الأشهر الحرم
الأشهر الحرم، هي أربعة أشهر من الشهور الهجرية، حُرِّمَ فيها القتال منذ عهد النبي إبراهيم ، وكان هذا التحريم نافذاً حتى زمن الجاهلية، فكانت العرب تعطي لها حرمة فتضع الحرب أوزارها، ولا يُقاتل أحدٌ أحداً، وقد أولاها الإسلام أيضاً حرمة واعتنى بها، حتى إن بعض فقهاء المسلمين غلّظ فيها الدية لو قتل أحدٌ نفساً، كما أن القرآن أشار إلى حرمة ابتداء قتال الأعداء في هذه الأشهر، ولزوم مقاتلتهم إذا نقضوا حرمة هذه الأشهر و بدؤا القتال فيها. والأشهر هي ذو القعدة وذي الحجة ومحرّم و رجب. ولعل حرمتها من باب تهيئة النفوس للحج ودخول مكة التي كانت أشرف أماكن العبادة آنذاك.
حرمتها قبل الإسلام
كان العرب في عصر الجاهلية يغيِّرون الأشهر الحرم أحيانا تبعاً لميولهم و أهوائهم و منافعهم، الأمر الذي كان يُعرف بالنسيء، فكانوا مثلاً يجعلون لشهر محرم بدلاً من الأشهر الأخرى كشهر صفر مثلاً فيحرمونه بدل شهر محرم ؛ حتى لا يتوقف القتال عندهم ثلاثة أشهر متوالية، كما حدث لأحد زعماء قبيلة بني كنانة، إذ خطب في موسم الحج في منى وقال: إنّني أخَّرت المحرم هذا العام وانتخبت شهر صفر مكانه.
وقد رُوي عن ابن عباس : إنّ أوّل من سنّ هذه السنّة هو عمرو بن لحي، وقال بعضهم: بل هو قلمس من بني كنانة.
معنى النسيء
هو التلاعب بالاشهر الحرم توضع شهر آخر مكان الشهر المحرم، كجعل شهر صفر مكان شهر محرم, وهذا التلاعب بأحكام الشريعة واختراق الحرمة المفروضة من قبل بعض أصحاب الأهواء حتمت على الشرع بيان هذا الأمر فنزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [١].
حرمتها في الإسلام
لقد أولاها الإسلام حرمة واعتنى بها، وأقر حرمتها وقرر لها أحكاماً، بل أيدتها السماء فنزل فيها وحي وقرآن.
في القرآن الكريم
ورد ذكر الأشهر الحرم كعدد في كتاب الله تعالى في عدة آيات:
- قوله تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ إثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَتَظْلِمُوا فِيهِنَ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [٢].
- وقوله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [٣].
- وقوله تعالى : {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [٤].
- وقوله تعالى : {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [٥].
- وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [٦].
- وقوله تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[٧].
في الروايات
- وروى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره : «الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ رَجَبٌ مُفْرَدٌ، وَ ذُو الْقَعْدَةِ وَ ذُو الْحِجَّةِ وَ مُحَرَّمٌ مُتَّصِلَةٌ، حَرَّمَ اللَّهُ فِيهَا الْقِتَالَ، وَ يُضَاعَفُ فِيهَا الذُّنُوبُ وَ كَذَلِكَ الْحَسَنَاتُ» [٨] ، [٩].
- عن ابن عمر ، عن النبي قال: «{إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ إثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماواتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} : رجب مضر الذي بين جمادى و شعبان ، و [ذو القعدة]] و ذو الحجة و المحرم ...» [١٠].
وهناك رواية مختلفة في المقام:
- روى زرارة عن أب جعفر عليه السَّلام ـ في حديث طويل ـ قالَ : «مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بُقْعَةً فِي الْأَرْضِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهَا ـ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ـ وَ لَا أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) مِنْهَا، لَهَا حَرَّمَ اللَّهُ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ فِي كِتَابِهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ، ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ لِلْحَجِّ: شَوَّالٌ، وَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَ ذُو الْحِجَّةِ، وَ شَهْرٌ مُفْرَدٌ لِلْعُمْرَةِ، وَ هُوَ رَجَبٌ» [١١].
وقد خصص العلامة المجلسي باباً لهذا الخصوص أسماه (باب الجهاد في الحرم وفي الأشهر الحرم ومعنى أشهر الحرم وأشهر السياحة) [١٢].
حكم شرعي
للأشهر الحُرم أحكاماً خاصة ليست لغيرها من الأشهر الأخرى، و من تلك الأحكام:
- حرمة إبتداء قتال الأعداء.
- تضاعف الذنوب.
- تضاعف الثواب و الحسنات.
- تضاعف الدية للقاتل.
الهوامش
- ↑ سورة التوبة: 37.
- ↑ سورة التوبة: 36.
- ↑ سورة البقرة،: 217.
- ↑ سورة التوبة: 5.
- ↑ سورة البقرة: 194.
- ↑ سورة المائدة: 2.
- ↑ سورة المائدة: 97.
- ↑ القمي، تفسير القمي ج 1 ص .
- ↑ الميرزا النوري، مستدرك وسائل الشيعة، ج 11، ص 48.
- ↑ الصدوق، الخصال، ص 257.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 239.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 51 ـ 57.
المصادر
- المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ .
- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر قم المقدسة، إيران .
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طبع دار الكتب الإسلامية 1365 هـ ش ، طهران، إيران .
- النوري، حسين، مستدرك وسائل الشيعة، طبع مؤسسة آل البيت، 1408 هـ ، قم المقدسة، إيران .