الفرق بين المراجعتين لصفحة: «لا حكم إلا لله»
Ahmadnazem (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
Ahmadnazem (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
سطر ١: | سطر ١: | ||
{{قيد الإنشاء|user=A.yasin|date=٢١ يونيو ٢٠٢٣}} | {{قيد الإنشاء|user=A.yasin|date=٢١ يونيو ٢٠٢٣}} | ||
'''لا حكم إلا لله''' كان شعار [[الخوارج]] في اعتراضهم على مسألة [[التحكيم]] أثناء [[معركة صفين|حرب صفين]]. عبّر الخوارج في بداية الأمر من خلال هذا الشعار عن مخالفتهم لحكم الناس، ورفضوا قبول تحكيم أبي موسى الأشعري و [[عمرو بن العاص]] الذين تم تعيينهما كحكمين نيابة عن [[الإمام علي (ع)]] و [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]]، وقالوا بأنّ الحكم إنّما يكون لله، و ليس من حقّ أحد سواه. | '''لا حكم إلا لله''' كان شعار [[الخوارج]] في اعتراضهم على مسألة [[التحكيم]] أثناء [[معركة صفين|حرب صفين]]. عبّر الخوارج في بداية الأمر من خلال هذا الشعار عن مخالفتهم لحكم الناس، ورفضوا قبول تحكيم أبي موسى الأشعري و [[عمرو بن العاص]] الذين تم تعيينهما كحكمين نيابة عن [[الإمام علي (ع)]] و [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]]، وقالوا بأنّ الحكم إنّما يكون لله، و ليس من حقّ أحد سواه. | ||
اعتبر الإمام علي (ع) أنّ هذه المقولة "كلمة حقّ أريد بها باطل"، و رأى أنّه لا بدّ للناس من أمير(حاكم) ، بَرّاً كان أم فاجراً. | اعتبر الإمام علي (ع) أنّ هذه المقولة "كلمة حقّ أريد بها باطل"، و رأى أنّه لا بدّ للناس من أمير(حاكم)، بَرّاً كان أم فاجراً. | ||
واستمرّ استخدام هذا الشعار من قبل الخوارج إلى ما بعد [[معركة النهروان|حرب النهروان]]، ثم ما لبث أن صار يُعرف بأنّه من [[أصول العقائد|أصولهم الاعتقادية]]، و اعتُمد شعاراً لهم في ثوراتهم اللاحقة. | واستمرّ استخدام هذا الشعار من قبل الخوارج إلى ما بعد [[معركة النهروان|حرب النهروان]]، ثم ما لبث أن صار يُعرف بأنّه من [[أصول العقائد|أصولهم الاعتقادية]]، و اعتُمد شعاراً لهم في ثوراتهم اللاحقة. | ||
اعتبر بعض الباحثين أنّ سوء الفهم من جهة؛ و كذلك كون الخوارج [[الأعراب|أعراباً]] (سكان بادية) وعدم إدراكهم الصحيح لمفاهيم [[الإمامة]] و السياسة من جهة أخرى؛ كانت من العوامل المؤثّرة في فهمهم المنحرف لشعار "لا حكم إلا لله". | اعتبر بعض الباحثين أنّ سوء الفهم من جهة؛ و كذلك كون الخوارج [[الأعراب|أعراباً]] (سكان بادية) وعدم إدراكهم الصحيح لمفاهيم [[الإمامة]] و السياسة من جهة أخرى؛ كانت من العوامل المؤثّرة في فهمهم المنحرف لشعار "لا حكم إلا لله". | ||
== دلالات المعنى == | == دلالات المعنى == | ||
"لا حكم إلا لله" كان شعار [[الخوارج]] في مخالفة و مواجهة الإمام علي (ع)<ref>النوبختي، فرق | "لا حكم إلا لله" كان شعار [[الخوارج]] في مخالفة و مواجهة الإمام علي (ع)<ref>النوبختي، فرق الشيعة، ۱۴۰۴ق، ص۶؛ الأشعري القمي، المقالات و الفرق، ۱۳۶۰ق، ص۵.</ref>، و على إثر ذلك باتوا يُعرفون بـ"[[فرقة المحكمة|المُحكّمة]]"<ref> الشوشتري، إحقاق الحق، ۱۴۰۹ق، ج۳۲، ص۵۲۳، تعليقة آية الله المرعشي النجفي.</ref>. وقد كان وقتئذٍ المعنى المراد من الحُكم في هذا الشعار (القضاء)، أي أنّه لا يمكن لغير الله أن يقضي ويصدر الأحكام<ref>الفراهيدي، كتاب العين، قم، ج۳، ص۶۷؛ الأزهري، تهذيب اللغة، بيروت، ج۴، ص۷۰-۷۱.</ref>. | ||
استُمدّ هذا الشعار من [[آية (قرآن)|الآية القرآنية]] "إن الحكم إلا لله" ، وقد تكرّر هذا التعبير في العديد من الآيات في القرآن<ref>سورة الأنعام، | استُمدّ هذا الشعار من [[آية (قرآن)|الآية القرآنية]] "إن الحكم إلا لله"، وقد تكرّر هذا التعبير في العديد من الآيات في القرآن<ref>سورة الأنعام، آية ۵۷؛ سورة يوسف، آية ۴۰، ۶۷.</ref>، وفيما بعد صار مراد الخوارج من هذه المقولة نفي أيّ حاكميّة عن غير [[الله]].<ref> مكارم الشيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ج۲، ص۴۳۲.</ref> | ||
== الاستعمالات المتقدّمة == | == الاستعمالات المتقدّمة == | ||
أوّل استعمال لشعار "لا حكم إلا لله" كان من قِبل الذين اعترضوا على مسألة [[التحكيم]] في حرب صفّين، وكان عسكر [[بلاد الشام|الشام]] على وشك خسارة المعركة حينها؛ فاحتال لهم [[عمرو بن العاص]] وأشار عليهم أن يقوموا برفع [[المصحف الشريف|المصاحف]] على الرماح ويطالبوا بتحكيم القرآن<ref>الطبري، | أوّل استعمال لشعار "لا حكم إلا لله" كان من قِبل الذين اعترضوا على مسألة [[التحكيم]] في حرب صفّين، وكان عسكر [[بلاد الشام|الشام]] على وشك خسارة المعركة حينها؛ فاحتال لهم [[عمرو بن العاص]] وأشار عليهم أن يقوموا برفع [[المصحف الشريف|المصاحف]] على الرماح ويطالبوا بتحكيم القرآن<ref>الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۸.</ref>. قبل الإمام علي (ع) بمسألة التحكيم تحت الضغط الذي تعرّض له ممن حوله، وأرسل بكتاب إلى معاوية يعلمه بذلك<ref>المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۴۹۳-۴۹۴.</ref>، فكُتبت وثيقة تحدّد الحكمين و شروط التحكيم<ref>راجع تاريخ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۵۳-۵۴.</ref>. | ||
عندما قام [[الأشعث بن قيس الكندي]] بقراءة متن الوثيقة على مختلف [[القبيلة|القبائل]] ؛ تشكّلت معارضة لذلك تحت شعار "لا حكم إلا لله". ومن ذلك أن قام شابّان من [[بنو عنز|بني عنز]] بالهجوم على عسكر معاوية هاتفين بشعار "لا حكم إلا لله" وقُتلا على أطراف خيمة [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]].<ref> | عندما قام [[الأشعث بن قيس الكندي]] بقراءة متن الوثيقة على مختلف [[القبيلة|القبائل]]؛ تشكّلت معارضة لذلك تحت شعار "لا حكم إلا لله". ومن ذلك أن قام شابّان من [[بنو عنز|بني عنز]] بالهجوم على عسكر معاوية هاتفين بشعار "لا حكم إلا لله" وقُتلا على أطراف خيمة [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]].<ref>الدينوري، الأخبار الطوال، ۱۳۶۸ش، ص۱۹۶؛ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۲.</ref> ويعتقد بعض الباحثين أنّ هذين الشابّين هما أول من استعمل هذا الشعار<ref> الدينوري، الأخبار الطوال، ص۱۹۶؛ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۲</ref>. و بعد هذه الواقعة ذهب الأشعث إلى قبيلة [[بنو مراد|بني مراد]] و قرأ عليهم المعاهدة، فردّ عليه أحد وجوه القبيلة وهو [[صالح بن شقيق]] بهذا الشعار<ref>الدينوري، الأخبار الطوال، ۱۳۶۸ش، ص۱۹۷.</ref>، ووقع مثل ذلك مع [[بنو راسب|بني راسب]].<ref>المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۳.</ref> | ||
لم تتوقف مخالفة التحكيم عند الاستعمال اللفظي لهذا الشعار، وحينما وصل الأشعث إلى قبيلة [[بنو تميم|بني تميم]] قام أفراد من هذه القبيلة بمهاجمته وطعنوا فرسه<ref>الطبري، | لم تتوقف مخالفة التحكيم عند الاستعمال اللفظي لهذا الشعار، وحينما وصل الأشعث إلى قبيلة [[بنو تميم|بني تميم]] قام أفراد من هذه القبيلة بمهاجمته وطعنوا فرسه<ref>الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۹؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج۲، ص۳۳۶؛ المسعودي، مروج الذهب، ج۲، ص۳۹۳.</ref>. ويعتقد [[البلاذري]] صاحب [[أنساب الأشراف]] أنّ هذا الشعار سُمع لأول مرة من قبل هذه القبيلة<ref>البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۳۶.</ref>، وأما المؤرّخ [[اليعقوبي]] المتوفى في [[القرن الثالث الهجري]] فيعتقد أنّ استعمال هذا الشعار كان قبل اجتماع الحكمين من قِبل رجل يدعى [[عروة بن أدية التميمي]].<ref> اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۰.</ref> | ||
== صيرورته شعاراً للخوارج == | == صيرورته شعاراً للخوارج == | ||
بعد إقرار وثيقة التحكيم في [[معركة صفين|حرب صفين]] عام [[سنة 37 للهجرة|37ه]]ـ <ref> المنقري، وقعة | بعد إقرار وثيقة التحكيم في [[معركة صفين|حرب صفين]] عام [[سنة 37 للهجرة|37ه]]ـ <ref> المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۰۸.</ref>، عاد جيش الإمام إلى [[الكوفة]]، لكنّ بعضهم مّمن عُرفوا فيما بعد بـ"الخوارج" اعتزلوا جيش الإمام علي في منطقة تدعى [[الحروراء]] تحت شعار "لاحكم إلا لله" و استقرّوا هناك، و رفضوا العودة إلى الكوفة<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۱.</ref>، بل و هدّدوا الإمام بأنه إن لم يعد عن قبول التحكيم فسوف يتبرؤون منه و يقاتلونه<ref>الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۲؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶.</ref>. | ||
استناداً إلى شعار "لا حكم إلا لله" طالب الخوارج بترك تحكيم الرجال في أمور الدين<ref> | استناداً إلى شعار "لا حكم إلا لله" طالب الخوارج بترك تحكيم الرجال في أمور الدين<ref> البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۶۰.</ref>، وبنقض العهد مع معاوية ومتابعة قتاله<ref>جعفريان، حيات فكري سياسي امامان شيعه، ۱۳۹۰ش، ص۱۰۰ – ۱۰۱.</ref>. وقد ادّعوا التوبة من ذنب قبول التحكيم، واعتبروا الإمام علي (ع) و بقية المسلمين عصاةً وكفاراً، وطالبوهم بالتوبة أو القتال<ref>ابنالطقطقي، الفخري، ۱۴۱۸ق، ص۹۹.</ref>. | ||
هذا و قد كان الإمام علي (ع) مخالفاً لقبول | هذا و قد كان الإمام علي (ع) مخالفاً لقبول التحكيم، غير أنّه اضطرّ للقبول به تحت تهديد و إكراه أنصاره الذين قام عدّة منهم بالانضمام للخوارج فيما بعد، ولم يقبل بعدها بنقض هذه المعاهدة<ref>الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۹.</ref>. أحد قادة الخوارج وهو [[ابن الكواء]] كان من الموافقين على مسألة التحكيم في البداية، و كان من الذين خالفوا تمثيل [[عبد الله بن عباس]] لجيش الكوفة كحكم عنه، و من الذين حملوا الإمام على القبول [[أبو موسى الأشعري|بأبي موسى الأشعري]]،<ref>المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۰۲.</ref> ثم ما لبث أن أصبح بصحبة [[شبث بن ربعي|شبث بن ربعي التميمي]] من أوائل الداعين إلى تحكيم الله تحت شعار "لا حكم إلا لله".<ref> الذهبي، تاريخ الإسلام، ۱۴۱۳ق، ج۳، ص۵۵۴.</ref> | ||
===مجادلة الإمام علي (ع)=== | ===مجادلة الإمام علي (ع)=== | ||
جادل الخوارج الإمام في عدّة مناسبات استناداً إلى هذا الشعار، فمثلاً عندما انتُخب أبو موسى الأشعري للتحكيم؛ جاء رجلان من الخوارج وهما [[زرعة بن البرج الطائي]] و [[حرقوص بن زهير السعدي]] إلى الإمام علي (ع) يهتفان بشعار "لا حكم إلا لله"، و طالبا الإمام بأن يتوب من فعله و أن ينهض لقتال معاوية، وقام الإمام بدوره بتذكيرهما بالوفاء بالعهد ولم يقبل بمطالبتهما<ref> الطبري، | جادل الخوارج الإمام في عدّة مناسبات استناداً إلى هذا الشعار، فمثلاً عندما انتُخب أبو موسى الأشعري للتحكيم؛ جاء رجلان من الخوارج وهما [[زرعة بن البرج الطائي]] و [[حرقوص بن زهير السعدي]] إلى الإمام علي (ع) يهتفان بشعار "لا حكم إلا لله"، و طالبا الإمام بأن يتوب من فعله و أن ينهض لقتال معاوية، وقام الإمام بدوره بتذكيرهما بالوفاء بالعهد ولم يقبل بمطالبتهما<ref> الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۲؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶؛ الشوشتري، إحقاق الحق، ۱۴۰۹ق، ج۳۲، ص۵۲۹.</ref>. | ||
تعرّض الإمام علي (ع) في مواضع عدّة للمضايقة من قبل الخوارج تحت عنوان هذا الشعار، ومنها أنّه كان يوماً في طريقه إلى [[مسجد الكوفة]] ليخطب بالناس؛ فقام رجل بجانب المسجد ينادي بـ"لا حكم إلا لله" وقام عدة أشخاص بتكراره أيضاً<ref>الطبري، | تعرّض الإمام علي (ع) في مواضع عدّة للمضايقة من قبل الخوارج تحت عنوان هذا الشعار، ومنها أنّه كان يوماً في طريقه إلى [[مسجد الكوفة]] ليخطب بالناس؛ فقام رجل بجانب المسجد ينادي بـ"لا حكم إلا لله" وقام عدة أشخاص بتكراره أيضاً<ref>الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۳.</ref>. وكان الإمام يوماً يخطب بالناس في مسجد الكوفة فقاطعه نفر من الخوارج عدة مرّات بهذا الشعار<ref>ابنشاذان، الإيضاح، ۱۳۶۳ش، ص۴۷۴.</ref>. وقد تكرّرت هذه الحادثة مرات عديدة.<ref> الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۴؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶؛ ابنحيون، دعائم الإسلام، ۱۳۸۵ق، ج۱، ص۳۹۳.</ref> | ||
== تبدّل مفهوم الشعار == | == تبدّل مفهوم الشعار == | ||
كان الخوارج في بدايات الأمر ومن خلال شعار "لا حكم إلا لله" يعتبرون الحكم - بمعنى [[القضاء]] - مختصّاً بالله، ثم ما لبثوا أن اعتقدوا بأنّ الحكم - بمعنى الإمارة و الرئاسة - لا يكون كذلك إلا لله، ولا يحقّ ل[[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|عليّ (ع)]] ولا ل[[معاوية]] حكم ولا إمارة. وأرادوا من خلال ذلك أن يغدو المجتمع بلا حكومة.<ref> | كان الخوارج في بدايات الأمر ومن خلال شعار "لا حكم إلا لله" يعتبرون الحكم - بمعنى [[القضاء]] - مختصّاً بالله، ثم ما لبثوا أن اعتقدوا بأنّ الحكم - بمعنى الإمارة و الرئاسة - لا يكون كذلك إلا لله، ولا يحقّ ل[[الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام|عليّ (ع)]] ولا ل[[معاوية]] حكم ولا إمارة. وأرادوا من خلال ذلك أن يغدو المجتمع بلا حكومة.<ref> مكارم شيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ۱۳۸۵ش، ج۲، ص۴۳۲.</ref> | ||
يعتقد العلّامة السبحاني في كتابه "الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف" بأنّ ضرورة الحكومة غنيّة عن الدليل و البرهان، كما وردت في أهميّتها روايات عن [[النبي (ص)]] و<nowiki/>[[الأئمة المعصومين]].<ref>السبحاني، الإنصاف، ۱۳۸۱ش، ج۳، ص۴۳۳.</ref> فمن أجل المحافظة على [[التوحيد]] و حاكمية الله اعتبر الخوارج بناءً على استنتاجات خاطئة أيّ شكل من أشكال حكم البشر باطلاً، وأعلنوا أنّ الحكومة لا تكون إلا لله.<ref> | يعتقد العلّامة السبحاني في كتابه "الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف" بأنّ ضرورة الحكومة غنيّة عن الدليل و البرهان، كما وردت في أهميّتها روايات عن [[النبي (ص)]] و<nowiki/>[[الأئمة المعصومين]].<ref>السبحاني، الإنصاف، ۱۳۸۱ش، ج۳، ص۴۳۳.</ref> فمن أجل المحافظة على [[التوحيد]] و حاكمية الله اعتبر الخوارج بناءً على استنتاجات خاطئة أيّ شكل من أشكال حكم البشر باطلاً، وأعلنوا أنّ الحكومة لا تكون إلا لله.<ref> مكارم شيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ۱۳۸۵ش، ج۲، ص۴۳۲.</ref> ويعتقد باحثون آخرون بأنّ أكثر الخوارج كانوا أعراباً لا يملكون تصوّراً صحيحاً عن [[الإمامة]] و السياسة وكونها تتعدّى المفاهيم و التصورات القَبَليّة للمسألة، فأسقطوا ميولهم و توجهاتهم على تفسيرهم المنحرف لشعار "لا حكم إلا لله".<ref>جعفريان، حيات فكري سياسي امامان شيعه، ۱۳۹۰ش، ص۱۰۰ – ۱۰۱.</ref> | ||
=== موقف الإمام علي (ع) === | === موقف الإمام علي (ع) === | ||
و في ردّه على الادّعاء الموجّه ضدّه بكونه قد حكّم الرجال في دين الله؛ قال [[الإمام علي (ع)]] بأنّ تعيين أفراد ليحكموا على أساس [[القرآن]] ليس معناه أننا نحكّمهم في دين الله،<ref> | و في ردّه على الادّعاء الموجّه ضدّه بكونه قد حكّم الرجال في دين الله؛ قال [[الإمام علي (ع)]] بأنّ تعيين أفراد ليحكموا على أساس [[القرآن]] ليس معناه أننا نحكّمهم في دين الله،<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۲.</ref> بل اعتبر ذلك الفعل عمليّاً و لا مفرّ منه، لأنّ القرآن نفسه لايمكنه أن ينطق. ويُروى أنّه في إحدى مناظراته مع الخوارج أحضر معه قرآناً وخاطبه قائلاً "أيها المصحف، حدّث الناس"، فناداه الناس: يا أمير المؤمنين ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ قال أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله..." .<ref>ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۲۷۹.</ref> | ||
اعتبر الإمام علي (ع) أن شعار "لا حكم إلا لله" كلمة حق أريدَ بها باطل، وردّ رأي الخوارج بأنّ الحكم لا يكون إلا لله بأنّه لا بدّ للناس من أمير بَرّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي.<ref>المجلسي، بحارالانوار، ۱۴۰۳ق، ج۳۳، ص۳۵۸.</ref> وقد ورد ردّ الإمام على شعار "لا حكم إلا لله" في الخطبة الأربعين من [[نهج البلاغة]].<ref>نهجالبلاغة، ۱۴۱۴ق، ص۸۲.</ref> | اعتبر الإمام علي (ع) أن شعار "لا حكم إلا لله" كلمة حق أريدَ بها باطل، وردّ رأي الخوارج بأنّ الحكم لا يكون إلا لله بأنّه لا بدّ للناس من أمير بَرّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي.<ref>المجلسي، بحارالانوار، ۱۴۰۳ق، ج۳۳، ص۳۵۸.</ref> وقد ورد ردّ الإمام على شعار "لا حكم إلا لله" في الخطبة الأربعين من [[نهج البلاغة]].<ref>نهجالبلاغة، ۱۴۱۴ق، ص۸۲.</ref> | ||
ورغم أنّ مباحثات الإمام علي (ع) مع الخوارج<ref> | ورغم أنّ مباحثات الإمام علي (ع) مع الخوارج<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۱؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۵۳؛ ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۲۸۰.</ref> أفضت إلى رجوع جميع الخوارج،<ref> ابنخلدون، تاريخ ابنخلدون، ۱۴۰۸ق، ج۲، ص۶۳۵.</ref> أو أربعة آلاف منهم على رواية؛<ref>الذهبي، تاريخ الإسلام، ۱۴۱۳ق، ج۳، ص۵۹۱.</ref> غير أنهم بعد فشل التحكيم أصرّوا على اعتبار الإمام عاصياً [[كافر|كافراً]]، ولذلك اعتزلوا جيش [[الكوفة]] و امتنعوا عن متابعة قتال [[معاوية بن أبي سفيان|معاوية]]،<ref>الدينوري، الأخبارالطوال، ۱۳۶۸ش، ص۲۰۶.</ref> واجتمعوا في بيت [[عبد الله بن وهب الراسبي]]،<ref>الدينوري، الأخبارالطوال، ۱۳۶۸ش، ص۲۰۲.</ref> وأعدّوا لقتال الإمام في [[حرب النهروان]] التي انتهت بخسارتهم.<ref>اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۲-۱۹۳.</ref> | ||
== استعمالات الشعار بعد النهروان == | == استعمالات الشعار بعد النهروان == | ||
بقي شعر "لا حكم إلا لله" من أهمّ رموز الخوارج، حيث استند إليها [[ابن ملجم المرادي]] فيما بعد أثناء طعنه للإمام علي (ع)،<ref> | بقي شعر "لا حكم إلا لله" من أهمّ رموز الخوارج، حيث استند إليها [[ابن ملجم المرادي]] فيما بعد أثناء طعنه للإمام علي (ع)،<ref> ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۳۲۶.</ref> وبعد سنوات بات يُعرف هذا الشعار أحد المباني الاعتقادية لهم،<ref> ابنأعثم الكوفي، الفتوح، ۱۴۱۱ق، ج۷، ص۶۳.</ref> وكانوا يستعملونه في ثوراتهم اللاحقة.<ref> الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۶، ص۲۷۶؛ ابنأعثم الكوفي، الفتوح، ۱۴۱۱ق، ج۷، ص۶۱.</ref> | ||
==الهوامش== | ==الهوامش== | ||
{{مراجع}} | {{مراجع}} | ||
==المصادر والمراجع== | ==المصادر والمراجع== | ||
* ابنأعثم | * ابنأعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دارالأضواء، الطبعة الأولى، ۱۴۱۱ق. | ||
* ابنالطقطقي، محمد بن علي، الفخري، | * ابنالطقطقي، محمد بن علي، الفخري، تحقيق عبدالقادر محمد مايو، بيروت، دارالقلم العربي، ۱۴۱۸ق. | ||
* | * ابنحيون، نعمان بن محمد المغربي، دعائم الإسلام و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام، قم، مؤسسة آل البيت(ع)، الطبعة الثانية، ۱۳۸۵ق. | ||
* ابنخلدون، عبدالرحمن بن محمد، | * ابنخلدون، عبدالرحمن بن محمد، ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و...، تحقيق خليل شحادة، بيروت، دارالفكر، الطبعة الثانية، ۱۴۰۸ق. | ||
* ابنشاذان، الفضل بن شاذان | * ابنشاذان، الفضل بن شاذان النيشابوري، الإيضاح، طهران، نشر جامعة طهران، ۱۳۶۳ش. | ||
* | * ابنكثير، إسماعيل بن عمر، البداية و النهاية، بيروت، دارالفكر، ۱۴۰۷ق. | ||
* | * ابنمسكويه، أبوعلي مسكويه الرازي، تجارب الأمم، تحقيق أبوالقاسم إمامي، طهران، سروش، ۱۳۷۹ش. | ||
* | * الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، بيروت،دار إحياء التراث العربي، بيتا. | ||
* الأشعري القمي، سعد بن عبدالله، المقالات و الفرق، طهران، | * الأشعري القمي، سعد بن عبدالله، المقالات و الفرق، طهران، مركز انتشارات علمي فرهنگي، ۱۳۶۰ش. | ||
* البلاذري، أحمد بن | * البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، أنساب الأشراف، تحقيق سهيل زكار و رياض زركلي، بيروت، دارالفكر، ۱۴۱۷ق. | ||
* | * جعفريان، رسول، حيات فكري سياسي امامان شيعه، تهران، نشر علم، ۱۳۹۰ش. | ||
* | * الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، تحقيق عبدالمنعم عامر، قم، منشورات الرضي، ۱۳۶۸ش. | ||
* الذهبي، | * الذهبي، شمسالدين محمد بن أحمد، تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير و الأعلام، تحقيق عمر عبدالسلام التدمري، بيروت، دارالكتاب العربي، الطبعة الثانية، ۱۴۱۳ق. | ||
* الراغب الأصفهاني، | * الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دارالقلم، ۱۴۱۲ق. | ||
* السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام | * السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، قم، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، ۱۳۸۱ش. | ||
* | * الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، قم، نشر هجرت، ۱۴۱۴ق. | ||
* الشوشتري، القاضي نورالله، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، قم، | * الشوشتري، القاضي نورالله، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، قم، مكتبة آيةالله المرعشي النجفي، ۱۴۰۹ق. | ||
* الطبري، محمد بن | * الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم و الملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دارالتراث، ۱۳۸۷ق. | ||
* | * الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، قم، نشر هجرت، الطبعة الثانية، بيتا. | ||
* المجلسي، محمدباقر بن محمدتقي، بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، | * المجلسي، محمدباقر بن محمدتقي، بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بيروت،دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، ۱۴۰۳ق. | ||
* المسعودي، علي بن | * المسعودي، علي بن حسين، مروج الذهب و معادن الجوهر، تحقيق أسعد داغر، قم، دارالهجرة، ۱۴۰۹ق. | ||
* | * مكارم الشيرازي، ناصر، پيام امام امير المومنين(ع)، طهران، دارالكتب الإسلامية، ۱۳۸۵ش. | ||
* المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة | * المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، المؤسسة العربية الحديثة، الطبعة الثانية، ۱۳۸۲ق. | ||
* النوبختي، حسن بن | * النوبختي، حسن بن موسي، فرق الشيعة، بيروت، دارالأضواء، ۱۴۰۴ق. | ||
* | * اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت،دار صادر، بيتا. | ||
{{الخوارج}} | {{الخوارج}} |
مراجعة ١٨:٢١، ٢١ يونيو ٢٠٢٣
هذه مقالة أو قسم تخضع لتحريرٍ مُكثَّفٍ في الفترة الحالية لفترةٍ قصيرةٍ. إذا كانت لديك استفسارات أو ملاحظات حول عملية التطوير؛ فضلًا اطرحها في صفحة النقاش قبل إجراء أيّ تعديلٍ عليها. فضلًا أزل القالب لو لم تُجرَ أي تعديلات كبيرة على الصفحة في آخر شهر. A.yasin (نقاش) • مساهمات • انتقال ٢١ يونيو ٢٠٢٣ |
لا حكم إلا لله كان شعار الخوارج في اعتراضهم على مسألة التحكيم أثناء حرب صفين. عبّر الخوارج في بداية الأمر من خلال هذا الشعار عن مخالفتهم لحكم الناس، ورفضوا قبول تحكيم أبي موسى الأشعري و عمرو بن العاص الذين تم تعيينهما كحكمين نيابة عن الإمام علي (ع) و معاوية، وقالوا بأنّ الحكم إنّما يكون لله، و ليس من حقّ أحد سواه. اعتبر الإمام علي (ع) أنّ هذه المقولة "كلمة حقّ أريد بها باطل"، و رأى أنّه لا بدّ للناس من أمير(حاكم)، بَرّاً كان أم فاجراً. واستمرّ استخدام هذا الشعار من قبل الخوارج إلى ما بعد حرب النهروان، ثم ما لبث أن صار يُعرف بأنّه من أصولهم الاعتقادية، و اعتُمد شعاراً لهم في ثوراتهم اللاحقة. اعتبر بعض الباحثين أنّ سوء الفهم من جهة؛ و كذلك كون الخوارج أعراباً (سكان بادية) وعدم إدراكهم الصحيح لمفاهيم الإمامة و السياسة من جهة أخرى؛ كانت من العوامل المؤثّرة في فهمهم المنحرف لشعار "لا حكم إلا لله".
دلالات المعنى
"لا حكم إلا لله" كان شعار الخوارج في مخالفة و مواجهة الإمام علي (ع)[١]، و على إثر ذلك باتوا يُعرفون بـ"المُحكّمة"[٢]. وقد كان وقتئذٍ المعنى المراد من الحُكم في هذا الشعار (القضاء)، أي أنّه لا يمكن لغير الله أن يقضي ويصدر الأحكام[٣]. استُمدّ هذا الشعار من الآية القرآنية "إن الحكم إلا لله"، وقد تكرّر هذا التعبير في العديد من الآيات في القرآن[٤]، وفيما بعد صار مراد الخوارج من هذه المقولة نفي أيّ حاكميّة عن غير الله.[٥]
الاستعمالات المتقدّمة
أوّل استعمال لشعار "لا حكم إلا لله" كان من قِبل الذين اعترضوا على مسألة التحكيم في حرب صفّين، وكان عسكر الشام على وشك خسارة المعركة حينها؛ فاحتال لهم عمرو بن العاص وأشار عليهم أن يقوموا برفع المصاحف على الرماح ويطالبوا بتحكيم القرآن[٦]. قبل الإمام علي (ع) بمسألة التحكيم تحت الضغط الذي تعرّض له ممن حوله، وأرسل بكتاب إلى معاوية يعلمه بذلك[٧]، فكُتبت وثيقة تحدّد الحكمين و شروط التحكيم[٨]. عندما قام الأشعث بن قيس الكندي بقراءة متن الوثيقة على مختلف القبائل؛ تشكّلت معارضة لذلك تحت شعار "لا حكم إلا لله". ومن ذلك أن قام شابّان من بني عنز بالهجوم على عسكر معاوية هاتفين بشعار "لا حكم إلا لله" وقُتلا على أطراف خيمة معاوية.[٩] ويعتقد بعض الباحثين أنّ هذين الشابّين هما أول من استعمل هذا الشعار[١٠]. و بعد هذه الواقعة ذهب الأشعث إلى قبيلة بني مراد و قرأ عليهم المعاهدة، فردّ عليه أحد وجوه القبيلة وهو صالح بن شقيق بهذا الشعار[١١]، ووقع مثل ذلك مع بني راسب.[١٢] لم تتوقف مخالفة التحكيم عند الاستعمال اللفظي لهذا الشعار، وحينما وصل الأشعث إلى قبيلة بني تميم قام أفراد من هذه القبيلة بمهاجمته وطعنوا فرسه[١٣]. ويعتقد البلاذري صاحب أنساب الأشراف أنّ هذا الشعار سُمع لأول مرة من قبل هذه القبيلة[١٤]، وأما المؤرّخ اليعقوبي المتوفى في القرن الثالث الهجري فيعتقد أنّ استعمال هذا الشعار كان قبل اجتماع الحكمين من قِبل رجل يدعى عروة بن أدية التميمي.[١٥]
صيرورته شعاراً للخوارج
بعد إقرار وثيقة التحكيم في حرب صفين عام 37هـ [١٦]، عاد جيش الإمام إلى الكوفة، لكنّ بعضهم مّمن عُرفوا فيما بعد بـ"الخوارج" اعتزلوا جيش الإمام علي في منطقة تدعى الحروراء تحت شعار "لاحكم إلا لله" و استقرّوا هناك، و رفضوا العودة إلى الكوفة[١٧]، بل و هدّدوا الإمام بأنه إن لم يعد عن قبول التحكيم فسوف يتبرؤون منه و يقاتلونه[١٨]. استناداً إلى شعار "لا حكم إلا لله" طالب الخوارج بترك تحكيم الرجال في أمور الدين[١٩]، وبنقض العهد مع معاوية ومتابعة قتاله[٢٠]. وقد ادّعوا التوبة من ذنب قبول التحكيم، واعتبروا الإمام علي (ع) و بقية المسلمين عصاةً وكفاراً، وطالبوهم بالتوبة أو القتال[٢١]. هذا و قد كان الإمام علي (ع) مخالفاً لقبول التحكيم، غير أنّه اضطرّ للقبول به تحت تهديد و إكراه أنصاره الذين قام عدّة منهم بالانضمام للخوارج فيما بعد، ولم يقبل بعدها بنقض هذه المعاهدة[٢٢]. أحد قادة الخوارج وهو ابن الكواء كان من الموافقين على مسألة التحكيم في البداية، و كان من الذين خالفوا تمثيل عبد الله بن عباس لجيش الكوفة كحكم عنه، و من الذين حملوا الإمام على القبول بأبي موسى الأشعري،[٢٣] ثم ما لبث أن أصبح بصحبة شبث بن ربعي التميمي من أوائل الداعين إلى تحكيم الله تحت شعار "لا حكم إلا لله".[٢٤]
مجادلة الإمام علي (ع)
جادل الخوارج الإمام في عدّة مناسبات استناداً إلى هذا الشعار، فمثلاً عندما انتُخب أبو موسى الأشعري للتحكيم؛ جاء رجلان من الخوارج وهما زرعة بن البرج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي إلى الإمام علي (ع) يهتفان بشعار "لا حكم إلا لله"، و طالبا الإمام بأن يتوب من فعله و أن ينهض لقتال معاوية، وقام الإمام بدوره بتذكيرهما بالوفاء بالعهد ولم يقبل بمطالبتهما[٢٥]. تعرّض الإمام علي (ع) في مواضع عدّة للمضايقة من قبل الخوارج تحت عنوان هذا الشعار، ومنها أنّه كان يوماً في طريقه إلى مسجد الكوفة ليخطب بالناس؛ فقام رجل بجانب المسجد ينادي بـ"لا حكم إلا لله" وقام عدة أشخاص بتكراره أيضاً[٢٦]. وكان الإمام يوماً يخطب بالناس في مسجد الكوفة فقاطعه نفر من الخوارج عدة مرّات بهذا الشعار[٢٧]. وقد تكرّرت هذه الحادثة مرات عديدة.[٢٨]
تبدّل مفهوم الشعار
كان الخوارج في بدايات الأمر ومن خلال شعار "لا حكم إلا لله" يعتبرون الحكم - بمعنى القضاء - مختصّاً بالله، ثم ما لبثوا أن اعتقدوا بأنّ الحكم - بمعنى الإمارة و الرئاسة - لا يكون كذلك إلا لله، ولا يحقّ لعليّ (ع) ولا لمعاوية حكم ولا إمارة. وأرادوا من خلال ذلك أن يغدو المجتمع بلا حكومة.[٢٩]
يعتقد العلّامة السبحاني في كتابه "الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف" بأنّ ضرورة الحكومة غنيّة عن الدليل و البرهان، كما وردت في أهميّتها روايات عن النبي (ص) والأئمة المعصومين.[٣٠] فمن أجل المحافظة على التوحيد و حاكمية الله اعتبر الخوارج بناءً على استنتاجات خاطئة أيّ شكل من أشكال حكم البشر باطلاً، وأعلنوا أنّ الحكومة لا تكون إلا لله.[٣١] ويعتقد باحثون آخرون بأنّ أكثر الخوارج كانوا أعراباً لا يملكون تصوّراً صحيحاً عن الإمامة و السياسة وكونها تتعدّى المفاهيم و التصورات القَبَليّة للمسألة، فأسقطوا ميولهم و توجهاتهم على تفسيرهم المنحرف لشعار "لا حكم إلا لله".[٣٢]
موقف الإمام علي (ع)
و في ردّه على الادّعاء الموجّه ضدّه بكونه قد حكّم الرجال في دين الله؛ قال الإمام علي (ع) بأنّ تعيين أفراد ليحكموا على أساس القرآن ليس معناه أننا نحكّمهم في دين الله،[٣٣] بل اعتبر ذلك الفعل عمليّاً و لا مفرّ منه، لأنّ القرآن نفسه لايمكنه أن ينطق. ويُروى أنّه في إحدى مناظراته مع الخوارج أحضر معه قرآناً وخاطبه قائلاً "أيها المصحف، حدّث الناس"، فناداه الناس: يا أمير المؤمنين ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منه، فماذا تريد؟ قال أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله..." .[٣٤]
اعتبر الإمام علي (ع) أن شعار "لا حكم إلا لله" كلمة حق أريدَ بها باطل، وردّ رأي الخوارج بأنّ الحكم لا يكون إلا لله بأنّه لا بدّ للناس من أمير بَرّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي.[٣٥] وقد ورد ردّ الإمام على شعار "لا حكم إلا لله" في الخطبة الأربعين من نهج البلاغة.[٣٦]
ورغم أنّ مباحثات الإمام علي (ع) مع الخوارج[٣٧] أفضت إلى رجوع جميع الخوارج،[٣٨] أو أربعة آلاف منهم على رواية؛[٣٩] غير أنهم بعد فشل التحكيم أصرّوا على اعتبار الإمام عاصياً كافراً، ولذلك اعتزلوا جيش الكوفة و امتنعوا عن متابعة قتال معاوية،[٤٠] واجتمعوا في بيت عبد الله بن وهب الراسبي،[٤١] وأعدّوا لقتال الإمام في حرب النهروان التي انتهت بخسارتهم.[٤٢]
استعمالات الشعار بعد النهروان
بقي شعر "لا حكم إلا لله" من أهمّ رموز الخوارج، حيث استند إليها ابن ملجم المرادي فيما بعد أثناء طعنه للإمام علي (ع)،[٤٣] وبعد سنوات بات يُعرف هذا الشعار أحد المباني الاعتقادية لهم،[٤٤] وكانوا يستعملونه في ثوراتهم اللاحقة.[٤٥]
الهوامش
- ↑ النوبختي، فرق الشيعة، ۱۴۰۴ق، ص۶؛ الأشعري القمي، المقالات و الفرق، ۱۳۶۰ق، ص۵.
- ↑ الشوشتري، إحقاق الحق، ۱۴۰۹ق، ج۳۲، ص۵۲۳، تعليقة آية الله المرعشي النجفي.
- ↑ الفراهيدي، كتاب العين، قم، ج۳، ص۶۷؛ الأزهري، تهذيب اللغة، بيروت، ج۴، ص۷۰-۷۱.
- ↑ سورة الأنعام، آية ۵۷؛ سورة يوسف، آية ۴۰، ۶۷.
- ↑ مكارم الشيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ج۲، ص۴۳۲.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۸.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۴۹۳-۴۹۴.
- ↑ راجع تاريخ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۵۳-۵۴.
- ↑ الدينوري، الأخبار الطوال، ۱۳۶۸ش، ص۱۹۶؛ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۲.
- ↑ الدينوري، الأخبار الطوال، ص۱۹۶؛ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۲
- ↑ الدينوري، الأخبار الطوال، ۱۳۶۸ش، ص۱۹۷.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۱۳.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۹؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ج۲، ص۳۳۶؛ المسعودي، مروج الذهب، ج۲، ص۳۹۳.
- ↑ البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۳۶.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۰.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۰۸.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۱.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۲؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶.
- ↑ البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۶۰.
- ↑ جعفريان، حيات فكري سياسي امامان شيعه، ۱۳۹۰ش، ص۱۰۰ – ۱۰۱.
- ↑ ابنالطقطقي، الفخري، ۱۴۱۸ق، ص۹۹.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۴۹.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ۱۳۸۲ق، ص۵۰۲.
- ↑ الذهبي، تاريخ الإسلام، ۱۴۱۳ق، ج۳، ص۵۵۴.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۲؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶؛ الشوشتري، إحقاق الحق، ۱۴۰۹ق، ج۳۲، ص۵۲۹.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۳.
- ↑ ابنشاذان، الإيضاح، ۱۳۶۳ش، ص۴۷۴.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۵، ص۷۴؛ ابنمسكويه، تجارب الأمم، ۱۳۷۹ش، ج۱، ص۵۵۵-۵۵۶؛ ابنحيون، دعائم الإسلام، ۱۳۸۵ق، ج۱، ص۳۹۳.
- ↑ مكارم شيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ۱۳۸۵ش، ج۲، ص۴۳۲.
- ↑ السبحاني، الإنصاف، ۱۳۸۱ش، ج۳، ص۴۳۳.
- ↑ مكارم شيرازي، پيام امام امير المومنين(ع)، ۱۳۸۵ش، ج۲، ص۴۳۲.
- ↑ جعفريان، حيات فكري سياسي امامان شيعه، ۱۳۹۰ش، ص۱۰۰ – ۱۰۱.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۲.
- ↑ ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۲۷۹.
- ↑ المجلسي، بحارالانوار، ۱۴۰۳ق، ج۳۳، ص۳۵۸.
- ↑ نهجالبلاغة، ۱۴۱۴ق، ص۸۲.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۱؛ البلاذري، أنساب الأشراف، ۱۴۱۷ق، ج۲، ص۳۵۳؛ ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۲۸۰.
- ↑ ابنخلدون، تاريخ ابنخلدون، ۱۴۰۸ق، ج۲، ص۶۳۵.
- ↑ الذهبي، تاريخ الإسلام، ۱۴۱۳ق، ج۳، ص۵۹۱.
- ↑ الدينوري، الأخبارالطوال، ۱۳۶۸ش، ص۲۰۶.
- ↑ الدينوري، الأخبارالطوال، ۱۳۶۸ش، ص۲۰۲.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، ج۲، ص۱۹۲-۱۹۳.
- ↑ ابنكثير، البداية و النهاية، ۱۴۰۷ق، ج۷، ص۳۲۶.
- ↑ ابنأعثم الكوفي، الفتوح، ۱۴۱۱ق، ج۷، ص۶۳.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم و الملوك، ۱۳۸۷ق، ج۶، ص۲۷۶؛ ابنأعثم الكوفي، الفتوح، ۱۴۱۱ق، ج۷، ص۶۱.
المصادر والمراجع
- ابنأعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، الفتوح، تحقيق علي شيري، بيروت، دارالأضواء، الطبعة الأولى، ۱۴۱۱ق.
- ابنالطقطقي، محمد بن علي، الفخري، تحقيق عبدالقادر محمد مايو، بيروت، دارالقلم العربي، ۱۴۱۸ق.
- ابنحيون، نعمان بن محمد المغربي، دعائم الإسلام و ذكر الحلال و الحرام و القضايا و الأحكام، قم، مؤسسة آل البيت(ع)، الطبعة الثانية، ۱۳۸۵ق.
- ابنخلدون، عبدالرحمن بن محمد، ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و...، تحقيق خليل شحادة، بيروت، دارالفكر، الطبعة الثانية، ۱۴۰۸ق.
- ابنشاذان، الفضل بن شاذان النيشابوري، الإيضاح، طهران، نشر جامعة طهران، ۱۳۶۳ش.
- ابنكثير، إسماعيل بن عمر، البداية و النهاية، بيروت، دارالفكر، ۱۴۰۷ق.
- ابنمسكويه، أبوعلي مسكويه الرازي، تجارب الأمم، تحقيق أبوالقاسم إمامي، طهران، سروش، ۱۳۷۹ش.
- الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، بيروت،دار إحياء التراث العربي، بيتا.
- الأشعري القمي، سعد بن عبدالله، المقالات و الفرق، طهران، مركز انتشارات علمي فرهنگي، ۱۳۶۰ش.
- البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر، أنساب الأشراف، تحقيق سهيل زكار و رياض زركلي، بيروت، دارالفكر، ۱۴۱۷ق.
- جعفريان، رسول، حيات فكري سياسي امامان شيعه، تهران، نشر علم، ۱۳۹۰ش.
- الدينوري، أحمد بن داود، الأخبار الطوال، تحقيق عبدالمنعم عامر، قم، منشورات الرضي، ۱۳۶۸ش.
- الذهبي، شمسالدين محمد بن أحمد، تاريخ الاسلام و وفيات المشاهير و الأعلام، تحقيق عمر عبدالسلام التدمري، بيروت، دارالكتاب العربي، الطبعة الثانية، ۱۴۱۳ق.
- الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، بيروت، دارالقلم، ۱۴۱۲ق.
- السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، قم، مؤسسة الإمام الصادق(ع)، ۱۳۸۱ش.
- الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، تحقيق صبحي صالح، قم، نشر هجرت، ۱۴۱۴ق.
- الشوشتري، القاضي نورالله، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، قم، مكتبة آيةالله المرعشي النجفي، ۱۴۰۹ق.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم و الملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دارالتراث، ۱۳۸۷ق.
- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، قم، نشر هجرت، الطبعة الثانية، بيتا.
- المجلسي، محمدباقر بن محمدتقي، بحارالأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بيروت،دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، ۱۴۰۳ق.
- المسعودي، علي بن حسين، مروج الذهب و معادن الجوهر، تحقيق أسعد داغر، قم، دارالهجرة، ۱۴۰۹ق.
- مكارم الشيرازي، ناصر، پيام امام امير المومنين(ع)، طهران، دارالكتب الإسلامية، ۱۳۸۵ش.
- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، المؤسسة العربية الحديثة، الطبعة الثانية، ۱۳۸۲ق.
- النوبختي، حسن بن موسي، فرق الشيعة، بيروت، دارالأضواء، ۱۴۰۴ق.
- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت،دار صادر، بيتا.