أحاديث لا تنقض اليقين بالشك أو أخبار لا تنقض هي مجموعة من الروايات التي تدل على أن اليقين لا يُنقض بالشك. وفي اصطلاح علماء أصول الفقه تسمى هذه الروايات أحياناً بـ«أخبار لا تنقض». وقد عدّت هذه الأحاديث من أهم الأدلة على حجية الاستصحاب، أي أن المكلف إذا تيقن من موضوع ثم شك فيه، فإنَّه يجب عليه أن يبقى على يقينه السابق، حتى يحصل له يقين جديد في ذلك الموضوع، وقد اعتبر بعض الفقهاء، كـالسيد الخوئي، ومحمد رضا المظفر، أنَّ هذه الروايات دليل على حجية الاستصحاب، ويرى البعض الآخر كـالإمام الخميني ومحمد فاضل اللنكراني أن هذه الروايات لا يمكن أن تصدر حكمًا في الموضوعات الشرعية مثل وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة أو صحة الوضوء، بل إن هذه الأحاديث لا تعتبر إلا دليلًا على الاستصحاب، وليست دليلاً على إثبات الأحكام الشرعية ذاتها.
يرى الشيخ مرتضى الأنصاري أن سند أو دلالة بعض هذه الروايات ضعيف، ومع ذلك فهو يذهب إلى أن هذه الروايات مجتمعة يمكن أن تكون دليلاً على إثبات الاستصحاب.
التعريف بها
لا تنقض اليقين بالشك من الأحاديث التي تدل على الاستصحاب، وتُشير إلى أن المكلفين إذا تيقنوا من موضوع، ثم شككوا فيه، فلا ينبغي لهم أن يُنقضوا يقينهم بالشك.[١] في المصنفات الفقهية الشيعية تُسمى الروايات التي تحتوي على عبارة «لا تنقض اليقين بالشك» أو ما يُقاربها اصطلاحًا «أخبار لا تنقض».[٢] اعتبر محمد رضا المظفر هذه الأحاديث الدليل الرئيس على حجية أصل الاستصحاب.[٣]
وقد استنتج عبد الحسين خسروبناه، وهو محاضر وباحث في الفلسفة الإسلامية، من مناقشات الإمام الخميني حول «لا تنقض اليقين بالشك» أن المعرفة اليقينية ممكنة من وجهة نظر الإسلام، وعلاوة على ذلك، فإنَّ قيمة المعرفة اليقينية ذاتية، ولا يمكن أن تلوثها مستويات المعرفة الأدنى.[٤]
كيفية إثبات الحكم الشرعي بأحاديث لا تنقض
بحسب رأي بعض الفقهاء مثل الإمام الخميني ومحمد فاضل اللنكراني، فإنَّ روايات لا تنقض اليقين بالشك ليست في حد ذاتها دليلًا على أي من الأحكام الشرعية (الوجوب، والحرمة، والإباحة، إلخ)، بل هذه الروايات تثبت الاستصحاب، والاستصحاب دليلًا لإثبات الحكم في الموضوعات الشرعية.[٥] فمثلاً لو تيقنا أن صلاة الجمعة واجبة بحضور الأئمة ؛ ولكننا شككنا هل هي واجبة في عصر الغيبة أم لا، والروايات الواردة في «لا تنقض اليقين بالشك» لا تدل على وجوبها ولا على جوازها، وإنما يُثبتها الاستصحاب فقط، والاستصحاب هو الذي يحكم بوجوب صلاة الجمعة في عصر غيبة الإمام المهدي .[٦]
ويرى الفقهاء أيضًا أن هذه القاعدة تنطبق على اليقين، الذي له بذاته الاستعداد على الثبات والبقاء، فعلى سبيل المثال، إذا توضأ شخص ما، فإن هذا الوضوء لديه الاستعداد على البقاء لمدة زمنية محددة؛ فإذا شككنا في بطلان الوضوء أو عدم بطلانه فلا نلتفت إلى شكنا.[٧]
دلالة أخبار لا تنقض على الاستصحاب
ومن أخبار لا تنقض يوجد ثلاثة أحاديث رواها زرارة بن أعين من أصحاب الإمام الباقر، والإمام الصادق .[٨] يرى الشيخ الأنصاري أن سند الروايات الثلاثة عن زرارة صحيح، لكنه يرى أن دليلهم على حجية الاستصحاب ضعيف. ويرى أيضًا أن سند بقية الروايات ضعيف.[٩] ومع ذلك فهو يرى أن هذه الروايات مجتمعة يمكن أن تكون دليلاً على حجية الاستصحاب.[١٠]
إعادة الوضوء عند الشك في بطلان الوضوء
يسأل زرارة أحد المعصومين عمن تيقن من وضوئه، ولكنه يشك في أنه كان نائمًا تمامًا ليبطل وضوؤه، ويجيب الإمام بأنَّه لا يُنقض اليقين أبدا بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر.[١١] ويرى السيد الخوئي واستنادًا إلى بعض المصادر أن هذه الرواية نقلت عن الإمام الباقر.[١٢]
وقد احتمل الشيخ الأنصاري أن هذه الرواية خاصة باليقين في الوضوء فقط، ولذلك يرى أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية وحدها في إثبات الاستصحاب،[١٣] لكن هذه الرواية عند السيد أبو القاسم الخوئي تفيد أن اليقين لا يزول بالشك بشكل مطلق.[١٤] ويرى محمد رضا المظفر أن هذه الرواية لا تدل إلا على قبول الاستصحاب في الشبهات الموضوعية.[١٥]
إعادة الصلاة عند الشك في طهارة الثوب
في رواية أن زرارة سأل أحد الأئمة عدة أسئلة، ومن تلك الأسئلة هي: إذا ظننت أن ثوبي أصابته النجاسة، ولكني لم أتيقن من ذلك، فنظرت فلم أجد شيئًا، وصليت على هذه الحالة، وبعد الصلاة أدركت أن ثيابي نجسة، فهل أعيد صلاتي؟ فأجاب الإمام بأنه لا حاجة إلى إعادة الصلاة؛ لأنَّه كان على يقين سابق، ولا ينبغي أن ينقض اليقين بالشك.[١٦] وبحسب رأي الآخوند الخراساني، وهو من فقهاه القرن الرابع عشر الهجري، إن هذا الجزء من الرواية يدل على الاستصحاب.[١٧]
أداء ركعة إضافية عند الشك
وفي رواية أخرى روى زرارة عن أحد المعصومين أن من تيقن أنه صلى ثلاث ركعات، ثم شك هل صلى الرابعة أم لا؟ فقال: لا ينقض اليقين بالشك. فيقوم فيصلي ركعة إضافية.[١٨] اعتبر الوحيد البهبهاني (وهو فقيه شيعي، في القرن الثاني عشر الهجري) أن هذه الرواية من الروايات الدالة وبشكل قطعي على الاستصحاب.[١٩] وتردد الشيخ الأنصاري في دلالة هذا الحديث على الاستصحاب؛ لأنَّ هذا الحديث لا يكون عنده حجة على إثبات الاستصحاب إلا إذا اعتبرنا اليقين متعلقاً بالركعة الثالثة، ولم نعتني بالشك في الركعة الرابعة، هذا في حين أن الفقه الشيعي يرى أنه إذا شك بين الركعة الثلاثة والرابعة فإنه يبني على الركعة الرابعة، ويأتي بركعة إضافية بعد التسليم.[٢٠]
روايات مشابه لأخبار لا تنقض
بالإضافة إلى روايات زرارة، هناك روايات أخرى عديدة تحمل تعابير تشبه لا تنقض اليقين بالشك، فعلى سبيل المثال روي عن الإمام الكاظم أنَّه قال: «إذا شككت في صلاة فابنيها على اليقين».[٢١] وقد جاء في أحاديث أخرى: «من تيقن، ثم شك، فإنه يبقى على يقينه، فإن الشك لا ينقض اليقين»،[٢٢] و«الشك لا يدخل في اليقين».[٢٣]
الهوامش
- ↑ الوحيد البهبهاني، الرسائل الأصولية، ص437.
- ↑ الفاضل اللنكراني، سيري كامل در أصول فقه، ج14، ص33؛ المحمدي، شرح كفاية الأصول، ج4، ص17.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج4، ص296.
- ↑ خسروبناه، منظومة فكري إمام خميني، ص85.
- ↑ الخميني، وسيلة الوصول، ج4، ص27؛ الفاضل اللنكراني، سيري كامل در أصول فقه، ج14، ص34.
- ↑ الفاضل اللنكراني، سيري كامل در أصول فقه، ج14، ص36.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، فرهنگ نامه اصول فقه، ج1، ص853.
- ↑ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج1، ص8؛ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص361؛ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج2، ص186.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج3، ص71.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج3، ص71.
- ↑ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج1، ص8.
- ↑ الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي، ج48، ص15.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج3، ص71.
- ↑ الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي، ج48، ص20.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج4، ص297.
- ↑ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص361.
- ↑ الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج2، ص393.
- ↑ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج2، ص186؛ الخوئي، موسوعة الإمام الخوئي، ج48، ص69 و75.
- ↑ الوحيد البهبهاني، الرسائل الأصولية، ص442 ـ 443.
- ↑ الأنصاري، فرائد الأصول، ج3، ص62 ـ 63.
- ↑ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص351.
- ↑ الصدوق، الخصال، ج2، ص619.
- ↑ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج2، ص186.
المصادر والمراجع
- الآخوند الخراساني، محمد كاظم، كفاية الأصول، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط1، 1409 هـ.
- الأنصاري، مرتضى، فرائد الأصول، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1419هـ.
- الخميني، روح الله، وسيلة الوصول إلى علم الأصول، قم، فقه الثقلين، ط1، 1443 هـ.
- الخوئي، أبو القاسم، موسوعة الإمام الخوئي، قم، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، ط1، 1418هـ.
- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الخصال، تحقيق: علي أكبر غفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط5، 1416 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، قم، كتاب فروشي داوري، 1385 هـ/ 1966 م.
- الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407 هـ.
- الفاضل اللنكراني، محمد، سيري كامل در أصول فقه، قم، الفيضية، 1377 ش.
- المحمدي البامياني، غلام علي، شرح كفاية الأصول، د.م، د.ن، 1385 ش.
- المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، قم، إسماعيليان، د.ت.
- الوحيد البهبهاني، محمد باقر، الرسائل الأصولية، قم، مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني، ط1، 1416 هـ.
- خسروبناه، عبد الحسين، منظومة فكري إمام خميني، طهران، پژوهشگاه فرهنگ و انديشه اسلامی، 1395 ش.
- مجموعة من المؤلفين، فرهنگ نامه اصول فقه، قم، پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامی، ط1، 1389ش.