نص:مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي
هذا النص الكامل لـمناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي. وللمزيد من المعلومات اقرأ: مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي • الإمام علي الرضا عليه السلام . |
قال الْحَسَنَ بْنَ مُحَمَّدٍ النَّوْفَلِيَّ قَدِمَ سُلَيْمَانُ الْمَرْوَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُرَاسَانَ عَلَى الْمَأْمُونِ فَأَكْرَمَهُ، وَوَصَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَمِّي عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا (ع) قَدِمَ عَلَيَّ مِنَ الْحِجَازِ، وَهُوَ يُحِبُّ الْكَلَامَ وَأَصْحَابَهُ فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِمُنَاظَرَتِهِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ مِثْلَهُ فِي مَجْلِسِكَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَيَنْتَقِضَ عِنْدَ الْقَوْمِ إِذَا كَلَّمَنِي وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِقْصَاءُ عَلَيْهِ. |
قَالَ الْمَأْمُونُ: إِنَّمَا وَجَّهْتُ إليه [إِلَيْكَ] لِمَعْرِفَتِي بِقُوَّتِكَ، وَلَيْسَ مُرَادِي إِلَّا أَنْ تَقْطَعَهُ عَنْ حُجَّةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ: حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَخَلِّنِي وَالذَّمَّ، فَوَجَّهَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا (ع)، فَقَالَ: إِنَّهُ قَدِمَ إِلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَرْوَزَ، وَهُوَ وَاحِدُ خُرَاسَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَلَامِ، فَإِنْ خَفَّ عَلَيْكَ أَنْ تَتَجَشَّمَ الْمَصِيرَ إِلَيْنَا فَعَلْتَ. |
فَنَهَضَ (ع) لِلْوُضُوءِ، وَقَالَ لَنَا: تَقَدَّمُونِي وَعِمْرَانُ الصَّابِي مَعَنَا، فَصِرْنَا إِلَى الْبَابِ، فَأَخَذَ يَاسِرٌ وَخَالِدٌ بِيَدِي، فَأَدْخَلَانِي عَلَى الْمَأْمُونِ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ قَالَ: أَيْنَ أَخِي أَبُو الْحَسَنِ أَبْقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ خَلَّفْتُهُ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ عِمْرَانَ مَوْلَاكَ مَعِي، وَهُوَ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: وَمَنْ عِمْرَانُ؟ قُلْتُ: الصَّابِي الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِكَ. قَالَ: فَلْيَدْخُلْ فَدَخَلَ. |
فَرَحَّبَ بِهِ الْمَأْمُونُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَا عِمْرَانُ لَمْ تَمُتْ حَتَّى صِرْتَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ؟ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنِي بِكُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: يَا عِمْرَانُ هَذَا سُلَيْمَانُ الْمَرْوَزِيُّ مُتَكَلِّمُ خُرَاسَانَ. قَالَ عِمْرَانُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَزْعُمُ [أَنَّهُ] وَاحِدُ خُرَاسَانَ فِي النَّظَرِ، وَيُنْكِرُ الْبَدَاءَ. قَالَ: فَلِمَ لَا تُنَاظِرُونَهُ؟ قَالَ: عِمْرَانُ ذَلِكَ إِلَيْهِ. |
فَدَخَلَ الرِّضَا (ع)، فَقَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ؟ قَالَ عِمْرَانُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا سُلَيْمَانُ الْمَرْوَزِيُّ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: أَتَرْضَى بِأَبِي الْحَسَنِ وَبِقَوْلِهِ فِيهِ؟ فَقَالَ عِمْرَانُ: قَدْ رَضِيتُ بِقَوْلِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْبَدَاءِ عَلَى أَنْ يَأْتِيَنِي فِيهِ بِحُجَّةٍ أَحْتَجُّ بِهَا عَلَى نُظَرَائِي مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ. |
قَالَ الْمَأْمُونُ: يَا أَبَا الْحَسَنِ مَا تَقُولُ فِيمَا تَشَاجَرَا فِيهِ؟ قَالَ: وَمَا أَنْكَرْتَ مِنَ الْبَدَاءِ يَا سُلَيْمَانُ؟ وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾، [١] وَيَقُولُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾،[٢] وَيَقُولُ: ﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾،[٣] وَيَقُولُ: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ﴾،[٤] وَيَقُولُ: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ﴾،[٥] وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَ: ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾،[٦] وَيَقُولُ: ﴿وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ﴾.[٧] |
قَالَ سُلَيْمَانُ: هَلْ رُوِّيتَ فِيهِ مِنْ آبَائِكَ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ رُوِّيتُ عَنْ أَبِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عِلْمَيْنِ[ملاحظة ١]عِلْماً مَخْزُوناً مَكْنُوناً لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ، وَعِلْماً عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَالْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا يَعْلَمُونَهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: أُحِبُّ أَنْ تَنْزِعَهُ لِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ (ص) ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾،[٨] أَرَادَ هَلَاكَهُمْ، ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.[٩][ملاحظة ٢] |
قَالَ سُلَيْمَانُ: زِدْنِي جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ الرِّضَا: لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ آبَائِهِ (ع) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَنْ أَخْبِرْ فُلَاناً الْمَلِكَ أَنِّي مُتَوَفِّيهِ إِلَى كَذَا وَكَذَا، فَأَتَاهُ ذَلِكَ النَّبِيُّ، فَأَخْبَرَهُ فَدَعَا اللَّهَ الْمَلِكُ، وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ حَتَّى سَقَطَ مِنَ السَّرِيرِ، وَقَالَ يَا رَبِّ أَجِّلْنِي[ملاحظة ٣]حَتَّى يَشِبَّ طِفْلِي وَقضي [يَقْضِيَ] أَمْرِي، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنِ ائْتِ فُلَاناً الْمَلِكَ أَعْلِمْ أَنِّي قَدْ أَنْسَيْتُ[ملاحظة ٤]فِي أَجَلِهِ، وَزِدْتُ فِي عُمُرِهِ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَالَ ذَلِكَ النَّبِيُّ (ع): يَا رَبِّ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَكْذِبْ قَطُّ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَأْمُورٌ،[ملاحظة ٥]فَأَبْلِغْهُ ذَلِكَ وَاللَّهُ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ. |
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: أَحْسَبُكَ ضَاهَيْتَ[ملاحظة ٦]الْيَهُودَ فِي هَذَا الْبَابِ. قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا قَالَتِ الْيَهُودُ؟ قَالَ: ﴿قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾.[١٠] يَعْنُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ فَرَغَ مِنَ الْأَمْرِ، فَلَيْسَ يُحْدِثُ شَيْئاً، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَ: ﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا﴾ وَلَقَدْ سَمِعْتُ قَوْماً سَأَلُوا أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الْبَدَاءِ، فَقَالَ: وَمَا يُنْكِرُ النَّاسُ مِنَ الْبَدَاءِ، وَأَنْ يَقِفَ اللَّهُ قَوْماً يُرْجِيهِمْ لِأَمْرِهِ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ فِي أَيِّ شَيْءٍ أُنْزِلَتْ؟ قَالَ: يَا سُلَيْمَانُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ يُقَدِّرُ اللَّهُ فِيهَا مَا يَكُونُ مِنَ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ مِنْ حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ رِزْقٍ، فَمَا قَدَّرَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَهُوَ مِنَ الْمَحْتُومِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: أَلْآنَ قَدْ فَهِمْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَزِدْنِي. |
قَالَ: يَا سُلَيْمَانُ إنَّ مِنَ الْأُمُورِ أُمُوراً مَوْقُوفَةً عِنْدَ اللَّهِ يُقَدِّمُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ، وَيُؤَخِّرُ مَا يَشَاءُ وَيَمْحُو مَا يَشَاءُ. يَا سُلَيْمَانُ إِنَّ عَلِيّاً (ع) كَانَ يَقُولُ: الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ ومَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ فَمَا عَلَّمَهُ مَلَائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ وَلَا مَلَائِكَتَهُ وَلَا رُسُلَهُ، وَعِلْمٌ عِنْدَهُ مَخْزُونٌ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ يُقَدِّمُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيَمْحُو ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ لِلْمَأْمُونِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُنْكِرُ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا الْبَدَاءَ، وَلَا أُكَذِّبُ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا سُلَيْمَانُ سَلْ أَبَا الْحَسَنِ عَمَّا بَدَا لَكَ، وَعَلَيْكَ بِحُسْنِ الِاسْتِمَاعِ، وَالْإِنْصَافِ. قَالَ سُلَيْمَانُ: يَا سَيِّدِي أَسْأَلُكَ؟ قَالَ الرِّضَا (ع): سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ. قَالَ: مَا تَقُولُ فِيمَنْ جَعَلَ الْإِرَادَةَ اسْماً وَصِفَةً مِثْلَ حَيٍّ وَسَمِيعٍ وَبَصِيرٍ وَقَدِيرٍ. |
قَالَ الرِّضَا (ع): إِنَّمَا قُلْتُمْ حَدَثَتِ الْأَشْيَاءُ وَاخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّهُ شَاءَ وَأَرَادَ وَلَمْ تَقُولُوا حَدَثَتِ الْأَشْيَاءُ، وَاخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا مِثْلَ سَمِيعٍ وَلَا بَصِيرٍ وَلَا قَدِيرٍ. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُرِيداً؟ قَالَ (ع): يَا سُلَيْمَانُ فَإِرَادَتُهُ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ أَثْبَتَّ مَعَهُ شَيْئاً غَيْرَهُ لَمْ يَزَلْ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: مَا أَثْبَتُّ. قَالَ الرِّضَا (ع): أَهِيَ مُحْدَثَةٌ؟ |
قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا مَا هِيَ مُحْدَثَةٌ، فَصَاحَ بِهِ الْمَأْمُونُ، وَقَالَ: يَا سُلَيْمَانُ مِثْلُهُ يُعَايَا[ملاحظة ٧]أَوْ يُكَابَرُ عَلَيْكَ بِالْإِنْصَافِ أَمَا تَرَى مَنْ حَوْلَكَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ، ثُمَّ قَالَ: كَلِّمْهُ يَا أَبَا الْحَسَنِ، فَإِنَّهُ مُتَكَلِّمُ خُرَاسَانَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، فَقَالَ: هِيَ مُحْدَثَةٌ يَا سُلَيْمَانُ، فَإِنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَزَلِيّاً كَانَ مُحْدَثاً، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدَثاً كَانَ أَزَلِيّاً. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: إِرَادَتُهُ مِنْهُ كَمَا أَنَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعِلْمَهُ مِنْهُ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَأَرَادَ نَفْسُهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَيْسَ الْمُرِيدُ مِثْلَ السَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا أَرَادَ نَفْسُهُ كَمَا سَمِعَ نَفْسُهُ وَأَبْصَرَ نَفْسُهُ وَعَلِمَ نَفْسُهُ. قَالَ الرِّضَا (ع): مَا مَعْنَى أَرَادَ نَفْسُهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ حَيّاً أَوْ سَمِيعاً أَوْ بَصِيراً أَوْ قَدِيراً؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): أَفَبِإِرَادَتِهِ كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَلَيْسَ لِقَوْلِكَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ حَيّاً سَمِيعاً بَصِيراً مَعْنًى إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلَى قَدْ كَانَ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِ، فَضَحِكَ الْمَأْمُونُ وَمَنْ حَوْلَهُ، وَضَحِكَ الرِّضَا (ع)، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ[ملاحظة ٨]ارْفُقُوا بِمُتَكَلِّمِ خُرَاسَانَ. يَا سُلَيْمَانُ فَقَدْ حَالَ عِنْدَكُمْ عَنْ حَالِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْهَا، وَهَذَا مَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِهِ فَانْقَطَعَ، ثُمَّ قَالَ الرِّضَا (ع) يَا سُلَيْمَانُ أَسْأَلُكَ عَنْ مَسْأَلَةٍ؟. |
قَالَ: سَلْ جُعِلْتُ فِدَاكَ. قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْكَ وَعَنْ أَصْحَابِكَ تُكَلِّمُونَ النَّاسَ بِمَا تَفْقَهُونَ وَتَعْرِفُونَ أَوْ بِمَا لَا تَفْقَهُونَ وَلَا تَعْرِفُونَ؟ قَالَ: بَلْ بِمَا نَفْقَهُ وَنَعْلَمُ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَالَّذِي يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّ الْمُرِيدَ غَيْرُ الْإِرَادَةِ وَأَنَّ الْمُرِيدَ قَبْلَ الْإِرَادَةِ، وَأَنَّ الْفَاعِلَ قَبْلَ الْمَفْعُولِ، وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَكُمْ: أَنَّ الْإِرَادَةَ وَالْمُرِيدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ وَلَا عَلَى مَا يَفْقَهُونَ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَأَرَاكُمْ ادَّعَيْتُمْ عِلْمَ ذَلِكَ بِلَا مَعْرِفَةٍ، وَقُلْتُمُ الْإِرَادَةُ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ وَلَا يُعْقَلُ فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. |
ثُمَّ قَالَ الرِّضَا (ع): يَا سُلَيْمَانُ هَلْ يَعْلَمُ اللَّهُ جَمِيعَ مَا[ملاحظة ٩]فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ: أَفَيَكُونُ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِذَا كَانَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا كَانَ أَيَزِيدُهُمْ أَوْ يَطْوِيهِ عَنْهُمْ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ يَزِيدُهُمْ. قَالَ: فَأَرَاهُ فِي قَوْلِكَ قَدْ زَادَهُمْ[ملاحظة ١٠]مَا لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يَكُونُ؟ قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَالْمُرِيدُ لَا غَايَةَ لَهُ. |
قَالَ: فَلَيْسَ يُحِيطُ عِلْمُهُ عِنْدَكُمْ بِمَا يَكُونُ فِيهِمَا إِذَا لَمْ يَعْرِفْ غَايَةَ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُحِطْ عِلْمُهُ بِمَا يَكُونُ فِيهِمَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَكُونُ فِيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا قُلْتُ: لَا يَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ لِهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَهُمَا بِالْخُلُودِ، وَكَرِهْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهُمَا انْقِطَاعاً. قَالَ الرِّضَا (ع): لَيْسَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ بِمُوجِبٍ لِانْقِطَاعِهِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ ذَلِكَ، ثُمَّ يَزِيدُهُمْ، ثُمَّ لَا يَقْطَعُهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ﴿كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ﴾،[١١] وَقَالَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾،[١٢] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَ: ﴿وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾،[١٣] فَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَلَا يَقْطَعُ عَنْهُمُ الزِّيَادَةَ أَرَأَيْتَ مَا أَكَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمَا شَرِبُوا لَيْسَ يُخْلِفُ مَكَانَهُ؟ |
قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَيَكُونُ يَقْطَعُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَقَدْ أَخْلَفَ مَكَانَهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا. قَالَ: فَكَذَلِكَ كُلَّمَا يَكُونُ فِيهَا إِذَا أَخْلَفَ مَكَانَهُ فَلَيْسَ بِمَقْطُوعٍ عَنْهُمْ. قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلَى يَقْطَعُهُ عَنْهُمْ وَلايَزِيدُهُمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): إِذاً يَبِيدُ[ملاحظة ١١]فِيهَا وَهَذَا يَا سُلَيْمَانُ إِبْطَالُ الْخُلُودِ وَخِلَافُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ﴾،[١٤] وَيَقُولُ: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾،[١٥] وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَ: ﴿وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ﴾،[١٦] وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَ: ﴿خالِدِينَ فِيها أَبَداً﴾،[١٧] وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَ: ﴿وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾،[١٨] فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. |
ثُمَّ قَالَ الرِّضَا (ع): يَا سُلَيْمَانُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنِ الْإِرَادَةِ فِعْلٌ هِيَ أَمْ غَيْرُ فِعْلٍ؟ قَالَ: بَلَى هِيَ فِعْلٌ. قَالَ (ع): فَهِيَ مُحْدَثَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ مُحْدَثٌ؟[ملاحظة ١٢]قَالَ: لَيْسَتْ بِفِعْلٍ. قَالَ: فَمَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَزَلْ؟. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: الْإِرَادَةُ هِيَ الْإِنْشَاءُ. قَالَ: يَا سُلَيْمَانُ هَذَا الَّذِي عِبْتُمُوهُ[ملاحظة ١٣]عَلَى ضِرَارٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ كُلَّ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سَمَاءٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ مِنْ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ قِرْدٍ أَوْ إِنْسَانٍ أَوْ دَابَّةٍ إِرَادَةُ اللَّهِ، وَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ تَحْيَا وَتَمُوتُ، وَتَذْهَبُ وَتَأْكُلُ وَتَشْرَبُ، وَتَنْكِحُ وَتَلَذُّ وَتَظْلِمُ وَتَفْعَلُ الْفَوَاحِشَ وَتَكْفُرُ وَتُشْرِكُ، فَيَبْرَأُ مِنْهَا[ملاحظة ١٤]وَيُعَادُ بِهَا وَهَذَا حَدُّهَا. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّهَا كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ. قَالَ الرِّضَا (ع): قَدْ رَجَعْتَ إِلَى هَذَا ثَانِيَةً، فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ أَمَصْنُوعٌ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا. قَالَ الرِّضَا (ع): فَكَيْفَ نَفَيْتُمُوهُ قُلْتُمْ لَمْ يُرِدْ وَمَرَّةً قُلْتُمْ أَرَادَ وَلَيْسَتْ بِمَفْعُولٍ لَهُ؟[ملاحظة ١٥]قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا ذَلِكَ كِقَوْلِنَا مَرَّةً عَلِمَ وَمَرَّةً لَمْ يَعْلَمْ. |
قَالَ الرِّضَا (ع): لَيْسَ ذَلِكَ سَوَاءً؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمَعْلُومِ لَيْسَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ وَنَفْيُ الْمُرَادِ نَفْيُ الْإِرَادَةِ أَنْ تَكُونَ إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا لَمْ يُرَدْ لَمْ تَكُنْ إِرَادَةً فَقَدْ يَكُونُ الْعِلْمُ ثَابِتاً، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْلُومُ بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ، فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ بَصِيراً وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمُبْصَرُ، وَقَدْ يَكُونُ الْعِلْمُ ثَابِتاً، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْلُومُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّهَا مَصْنُوعَةٌ. قَالَ: فَهِيَ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ؛ لِأَنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ لَيْسَا بِمَصْنُوعَيْنِ، وَهَذِهِ مَصْنُوعَةٌ. قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ لَمْ تَزَلْ. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ لَمْ يَزَلْ؛ لِأَنَّ صِفَتَهُ لَمْ تَزَلْ؟ |
قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا. قَالَ الرِّضَا (ع): يَا خُرَاسَانِيُّ مَا أَكْثَرَ غَلَطَكَ أَفَلَيْسَ بِإِرَادَتِهِ وَقَوْلِهِ تَكُونُ الْأَشْيَاءُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا. قَالَ: فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِإِرَادَتِهِ وَلَا مَشِيَّتِهِ وَلَا أَمْرِهِ وَلَا بِالْمُبَاشَرَةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً، ثُمَّ قَالَ الرِّضَا (ع): أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها﴾[١٩] يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يُحْدِثُ إِرَادَةً. قَالَ لَهُ: نَعَمْ. قَالَ (ع): فَإِذَا حَدَثَ إِرَادَةٌ كَانَ قَوْلُكَ إِنَّ الْإِرَادَةَ هِيَ هُوَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَنْ يُحْدِثَ نَفْسَهُ وَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ؟[ملاحظة ١٦]قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ يُحْدِثُ إِرَادَةً. قَالَ: فَمَا عَنَى بِهِ؟ قَالَ: عَنَى فِعْلَ الشَّيْءِ. |
قَالَ الرِّضَا (ع): وَيْلَكَ كَمْ تَرَدَّدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ الْإِرَادَةَ مُحْدَثَةٌ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الشَّيْءِ مُحْدَثٌ. قَالَ: فَلَيْسَ لَهَا مَعْنًى. قَالَ الرِّضَا (ع): قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ عِنْدَكُمْ حَتَّى وَصَفَهَا بِالْإِرَادَةِ بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَعْنًى قَدِيمٌ وَلَا حَدِيثٌ بَطَلَ قَوْلُكُمْ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ مُرِيداً؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا عَنَيْتُ أَنَّهَا فِعْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ. قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا لَمْ يَزَلْ لَا يَكُونُ مَفْعُولًا وَقَدِيماً وَحَدِيثاً فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. |
قَالَ الرِّضَا (ع): لَا بَأْسَ أَتْمِمْ مَسْأَلَتَكَ. قَالَ سُلَيْمَانُ: قُلْتُ إِنَّ الْإِرَادَةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ. قَالَ: كَمْ تُرَدِّدُ عَلَيَّ أَنَّهَا صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، فَصِفَتُهُ مُحْدَثَةٌ أَوْ لَمْ تَزَلْ. قَالَ سُلَيْمَانُ: مُحْدَثَةٌ. قَالَ الرِّضَا (ع): اللَّهُ أَكْبَرُ، فَالْإِرَادَةُ مُحْدَثَةٌ وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ لَمْ تَزَلْ، فَلَمْ يُرِد شَيْئاً. قَالَ الرِّضَا (ع): إِنَّ مَا لَمْ يَزَلْ لَا يَكُونُ مَفْعُولًا؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ الْأَشْيَاءُ إِرَادَةً وَلَمْ يُرِدْ شَيْئاً. قَالَ الرِّضَا (ع): وُسْوِسْتَ يَا سُلَيْمَانُ، فَقَدْ فَعَلَ وَخَلَقَ مَا لَمْ يَزَلْ خَلَقَهُ وَفَعَلَهُ وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا يَدْرِي مَا فَعَلَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: يَا سَيِّدِي فَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ. قَالَ: الْمَأْمُونُ وَيْلَكَ يَا سُلَيْمَانُ كَمْ هَذَا الْغَلَطُ وَالتَّرْدَادُ[ملاحظة ١٧]اقْطَعْ هَذَا وَخُذْ فِي غَيْرِهِ إِذْ لَسْتَ تَقْوَى عَلَى غَيْرِ هَذَا الرَّدِّ. قَالَ الرِّضَا (ع): دَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَقْطَعْ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَهُ فَيَجْعَلَهَا حُجَّةً تَكَلَّمْ يَا سُلَيْمَانُ. قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ. قَالَ الرِّضَا (ع): لَا بَأْسَ أَخْبِرْنِي عَنْ مَعْنَى هَذِهِ أَمَعْنًى وَاحِدٌ أَمْ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٌ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: مَعْنًى وَاحِدٌ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَمَعْنَى الْإِرَادَاتِ كُلِّهَا مَعْنًى وَاحِدٌ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهَا مَعْنًى وَاحِداً كَانَتْ إِرَادَةُ الْقِيَامِ إِرَادَةَ الْقُعُودِ وَإِرَادَةُ الْحَيَاةِ إِرَادَةَ الْمَوْتِ إِذَا كَانَتْ إِرَادَتُهُ وَاحِدَةً لَمْ تَتَقَدَّمْ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلَمْ يُخَالِفْ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَكَانَتْ شَيْئاً وَاحِداً؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّ مَعْنَاهَا مُخْتَلِفٌ. |
قَالَ (ع): فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْمُرِيدِ أَهُوَ الْإِرَادَةُ أَوْ غَيْرُهَا؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ هُوَ الْإِرَادَةُ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَالْمُرِيدُ عِنْدَكُمْ مُخْتَلِفٌ إِذْ كَانَ هُوَ الْإِرَادَةَ؟ قَالَ: يَا سَيِّدِي لَيْسَ الْإِرَادَةُ الْمُرِيدَ. قَالَ: فَالْإِرَادَةُ مُحْدَثَةٌ وَإِلَّا فَمَعَهُ غَيْرُهُ افْهَمْ وَزِدْ فِي مَسْأَلَتِكَ. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَإِنَّهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ. قَالَ الرِّضَا (ع): هَلْ سَمَّى نَفْسَهُ بِذَلِكَ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ بِذَلِكَ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُسَمِّيَهُ بِمَا لَمْ يُسَمِّ بِهِ نَفْسَهُ. قَالَ: قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ مُرِيدٌ. قَالَ الرِّضَا (ع): لَيْسَ صِفَتُهُ نَفْسَهُ أَنَّهُ مُرِيدٌ إِخْبَاراً عَنْ أَنَّهُ إِرَادَةٌ وَلَا إِخْبَاراً عَنْ أَنَّ الْإِرَادَةَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: لِأَنَّ إِرَادَتَهُ عِلْمُهُ. قَالَ الرِّضَا (ع): يَا جَاهِلُ فَإِذَا عَلِمَ الشَّيْءَ، فَقَدْ أَرَادَهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: أَجَلْ، فَقَالَ: فَإِذَا لَمْ يُرِدْهُ لَمْ يَعْلَمْهُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: أَجَلْ. قَالَ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ ذَاكَ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِرَادَتَهُ عِلْمُهُ، وَقَدْ يَعْلَمُ مَا لَا يُرِيدُهُ أَبَداً وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾،[٢٠] فَهُوَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ بِهِ وَهُوَ لَا يَذْهَبُ بِهِ أَبَداً. قَالَ سُلَيْمَانُ: لِأَنَّهُ قَدْ فَرَغَ مِنَ الْأَمْرِ فَلَيْسَ يَزِيدُ فِيهِ شَيْئاً. |
قَالَ الرِّضَا (ع): هَذَا قَوْلُ الْيَهُودِ، فَكَيْفَ قَالَ تَعَالَى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[٢١] قَالَ سُلَيْمَانُ: إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ. قَالَ: أَفَيَعِدُ مَا لَا يَفِي بِهِ فَكَيْفَ قَالَ: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ﴾،[٢٢] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ﴾،[٢٣] وَقَدْ فَرَغَ مِنَ الْأَمْرِ، فَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً. قَالَ الرِّضَا (ع): يَا سُلَيْمَانُ هَلْ يَعْلَمُ أَنَّ إِنْسَاناً يَكُونُ وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ إِنْسَاناً أَبَداً، وَأَنَّ إِنْسَاناً يَمُوتُ الْيَوْمَ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَمُوتَ الْيَوْمَ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ مَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ أَوْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ. قَالَ: يَعْلَمُ أَنَّهُمَا يَكُونَانِ جَمِيعاً. |
قَالَ الرِّضَا (ع): إِذًا يَعْلَمُ أَنَّ إِنْسَاناً حَيٌّ مَيِّتٌ قَائِمٌ قَاعِدٌ أَعْمَى بَصِيرٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْمُحَالُ. قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ. قَالَ: لَا بَأْسَ فَأَيُّهُمَا يَكُونُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكُونَ أَوِ الَّذِي لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ. قَالَ سُلَيْمَانُ: الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكُونَ، فَضَحِكَ الرِّضَا (ع) وَالْمَأْمُونُ وَأَصْحَابُ الْمَقَالاتِ. |
قَالَ الرِّضَا (ع): غَلِطْتَ وَتَرَكْتَ قَوْلَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ إِنْسَاناً يَمُوتُ الْيَوْمَ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ أَنْ يَمُوتَ الْيَوْمَ وَأَنَّهُ يَخْلُقُ خَلْقاً وَأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَإِذًا لَمْ يَجُزِ الْعِلْمُ عِنْدَكُمْ بِمَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ، فَإِنَّمَا يَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَإِنَّمَا قَوْلِي إِنَّ الْإِرَادَةَ لَيْسَتْ هُوَ وَلَا غَيْرَهُ. قَالَ الرِّضَا (ع): يَا جَاهِلُ إِذَا قُلْتَ: لَيْسَتْ هُوَ فَقَدْ جَعَلْتَهَا غَيْرَهُ، وَإِذَا قُلْتَ: لَيْسَتْ هِيَ غَيْرَهُ، فَقَدْ جَعَلْتَهَا هُوَ قَالَ سُلَيْمَانُ: فَهُوَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَصْنَعُ الشَّيْءَ. قَالَ: نَعَمْ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَإِنَّ ذَلِكَ إِثْبَاتٌ لِلشَّيْءِ. قَالَ الرِّضَا (ع): أَحَلْتَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُحْسِنُ الْبِنَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ وَيُحْسِنُ الْخِيَاطَةَ، وَإِنْ لَمْ يَخِطْ، وَيُحْسِنُ صَنْعَةَ الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ يَصْنَعْهُ أَبَداً، ثُمَّ قَالَ (ع) لَهُ: يَا سُلَيْمَانُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ مَعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الرِّضَا (ع): فَيَكُونُ ذَلِكَ إِثْبَاتاً لِلشَّيْءِ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ يَعْلَمُ أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ مَعَهُ. قَالَ الرِّضَا (ع): أَفَتَعْلَمُ أَنْتَ ذَاكَ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَنْتَ يَا سُلَيْمَانُ إِذًا أَعْلَمُ مِنْهُ. |
قَالَ سُلَيْمَانُ: الْمَسْأَلَةُ مُحَالٌ قَالَ مُحَالٌ عِنْدَكَ أَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَيْءَ مَعَهُ، وَأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَكِيمٌ قَادِرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكَيْفَ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ وَاحِدٌ حَيٌّ سَمِيعٌ بَصِيرٌ حَكِيمٌ قَادِرٌ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَهَذَا رَدُّ مَا قَالَ وَتَكْذِيبُهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرِّضَا (ع): فَكَيْفَ يُرِيدُ صُنْعَ مَا لَا يَدْرِي صُنْعَهُ وَلَا مَا هُوَ وَإِذَا كَانَ الصَّانِعُ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَصْنَعُ الشَّيْءَ قَبْلَ أَنْ يَصْنَعَهُ، فَإِنَّمَا هُوَ مُتَحَيِّرٌ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً. قَالَ سُلَيْمَانُ: فَإِنَّ الْإِرَادَةَ الْقُدْرَةُ. |
قَالَ الرِّضَا (ع): وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ يَقْدِرُ عَلَى مَا لَا يُرِيدُهُ أَبَداً وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ فَلَوْ كَانَتِ الْإِرَادَةُ هِيَ الْقُدْرَةَ كَانَ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ لِقُدْرَتِهِ، فَانْقَطَعَ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا سُلَيْمَانُ هَذَا أَعْلَمُ هَاشِمِيٍ[ملاحظة ١٨]ثُمَّ تَفَرَّقَ الْقَوْمُ. |
الهوامش
- ↑ مريم: 167.
- ↑ الروم: 27.
- ↑ البقرة: 117.
- ↑ فاطر: 1.
- ↑ السجدة: 7.
- ↑ التوبة: 106.
- ↑ فاطر: 11.
- ↑ الذاريات: 54.
- ↑ الذاريات: 55.
- ↑ المائدة: 64.
- ↑ النساء: 56.
- ↑ هود: 108.
- ↑ الواقعة: 33.
- ↑ ق: 35.
- ↑ هود: 108.
- ↑ الحجر: 48.
- ↑ البينة: 8.
- ↑ الواقعة: 33.
- ↑ الإسراء: 16.
- ↑ الإسراء: 86.
- ↑ المؤمن: 60.
- ↑ فاطر:1.
- ↑ الرعد: 39.
الملاحظات
- ↑ وفي هامش بعض النسخ: اعلم ان المراد بالعلمين ليس كما تقول الفلاسفة، وهما الاجمال والتفصيل، بل علم اللّه تعالى هو عين الذات واحد محيط بكل شيء، والمراد بهما هنا تعليم ذلك العلم للخلق من الملائكة، والناس من الأنبياء والرسل، وباعتبار غير تعليمه لهم وهو خاصّة له تعالى، وهو المخزون المكنون والبداء فيه لا يعلمه الا اللّه العلام العليم.
- ↑ روى عن عليّ (ع): انه لما نزل (فتول عنهم) اشتد ذلك علينا فلما نزلت (فذكر) طابت نفوسنا.
- ↑ أي اخرني إلى مدة كذا.
- ↑ أي أخرت من النسيء.
- ↑ أي مؤدي رسالة وأي كذب يلزمك من ذلك؟!.
- ↑ « ضاهيت» أي شابهت وشاكلت اليهودي في قولك يا سليمان.
- ↑ على ما لم يسم فاعله أي قال المأمون: مثل الرضا (ع) لا يعايى أي ليس بأن لم يهتد بذلك العلم وليس أن يكابر في البحث، بل المكابرة والمعاياة في قولك يا سليمان.
- ↑ أي لمن كان حول المأمون أو للمأمون و من حوله.
- ↑ من الناس وما ينالون من الثواب والعقاب أو مطلقا.
- ↑ لأن الفرض أنه قد كان جميع ما علم انه يكون، فما يزاد خارج عن علمة تعالى!.
- ↑ من باد يبيد تقول باد أهله أي هلك، وقوله (ع): يبيد ما فيها أي يهلك ما في الجنة.
- ↑ قوله:« لأنَّ الفعل كله محدث» صريح في أن كل مصنوع حادث وكل مخلوق محدث.
- ↑ « عيبتموه- ادعيتموه» عبتموه من باب عاب يعيب. عيبتموه مأخوذ من التعييب، يقال: عيبه، أي نسبه إلى العيب.
- ↑ أي فيخلق الخلق من إرادة اللّه. (يعاد على) ما لم يسم فاعله أي يعاد بإرادة اللّه تعالى يوم المعاد كما يبرأ ويخلق في الدنيا بارادته.
- ↑ «وليست بمجعول له» أي وليست الإرادة بمجعول للّه تعالى.
- ↑ « علوا كبيرا».
- ↑ التردد
- ↑ أي قال المأمون: يا سليمان هذا الرضا (ع) أعلم وأفقه و أفضل من جميع ما هو منسوب إلى بني هاشم في هذا العصر.
المصدر
- القرآن الكريم.
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا (ع)، المحقق والمصحح: مهدي لاجوردى، طهران، الناشر: نشر جهان، ط 1، 1378 هـ، ج 1، صص 179 – 191.