انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «هجرة النبي صلى الله عليه وآله»

من ويكي شيعة
imported>Esmati
imported>Esmati
طلا ملخص تعديل
سطر ٣٢: سطر ٣٢:
انطلق [[التاريخ الهجري|التأريخ الهجري]] أو ([[التاريخ الهجري|التقويم الهجري]]) عند المسلمين من [[عام الهجرة]] النبوية من [[مكة]] المكرمة إلى [[يثرب]] التي أصبحت بعد ذلك تسمى ب[[المدينة المنورة]]. والهجرة تعد من معالم التاريخ الإسلامي لدى المسلمين؛ لأنها تعد هجرة من الشرك والكفر إلى التوحيد والإسلام وهي مهيئة أرضية تكوين الدولة الإسلامية والحضارة الكبري الإسلامية بين شعوب العالم كله.
انطلق [[التاريخ الهجري|التأريخ الهجري]] أو ([[التاريخ الهجري|التقويم الهجري]]) عند المسلمين من [[عام الهجرة]] النبوية من [[مكة]] المكرمة إلى [[يثرب]] التي أصبحت بعد ذلك تسمى ب[[المدينة المنورة]]. والهجرة تعد من معالم التاريخ الإسلامي لدى المسلمين؛ لأنها تعد هجرة من الشرك والكفر إلى التوحيد والإسلام وهي مهيئة أرضية تكوين الدولة الإسلامية والحضارة الكبري الإسلامية بين شعوب العالم كله.


===من الذي جعل الهجرة مبدأً للتاريخ؟===
 
 
==بدء التاريخ الهجري==
{{مفصلة|التاريخ الهجري}}
قيل: إنّ [[النبي محمد|النبي]] هو أوّل من أمر بالتأريخ من يوم وروده [[المدينة المنورة]] في [[ربيع الأول]] ، فكان المسلمون يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه، إلى أن تمّت له سنة<ref> ابن شهر آشوب، منا قب آل أبي طالب ج 2 ص 144 .</ref>.
 
وقال السهيلي: إن هذا التأريخ الذي بدأ به [[رسول الله]] {{صل}} إنما نزل به القرآن في قوله {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} <ref>سورة التوبة، الآية 108 .</ref>، ويرى السهيلي أن هذا إقرار من القرآن في أن أول التأريخ يكون من ربيع الأول؛ ولأن الصحابة بدأوا التأريخ من الهجرة <ref>ابن حجر، فتح الباري ج 7 ص 208 و 209 .</ref>.
 
إن الإمعان في مراسلات النبيّ (ص) ومكاتباته التي هي مدرجة في الأغلب في كتب [[التاريخ]] و[[السيرة]] و[[الحديث]] و[[السنة]]، وكذا غير ذلك من الأدلة يثبت أن النبيّ  - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ، وكان يؤرّخ رسائله وكتبه إِلى امراء العرب وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بالتاريخ الهجري. على عكس مما هو المشهور بين المؤرخين من أن عمر بن الخطاب جعل هجرة النبيّ (ص) مبدأً للتاريخ باقتراح وتأييد من أمير المؤمنين علي (ع) وأمر بأن تؤرخ الدواوين، والرسائل والعهود وما شابه ذلك في ذلك التاريخ.
إن الإمعان في مراسلات النبيّ (ص) ومكاتباته التي هي مدرجة في الأغلب في كتب [[التاريخ]] و[[السيرة]] و[[الحديث]] و[[السنة]]، وكذا غير ذلك من الأدلة يثبت أن النبيّ  - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ، وكان يؤرّخ رسائله وكتبه إِلى امراء العرب وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بالتاريخ الهجري. على عكس مما هو المشهور بين المؤرخين من أن عمر بن الخطاب جعل هجرة النبيّ (ص) مبدأً للتاريخ باقتراح وتأييد من أمير المؤمنين علي (ع) وأمر بأن تؤرخ الدواوين، والرسائل والعهود وما شابه ذلك في ذلك التاريخ.


سطر ٨٥: سطر ٩٢:


==خروج الإمام علي من مكة==
==خروج الإمام علي من مكة==
خرج [[الإمام علي]] {{عليه السلام}} من [[مكة]] ومعه [[الفواطم]] ([[فاطمة بنت أسد]] و [[فاطمة بنت الحمزة بن عبدالمطلب]] ، و [[فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب]] ، و [[فاطمة الزهراء]]) ،
خرج [[الإمام علي]] {{عليه السلام}} من [[مكة]] ومعه الفواطم ([[فاطمة بنت أسد]] و [[فاطمة بنت الحمزة بن عبدالمطلب]] ، و [[فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب]] ، و [[فاطمة الزهراء]]) ،


وكان [[أبو واقد الليثي]] هو سائق قافلة [[الفواطم]] ، ولحق بهم أيمن بن [[أم أيمن]] مولى [[رسول الله]] {{صل}} ، وكان أبو واقد يسير بالقافلة فأعنف في المشي خوفاً من قريش، فقال له [[الإمام علي]] : «'''ارفق بالنسوة يا أبا واقد، إنهن من الضعائف'''» ، ثم أخذ يسوق القافلة بنفسه وهو يقول <ref>الشيخ الطوسي، الأمالي ص 470 (ذيل المجلس 16) . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 159 .</ref> ، <ref>ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .</ref> :
وكان [[أبو واقد الليثي]] هو سائق قافلة [[الفواطم]] ، ولحق بهم أيمن بن [[أم أيمن]] مولى [[رسول الله]] {{صل}} ، وكان أبو واقد يسير بالقافلة فأعنف في المشي خوفاً من قريش، فقال له [[الإمام علي]] : «'''ارفق بالنسوة يا أبا واقد، إنهن من الضعائف'''» ، ثم أخذ يسوق القافلة بنفسه وهو يقول <ref>الشيخ الطوسي، الأمالي ص 470 (ذيل المجلس 16) . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 159 .</ref> ، <ref>ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .</ref> :
سطر ٩٦: سطر ١٠٣:
{{نهاية قصيدة}}
{{نهاية قصيدة}}


فكان {{عليه السلام}} يسير ليلاً ويختبئ نهاراً، حتى وصل إلى [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} ووصل إلى [[قبا]] وقد تفطّرت قدماه من شدّة الحر وكثرة المشي، فبكى [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} عندما رآه على تلك الحالة، فمسح بيده على قدمَيه فلم يشكهما بعد ذلك  <ref>ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .</ref>.
فكان {{عليه السلام}} يسير ليلاً ويختبئ نهاراً، حتى وصل إلى [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} ووصل إلى [[قبا]] وقد تفطّرت قدماه من شدّة الحر وكثرة المشي، فبكى [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} عندما رآه على تلك الحالة، فمسح بيده على قدمَيه فلم يشكهما بعد ذلك  <ref>ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .</ref>
 
==خروج الصحابة من مكة==
 
==النبي {{صل}} في قبا==
==النبي {{صل}} في قبا==
وصل [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} منطقة [[قبا]] يوم الإثنين، وقيل: يوم الخميس، وبقي حتى صباح يوم الجمعة ينتظر قدوم [[الإمام علي]] {{عليه السلام}} مهاجراً من مكة بعد أن مكث فيها ثلاثة أيام <ref>ابن الأثير، أسد الغابة ج 4 ص 104 . المسعودي، مروج الذهب ج 2 ص 279 .</ref>، وقيل: بقي بعد قدوم الإمام {{عليه السلام}} يوماً أو يومين <ref>الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .</ref>، في حيّ يقال له (حي بني عمرو بن عوف) مدّة (أربعة عشر ليلة) قبل دخول المدينة<ref> ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 1 ص 235 .</ref>، وقيل بقي خمسة عشر يوماً <ref>الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .</ref>، وقيل: ثمانية عشر يوماً <ref>البيهقي، دلائل النبوة ج 2 ص 512 .</ref>.
وصل [[النبي محمد|النبي]] {{صل}} منطقة [[قبا]] يوم الإثنين، وقيل: يوم الخميس، وبقي حتى صباح يوم الجمعة ينتظر قدوم [[الإمام علي]] {{عليه السلام}} مهاجراً من مكة بعد أن مكث فيها ثلاثة أيام <ref>ابن الأثير، أسد الغابة ج 4 ص 104 . المسعودي، مروج الذهب ج 2 ص 279 .</ref>، وقيل: بقي بعد قدوم الإمام {{عليه السلام}} يوماً أو يومين <ref>الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .</ref>، في حيّ يقال له (حي بني عمرو بن عوف) مدّة (أربعة عشر ليلة) قبل دخول المدينة<ref> ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 1 ص 235 .</ref>، وقيل بقي خمسة عشر يوماً <ref>الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .</ref>، وقيل: ثمانية عشر يوماً <ref>البيهقي، دلائل النبوة ج 2 ص 512 .</ref>.
سطر ١١٤: سطر ١١٨:
===المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار===
===المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار===
في الحادي عشر من [[شهر رمضان]] آخى [[النبي محمد|النبي]] بين [[المهاجرين]] و [[الأنصار]] بعد ثمانية أشهر <ref>ابن الأثير، أسد الغابة ج 1 ص 38 .</ref> ، وقيل: بعد خمسة أشهر <ref>ابن قتيبة، المعارف ص 152 .</ref> من دخول المدينة والإستقرار فيها، كانت بين خمسة وأربعين مهاجراً ومثلهم من الأنصار <ref>مير خواند الهروي، تاريخ روضة الصفا ج 3 ص 1197 في الهامش .</ref> ، وكانت ركيزة المؤاخاة المكافئة بينه كل اثنين، فقد آخى بين [[سلمان الفارسي|سلمان]] و [[أبو ذر الغفاري|أبي ذر]] ، و [[عمار بن ياسر|عمار]] و [[المفداد بن الأسود الكندي|المفداد]] ، و [[أبو بكر بين أبي قحافة|أبي بكر]] و [[عمر بن الخطاب|عمر]] ، واختص هو {{صل}} [[علي بن أبي طالب|بعلي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} أخاً له .
في الحادي عشر من [[شهر رمضان]] آخى [[النبي محمد|النبي]] بين [[المهاجرين]] و [[الأنصار]] بعد ثمانية أشهر <ref>ابن الأثير، أسد الغابة ج 1 ص 38 .</ref> ، وقيل: بعد خمسة أشهر <ref>ابن قتيبة، المعارف ص 152 .</ref> من دخول المدينة والإستقرار فيها، كانت بين خمسة وأربعين مهاجراً ومثلهم من الأنصار <ref>مير خواند الهروي، تاريخ روضة الصفا ج 3 ص 1197 في الهامش .</ref> ، وكانت ركيزة المؤاخاة المكافئة بينه كل اثنين، فقد آخى بين [[سلمان الفارسي|سلمان]] و [[أبو ذر الغفاري|أبي ذر]] ، و [[عمار بن ياسر|عمار]] و [[المفداد بن الأسود الكندي|المفداد]] ، و [[أبو بكر بين أبي قحافة|أبي بكر]] و [[عمر بن الخطاب|عمر]] ، واختص هو {{صل}} [[علي بن أبي طالب|بعلي بن أبي طالب]] {{عليه السلام}} أخاً له .
==بدء التاريخ الهجري==
{{مفصلة|التاريخ الهجري}}
قيل: إنّ [[النبي محمد|النبي]] هو أوّل من أمر بالتأريخ من يوم وروده [[المدينة المنورة]] في [[ربيع الأول]] ، فكان المسلمون يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه، إلى أن تمّت له سنة<ref> ابن شهر آشوب، منا قب آل أبي طالب ج 2 ص 144 .</ref>.
وقال السهيلي: إن هذا التأريخ الذي بدأ به [[رسول الله]] {{صل}} إنما نزل به القرآن في قوله {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} <ref>سورة التوبة، الآية 108 .</ref>، ويرى السهيلي أن هذا إقرار من القرآن في أن أول التأريخ يكون من ربيع الأول؛ ولأن الصحابة بدأوا التأريخ من الهجرة <ref>ابن حجر، فتح الباري ج 7 ص 208 و 209 .</ref>.


==الهوامش==
==الهوامش==

مراجعة ١١:١٦، ٣ سبتمبر ٢٠١٦

الهجرة النبوية هي من أهم الاحداث التاريخية في الإسلام، وهي تعبير يشير إلى هجرة النبي صلی الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة مع مجموعة من أنصاره وأصحابه الذين عُرفوا فيما بعد بالمهاجرين ، وبها بدأ العد التصادعدي في تاريخ الإسلام، مع أن هناك هجرتان سبقتا هذه الهجرة قام بها المسلمون، حيث هاجروا وخرجوا من مكة إلى الحبشة لما لقيه المسلمون من الظلم والمهانة من مشركي مكة وعُتاتها، لكن بخروج النبي منها بعد وفاة زوجته خديجة وعمه أبو طالب في العام الثالث عشر من البعثة عرف التاريخ مبدأً جديداً له .

خرج رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم من مكة ليلة الحادي من شهر ربيع الأول ووصل إلى منطقة قبا وأقام فيها أول مسجد عُرف بمسج قبا وانتظر هناك حتى وصول علي بن أبي طالب عليه السلام مع الفواطم ثم دخل المدينة في يوم 12 ربيع الأول .

معنى الهجرة

الهجرة في الأصل: الاسم من الهَجْر، ضد الوصل. وقد هجره هجراً وهجراناً . ثم غلب المعنى على الخروج من أرض إلى أرضٍ آخرى. يقال منه: هاجر مهاجرةً.

فالهِجْرَةُ: الخروجُ من أَرضٍ إِلى أُخرى. وهي انتقال الأَفراد من مكان إِلى آخرَ [١].

أول خروج للمسلمين من مكة

بعد أن انتهت بيعة العقبة الثانية ورجوع قرابة 75 من أهل يثرب إلى أهليهم، ومعرفة قريش بتقديم الأوس و الخزرج البيعة للنبي صلی الله عليه وآله وسلم ، أخذت قريش بالتشديد على المسلمين في مكة وجعل البلاء يشتد على المسلمين، فضيقوا عليهم وتعبثوا بهم فنال المسلون منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى، فأصبح العيش فيها لا يُطاق، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم واستأذنوه بالخروج منها، فقال: "قد أريت دار هجرتكم أريت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان ولو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي" .

ثم مكث أياماً، ثم خرج إلى أصحابه مسروراً فقال: "قد أخبرت بدار هجرتكم وهي يثرب فمن أراد الخروج فليخرج إليها" فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك [٢].

خروج النبي صلی الله عليه وآله وسلم من مكة

خرج النبي صلی الله عليه وآله وسلم من مكة ليلة الخميس، وقيل الثلاثاء سنة 13 من البعثة [٣] ، [٤].

وذكر

ليلة المبيت

روى عبدالله بن رافع، قال: وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام شعراً يذكر فيه [٥] :

وقيت بنفسي خير من وطأ الحصىومن طاف بـالبيت العتيق وبالحـجر
محمد لمّـا خـاف أن يـمكـروا بـهفوقّـاه ربي ذوالجـلال من المـكر
وبـتّ أراعيـهم متـى ينشرونـنيوقدوطّنت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الغـار آمناًهناك وفي حـفـظ الإله وفي سـتر

الهجرة وبداية التأريخ الهجري

خريطة تبين مسار الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة وهجرة المسلمين إلي الحبشة

انطلق التأريخ الهجري أو (التقويم الهجري) عند المسلمين من عام الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى يثرب التي أصبحت بعد ذلك تسمى بالمدينة المنورة. والهجرة تعد من معالم التاريخ الإسلامي لدى المسلمين؛ لأنها تعد هجرة من الشرك والكفر إلى التوحيد والإسلام وهي مهيئة أرضية تكوين الدولة الإسلامية والحضارة الكبري الإسلامية بين شعوب العالم كله.


بدء التاريخ الهجري

قيل: إنّ النبي هو أوّل من أمر بالتأريخ من يوم وروده المدينة المنورة في ربيع الأول ، فكان المسلمون يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه، إلى أن تمّت له سنة[٦].

وقال السهيلي: إن هذا التأريخ الذي بدأ به رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم إنما نزل به القرآن في قوله {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} [٧]، ويرى السهيلي أن هذا إقرار من القرآن في أن أول التأريخ يكون من ربيع الأول؛ ولأن الصحابة بدأوا التأريخ من الهجرة [٨].

إن الإمعان في مراسلات النبيّ (ص) ومكاتباته التي هي مدرجة في الأغلب في كتب التاريخ والسيرة والحديث والسنة، وكذا غير ذلك من الأدلة يثبت أن النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله وسلم - هو نفسه أول من اعتمد تلك الحادثة الكبرى كمبدأ للتاريخ، وكان يؤرّخ رسائله وكتبه إِلى امراء العرب وزعماء القبائل وغيرهم من الشخصيات البارزة بالتاريخ الهجري. على عكس مما هو المشهور بين المؤرخين من أن عمر بن الخطاب جعل هجرة النبيّ (ص) مبدأً للتاريخ باقتراح وتأييد من أمير المؤمنين علي (ع) وأمر بأن تؤرخ الدواوين، والرسائل والعهود وما شابه ذلك في ذلك التاريخ.

وهنا نموذج من تلك الرسائل النبوية المؤرخة بهذا التاريخ، ونحتمل أن تكون هناك أدلة اُخرى غير ما سنذكره هنا - أيضاً- لم نقف عليها.

نموذج من رسائل النبيّ المؤرخة: طلب سلمان من النبيّ (ص) ان يكتب له ولأخيه (ماه بنداذ) ولأهله وصية مفيدة ينتفع بها، فاستدعى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) عليّاً وأملى عليه اُموراً، وكتبها علي (ع)، ثم جاء في آخر تلك الوصية:

"وكتب علي بن أبي طالب بأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) في رجب سنة تسع من الهجرة".[٩]

المعجزة الإلهية في غار ثور

ان ما هو مسلّم به هو أن رسول اللّه (ص) أمضى هو وأبو بكر ليلة الهجرة وليلتين اخريين بعدها في غار ثور الذي يقع في جنوب مكة في النقطة المحاذية للمدينة المنورة. [١٠]

غار ثور مكان اختفاء النبي (ص) عن رؤية المشركين عند الهجرة

و كان الذي يقفو لهم الأثر يدعى أبا مكرز فوقف بهم على باب حجرة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) فقال هذه قدم محمّد، فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار فانقطع عنه الأثر فقال: ما جاوز محمد ومن معه هذا المكان، إِما أن يكونا صعدا إِلى السماء، أو دخلا تحت الأرض، فان بباب هذا الغار- كما ترون عليه- نسجَ العنكبوت والقبجة حاضنة على بيضها بباب الغار، [١١] فلم يدخلوا الغار.

لقد استمرت هذه المحاولات بحثاً عن النبيّ (ص) ثلاثة أيام بلياليها ولكن دون جدوى، فلما يئس القوم بعد ثلاثة ايام من السعي تركوا التفتيش وكفوا عن الملاحقة. غير أنه ليس من الواضح كيف تمت هذه المصاحبة والمرافقة ولماذا، فان هذه المسألة من القضايا التاريخية الغامضة. فان البعض يعتقد بان هذه المصاحبة كانت بالصدفة، فقد رأى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) أبا بكر في الطريق، فاصطحبه معه إلى غار ثور. وروى فريق آخر أن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - ذهب في نفس الليلة إلى بيت أبي بكر، ثم خرجا معاً في منتصف الليل إِلى غار ثور. [١٢] و قال فريق ثالث: أن أبا بكر جاء هو بنفسه يريد النبيّ وكان صلّى اللّه عليه وآله قد خرج من قبل فأرشدهُ "عليّ" إِلى مخبأ النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله).

و على كل حال فان كثيراً من المؤرخين يُعدّون هذه المصاحبة من مفاخر الخليفة ومناقبه، ويذكرون هذه الفضيلة ويتحدثون عنها بكثير من الاسهاب والاطناب،

علي وإتيان أسرة النبي إليه

انتهت المراحلُ الاُولى لنجاة رسول اللّه (ص) وفق تخطيط صحيح وبنجاح، فقد لجأ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وآله - في منتصف الليل إلى غار ثور واختبأ فيه، وبذلك أفشل محاولة المتآمرين عليه.

و لقد كان رسول اللّه (ص) طوال هذا الوقت مطمئناً لا يحسُّ في نفسه بأيّ قلق أو اضطراب، حتى أنه طمأن رفيق سفره عندما وجده مضطرباً في تلك اللحظات الحساسة بقوله: (لا تحزَن إِنَّ اللّه مَعَنا). [١٣]

و بقي هناك ثلاث ليال محروساً بعين اللّه تعالى ومشمولاً بعنايته ولطفه، وكان يتردّد عليه (صلّى اللّه عليه وآله) في هذه الأثناء علي (ع) وهند بن ابي هالة (ابن خديجة) على رواية الشيخ الطوسي في أماليه، وعبد اللّه بن أبي بكر وعامر بن فهيرة راعي اغنام أبي بكر (بناء على رواية كثير من المؤرّخين).

يقول ابن الاثير: كان عبد اللّه بن أبي بكر يتسمّع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلاً، وكان يرعى غنمه نهاره على مقربة من الغار، وكان اذا غدا من عندهما عفى على أثر الغنم. [١٤]

يقول الشيخ الطوسي في أماليه: عندما دخل علي (ع) وهند على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) في الغار (بعد ليلة الهجرة) أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) عليّاً أن يبتاع بعيرين له ولصاحبه، فقال أبو بكر: قد كنتُ أعددت لي ولك يا نبي اللّه راحلتين نرتحلهما إلى يثرب.

فقال رسول اللّه (ص) إِني لا آخذهما ولا أحدهما إِلا بالثمن. ثم أمر - صلّى اللّه عليه وآله - عليّاً (عليه السلام)، فدفع إِليه ثمن البعيرين. [١٥]

و كان من جملة وصايا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) في الغار في تلك الليلة أن يؤدي أمانته على أعين الناس ظاهراً وذلك بأن يقيم صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً: ألا من كان له قِبل محمّد أمانة أو وديعة فليأت فلنؤدِّ اليه أمانته.[١٦]

ثم أَوصاه (صلّى اللّه عليه وآله) بالفواطم (والفواطم هن: فاطمة الزهراء بنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) الحبيبة لديه والأثيرة عنده، وفاطمة بنت أسد اُمّ عليّ عليه السلام وفاطمة بنت الزبير ومن يريد الهجرة معه من بني هاشم)، وأمره بترتيب أمر ترحيلهم معه إلى يثرب وتهيئة ما يحتاجون اليه من زاد وراحلة.

و هنا قال - صلّى اللّه عليه وآله - عبارته التي تذرّع بها ابن تيمية في دليله الأول: "انهم لن يصلوا من الآن اليك يا عليّ بأمرٍ تكرهه حتى تقدم عليَّ". فالملاحظ للقارئ هو أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) إنما قال هذه العبارة عندما أمره بأداء أمانته، وذلك بعد انقضاء قضية ليلة المبيت. أي انه أمر علياً بذلك، وقال له تلك العبارة وهو يتهيّأ للخروج من غار ثور.

يقول الحلبي في سيرته: "وصى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في احدى الليالي وهو بالغار علياً رضي اللّه عنه بحفظ ذمته واداء امانته ظاهراً على اعين الناس". [١٧] وثم ينقل عن مؤلف كتاب الدر ما يقتضي انه اجتمع به عند خروجه من الغار.

وخلاصة القول: إنه مع رواية شيخ جليل من مشائخ الشيعة الإمامية كالشيخ الطوسي بالاسناد الصحيحة أن الأمر بردّ الودائع والأمانات صدر من جانب النبيّ (ص) إِلى عليّ (ع) بعد ليلة المبيت لا يحقّ لنا أن نعارض هذا النقل الصحيح، ونعمد إِلى الهاء العامة بالتوافه، وأما رواية مؤرخي اهل السنة هذا المطلب بشكل آخر يوحي ظاهرهُ بأن جميع وصايا النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) لعليّ تمت في ليلة واحدة هي ليلة الهجرة (ليلة المبيت) فقابل للتفسير والتوجيه، لأنه لا يبعد أن عنايتهم كانت مركزة على رواية أصل الموضوع، ولم يكن لظرف صدور هذه الوصايا والأوامر ووقت بيانها أهمية عندهم.

الخروج من الغار

هيّأ علي عليه السلام بأمر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ثلاث رواحل ودليلاً اميناً يدعى أريقظ ليترحلوها إلى المدينة، ويدلّهم الدليل على طريقها وأرسل كل ذلك إلى الغار. و لما سمع النبيّ - صلّى اللّه عليه وآله - رغاء البعير او نداء الدليل نزل هو وصاحبه من الغار وركبا البعيرين وتوجها من أسفل مكة إِلى "يثرب" سالكين إِلى ذلك الخط الساحلي، وقد جاء ذكر المنازل التي مرّا بها في السيرة النبوية لابن هشام [١٨] وفي الهوامش المثبتة على التاريخ الكامل لابن الاثير. [١٩]

خروج الإمام علي من مكة

خرج الإمام علي عليه السلام من مكة ومعه الفواطم (فاطمة بنت أسد و فاطمة بنت الحمزة بن عبدالمطلب ، و فاطمة بنت الزبير بن عبدالمطلب ، و فاطمة الزهراء) ،

وكان أبو واقد الليثي هو سائق قافلة الفواطم ، ولحق بهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، وكان أبو واقد يسير بالقافلة فأعنف في المشي خوفاً من قريش، فقال له الإمام علي : «ارفق بالنسوة يا أبا واقد، إنهن من الضعائف» ، ثم أخذ يسوق القافلة بنفسه وهو يقول [٢٠] ، [٢١] :

وليس إلاّ الله فارفع ضنّكايكفيك ربُّ الناس ما أهمكا

وحين اعترضت قريش طريق الإمام عليه السلام واجههم بسيفه وكان يقول [٢٢] :

خلّوا سبيل الجـاهد المجـاهدآليت لا أعبد غيـر الـواحــد


فكان عليه السلام يسير ليلاً ويختبئ نهاراً، حتى وصل إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم ووصل إلى قبا وقد تفطّرت قدماه من شدّة الحر وكثرة المشي، فبكى النبي صلی الله عليه وآله وسلم عندما رآه على تلك الحالة، فمسح بيده على قدمَيه فلم يشكهما بعد ذلك [٢٣]

النبي صلی الله عليه وآله وسلم في قبا

وصل النبي صلی الله عليه وآله وسلم منطقة قبا يوم الإثنين، وقيل: يوم الخميس، وبقي حتى صباح يوم الجمعة ينتظر قدوم الإمام علي عليه السلام مهاجراً من مكة بعد أن مكث فيها ثلاثة أيام [٢٤]، وقيل: بقي بعد قدوم الإمام عليه السلام يوماً أو يومين [٢٥]، في حيّ يقال له (حي بني عمرو بن عوف) مدّة (أربعة عشر ليلة) قبل دخول المدينة[٢٦]، وقيل بقي خمسة عشر يوماً [٢٧]، وقيل: ثمانية عشر يوماً [٢٨].

دخول النبي صلی الله عليه وآله وسلم المدينة

دخل رسول الله المدينة مع زوال شمس يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة 23 للبعثة كما ترويه علماء الشيعة [٢٩] ، [٣٠] ، [٣١] ، [٣٢]، وكذلك أهل السنة [٣٣] ، [٣٤] ، [٣٥] ، [٣٦] ، [٣٧] ، [٣٨] ، [٣٩] ، [٤٠].

ونقل صاحب كتاب ناسخ التواريخ أنّ دخول النبي كان في اليوم الأول من ربيع الأول [٤١].

وقال اليعقوبي: كان دخوله المدينة في الثامن من ربيع الأول[٤٢].

ونقل ابن شهر آشوب [٤٣] و أبو علي الطبرسي [٤٤] أن دخوله صلی الله عليه وآله وسلم المدينة كان في الحادي عشر من ربيع الأول .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

في الحادي عشر من شهر رمضان آخى النبي بين المهاجرين و الأنصار بعد ثمانية أشهر [٤٥] ، وقيل: بعد خمسة أشهر [٤٦] من دخول المدينة والإستقرار فيها، كانت بين خمسة وأربعين مهاجراً ومثلهم من الأنصار [٤٧] ، وكانت ركيزة المؤاخاة المكافئة بينه كل اثنين، فقد آخى بين سلمان و أبي ذر ، و عمار و المفداد ، و أبي بكر و عمر ، واختص هو صلی الله عليه وآله وسلم بعلي بن أبي طالب عليه السلام أخاً له .

الهوامش

  1. ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث ج ٥ ص ٢٤٤ .
  2. ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 1 ص 226 .
  3. الشيخ المفيد، مسار الشيعة ص 48 و 550 .
  4. الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد ص 550 .
  5. الشيخ الطوسي، الأمالي ص 468 و 469 . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 335 .
  6. ابن شهر آشوب، منا قب آل أبي طالب ج 2 ص 144 .
  7. سورة التوبة، الآية 108 .
  8. ابن حجر، فتح الباري ج 7 ص 208 و 209 .
  9. اخبار اصفهان تأليف ابي نعيم: ج 1 ص 52 و53.
  10. حيث ان الطريق المؤدي إلى المدينة تقع في شمال مكة، فاختبأ النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) في منطقة مقابلة أي في أسفل مكة، ليعمي بذلك على قريش فلا يتبعوا أثره.
  11. الطبقات الكبرى: ج 1 ص 229 تاريخ الخميس ج 1 ص 327 و328 وغيرها، ولقد ذكر عامة المؤرخين هذه الكرامة هنا، ولا ينبغي تأويل مثل هذا الكرامات.
  12. تاريخ الطبري: ج 2 ص 100.
  13. التوبة: 40.
  14. الكامل في التاريخ: ج 2 ص 73 مع تصرف.
  15. أمالي الشيخ: ج 2 ص 82.
  16. الكامل: ج 2 ص 73، السيرة الحلبية: ج 2 ص 53.
  17. السيرة الحلبية: ج 2 ص 35.
  18. السيرة النبوية لابن هشام: ج 1 ص 491.
  19. الكامل في التاريخ: ج 2 ص 75.
  20. الشيخ الطوسي، الأمالي ص 470 (ذيل المجلس 16) . ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 159 .
  21. ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .
  22. ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 92.
  23. ابن الأثير، أُسد الغابة ج 4 ص 105 .
  24. ابن الأثير، أسد الغابة ج 4 ص 104 . المسعودي، مروج الذهب ج 2 ص 279 .
  25. الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .
  26. ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 1 ص 235 .
  27. الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 153 .
  28. البيهقي، دلائل النبوة ج 2 ص 512 .
  29. الشيخ المفيد، مسارّ الشيعة ص 49 .
  30. الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد ص 550 .
  31. الإربلي، كشف الغمة ج 1 ص 16 .
  32. الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 150 .
  33. البيهقي، دلائل النبوة ج 2 ص 511 .
  34. ابن الجوزي، الوفا بأحوال المصطفى ص 251 .
  35. ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 1 ص 233 .
  36. ابن العماد، شذرات الذهب ج 1 ص 9 .
  37. المسعودي، مروج الذهب ج 2 ص 279 .
  38. ابن قتيبة، المعارف ص 151 ،
  39. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 41 .
  40. البلاذري، أنساب الأشراف ج 1 ص 310 .
  41. البيرجندي، وقايع الشهور والأيام ص 71 نقلاً عن ناسخ التواريخ .
  42. اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 41 .
  43. ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 225 .
  44. الطبرسي، إعلام الورى ج 1 ص 53 .
  45. ابن الأثير، أسد الغابة ج 1 ص 38 .
  46. ابن قتيبة، المعارف ص 152 .
  47. مير خواند الهروي، تاريخ روضة الصفا ج 3 ص 1197 في الهامش .

المصادر

  • الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، إيران.