كتابة القرآن

كتابة القرآن أو تدوين القرآن تعني جمعه وجعله مكتوباً في الصحائف والكتب. وهي من الأمور التي أكد عليها النبي ؛ لكونها عاملاً أساسياً في حفظ القرآن من التحريف. وكان قد كلّف بعض الصحابة بكتابة القرآن كـالإمام علي وزيد بن ثابت. وتعدّ المصاحف التي كتبها أشخاص مثل علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب؛ أولى النسخ التي تمّت كتابتها. لكنّ تعدّد واختلاف نسخ القرآن تسبب في وقوع اختلافات بين الناس. ولهذا السبب قام عثمان بن عفان بتشكيل لجنة لتوحيد المصاحف، وجعلها في نسخة واحدة، وتمّ إقرار هذه النسخة من قبل أئمة الشيعة.

كانت كتابة القرآن في بداية الإسلام تتم بخطوط بدائية خالية من أيّ علامات أو نقاط، مما أدى إلى وقوع الناس في أخطاء عند القراءة؛ ولذلك قام أبو الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم والخليل بن أحمد الفراهيدي لاحقاً بترقيم (تنقيط) القرآن وإعرابه، واستخدموا العلامات لتسهيل قراءته.

انعكست كتابة القرآن في فنون مختلفة مثل فن الخط والتذهيب وتخطيط الصفحات وتغليف الكتب؛ لأن المسلمين كانوا يحاولون استخدام كل ما يؤثر في جمال الكتابة. ولهذا السبب ابتدعوا خطوطاً جديدة منها خط الثلث والنّسخ والريحان والنستعليق. وحظي خط النسخ بمكانة خاصة في كتابة القرآن نظراً لوضوحه وسهولة قراءته، وتم تقديمه على أنه الخط الأنسب لكتابة القرآن الكريم.

المكانة

كتابة القرآن هي أحد مواضيع علوم القرآن، وتتم فيها مناقشة تاريخ وطرق كتابة القرآن وجمعه. وتعتبر كتابة القرآن من العوامل المساعدة على حفظه من التحريف، ولهذا كان النبي يؤكد عليها. ويعتبر أسلوب كتابة القرآن مؤثراً في فهم معاني الآيات؛ ولذلك قيل أنّ من الأسباب التي أدّت إلى تعدد الاحتمالات في معاني آيات القرآن هو ضعف الكتابة في صدر الإسلام.

وبحسب الباحثين فإن الكتابة في العالم الإسلامي بدأت مع كتابة القرآن، ونظراً لارتباط الخط بكتابة القرآن، أصبح الخط ذا أهمية في العالم الإسلامي. ومع ظهور الإسلام ونزول القرآن، حظي الخط والكتابة بالاهتمام؛ لأن القرآن معجزة النبي ، وقراءته وكتابته تعدّ فريضة مقدسة.

تاريخ كتابة القرآن

لم يكن الخط شائعاً بين عرب الحجاز في عهد ظهور الإسلام، وكان عدد الضالعين بالخط والكتابة إبّانها أقل من عشرين شخصاً، ولذلك شجعهم النبي على كتابة الوحي، والاستعانة بمن يعلّم المسلمين الخط. واهتم النبي إلى جانب حفظ القرآن بكتابته، وكلّف أشخاصاً مثل علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت بذلك. فقاموا بكتابته على جلود الحيوانات وسعف النخل والعظام العريضة والورق.

المصاحف الأولى

مصحف يُنسب إلى الإمام علي (ع) بخط يده

وقد ذكر ابن النديم - مصنّف كتب في القرن الرابع الهجري - في كتابه الفهرست أنّ مصحف الإمام علي كان أول مصحف كامل للقرآن الكريم. حيث قام الإمام علي في بيته بعد وفاة النبي بجمع القرآن مرتّباً بحسب نزول الوحي ضمن كتاب واحد وعرضه على الناس والصحابة، فلم يقبل بعض الصحابة هذا المصحف، ولهذا السبب أعرض الإمام علي عن نشره بين العامة.

وبعد وفاة النبي وعدم قبول مصحف الإمام علي، شرع بعض الصحابة بجمع القرآن، وكان منهم بالإضافة إلى زيد بن ثابت كل من عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، والمقداد بن الأسود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري.

توحيد المصاحف

مصحف موجود في مصر يُدعى أنه من المصاحف العثمانية الأولى

قام بعض الصحابة بكتابة مصاحف خاصة بهم، وكان كل منها يختلف عن الآخر نوعاً ما، وهذا الاختلاف في المصاحف والقراءات أحدث اختلافات بين الناس. ولهذا السبب قرر الخليفة الثالث عثمان توحيد المصاحف. وعيّن لهذا الغرض اثني عشر من الصحابة قاموا بعملية الجمع بإشراف أبي بن كعب، وكان منهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس. وقد تمّ إقرار هذا المصحف من قبل الإمام علي ، والتزم به حتى بعد توليه الخلافة. وبعد الإمام علي أيّد الأئمة اللاحقون مصحف عثمان وأكدوا على ضرورة حفظه.

رواج كتابة القرآن

حظيت كتابة القرآن باهتمام كبير في العصر الصفوي في إيران والعصر العثماني في تركيا. وكانت تُكتب المصاحف كاملةً، أو ضمن أربعة، أو خمسة عشر، أو ثلاثين، أو ستين جزءاً؛ ولكن تدريجياً تم كتابة جميع المصاحف بشكل كامل ضمن مجلد واحد. ومع انتشار الطباعة، شاع استخدام المصاحف المطبوعة، وبدأت سنّة كتابة القرآن بالركود.

رسم المصحف

رسم المصحف هو الخط الخاص بالمصحف العثماني. وفي هذا المصحف تمت كتابة بعض الكلمات القرآنية خلافاً لقواعد الكتابة؛ مثل كتابة "الصلوٰة" بدلاً من "الصلاة"، و"ابرٰهــٖم" بدلاً من "إبراهيم". وهناك ستة قواعد للحذف في رسم المصحف لا يتفق أيّ منها مع قواعد الكتابة وهي: الحذف، والزيادة، والهمزة، والإبدال، والوصل، والفصل. ومن وجهة نظر بعض الباحثين في علوم القرآن، أصبح الخط العثماني ذا أهمية لدرجة أنه إذا اختلفت القراءة عنه، فيجب تصحيحها وفقاً له. ويرى الباحثون أن أخطاء كتّاب الوحي وبدائية الخط في صدر الإسلام وتأثّر الخط القرآني باختلاف القراءات كانت من أسباب اختلاف الرسم القرآني عن قواعد الكتابة. ومن ناحية أخرى، يرى بعض أهل السنة أن كتابة القرآن توقيفية (أمر بها الشرع على هذا النحو)؛ أي أنهم يعتقدون أن النبي علّم كتبة القرآن عن طريق الوحي كيفية كتابة الكلمات.

وقد طُرحت الآراء التالية حول جواز تغيير خط المصحف من عدمه:

• لا يجوز كتابة القرآن بخط آخر نظراً لأن كتابته توقيفية؛
• على الرغم من أن كتابة القرآن غير توقيفية، إلا أنها يجب أن تبقى كما هي منعاً من حدوث أي تعديلات أخرى في القرآن؛
• من غير الضروري مراعاة خط المصحف، ويمكن كتابة القرآن بخط آخر؛
• لا بد من كتابة القرآن بحيث يمكن قراءته بشكل صحيح؛ نظراً لعدم إلمام أهل العصر الحاضر برسم المصحف، وخوفاً من قراءة القرآن بشكل خاطئ، ولذلك لا ينبغي أن يكتب القرآن وفق الرسم الموجود. وقد اعتبر ناصر مكارم الشيرازي - صاحب تفسير الأمثل - تغيير رسم المصحف أمراً ضرورياً.

تحولات الخط القرآني

كان القرآن في عهد النبي يكتب بالخط الحجازي (يشبه خط النسخ في القرن الخامس الهجري). ومع إنشاء مدينة الكوفة سنة 17هـ وانتشار الخط الكوفي، كُتبت المصاحف بالخط الكوفي، ومنها المصاحف الأمّ التي كتبت في عهد عثمان ونقل عنها كتّاب المصاحف. ولم تكن المصاحف المكتوبة الأولى مُعرَبة (بالحركات) أو مُنقّطة، الأمر الذي كان يؤدي لوقوع أخطاء في القراءة.

نسخة خطية لمصحف منسوب إلى القرن الأول الهجري وتحتوي على الآيات من 43 إلى 56 من سورة النساء

قام أبو الأسود الدؤلي (وفاة: 69هـ) بإعراب (تحريك الكلمات والحروف) القرآن بتوجيه من الإمام علي ؛ ولكنه استعمل النقاط بدلاً من الحركات المعروفة؛ بحيث وضع نقطة على الحرف ليرمز للفتحة، ونقطة تحت الحرف للكسرة، ونقطة أمام الحرف للضمة، بلون غير لون الخط القرآني. وبعد أبي الأسود، استعمل تلميذه نصر بن عاصم (وفاة: 89هـ) النقاط لتمييز الحروف التي لا نقط فيها عن بعضها البعض كحروف (ج) و(ح) و(خ) المتشابهة بدون نقاط، ولكي لا تلتبس بالنقاط التي وضعها أستاذه لحركات الحروف؛ فقد كتبها بنفس لون الحروف الأصلية. وبعد فترة، حوّل الخليل بن أحمد الفراهيدي (وفاة: 175هـ) النقاط التي كان أبو الأسود يكتبها إلى الحركات المعروفة ــَـ ــِـ ــُـ، واستخدم التشديد والهمزة وأمثالهما لتسهيل قراءة القرآن.

لقد أولى المسلمون في القرن الهجري الأول اهتماماً خاصاً بكتابة القرآن، وحاولوا إصلاح طريقة الكتابة. وفي القرن الرابع الهجري، أصبحت أساليب كتابة القرآن متنوعة جداً، وتم ابتكار أكثر من عشرين أسلوباً للكتابة في العالم الإسلامي. وقد أوجد تنوع هذه الأساليب مشاكل للكتّاب والقراء. ولهذا السبب حاول ابن مقلة (وفاة: 328هـ) إصلاح هذه الأساليب، ووضع أصولاً لأنواع الخط الستة التي كان القرآن يُكتب بها وهي (الثلث والمحقّق والريحان والنسخ والتوقيع والرقعة).

كتابة القرآن والفن

انعكست كتابة القرآن في العصر الإسلامي - علاوة على فنّ الخط - في فنون أخرى مثل التذهيب وتخطيط الصفحات والتغليف. وبالإضافة إلى حسن الخط، استخدم المسلمون كل ما كان له تأثير في جمال الخط (مثل التذهيب وتغليف الكتب). وبحسب الباحثين، فإنّ فنّ كتابة القرآن يحتل أهمية كبيرة بين الفنون الأخرى، نظراً لأنه يُظهر كلمات الوحي للقارئ ويعكس مفاهيم دينية. وقد بلغت كتابة القرآن ذروتها في العصر الإيلخاني (القرن السابع الهجري)، وللمصاحف المكتوبة في تلك الفترة قيمة كبيرة سواء من حيث الخط أو التذهيب أو تنقيح النسخ.

حُسن الخط

سورة الفاتحة بخط النستعليق بقلم المير عماد الحسني القزويني

ابتكر ابن مقلة (وفاة: 328هـ) خطوط الثلث والمحقق والريحان والنسخ والتوقيع والرقعة. وقد صمم الحروف بناءً على قوانين الهندسة، وشكّل الحروف بناءً على قاعدة المساحة (مساحة الحروف الممدودة مثل " ا " و" ب ") والمحيط (محيط الحروف مثل " ج " و" ن "). وبعد ابن مقلة؛ واصل ابن البواب في القرن الخامس ثم ياقوت المستعصمي في القرن السابع الهجري وبلغوا بخط النسخ إلى ذروته، وقدّماه كخط مناسب لكتابة القرآن. ثمّ أصبح لخط النسخ أساليب مختلفة أهمها الأسلوب العربي والتركي والفارسي.

وخلال العصر التيموري، حدثت تطورات نوعية في فن الخط، فمن خلال الجمع بين خطي الرقعة والتوقيع، تم إنشاء خط التعليق في تلك الفترة، ثم من خلال الجمع بين خطي النسخ والتعليق، ظهر خط النستعليق. وكان المسلمون في الهند يكتبون القرآن بالخط البيهاري (البهاري) وفي الصين بالخط السيني (نوع خاص من خط النسخ).

ويحظى خط النسخ بمكانة هامة في كتابة القرآن نظراً لوضوحه. وقد خلّف المستعصمي مصحفاً كتبه سنة 669هـ بثلاثة خطوط: الثلث، والنسخ، والريحان. ويُعتبر القرآن المكتوب بخط أحمد نيريزي أشهر قرآن مكتوب بخط النسخ الفارسي. ويُستعمل خط النستعليق على نطاق واسع في النصوص الأدبية؛ ولكن قلّما يُكتب به القرآن كاملاً نظراً لصعوبة إعرابه. وقد اشتهرت كتابة المير عماد الحسني القزويني لسورة الفاتحة بخط النستعليق بشكل كبير. وفي العصر الصفوي، كانت الترجمة الفارسية للقرآن تُكتب في شريط ضيق بخط النستعليق أسفل الآيات.

التذهيب

لوحة قرآنية مخطّطة ومذهّبة ترجع إلى عام 1710م

يُطلق فن التذهيب على تزيين صفحات الكتاب أو غلافه بالذهب والألوان الأخرى. ويستخدم التذهيب بشكل شائع في تعيين أوائل السور والأجزاء. وتطور هذا الفن مع فن الخط حتى أصبح خطاطو القرآن يقومون بتذهيبه أيضاً. وتعود أقدم أعمال رسم وتذهيب القرآن الموجودة بين أيدينا إلى القرن الهجري الثالث وما بعده. وكثيراً ما كانت هذه المصاحف تُجهز بأمر من سلاطين ذلك العصر. وفي نهاية القرن السادس بداية القرن السابع الهجري كانت مدينة تبريز أحد المراكز المهمة لفن التذهيب، وولدت مدرسة تبريز في التذهيب في ذلك العصر. وازدهر فن التذهيب في العصر التيموري، لأن سلاطينهم كانوا مولعين بالفن.

فن النقش

نقش آية النور على المحراب في حرم الإمام الرضا (ع)

تطلق النقوش عادة على الآيات والسور القرآنية المكتوبة بأشكال مختلفة على الأماكن المقدسة كالمحاريب وقبب المساجد والأضرحة وجدران العتبات المقدسة. وقد كتبت النقوش بخطوط الكوفي والثلث والنسخ والنستعليق والمعلّى، وعلى البلاط أو الطوب أو الجص. وكانت كتابة النقوش شائعة في العصر التيموري، وبلغت ذروتها في العصر الصفوي.

التغليف

استخدم المسلمون فن التغليف لحماية القرآن من التلف. وقد تطوّر هذا الفن كالخط نظراً لقداسة القرآن عند المسلمين. كان الغلاف بسيطاً في مراحله الأولى، ولكن منذ القرن الهجري الرابع، أضيفت نقوش هندسية على شكل دوائر وأشكال بيضوية في وسط الأغلفة. وبعد مرور بعض الوقت تم تذهيب الأغلفة. وكانت زخرفة الأغلفة الجلدية تحظى باهتمام خاص خلال العصر التيموري في إيران والعصر المملوكي في مصر، وقد بلغ فن صناعة الأغلفة ذروته في العصر التيموري.

أول طباعة للقرآن

طبع القرآن الكريم لأول مرة سنة 950هـ في مدينة البندقية بإيطاليا؛ ولكن تم التخلص منه بأمر من سلطات الكنيسة آنذاك. وبعد ذلك، وفي عام 1104هـ، قام العالم الإسلامي الألماني أبراهام هينكيلمان بطباعة القرآن في هامبورغ بألمانيا. وأول طبعة إسلامية للمصحف تمت عام 1200هـ على يد شخص يدعى مولى عثمان في سانت بطرسبورغ بروسيا. وكانت إيران أول دولة إسلامية تطبع القرآن في طبعتين حجريتين، إحداهما عام 1243هـ في طهران، والأخرى عام 1248هـ في تبريز. وبعد إيران قامت الحكومة العثمانية في تركيا بعرض القرآن الكريم في طبعات مختلفة عام 1294هـ. كما قامت حكومة مصر عام 1342هـ وحكومة العراق عام 1370هـ بإصدار طبعات مميّزة للقرآن الكريم.

معرض الصور

• 

  نقش آية الكرسي في مسجد كوهرشاد في حرم الإمام الرضا (ع)

• 

  آيات من القرآن بخط النسخ بقلم ياقوت المستعصمي

• 

  آيات من القرآن بخط المعلّى بقلم حميد العجمي

• 

  آيات من القرآن بخط النسخ بقلم الميرزا أحمد النيريزي

• 

  آيات من سورة محمد بخط النستعليق بقلم علي رضا كدخدايي

• 

  سورة الفاتحة بخط النستعليق

• 

  نقش مذهّب لآية الكرسي بخط الثلث على الصندوق الخشبي لمرقد الإمام الرضا (ع)

• 

  نقش سورة الصف والآية 105 من سورة الأنبياء في حرم الإمام الحسين (ع)

• 

  صفحة من مخطوطات صنعاء والتي يُنسب بعضها إلى الإمام علي (ع)

• 

  مخطوطة لآيات قرآنية من العهد الإيلخاني