك بالله، وإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على المصيبة، والتواضع للناس، والقصد في المشي، والغضّ من الصوت.[١٤]

ومن مواعظه التي ذكرت في الروايات:

  • إِنْ رَأَيْتَ قَوْماً يَذْكُرُونَ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، فَإِنْ تَكُنْ عَالِماً نَفَعَكَ عِلْمُكَ، وَإِنْ تَكُنْ جَاهِلًا عَلَّمُوكَ.[١٥]
  • إِنْ كُنْتَ زَعَمْتَ أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ فِضَّةٍ فَإِنَّ السُّكُوتَ مِنْ ذَهَبٍ.[١٦]
  • اتخِذْ ألف صديق، وألفٌ قليلٌ، ولا تَتخذْ عَدواً واحداً، والواحدُ كثيرٌ.[١٧]
  • إِذَا سَافَرْتَ مَعَ قَوْمٍ فَأَكْثِرِ اسْتِشَارَتَهُمْ فِي أَمْرِكَ وَأَمْرِهِمْ، وَأَكْثِرِ التَّبَسُّمَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَكُنْ كَرِيماً عَلَى زَادِكَ بَيْنَهُمْ، فَإِذَا دَعَوْكَ فَأَجِبْهُمْ، وَإِذَا اسْتَعَانُوا بِكَ فَأَعِنْهُمْ.[١٨]

وقد خصّص العلامة المجلسي في كتابه بحار الأنوار فصلاً لقصص لقمان وحِكمه.[١٩]

ذات صلة

الهوامش

  1. زرين كوب، «لقمان حكيم»، ص245؛ موحدي، «بررسي شخصيت تاريخي لقمان حكيم»، ص115
  2. موحدي، «بررسي شخصيت تاريخي لقمان حكيم»، ص117-142.
  3. زرين كوب، «لقمان حكيم»، ص245.
  4. مطهري، جامعه و تاريخ، ص74.
  5. المسعودي، مروج الذهب، ص70.
  6. ابن كثير، البداية و النهاية، ج2، ص123 - 124؛ السيوطي، الدر المنثور، ج5، ص160.
  7. ابن قتيبه، المعارف، 1992م، ص55.
  8. ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص427.
  9. ابن هشام، السيرة النبوية، ج1، ص427.
  10. سورة لقمان، الآيات 12-19.
  11. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص282؛ الشيخ المفيد، الأمالي، ص292؛ الفيض الكاشاني، الوافي، ص301؛ المجلسي، بحار الأنوار، ص201.
  12. الكليني، الكافي، ج1، ص16؛ السيوطي، الدر المنثور، ج5، ص160-165.
  13. الطبرسي، مجمع البيان، ج8، ص494؛ الطباطبائي، الميزان، ج16، ص222.
  14. سورة لقمان، الآيات 12-19.
  15. الكليني، الكافي، ج1، ص39.
  16. الكليني، الكافي، ج2، ص114.
  17. الشيخ الصدوق، الأمالي، ص669.
  18. البرقي، المحاسن، ج2، ص374.
  19. المجلسي، بحار الأنوار، ج13، ص408.

المصادر والمراجع

  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية و النهاية، بيروت، دار الفكر، 1407 هـ.
  • ابن هشام الحميري، عبد الملك، السيرة النبوية، بيروت، دارالمعرفة، د. ت.
  • البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن، التصحيح: جلال الدين محدث، قم، جامعه مدرسين، 1371 هـ.
  • زرين كوب، عبد الحسين، «لقمان حكيم»، مجلّة يغما، 1329ش، الرقم 27.
  • السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404 هـ.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، طهران، كتابچي، 1376 ش.
  • الشيخ الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، التصحيح: علي أكبر غفاري، قم، انتشارات اسلامي، 1413 هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390 هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن،‌ طهران، ناصر خسرو، 1372 ش.
  • الفيض الكاشاني، محمد محسن، الوافي، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، 1406 هـ.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، التصحيح: علي أكبر غفاري و محمد آخوندي، طهران،‌ دار الكتب الإسلامية، 1407 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، ‌دار إحياء التراث العربي، 1403 هـ.
  • المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب، قم، دار الهجرة، 1409 هـ.
  • الشيخ المفيد، محمد بن محمد، الأمالي، التصحيح: حسين استادولي، قم، مؤتمر الشيخ المفيد، 1413 هـ.
  • موحدي، عبد الله، «بررسي شخصيت تاريخي لقمان حكيم»، مجلّة مطالعات اسلامي، 1380 ش، الرقم 53و54.
  • مطهري، مرتضى، جامعه و تاريخ.