رسالة الإمام الحسين إلى وجوه البصرة

من ويكي شيعة

رسالة الإمام الحسين(ع) إلى وجوه البصرة، كانت من أجل دعوتهم للالتحاق بالإمام الحسينعليه السلام، وذلك قبيل واقعة الطف. اعتبر الإمام في هذه الرسالة أنّ أهل البيتعليهم السلام هم أحقّ الناس بخلافة رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم، وما كان سكوت أهل البيت أمام غصب الخلافة إلا كراهةً للفُرقة بين المسلمين.

وقد دعاهم الإمام من خلال الرسالة للالتحاق به، لأنّ «السنة قد أُميتت وإنّ البدعة قد أُحييت». بعث الإمام برسالته على يد مولاه سليمان بن رزين.

لم يستجب أكثر أشراف البصرة للإمام الحسينعليه السلام، حيث رفض الدعوة الأحنف بن قيس، كما أنّ المنذر بن الجارود أخبر عبيد الله بن زياد -وكان آنذاك حاكم البصرة- بأمر الرسالة، مما أدّى إلى اعتقال حاملها وقتله. واستجاب يزيد بن نبيط العبدي لدعوة الإمام، وهرب مع اثنين من أبنائه من البصرة، والتحق بركب الإمام الحسين، واستشهد معه في واقعة كربلاء. كما أنّ يزيد بن مسعود النهشلي كتب للإمام يعده بالمناصرة وجمع عدداً من قبيلته للانضمام بركب الإمام الحسين، إلا أنّ خبر استشهاد الإمام وصله قبل مسيره إليه.

وبالنسبة لهدف الإمام الحسينعليه السلام من كتابة الرسالة ذهب بعض الباحثين أنه أراد أن يتمّ الحجّة على أهالي البصرة، ويمنعهم من الانضمام إلى أعدائه.

دعوة أهالي البصرة

كتب الإمام الحسينعليه السلام رسالة لأهالي البصرة، وذلك أثناء إقامته في مكة عام 60 هـ.[١] واعتبر الإمام في رسالته أنّ الخلافة حقّ لأهل بيت النبيعليهم السلام، ونبّه على أنّ الأمويين قد أماتوا السنة وأحيوا البدعة.[٢]

مصادر الرسالة

روى الدينوري في «الأخبار الطوال» نصاً موجزا لهذه الرسالة،[٣][ملاحظة ١] أما الطبري فقد روى نصاً آخر فيه شيء من التفصيل، لكنّ البعض شكّك فيه، حيث اعتبروا أنّ الرواة قد أضافوا بعض الفقرات عليها.[٤] وقد ورد نص الرسالة في مصادر أخرى أيضا مع اختلاف يسير.[٥]

نص الرسالة

نص الرسالة بحسب ما رواه الطبري:[٦]

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اَللَّهَ اِصْطَفَى مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ [وَآلِهِ] وَسَلَّمَ عَلَى خَلْقِهِ، وَأَكْرَمَهُ بِنُبُوَّتِهِ، وَاخْتَارَهُ لِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ قَبَضَهُ اَللَّهُ إِلَيْهِ وقَدْ نَصَحَ لِعِبَادِهِ وَبَلَّغَ مَا أُرسِلَ بِهِ، وَكُنَّا أَهْلَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَأَوْصِيَاءَهُ وَ وَرَثَتَهُ وَ أَحَقَّ اَلنَّاسِ بِمَقَامِهِ فِي اَلنَّاسِ، فَاسْتَأْثَرَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا بِذَلِكَ، فَرَضِينَا وَ كَرِهْنَا اَلْفُرْقَة وَ أَحْبَبْنَا اَلْعَافِيَة، وَ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّا أَحَقُّ بِذَلِكَ اَلْحَقِّ اَلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْنَا مِمَّنْ تَوَلاَّهُ وَقَدْ أَحْسَنُوا وَأَصْلَحُوا وَتَحَرَّوْا الحَقَّ، فَرَحِمَهُمُ اَللَّهُ، وَغَفَرَ لَنَا وَلَهُمْ وَ قَدْ بَعَثْتُ رَسُولِي إِلَيْكُمْ بِهَذَا اَلْكِتَابِ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اَللَّهِ وسُنَّة نَبِيِّهِ، فَإِنَّ اَلسُّنَّة قَدْ أُمِيتَتْ، وَ إِنَّ اَلْبِدْعَة قَد أُحيِيَتْ، وَإِنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي وَ تُطِيعُوا أَمْرِي أَهْدِكُمْ سَبِيلَ اَلرَّشَادِ، وَاَلسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اَللَّه.

مخاطب الرسالة وحاملها

ذهب الطبري إلى أن الإمام الحسينعليه السلام كتب هذه الرسالة لوجوه البصرة وأشرافها،[٧] لكن روى الدينوري أنّ الإمام كتبها لشيعته من أهل البصرة.[٨]

وبحسب ما رواه الطبري فإنّ الإمام كتب «لرؤس الأخماس بالبصرة وإلى الأشراف» ثم ذكر أسماء ستة منهم، [٩] وقد وردت هذه الأسماء في مصادر أخرى أيضا،[١٠] وهم: مالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم وعمرو بن عبيد الله بن مَعمَر، وقد أضافت بعض المصادر يزيد بن مسعود النهشلي.[١١]

وبحسب إحدى الروايات فقد أرسل الإمام الحسين نصاً لكل واحد من هؤلاء.[١٢] وبحسب رواية أخرى فقد أرسل رسالة واحدة وذكر فيها أسماء هؤلاء، ثم استعان بهم.[١٣]

وكان حامل الرسالة سليمان[١٤] أو سلمان[١٥] ويكنّى «أبا رزين»[١٦] وهو مولى الإمام الحسين.[١٧] وقال البعض إنّ حامل الرسالة هو ذرّاع السدوسي.[١٨]


ردود أهالي البصرة

بحسب ما ورد في المصادر كتم أكثر أشراف البصرة أمر الرسالة.[١٩]

إفشاء الرسالة لحاكم البصرة

ذهب المنذر بن الجارود برسالة الإمام الحسين إلى عبيد الله بن زياد،[٢٠] والذي كان آنذاك عامل يزيد بن معاوية على البصرة.[٢١] وكانت بنت المنذر زوجة عبيدالله[٢٢]

وذهب بعض الباحثين إلى أنّ ما دفع المنذر إلى إطلاع عبيد الله هو إظهار الطاعة[٢٣] أو أنه كان يخاف أن تكون الرسالة مؤامرة من جانب عبيد الله[٢٤] ليختبر مدى وفاء المنذر.[٢٥]

وعندما شاهد عبيد الله الرسالة غضب وأمر بالقبض على الرسول،[٢٦] وكان قد تخفّى بين شيعة البصرة، [٢٧] إلا أنّ المنذر[٢٨] أو آخرين[٢٩] أخذوه وذهبوا به إلى عبيد الله، فضرب عنقه وأمر بصلبه.[٣٠] ثم ذهب إلى المسجد وصعد المنبر وحذّر الناس من معارضته[٣١]

رفض الدعوة

بعث الأحنف بن قيس برسالة إلى الإمام الحسين، وكتب فيها الآية 60 من سورة الروم: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ[٣٢] وكان هذا الردّ يعني امتناع المنذر عن نصرة الحسين(ع).[٣٣]

الالتحاق بالحسين(ع)

بحسب ما روى الطبري خرج يزيد بن نبيط من البصرة قاصدا الإمام الحسين، رغم أن عبيد الله أمر بسدّ الطرق المنتهية إلى الكوفة حتى لا يخرج أحد لمناصرة الحسين(ع)، وقد صحب يزيد اثنان من أبنائه، وهما عبد الله وعبيد الله، وقد التحقوا جميعا بركب الإمام واستشهدوا معه في كربلاء.[٣٤]

التأهّب للالتحاق بالإمام

عندما تسلّم يزيد بن مسعود النهشلي رسالة الإمام الحسين، جمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد، فأخبرهم بدعوة الإمام، وأعلن استعداده لمناصرة الحسين، ثم سألهم عن رأيهم في ذلك، فأعلنوا عن استعدادهم لمناصرة الحسين، إلا بني سعد الذين استمهلوا ليتشاورا فيما بينهم. فكتب يزيد بن مسعود للإمام الحسين يخبره باستعداده وقبيلته لمناصرته، وعندما قرأ الإمام رسالته دعا له.[٣٥] إلا أنّ بعض الباحثين قالوا بأنّ الرسالة وصلت للحسين(ع) يوم عاشوراء بعد مقتل أهل بيته وأصحابه.[٣٦]

وعندما تأهّب يزيد بن مسعود للسير نحو الإمام تلقّى خبر استشهاده.[٣٧]

الدافع إلى الكتابة

يرى بعض الباحثين أنّ المخاطبين برسالة الإمام الحسين لم يستجيبوا له، حيث أنّ اتجاهاتهم السياسية كانت على عكس اتجاه أهل البيت.[٣٨] فلماذا كتب الإمام لهم يدعوهم لمناصرته؟

ذهب الباحثون إلى أنّ الإمام الحسين كان يهدف من وراء الكتابة لهم إلى:

  • السعي لتسيير الجمهور عبر وجوه البصرة وخواصها
  • إتمام الحجة على أهالي البصرة وقطع عذرهم بعدم العلم بحركة الإمام الحسين
  • المنع من التحاق من كان متردداً في مناصرة الإمام بصفوف أعدائه
  • إبلاغ محبي أهل البيت في البصرة من أمثال يزيد بن مسعود النهشلي بأنه (ع) قد بدأ حركته ضد الأمويين.[٣٩]

الهوامش

  1. السماوي، إبصار العين،ص94.
  2. القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص322.
  3. الدينوري، الأخبار الطوال، ص231.
  4. ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص158.
  5. أبو مخنف، وقعة الطف، ص107؛ المقرم، مقتل الحسين، ص141-142.
  6. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357.
  7. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357.
  8. الدينوري، الأخبار الطوال، ص231.
  9. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص358.
  10. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37.
  11. الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590.
  12. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590.
  13. الدينوري، الأخبار الطوال، ص231.
  14. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357؛ ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37.
  15. الدينوري، الأخبار الطوال، ص231؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج8، ص157.
  16. الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590؛ القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص323.
  17. ابن طاووس، اللهوف، ص38.
  18. الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590.
  19. البلاذري، أنساب الأشراف، 1417ق، ج2، ص78؛ ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357.
  20. البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص78.
  21. المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص57.
  22. المقرم، مقتل الحسين، ص142؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590.
  23. القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص323.
  24. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357-358.
  25. القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص323-324
  26. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37.
  27. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37.
  28. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص357-358؛ المقرم، مقتل الحسين، ص142.
  29. الدينوري، الأخبار الطوال، ص231.
  30. ابن أعثم، الفتوح، ج5، ص37؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص590.
  31. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص358؛ بلاذري، انساب الاشراف، 1417ق، ج2، ص78؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص232
  32. المقرم، مقتل الحسين، ص142؛ القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص323.
  33. جمع من الباحثين، مع الركب الحسيني، ج2، ص357.
  34. الطبري، تاريخ الطبري، ج5، ص353-354؛ المقرم، مقتل الحسين، ص144.
  35. ابن طاووس، اللهوف، ص38-44؛ المقرم، مقتل الحسين، ص142-144.
  36. القرشي، حياه الإمام الحسين(ع)، ج2، ص327.
  37. ابن طاووس، اللهوف، ص44؛ المقرم، مقتل الحسين، ص144.
  38. جمع من الباحثين، مع الركب الحسيني، ج2، ص361-363.
  39. جمع من الباحثين، مع الركب الحسيني، ج2، ص363-364.

الملاحظات

  1. «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى مالك بن مسمع، والأحنف بن قيس، والمنذر بن الجارود، ومسعود بن عمرو، وقيس بن الهيثم، سلام عليكم، أما بعد، فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق، وإماتة البدع، فإن تجيبوا تهتدوا سبل الرشاد، والسلام»

المصادر والمراجع

  • ابن أعثم، أحمد، الفتوح، التحقيق: علي شيري، بيروت، دار الأضواء، 1411 هـ.
  • ابن طاووس، علي بن موسى، اللهوف على قتلى الطفوف‏، طهران، جهان، 1348 ش.
  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، بيروت، دار الفكر، 1407 هـ.
  • أبو مخنف، لوط بن يحيى، وقعة الطف، التحقيق: محمد هادي اليوسفي الغروي، قم، ‏جامعه مدرسين‏، ط3، 1417 هـ.
  • الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، التحقيق: حسن الأمين، بيروت، دار التعارف، 1403 هـ.
  • البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، التحقيق: سهيل الزكار ورياض زركلي، بيروت، دار الفكر، 1417 هـ.
  • جمع من الباحثين، مع الركب الحسيني‏، قم، تحسين، ط2، 1428 هـ.
  • الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، التحقيق: عبد المنعم عامر وجمال الدين شيال، قم، منشورات الرضي، 1368 ش.
  • السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين(ع)، قم، جامعة الشهيد المحلاتي‏، 1419 هـ.
  • الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، التحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار التراث، ط2، 1967م.
  • القرشي، باقر شريف، ‏حياه الامام الحسين(ع)، قم، ‏مدرسة الإيرواني‏ العلمية، ط4، 1413 هـ.
  • المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر، التحقيق: أسعد داغر، قم، دار الهجرة، ط2، 1409 هـ.
  • المقرّم، عبد الرزاق، مقتل الحسين(ع)، بيروت، مؤسسه الخرسان للمطبوعات‏، 2007 م‏.