أصل البراءة

من ويكي شيعة
(بالتحويل من اصل البراءة)

أصل البراءة أو أصالة البراءة، هي إحدى الأصول العملية في الفقه الإسلامي، وتجري فيما إذا شكّ المكلّف في أصل التكليف، فيُحكم ببراءة ذمّته من ذلك التكليف، وذلك بعد أن فحص المكلّف عن دليل الحكم الشرعي، ولم يجد شيئا، فحينئد لا يُعاقب على الإتيان بذلك العمل أو تركه، كالشكّ في حرمة التدخين.

وقد استدل الأصوليون لإثبات أصالة البراءة بالأدلّة الأربعة. واعتبروا أنّ موضوع أصل البراءة هو الشكّ في التكليف (وجوباً أو حرمةً). فالشكّ في التكليف إما هو ناظر إلى الوجوب وإما إلى الحرمة، وفي كل واحد منهما فإما يكون الشك في أصل الحكم (ويسمّى الشبهة الحكمية) وإما يكون الشك في الموضوع بعد العلم بالحكم (ويسمّى الشبهة الموضوعية).

ويرى علماء أصول الفقه أن أصل البراءة يقسّم إلى البراءة العقلية والبراءة الشرعية، واستدلوا على ذلك ببعض القوانين الدولية، ودستور البلدان الإسلامية.

مكانة البحث

أصل البراءة في دستور البلدان الإسلامية:

  • المادة (19- خامساً) من الدستور العراقي: المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة.[١]
  • المادة 37 من الدستور الإيراني: الأصل البراءة، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته من قبل المحكمة الصالحة.[٢]
  • المادة (4/101) من الدستور الأردني:‌ المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي[٣]

أصالة البرائة هي إحدى الأصول العملية التي تناولتها المصادر الأصولية الإسلامية والشيعية.[٤] وتمت مناقشتها في بعض القوانين الدولية، كالمادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[٥] والمادة 19 من إعلان حقوق الإنسان الإسلامية (إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام)[٦] وأيضا وردت في دستور بعض الدول الإسلامية.[٧][٨][٩] كما تم استخدامها في جميع الأبواب الفقهية، كـالحج، والضمان، والكفارات، واليمين، والإرث.[١٠] وبحسب النقوش الحجرية والألواح التي تم الحصول عليها من العصر القديم، فقد اعتبر البعض أن أصل مبدأ البراءة يعود إلى هذا العصر.[١١]

المفهوم

إنّ البراءة في اللغة بمعنى التباعد من الشيء ومزايلته.[١٢] وبحسب الأصوليين فيعتبر أصل البراءة من الأصول العملية التي يتم الرجوع إليها عند الشك في أصل التكليف مع عدم الحصول على دليل معتبر من القرآن، أو السنّة، أو الإجماع، أو العقل. ووفقاً لأصل البراءة فيُرفع عن المكلف مسؤولية التكليف المشكوك وغير المعلوم.[١٣] ففي مثل هذه الحالة حيث لم نجد دليلاً معتبرا على التكليف ولم يعرف المكلف هل جاء في ذمّته حكم أو تكليف خاص أو لا، فتجري أصالة البراءة، فلا يعذّب المكلّف على الفعل أو الترك.[١٤] والمثال على ذلك أن يشكّ الإنسان هل يحرم التدخين أو لا؟ ولا يعرف الحكم الواقعي، فبناء على أصالة البراءة لا يستحق العقاب بفعله أو تركه.[١٥]

استعمال أصل البراءة

تناولت المصادر الأصولية هذه المسألة بعنوان «مجرى أصل البراءة»، واعتبرت أنّ موضوعها هو الشكّ في التكليف وجوباً أو حرمةً.[١٦] فمثلاً لا يعرف المكلف أن التدخين هل هو حرام أو لا؟[١٧]

وبحسب الأصولي الشيعي في القرن الرابع عشر الهجري الآغا ضياء العراقي فالشكّ في التكليف إما هو في الوجوب وإما في التحريم، وفي كل من الحالتين فإما أن يكون الشك في الحكم، فيطلق عليه الشبهة الحكمية، وإما أن يكون الشك في الموضوع (مع علم المكلف بالحكم) فيطلق عليه الشبهة الموضوعية.[١٨] لكن يرى جعفر سبحاني وهو من أصوليي الشيعة في القرن الخامس عشر الهجري أنّ جريان أصالة البراءة في الشبهات الموضوعية محل خلاف بين العلماء، ولا يقبلها البعض كالسيد حسين البروجردي.[١٩]

في الشبهة الوجوبية

الشبهة الوجوبية فيما إذا احتمل أن يكون الحكم أو الموضوع في مسألة ما هو الوجوب أو غير الحرام (يعني المباح أو المستحب أو المكروه).[٢٠]

المثال للشبهة الوجوبية الحكمية: إذا شكّ المكلّف هل يجب الدعاء عند رؤية الهلال، أو يستحب ذلك، فالشك هنا في الحكم، ولا يعرف المكلّف ما هو حكم الدعاء عند الهلال.[٢١]
المثال للشبهة الموضوعية: إنّ تكريم العالم واجب، والمكلّف يعلم هذا الحكم، لكنّه يشك في رجل هل هو من العلماء أو لا، وبالنتيجة لا يعرف هل يجب احترام هذا الرجل أو لا.

في الشبهة التحريمية

الشبهة التحريمية هي فيما إذا احتمل أن يكون حكم أو موضوع مسألة حراماً أو غير واجبٍ (يعني مباحا أو مستحبا أو مكروهاً).[٢٢]

المثال للشبهة التحريمية الحكمية: إذا شكّ المكلّف هل التدخين حرام أو جائز؟ فالشك هنا في الحكم، بمعنى أنّ المكلف لا يعرف حكم التدخين.[٢٣]
المثال للشبهة التحريمية الموضوعية: شرب الخمر حرام، والمكلّف يعرف ذلك، لكنّه يشك هل السائل الموجود في هذا الوعاء خمر أو خلّ؟[٢٤]

أدلة أصل البراءة

استدلّ الأصوليون لإثبات أصالة البراءة بالأدلّة الأربعة: القرآن،‌ والسنّة،‌ والإجماع، والعقل.

  • السنّة: ورد في حديث الرفع[٢٨] عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «رُفِعَ عَنْ‌ أُمَّتِي‌ تِسْعَةٌ:.... وَ مَا لَا يعْلَمُونَ‌...».[٢٩] كما ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي».[٣٠]
  • الإجماع: حيث اتفق الأصوليون على حجّيّة أصل البراءة.[٣١]
  • العقل: بناءً على القاعدة العقلية «قبح العقاب بلا بيان» فما دام لم يتم نهي الشارع عنه، ولم يتم إبلاغ المكلّف بذلك النهي فعقابه على العمل به قبيح عقلاً.[٣٢]

أقسام أصل البراءة

قسّم أصل البراءة إلى قسمين: البراءة العقلية، والبراءة الشرعية

البراءة العقلية

إن العقل يحكم بأن عقاب من لم يصله بيان ودليل حول التكليف الشرعي قبيح، ولا يؤاخذ المكلّف بسبب فعله أو تركه لذلك.[٣٣] ويقال بأن هذا القسم يقوم على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.[٣٤]

البراءة الشرعية

بحسب هذا القسم من البراءة فإنّ الشارع في كل مورد لا يعلم المكلف بالحكم الواقعي سيقدّم حكماً ظاهرياً يرفع به التكليف عن عاتق//ذمّة المكلّف. وقد استدلّ الأصوليون لإثبات البراءة الشرعية ببعض الآيات القرآنية والروايات.[٣٥]

ذات صلة

الهوامش

  1. الدستور العراقي، موقع مجلس النواب العراقي.
  2. الدستور الإيراني، سفارة جمهورية إيران الإسلامية نواكشوط.
  3. الدستور الأردني
  4. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص14؛ الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص337.
  5. حقوق الإنسان، موقع منظمة حقوق الإنسان.
  6. إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
  7. الدستور الأردني
  8. الدستور العراقي، موقع مجلس النواب العراقي.
  9. الدستور الإيراني، سفارة جمهورية إيران الإسلامية نواكشوط.
  10. مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(ع)، ج2، ص85.
  11. انظر: اكبري رومني، «اصل برائت در گذار تاريخ»، ص182-183.
  12. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة،‌ ج1، ص236.
  13. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص338؛ العراقي، مقالات الأصول، ج2، ص145؛ سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص179؛ مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(ع)، ج1، ص547.
  14. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص338؛ سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص180.
  15. سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص180.
  16. العراقي، مقالات الأصول، ج2، ص149.
  17. سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص180.
  18. العراقي، مقالات الأصول، ج2، ص149.
  19. سبحاني، «درس خارج الأصول لآية الله سبحاني»، موقع مدرسة الفقاهة.
  20. العراقي، منهاج الأصول، ج 4، ص14-15.
  21. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص18.
  22. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج1، ص338.
  23. سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص180.
  24. سبحاني، الموجز في أصول الفقه، ص180.
  25. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص22-23.
  26. العراقي، منهاج الأصول، ج 4، ص33.
  27. الميرزا النائيني، فوائد الأصول، ج3، ص333.
  28. شيخ صدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص59.
  29. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص339؛ الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص28.
  30. شيخ صدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص317؛ الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص179؛ العراقي، منهاج الأصول، ج 4، ص79.
  31. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص50-51؛ الآخوند الخراساني، ج1، ص338؛ الميرزا النائيني، فوائد الأصول، ج3، ص365؛ العراقي، منهاج الأصول، ج 4، ص33.
  32. الشيخ الأنصاري، فرائد الأصول، ج2، ص57.
  33. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص374؛ العراقي، مقالات الأصول، ج2، ص53؛ المشكيني، اصطلاحات الأصول، ص46.
  34. انظر: الميرزا القمي، القوانين المحكمة في الأصول، ج3، ص47.
  35. الآخوند الخراساني، كفاية الأصول، ج1، ص374؛ العراقي، مقالات الأصول، ج2، ص53؛ المشكيني، اصطلاحات الأصول، ص46.

الملاحظات

  1. ﴿وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا
  2. ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ

المصادر والمراجع

  • الآخوند الخراساني، محمد كاظم، كفاية الأصول، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، د.ت.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط3، 1414هـ.
  • اكبري رومني، فرناز، «اصل برائت در گذار تاريخ»، في «مجله حقوقي دادگستري»، رقم 62-63، ربيع وصيف 1378ش.
  • سبحاني، جعفر، «درس خارج الأصول لآية الله سبحاني»، تاريخ النشر: 19 فروردين 1393ش، تاريخ المشاهدة: 24 مرداد 1402ش.
  • سبحاني، جعفر، الموجز في أصول الفقه، قم، موسسة الإمام صادق(ع)، 1423هـ.
  • الشيخ الأنصاري، مرتضى، فرائد الأصول، قم، مجمع الفكر الإسلامي، ط1، 1419هـ.
  • العراقي، ضياء‌ الدين، مقالات الأصول، تحقيق: مجتبى محمودي ومنذر الحكيم، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1420هـ.
  • العراقي، ضياء‌ الدين، منهاج الأصول، تصحيح: محمد إبراهيم بن علي الكرباسي، بيروت، دار البلاغة، 1411هـ/ 1991م.
  • مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت(ع)، تحت إشراف السيد محمود الشاهرودي، قم، مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي، 1382ش.
  • المشكيني، علي، اصطلاحات الأصول، قم، دار الهادي للنشر، ط5، 1371ش.
  • الميرزا القمي، أبو القاسم، القوانين المحكمة في الأصول، تحقيق: رضا حسين صبح، قم، دار إحياء الكتب الإسلامية للنشر، 1430هـ.
  • الميرزا النائيني، محمد حسين، فوائد الأصول، مقرّر: محمد على‌ كاظمى الخراسانى، قم، جمعية مدرّسي الحوزة العلمية بقم‌، 1376ش.
  • الدستور العراقي، موقع مجلس النواب العراقي، تاريخ المشاهدة: 29 يوليو 2024م.
  • الدستور الإيراني، سفارة جمهورية إيران الإسلامية نواكشوط، تاريخ المشاهدة: 29 يوليو 2024م.
  • الدستور الأردني، مركز دراسة القانون والعدالة في المجتمعات العربية، تاريخ المشاهدة: 29 يوليو 2024م.
  • حقوق الإنسان، موقع منظمة حقوق الإنسان، تاريخ المشاهدة: 29 يوليو 2024م.
  • إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام، اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، تاريخ المشاهدة: 29 يوليو 2024م.