السيد حيدر الآملي، من عرفاء الشيعة في القرن 8 الهجري، وأحد رموزهم في استمرار حياة ابن عربي وتخليده في العرفان الشيعي. له عدد من المؤلفات، منها جامع الأسرار وتفسير المحيط الأعظم وشرح فصوص الحکم لابن عربي.
تاريخ ولادة | 720 أو 719 هـ |
---|---|
مكان ولادة | آمل |
دفن | الحلة أو آمل |
معالم | عالم وعارف شيعي |
تأثر | محيي الدين ابن عربي |
دين | الإسلام |
مذهب | شيعي إمامي |
أعمال بارزة | تشييد العرفان النظري الشيعي |
لقد انساق السيد حيدر بعد الاعتزال إلى التأليف، يُشيِّد ويُنقّح الأسس المنسيّة للعرفان النظري حسبما ارتآه مرتبطاً بجذور التشيع الحقيقي معتبراً أن كلّاً من المتصوفة والشيعة على جفوة العلاقة أبناء تراث معنوي واحد قد سطا عليه ضعافهم وتخلّوا عن مبادئه وذهلوا عنه في نظراتهم الأحادية الجانب.
والعجلات المتداخلة الثلاث: التوحيد والرسالة والولاية هي التي أقلّت جُلّ آراء السيد حيدر في العقائد والأخلاق والفقه والتفسير، وكما يصرّح السيد أن الولاية هي باطن التوحيد التي منها بدأ الكون وإليها يعود، يقدّم التوحيد الوجودي في مقابل التوحيد الألوهي (التوحيد في التأليه فقط) على أنه هو المعنيّ في الرسالة الخاتمة على لسان أوليائه الكمّل، مُشدّداً على کلٍّ من الشريعة والطريقة والحقيقة واندماجها، ومردداً لها في تضاعيف أبحاثه.
والسيد حيدر رغم تأثره البليغ بأسلوب ابن عربي في أمهات مسائل العرفان وامتداحه إياه، أتى على أهم أخطائه في مؤلفاته حول الولاية المطلقة والمقيدة ممتعِضاً من كلامه عن نفسه وعن عيسى بن مريم، فبيّن أنها جائت متناقضة في صميمها لبعض أسس المعتقدات، موضّحاً استبطان أصل الدين لأمر الإمامة ودور الإمام المهدي وليس نبي أو غيره في استكمال دائرة التوحيد وبلوغ فلسفة الوجود وانجلاء باطن الرسالات السماوية في نهاية التاريخ.
انبرى لتحقيق بعض أهم كتب السيد في ستينات القرن الماضي المستشرق الفرنسي هنري كوربين (1903 - 1978 م) بمساندة عثمان يحيى السوري، وقد يُعتبر مشروع السيد التقاربي في التوفيق بين المنحيين رغم سلوكه النمط التقليدي في إقامة الشواهد والأدلة ( وبغضّ النظر عن الفارق المتأخر بين اصطلاحي العرفان والتصوف)، مجهوداً متّصفاً بالأصالة، وفقاً للمعايير المتداولة في الدراسات الإسلامية.
حياته
الحقبة الأولی
السيرة الذاتية
لقد قدّم السيد حيدر الآملي في مقدمة تفسيره المحيط الأعظم وكذلك مقدمة كتابه نصّ النصوص عن سيرته الذاتية ترجمتين، يمكن من خلالهما التوصل إلى رؤية واضحة عن تاريخ حياته. ووفقاً لما كتب عن نفسه، فإنّ حياته تنقسم إلى حقبتين: 1- الحقبة الإيرانية 2- الحقبة العراقية؛ كما تنقسم الحقبة العراقية من حياته إلى مرحلتين. لذلك يمكن استعراض مراحل حياة السيد في المراحل الثلاث التالية: المرحلة الأولى: من الولادة إلى نقطة الانقلاب الروحي التي عصفت بحياته. يمكن اعتبار سنة 720 أو 719 ه، هي سنة ميلاد السيد حيدر، فإنه يذكر دخوله العراق سنة 751 ه، أي بعد سنة من ترك آمل (مسقط رأسه في ايران)، وعليه يكون عمره حين مفارقأه لآمل ثلاثون سنة.[١] وتستغرق هذه المدة سنوات تعلمه في ايران واكتساب أولى تجاربه.
يكتب السيد حيدر في مذكرته الأولى أنه ألمّ بالعقائد الشيعية واكتساب العلوم العقلية والنقلية في السنوات الثلاثين الأولى من عمره، فأول بدئه كان في آمل ثم في خراسان وفي استرآباد (گرگان حالياً) ثم إلى اصفهان حيث طال مكوثه بها وعاد منها في الخامسة والعشرين من عمره إلى مسقط رأسه آمل.[٢]
النسب
يعود نسب السيد حيدر إلى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام وكما صرّح في مقدمة كتابه تفسير المحيط الأعظم بتوسط تسعة عشر جيلاً.[٣]
الوزارة
كان فخر الدولة الحسن بن شاه كيخسرو بن يزگرد حاكم طبرستان عند رجوع السيد حيدر إلى آمل. فأعزّه فخر الدولة وقربّه لديه ثم أوكل إليه مهام الوزارة. وفي هذه الفترة تمتّع السيد حيدر بكل مواهب الحياة إلا أنه سرعان ما تفطّن إلى زيف واقعها التافه والأجوف:[٤]
هكذا عشت حتى استضاء ضميري وغلب عليه الحق، فبين الله لي فساد حالتي التي كنت عليها من الجهل والغفلة والنسيان وابتعادي وضلالتي عن الطريق، فناجيت الله في خلوتي وسئلته الخلاص من كل ذلك، فاتقد فيّ شوقٌ عظيم إلى التجرد عن الدنيا والاشتغال بالله وتوحيده، وعرفت أن ذلك لا يكون مع صحبة الملوك ومجالسة الآخرين.[٥]
وبهذه العبارة الناقصة والوجيزة تنتهي مذكرة السيد حيدر عن المرحلة الأولى من حياته في مقدمة كتابه تفسير المحيط الأعظم.[٦]
مع الصوفية
وبعد أن نبذ وخلع السيد حيدر العوائق والتعلقات، استبقى لنفسه جبة مندرسة وتوجه إلى زيارة مراقد الشيعة وعتباتها المقدسة وإلى بيت المقدس ومكة ومدينة النبي. وهذه المرة استأثر السيد حيدر لنفسه مرافقة الصوفية فقط، وأقام معهم علاقات وطيدة معاهدين عقد الأخوة والفتوة. فكان أن خضع لتعليم شيخ يُدعى نور الدين الطهراني؛[٧] من عرفاء زمانه وزهادهم المقبولين عند الخاصّ.[٨]
الحقبة الثانية
المرحلة العراقية الأولى
اتجه السيد حيدر في سنة 751 إلى مكة ومدينة ونوى الإقامة بهما ولكّن المرض أعاقه وحال بينه وبين المكوث، فعاد إلى العراق والأماكن المقدسة.[٩]
ويرى أصحاب التراجم أن السيد حيدر نهل واستفاد في هذه المرحلة من تعاليم استاذين كبيرين هما: نصيرالدين الكاشاني الحلي (755 ه) وفخرالمحققين (682 – 771 ه) ابن العلامة الحلي.[١٠]
ولقد حصل السيد حيدر على إجازته العلمية من فخر المحققين سنة 761 ه [١١] وكتب رسالته المدعوّة برافعة الخلاف (في تفسير مواقف الإمام علي من الخلفاء الثلاث) بطلب منه، وقام بمراسلته ومكاتبته في بعض الرسائل العلمية.[١٢]
المرحلة العراقية الثانية
وبما أن الرسالة المدعوّة برسالة في معرفة الوجود قد كُتِبت سنة 768 ه في النجف الأشرف، فإن تاريخها صالحة لأن تكون مبدئاً لتعيين هذه المرحلة.[١٣] أما بالنسبة إلى تاريخ وفاة السيد حيدر فإنه لا يمكن تعيينه بالتحديد، حیث قلّ تواجده فی الأنظار وخلى بنفسه بعیداً عن مخالطة الناس، ولكن يُقال إن من جملة كتبه التي صُنِّفت في أواخر عمره هو رسالة العلوم العالية التي صنّفها سنة 787 ه.[١٤]
السيد حيدر والعرفان الشيعي النظري
الشيعة والتصوف
يرى السيد حيدر في مكانة التشيع من التصوف ونسبة كلّ منهما إلى الآخر أن ذلك ينتهي إلى الجذور، حيث النواة الأصلية المتبقية في ايران رغم الملابسات ومضي القرون من المواجهات والتحديات. والاستعراض التامّ لمضاعفات هذه المرحلة على صورتها الحقيقية قد لا يتأتّى إلا بالتزام نظرة معرفية إلى التشيع من حيث كونها ظاهرة معنوية لا دينية فحسب، وما لم تُدرس هي من هذا الجانب، فإنّ شطراً عظيماً من المعارف الإسلامية ستظلّ بعيدة عن متناول اليد.[١٥]
نسبة الشيعة إلى الإسلام
إن السيد حيدر هو شيعي إمامي، والتشيع بالنسبة إليه هو الإسلام التام وهي نواة الإسلام وباطنه. إنه الإسلام التامّ لأنه مبنيّ على الشريعة والطريقة والحقيقة، وهو باطن الإسلام لأن الحقيقة هو باطن الشريعة وكنوز هذا الباطن وخُزّانه هم الأئمة والخلفاء الأثني عشر.[١٦] فالأئمة من وجهة نظر السيد حيدر يرشدون إلى ما يستبطنه الوحي والشريعة من أمر الهداية.[١٧]
تخاصم الشيعة والمتصوفة
يرى السيد حيدر أن الكثير من الصوفية لا علم لهم بهذا الموضوع، فهم يُأنّبون الشيعة وينسون أنها ينبوع عرفانهم. على أن بعض المتصوفة يدّعي إمكانية التوصّل إلى الباطن دون الالتزام بالظاهر، كما أن مغفلوا الشيعة ينكرون العرفان ويدّعون كفاية الظواهر دون حاجة إلى شيئ يُدّعى أنه حقيقة وباطن. فهولاء عنده شيعة بالمجاز، حالهم كحال غيرهم في الاكتفاء بظواهر الشريعة والحرمان من الحقيقة.[١٨] وبما أن أئمة أهل البيت كانوا هم البناة والمعلمون الحقيقيون لتلك المعارف السامية، بذلك يكون إنكار كل فريق للآخر خطئاً فاحشاً.[١٩]
نسبة الشيعة إلى المتصوفة
وحسبما يرى السيد حيدر، فإن المؤمن المُمتَحن هو المذعِن لأوامر الأئمة والآخذ بالشريعة والطريقة والحقيقة كافة، لذلك فإن الصوفي هو الشيعي الحقيقي في مقابل الشيعي الذي يكتفي بظاهر الشريعة، والشيعي هو الصوفي الحقيقي في مقابل الصوفي الذي نسي أصله ومنبته.
لقد سعى السيد حيدر في كتاب جامع الأسرار أن يُقنع الفريقين أن كلاً منهما بحاجة إلى الآخر ولا يمكن لأیهما التخلي عن توأمه. فنظريته الأساس هي أن الشيعة الحقيقيين هم المتصوفة؛ قضية لا تُستوعَب إلا بفهم عكسه: أي المتصوفة الحقيقيون هم الشيعة.[٢٠]
مدى الالتزام بآراء ابن عربي
والذي يلفت الانتباه في مصنفات السيد حيدر هو نقله لأقوال سعد الدين الحموي (650 ه) الذي يُعَرف عند الجميع بانتمائه الشخصي إلى الإمام الغائب عند الشيعة. ومن خلال إلقاء نظرة سريعة إلى مصنفات السيد حيدر يمكن معرفة الدواعي من انتشار عرفان محي الدين ابن عربي وحكمته في البيئة الشيعية بعد الالتفات إلى نقطة هامة حول موضوع خاتم الأوصياء.[٢١]
يظهر السيد حيدر كعامل أساس في دمج عرفان ابن عربي النظري في الفكر الشيعي، فإن جميع فلسفته الوجودية ونظرته في التوحيد والأسماء الإلهية ومظاهرها جائت في امتداد افكار ابن عربي عدا موضوع الولاية المرتبطة بصميم الفكر العرفاني والشيعي، فإنه قد خالفه في زاوية خاصة وهامة؛ ألا وهي " خاتم الولاية". وهكذا وإن كان السيد حيدر استطاع أن يربط بأسلوبه التقليدي بين التصوف والتشيع مستعيناً بالشواهد والأدلة، إلا أنه يمكن القول إن ذلك اتّسم بغاية الأصالة وفقاً للمعايير المتبعة في الدراسات الإسلامية المعاصرة. والتعريف الشيعي لمقولة ختم الولاية وإن كان قد حوّل بعض خطوط أفكار ابن عربي الأصلية، إلا أنه كان بثمن بقاء حياته في العرفان الشيعي.
وتكمن أهمية السيد حيدر في إصلاح هذه النقطة من أفكار ابن عربي بحيث يضعنا أما سؤال هو: كيف تسنّى لفکر بهذا النطاق أن ينصهر في الفكر الشيعي وكأنه أحد أجزائه؟[٢٢]
نظرة في آراء السيد
يتضح من دراسة كتاب جامع الأسرار أن موضوعين من موضوعاته الثلاثة يتناولان مقولة التوحيد. وهذا لا يضرّ بأبحاث الكتاب، فمن وجهة نظر السيد حيدر فإن جميع مسائل العرفان من النبوة والإمامة المبنية على انقسامات الشريعة والطريقة والحقييقة هي من مستلزمات ومصاديق التوحيد، وهذا الموضوع هو ما يقسّم التوحيد إلى التوحيد الألوهي أو الظاهري، وإلى التوحيد الوجودي أو الباطني.[٢٣] حسب تعبيره: وأما النبوة والرسالة والإمامة فإنها لانتشاء الكل منها وعدم صدور التوحيد وتجليه إلا منها وبها، فيجب المعرفة بها وكذلك أقسام الوحي والإلهام والكشف والإسلام والإيمان والإيقان.
وفي هذا السياق يبدأ السيد حيدر بشرح التوحيد وفقاً لآراء ابن عربي، ولكن يُنهي جميعها بأبحاث لا غنى عنها في النبوة والإمامة والولاية حتى يضطر آخراً إلى مخالفته في موضوع عيسى بن مريم، حيث كان ابن عربي قد هزّ نظام النبوة والإمامة بإحلال المسيح في منصب خاتم الولاية.[٢٤] ففي النظرة التوحيدية لهذا النظام المعرفي، لا يمكن للتوحيد التامّ (أي التوحيد الألوهي والتوحيد الوجودي معاً) إلا بالظهور التام للولاية وذلك لا يكون إلا بظهور المهدي الإمام الثاني عشر.[٢٥]
التوحيد الألوهي والتوحيد الوجودي
يبدو في النظرة الأولى إلى التوحيد أنه لاعبارة أبسط من كلمة لا إله إلا الله، فإنها تُثبت من جهة، وجود إله واحد، وكثرة المخلوقات من جهة أخرى. والواقع أنه لا شيئ أصعب من هذه الحقيقة؛ حيث أن هذا الإيضاح البسيط للعوام قد يزيد من تعقيد المسئلة لينظروا في مسئلة التوحيد إلى غير الله بنظر الاعتبار! ولما لم يكن الله كسائر خلقه في عرض الأمور، بل كان الوجود بعينه والوجود المطلق، لذلك فإن وحدانيته ليست في العدد، المعدود إلى جنب الآحاد؛ إذ لو كان هناك وجود آخر سواه – وإن كان مخلوقاً - لم يعُد الله واحداً ولما بقي أحداً فرداً. وهذا الفهم بحدّ ذاته لا يُلغي كثرة المخلوقات ولا يحوّلها إلى وهم؛ بل الوهم إنما يحصل في فهم أنحاء الوجودات.
فهناك توحيد ألوهي وهو التوحيد الظاهري الذي يدعوا إليه النبي (ص) الإنسانية جمعاء بأن يكون الله إلها واحداََ منزها عن جميع ما يحدّه من النقص والتعينات الزمانية والمكانية، وخلاصته قول لا إله إلا الله. وهناك توحيد آخر يُدعى بالتوحيد الوجودي الباطني وهو التوحيد الذي يُناسب مقام الأولياء، حيث يدعون إلى حصر الوجود في المطلق على أنه أحدٌ منزهٌ عن شوائب المخلوقات التي بها تتعين، والآية القرآنية: كلُّ مَنْ عَلَيهَا فَانٍ وَيبْقَى وَجْهُ رَبِّك ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكرَامِ،[٢٦] إنما هو استيعاب لحقيقة هذا الوجود الكامل.[٢٧]
الشرك الجلي والخفي
يقدم السيد حيدر في سياق التعريف بقسمي التوحيد، نوعين من الشرك: الشرك الجلي والشرك الخفي. والشرك الجلي هو شرك من لم يسمع دعوة الأنبياء واتخذ من الأصنام لنفسه آلهة. أما الشرك الخفي فهو أعقد بكثير وهو يهدد توحيد المتدينين الذين وقفو عند الإسلام ولم يجاوزوه إلى مرحلة الإيمان، وهم الذين ينكرون على العرفاء توحيدهم، ولا نجاة لأحد من مصيدة هذا الشرك وشراكه إلا لمن وجّه وجهه إلى الوجود المطلق وأخلص لله وعرف أنه ليس في الوجود سواه. وفي غياب هذا النوع من التوحيد سينقلب التوحيد الآخر للعوام إلى عكسه من الشرك، وهو خطر يكمن في عمق المعارف التوحيدية، ومنه حذر النبي (ص) قائلاً: دبيب الشرك في أمّتي أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصّماء في الليلة الظلماء.[٢٨]
علاقة التوحيد الباطني بالولاية
إن كان التوحيد الباطني هو الذي يُفهَم من ظاهر الدين ونصوصه في نشأة الخلق، فإن الشريعة تخصّ هذه المرحلة بالذات، ورسالة الأنبياء المشرعين تكون قد انتهت بانتهاء آجالها الزمنية. أما الولاية فلكونها مقام الهداية إلى باطن الشريعة، فإنها حاكمة على جميع الأزمنة من الماضي والحاضر والمستقبل.
وعند عرفاء الشيعة فإن الولاية متقدمة على النبوة وجوداً، وهي في الحقيقة ينبوع النبوة وأصل الرسالة. فكما أن ظهور هذاا الأمر إنما كان بالولاية، فإنّ كمالها يكون بالولاية أيضاً، وبعبارة أخرى أوضح: كما كان الوجود واقعاً على الترتيب مبتدءاً بالتوحيد الوجودي، فإنه سينتهي أيضاً بذلك النحو من التوحيد. لذلك فإن الإمام القائم يدعوا إلى هذا النمط من فهم الوجود؛ إمامٌ لا يأتي بشريعة جديدة، إلا أنه يُظهر جميع المعاني الباطنة للشرائع السالفة إلى العلن، فيكون زمانه زمن الحُكم المعنوي البحت، وسيفسح هذا الدين القيّم والباق المجال للإنسانية بالظهور على هيئة الأمة الواحدة كما في زمن آدم. إن الدعوة إلى التوحيد الألوهي انتهت برسالة نبي الإسلام وخاتم الشرائع، والآن هو زمن الدعوة إلى التوحيد الباطني للخواص وذلك على يد خاتم الولاية المحمدية الإمام الثاني عشر.
فإذن هناك علاقة ذاتية ومتأصلة بين التوحيد الباطني والولاية، وأولياء الله لا يدعون إلى هذا التوحيد فحسب، بل بظهور خاتمهم سيظهر التوحيد الكامل الذي طالما بقي خفيّاً متستّرا. فالمعرفة التامة الدينية بالإمام الخاتم للولاية هو أمر ضروري لابد منه.[٢٩]
خاتم الولاية المطلقه وخاتم الولاية المحمدية
هناك مدار وحلقة لنبوة الأنبياء ورسالاتهم التشريعية، ومدار وحلقة لولاية الأولياء الإلهيين وأسرارهم التشريفية، وهي حلقة أزلية ومنبع لرسالة النبي التي يستمدّ منها نبوته. فالنبوة مؤقتة بخلاف الولاية،[٣٠] كما أن الولي هو من اسماء الله بخلاف النبي والرسول.
وكما أن النبوة انتهت بظهور خاتم الرسل الذي هو خاتم النبوة المطلقة والمقيدة في آن واحد، فإن للولاية خاتمين كذلك: خاتم الولاية المطلقة وخاتم الولاية المقيدة أو المحمدية.
وههنا يبادر السيد حيدر إلى مخالفة ابن عربي رغم فائق احترامه لشخصيته العرفانية ويسايره على ذلك كافة عرفاء الشيعة. ففي نظرة ابن عربي، فإن عيسي المسيح هو خاتم الولاية المطلقة، وابن عربي نفسه هو خاتم الولاية المقيدة المحمدية![٣١] وبغض النظر عن الفقرة الثانية، فإن الفقرة الأولى من هذه النظرية حول عيسي بن مريم تغاير النظرية الشيعية حول النبوة، فإنها تتمثّل وتتجسّد في شخص الإمام كون الولاية هي باطن النبوة. إلا أن ابن عربي يقول بتشخّصها في عيسى بن مريم. من هنا يتطرّق الخلل إلى نظرية الإمامة لتقف وتنتهي عند غير إمام! أما نظرية الإمامة عند الشيعة فهي لاتتزلزل من هذه الناحية، فخاتم الولاية المطلقة ليس هو إلا الإمام الأول علي بن أبي طالب، وخاتم الولاية المطلقة هو الإمام الثاني عشر المنتظر (مهدي هذه الأمة)، وإنما يكون ذلك لأن هذه الإمامة المحمدية وهؤلاء الأئمة الإثني عشر هم خاتموا الولاية؛ بهم يُناط باطن الشريعة وبهم تنجلي حقيقة التوحيد.[٣٢]
مفهوم القطب
إن أي دراسة حول الولاية المحمدية تتمحور أبحاثها حول مفوم القطب. وهو شخصية الإمام التي تستقطب دوائر الوجود وتُضفي عليها معناها في التكوين، ولا يمكن إزالة معنى أحدهما عن الآخر، والعمل على ذلك يؤدّي إلى نقصان في التكوين لا يستسيغه الفكر الشيعي، فإن الإمامة من منظورهم لا تنحصر في أشخاص أئمتهم المادية فحسب، بل يتعداها إلى طور آخر من الوجود أعلى منه.
إن الأئمة الإثني عشر أو بعبارة أصحّ المعصومين الأربعة عشر، هم التجلي الأول، وهم جواهر روحانية وأشخاص نورانيين أشرقت إلى عالم الوجود قبل شروق الدنيا، وهم يحملون على عاتقهم مسؤلية في التكوين ترتبط بمسؤليتهم في المعاد من رجوع الأشياء إلى أصولها وعود الروح إلى نشأتها الأصلية.[٣٣]
درجات المعرفة
يعتبر السيد حيدر المعرفة الفلسفية والمعرفة الكلامية ضمن دائرة المعارف المكتسبة والحصولية، الحاصلة عقب التتلمذ والتعليم وصَرف الجُهد العسير. لكن المعرفة الإلهية في نظره هي نتيجة الكشف والإلقاء الرباني المباشر الذي يفيض في ضمير الإنسان، حيث أنها هي حقيقته.[٣٤]
المؤلفات
لقد عرّف السيد حيدر في مقدمة كتابه جامع الأسرار بمصنفاته على النحو التالي:[٣٥]
- التأويلات أو منتخب التأويل (عربي)
- رسالة الأركان (عربي)
- رسالة الأمانة (عربي)
- رسالة التنزيه (فارسي)
- جامع الحقائق (فارسي)
- أمثلة التوحيد (فارسي)
- رسالة رافعة الخلاف عن وجه سكوت أميرالمؤمنين عن الاختلاف (عربي)
- نصّ النصوص (عربي)
- جامع الأسرار (عربي)
- رسالة العلوم العالية (عربي)[٣٦]
- تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم
والرسائل الأربع الأولى اعتبرها السيد حيدر في مقدمة كتابه جامع الأسرار ضمن مؤلفاته الأوائل. ولقد صرّح السيد أيضاً في خاتمة كتابه المذكور بوجود رسالة له كذلك هي رسالة التنزيه، إلى جنب جامع الحقائق وأمثلة التوحيد.[٣٧]
هذا وقد طُبِع في النجف كتاب تحت عنوان الكشكول فيما جري على آل محمد سنة 1372 ه باهتمام عبد الرزاق الموسوي يُظنّ أنه من تأليفات عالِم ديني آخر يطابق اسمه اسم السيد حيدر. [٣٨]
الهوامش
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 18-19.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 20.
- ↑ تنهایی (بالفارسية)
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 20 - 21.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص21؛ نقلاً عن: تفسير المحيط الأعظم، ص 530.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص22
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی، ص22
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی، ص 22؛ نقلاً عن: تفسير المحيط الأعظم، ص 530 – 531.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 22- 23.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 23.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 23؛ نقل از: تفسير المحيط الاعظم، ص 532 - 534.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 23.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 23.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف (بالفارسية)، ص 141.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف (بالفارسية)، ص 132-133.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 28.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف (بالفارسية)، ص 140.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف، ص 141.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار وآراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 28 - 29.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 29.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف، ص 136.
- ↑ الآملي، ص 14 - 15.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 59.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 59 - 61.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 62.
- ↑ الرحمن: 26 - 27.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 62 - 65.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 67.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 68 - 69.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 70.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 71.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 72.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 73.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی (بالفارسية)، ص 74.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف (بالفارسية)، ص 143.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف، ص 143 - 146.
- ↑ كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف، ص 144.
- ↑ كوربين، ص72؛ ولقد سموا اثنين من علماء عصر السيد حيدر باسمه، أمر يفضي إلى التباس شخصياتهم ببعض: 1.السيد حيدر بن علي الذي يقال إنه كتب كتاب الكشكول في سنة 735 ه ؛ 2. السيد حيدر بن علي بن حيدر الذي استلم هو أيضاً إجازة له من أستاذه فخر المحققين سنة 759 ه. (كوربين، سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف، هامش ص 146؛ راجع: ريحانة الأدب، ج2، ص 498).
المصادر والمراجع
- الآملي، السيد حيدر، جامع الأسرار ومنبع الأنوار، مقدمةهنري كوربين المترجَمة إلی الفارسية عن الأصل الفرنسي، طهران، منشورات علمی وفرهنگی التابعة لوزارة الثقافة والتعلیم العالي، 1368 ش.
- كوربين، هنري، سید حیدر آملی: شرح احوال، آثار و آراء جهانشناسی، ترجمة: نوذر آقاخانی، طهران: انتشارات حقيقت، 1388 ش.
- كوربين، هنري، «سید حیدر آملی؛ متألّه شیعی عالَم تصوف»، ترجمة: ع. روح بخشان، في: محمد كريمی زنجانی اصل، عرفان شیعی به روایت سید حیدر آملی (بالفارسية)، طهران: اطلاعات، 1385 ش.
- تنهایی (بالفارسية)، حسین ابو الحسن، «نظریۀ شیخ سید حیدر آملی در منزلت تصوف و صوفی»، في: محمد كریمی زنجانی اصل، عرفان شیعی به روایت سید حیدر آملی (بالفارسية)، طهران: اطلاعات، 1385 ش.
وصلات خارجية
- بهاء الدين الآملي - دائرة المعارف الاسلامیة الکبرى