انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «آل حرفوش»

من ويكي شيعة
imported>Ameli
لا ملخص تعديل
imported>Ameli
لا ملخص تعديل
سطر ٥: سطر ٥:
وأكرموا وفادتهم. <ref>أعيان الشيعة، ج2، ص217.</ref>
وأكرموا وفادتهم. <ref>أعيان الشيعة، ج2، ص217.</ref>


ورغم أن  الحرافشة  يرجعون إلى" قبيل ذي مجدٍ أثيل ، وفخرٍ أصيل ، وفروسيّة نادرة ، ومكارم باهرة" <ref>تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني ، ج2،ص8.</ref> ، إلا أن لا يمكن التغاضي عن قدرٍ من الظلم يلازم نظامهم الإقطاعي ولا يمكن إلا الإذعان به ؛ يقول السيد محسن الأمين ''ولا يمكننا التصديق برميهم بالظلم وعسف الرعية، وأخذ أموالها زيادة عن كل من يتولى الحكم، وأي حاكم لم يظلم؟!'' <ref> ج7، ص278</ref>
ورغم أن  الحرافشة  يرجعون إلى" قبيل ذي مجدٍ أثيل ، وفخرٍ أصيل ، وفروسيّة نادرة ، ومكارم باهرة" <ref>تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني ، ج2،ص8.</ref> ، إلا أن لا يمكن التغاضي عن قدرٍ من الظلم يلازم نظامهم الإقطاعي ولا يمكن إلا الإذعان به ؛ يقول السيد محسن الأمين :'' " ولا يمكننا التصديق برميهم بالظلم وعسف الرعية، وأخذ أموالها زيادة عن كل من يتولى الحكم، وأي حاكم لم يظلم؟!""  <ref> ج7، ص278</ref>
اشتهر من علمائهم
اشتهر من علمائهم
الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي ووالده الشيخ محمد، وكان شاعراً أيضاً.
الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي ووالده الشيخ محمد، وكان شاعراً أيضاً.

مراجعة ٢٢:٥٧، ١٩ أبريل ٢٠١٥

آل حرفوش هي سلالة شيعية تضمّ عدداً من الذين حكموا في سوريا في العهد الاقطاعي، فكانت بلاد بعلبك والبقاع وحمص وغيرها تحت حكمهم، لُقِّب حكّامهم بالأمراء، وهي من الألقاب التي كانت رائجة للإقطاعيين. وكانوا شيعةً اثني عشرية. سكنوا قلعة بعلبك، وبنوا فيها وحولها ديارهم ومساكنهم. إلتجأ إليهم جماعة من أهل جبل عامل حين فروا من الجزار وتفرقوا في البلاد، فحموهم وأكرموا وفادتهم. [١]

ورغم أن الحرافشة يرجعون إلى" قبيل ذي مجدٍ أثيل ، وفخرٍ أصيل ، وفروسيّة نادرة ، ومكارم باهرة" [٢] ، إلا أن لا يمكن التغاضي عن قدرٍ من الظلم يلازم نظامهم الإقطاعي ولا يمكن إلا الإذعان به ؛ يقول السيد محسن الأمين : " ولا يمكننا التصديق برميهم بالظلم وعسف الرعية، وأخذ أموالها زيادة عن كل من يتولى الحكم، وأي حاكم لم يظلم؟!"" [٣] اشتهر من علمائهم الشيخ إبراهيم بن محمد الحرفوشي ووالده الشيخ محمد، وكان شاعراً أيضاً.

صورة قديمة لمدينة بعلبك وقد بدا سهل البقاع في أعلى الصورة وقلعة بعلبك في وسطها

ومن وشعرائهم الأمير موسى بن علي، ومن عظماء أمرائهم يونس، ومنهم ولده أحمد، و جهجاه، و شلهوم، و سلمان، و محمد، وغيرهم. فتكت بهم الدولة العثمانية ونفتهم إلى الروم في حدود سنة 1286 هـ. وعينت لهم معاشات ثم سكنوا اسلامبول، ودخلوا في وظائف الدولة العالية، حتى صار منهم رئيس شورى الدولة، لكنهم فقدوا بذلك مميزات قوميتهم وصاروا أتراكاً لا يعرفون شيئا من اللسان العربي. ولا تزال منهم بقية في قرى تمنين وسرعين وشعث وحربتا والنبي رشادي من بلاد بعلبك.[٤]

وقد أهمل المؤرخون اللبنانيون عموماً أخبار الحرافشة؛ باعتبارهم خارج الإطار اللبناني المتعارف عليه في أيامهم، و الذي لم يكن يتجاوز جغرافيا جبل الشوف و جبل لبنان و ساحلهما. من جهة ثانية كان تشيعهم يصنفهم خارج الملة التي ينتمي إليها هؤلاء المؤرخون، وجلّهم من رجال الدين الذين لم يبذلوا جهدا كبيرا في إخفاء تجاهلهم و تحاملهم على أخبار الحرافشة ، كما فعلوا مع الحماديين رغم انتمائهم إلى جبل لبنان نفسه.[٥]

نسب آل حرفوش

الشائع بين الأهالي عن أصل هذه العائلة، ان حرفوش الخزاعي جدّ هذه العائلة عقدت له راية بقيادة فرقة في حملة أبو عبيدة بن الجراح على بعلبك، واستوطن بعدئذ المدينة و كثر نسله، و كانوا من أعظم الأعيان فيها إلى أن تيسر لهم الاستقلال في المدينة وأقليمها فسادوا وحكموا.

شجرة نسب آل حرفوش

[٦]

ويمكن تأكيد الانتماء الخزاعي لهذه العائلة و ارتباط ابنائها بعلاقة ما مع خزاعل العراق، نظرا إلى تواصل هذه العلاقات بينهما على امتداد قرون عدة، ربما آخرها في منتصف القرن التاسع عشر عند حصول نزاع بينهم و بين الحماديين، كان له انعكاس عشائري في جنوب العراق في لواء الديوانية حيث كانت مضارب الخزاعل و لا تزال. [٧]


الحكام من آل حرفوش

علي بن موسى الحرفوشي (١۵٣٧-١۵٩٠م)

خريطة بلاد بعلبك والبقاع في الحقبة العثمانية

إن الوثائق العثمانية الرسمية تؤكد أنه كان من أعظم أمراء بلاد الشام سلطاناً و نفوذا في عصره، وربما في العصور العثمانية اللاحقة. وقد توصل إلى أن يفرض شروطاً على اسطنبول، لقاء قبوله بحكم مناطق واسعة لم يصل أمير محلي واحد إلى حكمها من بعده، وكان من شروطه على الباب العالي أن يتحول إقطاعه الواسع إلى ما يشبه إدارة مستقلة تلحق رأساً باسطنبول، ويكون هو بيكلريك[٨] على رأسها، وأن يستثني سكان إقطاعاته من الجندية، وأن يكون جميع الحكام الآخرين، من موظفيه وأتباعه، بمن فيهم فخر الدين المعني. ولعل ما وصل إليه من قوةٍ وصولةٍ ونفوذ هي التي عجلت في نهايته على يد السلطان العثماني، بعد أن سهلت دسائس المعني لوالي الشام، التمكن منه غيلةً وغدراً.

بعد سقوط أول أمير حرفوشي قتيلاً بيد العثمانيين الفاتحين، تَسْكت المراجع فترة وجيزة عن أخبار الحرافشة. ولكن يمكننا أن نستنتج من ترجمة الغزي لعلي بن موسى الحرفوش، أن والده موسى كان أميراً على بعلبك قبل سنة 1537م ثم خلفه ولده علي قبل أن يقدّم أبو علي بن قنبر (الشهير بالأقرع) في نفس العام، رشوة للدفتردار محمود قدرها خمسة عشر ألف دينار، مقابل عزل علي الحرفوش وتعيينه حاكما على بعلبك. مما أدى إلى خرابها و رحيل معظم أهلها وتعطل الأحكام الشرعية والحياة العادية فيها، بعد أن عتا ابن الأقرع وأتباعه وصادر الأموال والمحاصيل ليجمع الأموال التي التزم بها للسلطنة.

«فعزم جماعة من أقارب علي الحرفوش صاحب بعلبك، أن ينزعوا حكومتها من يد الأقرع لأنه من غير أولاد الأمراء، وحكومة بعلبك متوارثة لبني الحرفوش. فجاءه ألفا رجل جمعهم بنو حرفوش من كسروان والشوف، وأرادوه أن يخرج بعياله حيث شاء، ورغم أن الحرافشة انهزموا في هذه المعركة وسقط من عسكرهم ألفا وثمانون قتيلا، فقد استطاع علي بن موسى أن يقتل الأقرع بعد حين، مما أغضب والي دمشق والصدر الأعظم».

امتد حكم هذا ، حتى مقتله (١۵٨٩ م) ، أكثر من نصف قرن، وهو يقاوم دسائس ولاة الشام وحكام الشوف حتى قبض عليه علي باشا بن علوان والي الشام، وساقه مع منصور بن فريخ وقانصوه الغزواي إلى إسلامبول (١۵٨۵ م) .

ولكن السلطان مراد أطلقهم أحرارا وعادوا إلى بلادهم أمراء. كما فشل والي الشام الجديد سنان باشا (١۵٨۶ م) في القضاء عليه قبل أن يصبح صدرا أعظم ويخلفه في ولاية دمشق ابنه محمد باشا.

و«في يوم الجمعة في ثامن عشر من شهر ذي القعدة سنة (٩٩٨ ه‍-١۵٨٩ م) دخل علي بصحبة يانظ إبراهيم وجماعة من الينكرجية فاجتمع بمحمد باشا وبن سنان باشا وكان يومئذ نائب الشام فأكرمه وهرع إليه الناس للسلام عليه ونزل في بيت يانظ إبراهيم ثم قبض عليه بعد عشرة أيام وحبس وعرض الباشا فيه إلى أبيه وهو الوزير الأعظم وكان أبوه حين كان في الشام نائبا أراد القبض عليه فهرب منه فلما علم بإمساكه أنهى إلى حضرة السلطان أنه من العصاة فأمر بقتله فضربت عنقه داخل قلعة دمشق بعد صلاة العشاء ليلة السبت في ثاني عشر من شهر محرم سنة (٩٩٩ ه‍-١۵٩٠ م) وأرسل رأسه إلى التخت السلطاني ودفن جسده في مقبرة الفراديس بدمشق وقد تم قتله بدسيسة فخر الدين المعني» [٩].

كان علي بن موسى الحرفوشي أمين بعلبك وأمير لواء حمص، وأمير لواء تدمر، ويبدو ان كسروان والشوف كانت قد دخلت في إقطاعه فترة ما، وكذلك بيروت. كما تدل هوية المقاتلين الذين استعاد بهم حكم بعلبك من أحمد الأقرع، والخلاف الناشب بينه وبين سيف الدين على بعض الأملاك في مدينة بيروت. حضر إلى اسطنبول سنة ١۵٨۵ م، حيث جرت مفاوضات ترمي إلى تلزيمه لمدة أربع سنوات مقاطعات ابن معن في مدينة صيدا، والمقاطعات التابعة لها، ومقاطعات محمد بن شرف الدين ٢، بما في ذلك القرى وحصن الأكراد، على ان يدفع مئة ألف فلوري بزيادة خمسة وعشرين ألفا عن مبلغ التزامها المعتاد. لكنه اشترط لقبول ذلك ما يلي:

  1. تحويل الولاية المذكورة إلى «بيكلريك» [١٠]
  2. تخصيص علي بك -وهو اسم علي الحرفوشي في المراسلات الرسمية بالإضافة إلى لقب الإمارة- بمبلغ ثمانماية ألف أقجة من عوائد الضرائب.
  3. تحويل زعامة ابن معن وشرف الدين إلى خاصة تابعة له [١١].
  4. عدم فصل المقاطعات المذكورة عن بعضها.
  5. تخصيص معاشات لمن يقوم هو بتعيينهم.
  6. إعفاء الزعماء وأرباب التيمار من الحروب الهمايونية طالما استمروا في أداء واجباتهم المحلية [١٢].

وينتهي الأمر السلطاني الذي فصل كل هذه الأمور بالقول «إذا لم تقبل كافة هذه الشروط فإن علي بك لا يوافق على زيادة مبلغ الإلتزام» [١٣].

رغم المناصب المهمة التي وصل إليها علي الحرفوشي، ورغم زيارته إلى اسطنبول، والمفاوضات التي أجراها مع الباب العالي، كانت السلطات العثمانية حتى قبل ذلك التاريخ، تنظر إليه بريبة وشك، وتنتظر الفرصة المناسبة للقضاء عليه. كما يدل على هذا الأمر السلطاني الصادر إلى والي دمشق وقاضيها (في ١٩ جمادي الثاني ١٩٩٢ ه‍-٢٨ حزيران ١۵٨۴ م ) وقد جاء فيه: "لقد أعطي لواء تدمر سابقاً إلى علي بن حرفوش، أمين بعلبك التابعة لدمشق. وقد توالى وصول الأنباء التي تفيد أنه يقوم بمساعدة أهل الفساد باستمرار، وأنه شخصياً لا يخلو من الفساد. أجل، لقد صدر الأمر، أنه بعد حسن التدبير، فإنه يجب إلقاء القبض على المذكور، سواء كان في دمشق أو في منطقة أخرى، و عموما حيثما وجد، يجب إلقاء القبض عليه و حبسه و عرض حالته. آمر، عند وصول رجب أحد متفرقة عتبتي المعلاة، أن تقوم بإلقاء القبض عليه و حبسه ثم عرض الأمر و قد كتب هذا الأمر بهذا الخصوص".[١٤]

و يبدو أن هذه الفرصة المناسبة لم تسنح قبل سنة (٩٩٨ ه‍-١۵٩٠ م) ، عندما استدرجه والي الشام وابن الصدر الأعظم إلى دمشق حيث كانت نهايته. بعد أن أرسلت اسطنبول هذا الحكم الحاسم إلى دمشق المؤرخ في ١۵ ذي الحجة ٩٩٨ ه‍-١٠ تشرين الأول/أكتوبر ١۵٩٠ م.

كان من المرجح أن تفشل المفاوضات بين علي والدولة العثمانية. فرغم أن الشروط التي وضعها كان فيها قدر من سعة السلطان والاستقلالية الإدارية، لم تألفه السياسة العثمانية في سوريا منذ أن أصبحت ايالات [أي ولاية] في الإمبراطورية، فهو لم يكن في أي وقت حاكما عثمانيا مطيعا حتى عندما نقل ابراهيم باشا، قائد الجيوش العثمانية و صهر السلطان إدارة شؤون البلاد بكاملها إليه سنة 1585م [١٥]فالأحكام السلطانية التي تناولته في دفتر المهمة العثماني تزخر بأخبار شقاوته و تمرده و إغارته على مختلف الأنحاء فليس غريبا أن تحاول السلطة استجلاب طاعته بهذا الثمن المرتفع.

وفي تموز 1576م أرسل قاضي الزبداني إلى العاصمة طلبا عاجلا للمساعدة في الدفاع عن بلدته من غارات الحرفوشي مع سبعين أو ثمانين فارسا من رجاله وبعد سنوات قليلة صدر أمر سلطاني إلى حاكم دمشق باتخاذ تدابير عسكرية رادعه ضده بعد أن أغار على قرى عديدة خارجة عن سيطرته في بعلبك و إعادة الممتلكات المنهوبة و بعد أشهر في نفس العام تلقى والي طرابلس أوامر بمواجهة المتمرد و الذي يتلقى من فخر الدين مساعدات في ثورته في بعلبك ونقل السلطة على البقاع إلى الإيالة المستحدثة في طرابلس، تسهيلا للقضاء عليه إلا أن هذا التدبير لم يستمر طويلا و أعيد إلحاق البقاع بولاية دمشق كما كانت دائما.

نلاحظ من حكم سلطاني صدر في أيلول 1583م أن لهجة الباب العالي قد اختلفت عن السابق نحو علي بعد أن هاجمت عصابات بدوية و تركمانية بعلبك فبادر أميرها للدفاع عن مقاطعته و حماية سكانها فوصلت الأوامر إلى والي دمشق لمساعدة هذه المرة من أجل استعادة النظام و السلم.

ان سكوت الدولة عن عدوها القديم يعود بدون شك إلى القلاقل و الاضطرابات التي سادت مناطق حكمه في هذه الفترة و حاجتها إليه لإعادة الأمن و مقاومة العابثين به. و يتأكد ذلك في انذار و جهته اسطمبول إلى حاكم جبلة.

ومن الواضح أن الحكومة المركزية كانت تنتظر الفرصة المناسبة للقضاء على الحرفوشي و قد سنحت لها عند زيارة طوعية قام بها إلى والي دمشق و ذكرت الأسباب رسميا بأنها مخالفاته الضريبية. وليس هناك ما يؤكد الإتهامات التي وجهت إلى دسائس فخر الدين ومدى مساهمتها في مقتله.

و يبدو البروفسور أبو حسين غير مقتنع بالمبررات العثمانية و لا بدور المعني في إعدامه، فانه يعتقد أن هرطقته المتشددة، و علاقاته المفترضة مع الصفوية الإيرانية هما المسؤولان عن نهايته.[١٦]

موسى بن علي (١۵٩٠-١۶٠٧) م

خلف موسى والده في جميع مناصبه بما فيها أمانة بعلبك وإمارة لواء حمص ١.

و ليس القرب من التسنن الذي ألصقته به الدولة و أجهزتها و أوساط الباشا في دمشق الا حجة واهية قصدت بها تبرير عجزها عن منع موسى من خلافة والده المقتول على تشيعه.

وكان بنو فريخ يتقاسمون حكم البقاع مع الحرافشة. فتحالف موسى مع فخر الدين للقضاء على قرقماز بن الفريخ. و تم له ذلك اثر انتصاره في زينون سنة ١۵٩۴ م حيث كانت نهاية بني فريخ.

واستمر هذا التحالف بين ين بوجه يوسف سيفا والي طرابلس و عدو والي دمشق محمد باشا المنتقل من ولاية مصر سنة ١۵٩٨ م.

و انهزم السيفي في معركة جرت بينهما في نهر الكلب كما يقول معظم المؤرخين بينما يؤكد غيرهم أنها جرت في أعزاز الواقعة في ولاية حلب. ثم قام موسى بهجوم أخر على السيفي قريبا من مركز ولايته فدهم جبة بشري في حزيران ١۶٠٢ م و نهبها بينما كان أهلها في الساحل يعملون بحل الحرير ٢.

ولما بلغ يوسف باشا ذلك جمع سكمانيته و أهل الناحية، و هم أكثر من خمسة آلاف نفس، فكبسوا بعلبك في حزيران/يونيو ١۶٠٢ م. و نهبوا المدينة فهرب أهلها إلى الشام. و التجأ شلهوب بن نبعة مع جماعة من بيت الحرفوش إلى قلعة بعلبك، و كان معهم من أهل البلاد ما يزيد على ألف رجل غير النساء و الأولاد٣. و لم تأت المصادر على ذكر موسى أثناء الهجوم، مما يرجح أنه كان غائبا لسبب غير معلوم.

يونس

حكم يونس من سنة 1016 الى1035هـ. وكان سياسيا محنكا، إذ استطاع أن يوجد نوع من الوحدة والصداقة مع أمراء جبل لبنان في وجه السلطة العثمانية في ما يخص أمور بعلبك والبقاع. وهذا الاجتهاد من قبل يونس أغضب السلطان العثماني أحمد الذي حكم من 1012 -1026هـ. ولهذا أعطى أمرا الى والي دمشق حافظ باشا ليهاجم بعلبك ويقتل يونس. ولكن فخر الدين المعنى أمير بيروت استطاع أن ينقذ يونس.[١٧]

كان يونس يجتهد كثيرا كي يبني حكومة شيعية تمتد من حمص الى بعلبك وتشمل الكرك وجبل عامل، وهذا ماجعله يصطدم ب فخر الدين المعنى. [١٨]

وكان يونس أول من بنى مسجدا خاصا للشيعة في بعلبك وكان هذا في سنة 1026هـ. وكان هذا المسجد قريبا من النهر ولهذا كان يعرف بمسجد النهر. [١٩]

كان يونس يقدم المساعدة الى فخر الدين المعنى ضد الحكومة العثمانية-كما في سنة1028هـ- حتى مع الضغط الذي كان يمارسه المعنى على الشيعة في جبل عامل وفرار أغلب وجهاء جبل عامل الشيعة اليه. [٢٠] ولكن العلاقة الودية بين يونس وفخر الدين المعنى سرعان ما إنتهت في سنة 1032 هـ. بسبب سعاية يونس لدى حمزة بيگ قائد جيش الشام وإطلاع فخر الدين على هذه السعاية. وفي الأول من محرم من سنة 1033هـ. وفي منطقة ميسلون التحق يونس بالجيش العثماني ثم إلتحمت قواتهم مع جيش فخر الدين في منطقة عنجر. وانتهت هذه المعركة بخسارة يونس كما إن حليفه مصطفى باشا الوالي العثماني على دمشق وقع تحت الأسر عند فخر الدين المعنى. [٢١] وفي الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة 1033هـ. سيطرت جيوش فخر الدين على بعلبك. أما يونس ذهب الى حمص ومنها الى حماة فحلب، ومن هناك راسل السلطان العثماني مراد الرابع يشتكي فيها ماجرى له، ثم أرسل إبن عمه شلهوب الحرفوشي الى بعلبك ، ولكن إبن عمه خانه وإلتحق بفخر الدين. [٢٢] أما فخر الدين فبعد أن أخذ رشوة كبيرة وخرب بعلبك خرج من هذه المدينة في الأول من شعبان 1033هـ. ورجع يونس الى بعلبك، واستطاع أن يرشي والي دمشق وأن يأخذ إبن عمه شلهوب ويقتله. [٢٣] وفي سنة 1035هـ. قتل يونس بتواطئ من قبل فخر الدين. [٢٤]

حكام آخرين من آل حرفوش

بعد مقتل يونس السياسي المقتدر أفل نجم الحرفوشيين وسادت فيما بين أمرائهم المنازعات والأختلافات. ومن بين هؤلاء الأمراء علي الحرفوشي الذي حكم سنة1082هـ. والذي قاتل أبناء عمه عمر و شديد ويونس واستطاع أن ينتصر عليهم ويهزمهم بمساعد الوالي العثماني في دمشق ومن ثم بث سيطرته على بعلبك. [٢٥] وفي بداية القرن الثاني عشر حكم حسين الحرفوشي بعلبك حتى قتل سنة 1136هـ. وحكم بعده خليفته إسماعيل بن شديد الحرفوشي. [٢٦] وبعد إنتهاء المنازعات بين الحرفوشيين انتقلت حكومة بعلبك من الأمير حيدر الى أخيه حسين. [٢٧] وفي سنة 1164هـ قتل حسين من قبل عملاء أخيه حيدر، فأصبح حيدر حاكما لبعلبك الى سنة 1168هـ حيث عزل حيدر عن الحكم من قبل الوالي العثماني في دمشق، وجعل إبن عمه حسين مكانه. [٢٨] وفي سنة 1172هـ قام إسماعيل بن شديد الحرفوشي بإعطاء رشوة استطاع من خلالها أن يصبح حاكما لـ بعلبك، وبعد موته سنة 1177هـ أصبح حيدر الحرفوشي أميرا على بعلبك مرة أخرى وبقي في الحكم الى وفاته سنة 1188هـ. [٢٩] وفي سنة 1190هـ استطاع حاكم صيدا أحمد باشا المعروف بالجزار أن يفرض سيطرته على بعلبك ويضع حاكمها محمد الحرفوشي في السجن. [٣٠] وفي سنة 1195هـ وبمساعدة جيوش يوسف الشهابي استطاع أن يسيطر على بعلبك، ولكن استطاع أخاه أن يفرض سيطرته على بعلبك بمساعدة جيوش محمد باشا العظيم(والي الشام) في السنة اللاحقة. [٣١] وفي سنة 1196هـ تصالح مصطفى الحرفوشي مع يوسف الشهابي، وفي هذه الأثناء كان وجهاء صيدا يهربون الى بعلبك من ظلم أحمد باشا الجزار فأستقبلهم أمير بعلبك مصطفى الحرفوشي وهذا ما أغضب أحمد باشا الجزار؛ ولهذا أرسل جيشا عظيما الى بعلبك بمساعدة محمد درويش باشا والي الشام فإستطاع أن يسيطر على بعلبك ويأسر مصطفى الحرفوشي وستة من إخوانه ومجموعة من النساء والأطفال الحرفوشيين وأرسلهم الى دمشق، وصادر أموالهم، وطارد الفاريين منهم. [٣٢]

أما جهجاه بن مصطفى الحرفوشي فهو أشهر الحكام الحرفوشيين وقد حكم من سنة 1200-1232هـ. وقد كان من بين الأسرى الحرفوشيين في دمشق وقد فرٌ الى العراق وأقام هناك عند إبن عمه، ثم عاد الى بعلبك وبمساعدة مئة نفر من بني معلوف استطاع أن يسيطر على الحكم هناك. [٣٣] وقد واجه جهجاه في أيام حكومته حوادث مختلفة، من جملتها:ما حصل بينه وبين إبن عمه قاسم في سنة1203هـ من خلاف. حتى وصل الأمر الى إنه إشتبك معه وقاتله بمساعدة والي الشام وعكا في سنة1205و 1206هـ، وعدة مرات كانت حكومة بعلبك تنتقل من يد الى يد. [٣٤] توفي جهجاه في جمادي الأولى سنة 1232هـ بعد 31 سنة من الحكم غير المستقر، وأصبح محله أخوه أمين. [٣٥] وقد قام والي دمشق بعزل أمين الحرفوشي سنة 1235هـ بتحريض من بشير الشهابي، وجعل مكانه نصوح بن جهجاه الحرفوشي، ولكن هذا الحاكم الشاب قتل على يد عمه أمين الحرفوشي، وحكم بعلبك الى سنة 1247هـ. [٣٦] وفي سنة 1247هـ أصبح جواد الحرفوشي حاكما على بعلبك من قبل إبراهيم باشا (إبن محمد علي باشا والي مصر). [٣٧] ثم إن الحرفوشيين أول من إنتفض ضد حكومة محمد علي في لبنان، وساعدوا العثمانيين ضد جيش محمد علي، فكافئهم العثماييون حيث جعلوا خنجر الحرفوشي حاكما على بعلبك سنة 1256هـ. [٣٨]

نهاية حكمهم

حدث إختلاف كبير بين أفراد عائلة الحرفوشيين إمتد من سنة 1256 الى 1266هـ، وهذه الحروب والمنازعات شجعت السلطان عبد المجيد العثماني(حكم 1255-1277هـ) على أن يصدر أمرا بإلغاء إمارة آل حرفوش. ثم شن هجوما على بعلبك وحاصر أمراء آل حرفوش في قرية معلولة، وبعد أن إستولى على عليهم قتل بعضهم وأبعد الأخرين الى جزيرة كريت اليونانية في البحر المتوسط. [٣٩] وقد حاول اثنين من الأمراء الحرفوشيين أن يهربا من جزيرة كريت وهما محمد بن جواد وعسٌاف وكان هذا في سنة 1270هـ. ثم أصبحا معارضان للدولة العثمانية الى أن توفي سلمان في سنة1283هـ عندها ذهبت حكومة الحرفوشيين ولم تعد الى الوجود. [٤٠] أما اليوم فأحفاد الحرفوشيين يعيشون في لبنان، ومقبرة أمرائهم تستقر في منطقة سطحة. [٤١]

أشهر علماءهم

محمد علي بن أحمد الحرفوشي أشهر علماء بني حرفوش فقد كان أديبا شاعرا وكاتبا، وإشتهر بالحريري نسبة الى عمله وهو بيع الحرير. وقد ألف أكثر من إثني عشر كتابا في العلوم المختلفة، وأشهر هذه الكتب: القلائد السنية في شرح القواعد الشهيدية. وكذلك شرح كتاب قواعد الشهيد الأول. ينسب الحريري الى الكرك وفيها حصٌل العلوم، ثم سافر الى دمشق، ثم رحل الى إيران وبقي هناك سنوات عديدة. ذهب الى الحج في سنة 1050هـ. وبعدها بسنة إنتقل الى الحياة الأخرى. [٤٢]

الهوامش

  1. أعيان الشيعة، ج2، ص217.
  2. تاريخ الشيعة السياسي الثقافي الديني ، ج2،ص8.
  3. ج7، ص278
  4. راجع: الأمين، محسن، أعيان الشيعة، ج2، ص216.
  5. حمادة، سعدون، تاريخ الشيعة في لبنان، ج1،ص259.
  6. تاريخ بعلبك ألوف ص ٣٢.
  7. حمادة، سعدون، تاريخ الشيعة في لبنان، ج1،ص262،261.
  8. لقب تركي بمعنى بك البكوات أو الحاكم العام وملك الأمراء أو أمير الأمراء أخذه العثمانيون عن السلاجقة ثم ضعف شأنه مع الأيام ويكون حامله عادة يحمل رتبة وزير.
  9. الكواكب السائرة، الغزي ج3 ص 194، نقلاً عن تاريخ الشيعة في لبنان، ج1، ص265
  10. لبنان و الإمارة الدرزية، أبو حسين ص ١٠٨، نقلاً عن: نقلاً عن تاريخ الشيعة في لبنان، ج1، ص265
  11. زعامة أرض زراعية تقطع للمحاربين و المقصود هو إلحاق إقطاع ابن معن و ابن شرف الدين بإدارته.
  12. يقصد فيها الإعفاء من الخدمة العسكرية أو الجندية و لم تخضع بلاد بعلبك و اقطاعات الحرافشة للقرعة العسكرية طالما بقيت تحت سلطتهم و خرق هذا الامتياز كان من أهم أسباب ثورتهم سنة ١٨۵٠ م و توجههم إلى دمشق.
  13. حول دعوة علي إلى اسطمبول و مفاوضاته مع الباب العالي و الأحكام السلطانية الصادرة بشأنه. راجع لبنان و الإمارة الدرزية، أبو حسين ص ١٠٩. إن ابراهيم باشا قائد الحملة العثمانية و صهر السلطان نقل إدارة شؤون البلاد بكاملها إلى علي الحرفوش سنة ١۵٨۵ م، و توجههم إلى دمشق. فخر الدين و معاصروه، «فوستنفلد ص ١٠۴» نقلاً عن تاريخ الشيعة في لبنان، ج1، ص265.
  14. الإمارة الدرزية ص ١٨٠.
  15. فخر الدين و معاصروه فوستنفلد، ص104.
  16. الامارات الشيعية ص85.
  17. أحمد خالد الصفدي، لبنان في عهد فخر الدين المعنى الثاني، ص:5، 7
  18. أحمد خالد الصفدي، لبنان في عهد فخرالدين المعنى الثاني، ص:66-67
  19. حسن نصر الله، تاريخ بعلبك ج1، ص:321
  20. أحمد خالد الصفدي، لبنان في عهد فخر الدين المعنى الثاني، ص:77
  21. تاريخ الأمراء الشهابيين، ص:65-67
  22. طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان ج2، ص:92-93
  23. طنوس الشدياق، أخبار الأعيان في جبل لبنان ج2، ص:98
  24. ميخائيل ألوف بعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:94
  25. محسن الأمين، أعيان الشيعة ج7، ص:334
  26. ميخائيل الوفي البعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:96
  27. حيدر أحمد الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، القسم الأول، ص:38
  28. حسن نصرالله، تاريخ بعلبك ج1، ص:284-285
  29. حيدر أحمد الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ج3، ص:999
  30. حيدر أحمد الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، القسم الأول، ص:120
  31. حيدر أحمد الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ج3، ص:1022-1023
  32. حيدر أحمد الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ج3، ص:1024
  33. ميخائيل ألوف البعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:98-99
  34. ميخائيل الوفي البعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:99-100
  35. أحمد حيدر الشهابي، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين ج3، ص:948
  36. ميخائيل الوفي البعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:101-102
  37. ميخائيل الوفي البعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:102
  38. سليمان الظاهر، تاريخ الشيعة:السياسي، الثقافي، الديني ج3، ص:45، 62
  39. ميخائيل الوفي بعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:105-106
  40. ميخائيل الوفي بعلبكي، تاريخ بعلبك، ص:107-111
  41. حسن نصرالله، تاريخ بعلبك ج1، ص:327
  42. عبدالله أفندي الإصفهاني، رياض العلماء وحياض الفضلاء ج5، ص:128-130

المصادر

  • ألوف بعلبكي، ميخائيل، تاريخ بعلبك، بيروت 1926م.
  • الأمين، محسن، أعيان الشيعة، بيروت 1403هـ.
  • البستاني، بطرس، كتاب دائرة المعارف: قاموس عام لكل فن ومطلب، بيروت1876-1900م. طبع أوفيس، بدون تاريخ.
  • حسن نصرالله، تاريخ بعلبك، بيروت 1984م-1404هـ.
  • خالد الصفدي، أحمد، لبنان في عهد فخر الدين المعنى الثاني، طبعة أسد رستم وفؤاد البستاني، بيروت 1969م.
  • شدياق، طنوس، أخبار الأعيان في جبل لبنان، طبعة مارون رعد، بيروت 1995م.
  • الشهابي، حيدر أحمد، تاريخ حيدر أحمد الشهابي، طبعة مارون رعد، بيروت 1993م.
  • الشهابي، حيدر أحمد، لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، طبعة أسد رستم وفؤاد البستاني، بيروت 1996م.
  • الظاهر، سليمان، تاريخ الشيعة:السياسي، الثقافي، الديني، طبعة عبدالله سليمان ظاهر، بيروت 1422هـ-2002م.
  • الغزي، نجم الدين محمد، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، طبعة إسرائيل سليمان جبور، بيروت، 1979م.
  • معلوف، عيسى إسكندر، تاريخ فخرالدين المعنى الثاني، بيروت 1966.
  • المهاجر، جعفر، التأسيس لتاريخ الشيعة في لبنان وسوريا، بيروت1413هـ-1992م.
  • الناصري الطاهري، عبدالله، بعلبك وحلب، طهران 1366هـ. ش.

الروابط الخارجية