بلوغ الفتيات

بلوغ الفتيات مرحلة من مراحل نموّ الفتيات تُلزَمن فيها بأداء التكاليف الدينية. وبحسب فتوى الفقهاء، فإنّ بلوغ سن التكليف، ورؤية دم الحيض، والاحتلام، ونبت الشعر الخشن تحت البطن، والحمل، هي خمس علامات لبلوغ الفتاة، وتُعدّ الفتاة بالغة بتحقق واحدة منها.

توجد اختلافات بين الفقهاء حول سنّ البلوغ؛ فيرى معظم فقهاء الشيعة أنّ الفتاة تبلغ عند انتهاء تسع سنوات قمرية، وفي المقابل ذهب بعضهم إلى أنّ سنّ البلوغ هو الثالثة عشرة، بينما يفصّل آخرون في التكاليف ويعتبرون سنّ البلوغ عشر سنوات في بعض التكاليف، وثلاث عشرة سنة في تكاليف أخرى.

المفهوم والمكانة

المقالة الرئيسة: البلوغ

البلوغ مصطلح فقهي، يعني الوصول إلى سنّ ومرحلة من الحياة يُصبح فيها التكليف الشرعي متوجّهًا للفرد، ويُلزم حينئذ بالامتثال للأحكام الشرعية.

وأفتى أغلب الفقهاء ببلوغ الفتاة عند سنّ التاسعة، ولهذا السبب أصبحت مسألة الزواج، وتحمّل المسؤوليات والتكليف للبنات بهذا العمر في القرن الخامس عشر الهجري، محل نقاش ونقد من قِبل جهات مختلفة. وهذا ما دفع فقهاء هذا العصر إلى إعادة النظر في المصادر الروائية وآراء الفقهاء المتقدّمين حول هذه المسألة.

العلامات الطبيعية لبلوغ الفتاة

المراد بالعلامات الطبيعية للبلوغ هي العلامات الفسيولوجية التي تظهر في جسد الفتاة، والتي عُدّت في روايات الأئمة المعصومين علامات للبلوغ. وتتمثّل هذه العلامات في ما يلي:

الحيض

•  طالع أيضًا: الحيض
• دم الحيض

عدّ فقهاء الشيعة الحيض -بالاستناد إلى الروايات- من علامات بلوغ الفتاة. وقد ذهب بعضهم إلى أن الحيض يقع عند بلوغ سنّ التاسعة ولذلك لا يُعدّ الدم الذي يُرى قبل هذه السنّ دمَ حيض، ولو كانت له صفات دم الحيض، ولا يُحكم بأحكام الحيض إلّا للدم الذي يُرى بعد التاسعة. وقد رأى هؤلاء أن دم الحيض يُعدّ علامة للبلوغ فقط إذا لم يُعرف السن.

الحمل

عدّ بعض الفقهاء الحمل من علامات بلوغ الفتاة باعتباره يدلّ على خروج المني ودم الحيض. وذكر الشيخ الطوسي أنّ المرأة لا تحمل طبيعيًا إلّا بعد الحيض، كما أنّ الحمل نتيجة لاختلاط المني بين الرجل والمرأة، ولذا يُعدّ الحمل علامة على البلوغ.

الاحتلام ونبات الشعر الخشن

•  طالع أيضًا: الاحتلام

يُعدّ الاحتلام وخروج المني من العلامات المشتركة بين بلوغ الفتيات والفتيان. غير أنّ بعضهم يرى أنّ النساء لا يحتلمن كالرّجال، فالاحتلام خاصّ بالرّجال. وفي المقابل، ذهب فقهاء كـصاحب العروة إلى أنّ النساء أيضًا يحتلمن، واعتبروا الرأي الذي ينكر ذلك ضعيفًا. أما نبات الشعر الخشن تحت البطن، فهو من العلامات المشتركة بين الفتيات والفتيان.

سن بلوغ الفتاة

المقالة الرئيسة: سن التكليف

يرى بعض الفقهاء أنّ السنّ من العلامات الرئيسة للبلوغ؛ لكنّ هناك آراء مختلفة حول السنّ الذي تُعدّ فيه الفتاة بالغة:

سنّ التاسعة

بحسب الرأي المشهور عند فقهاء الشيعة، فإن سنّ بلوغ الفتاة هو نهاية تسع سنوات هجرية. ويُستند في هذا الرأي إلى روايات مستفيضة من الأئمة المعصومين. وقد عدّ يوسف بن أحمد البحراني (1107-1186هـ)، المعروف بصاحب الحدائق، تلك الروايات كثيرة العدد. كما رأى السيد أحمد الخوانساري أن المسألة لا تقبل الإشكال أو الطعن بسبب كثرة الروايات الواردة فيها.

ومع ذلك، فإنّ بعض الباحثين اعتبروا تلك الروايات خاصة بظروف معيّنة كان بلوغ الفتاة في سنّ التاسعة فيها شائعًا. فمثلًا يرى محمد إبراهيم جناتي أنّ الروايات لم تحدّد سنًّا عامًا، وأنّ اختلاف السنّ فيها ناتج عن البيئة والعوامل الوراثية والتغذية.

وقد اعتبر يوسف صانعي هذه الروايات مخالفة لقاعدة التيسير في الدين، إذ تُحمّل الفتاة ذات التسع سنوات عبء التكاليف والحدود الكاملة، في حين أنّ هذه الفتيات ضعيفات بدنيًا وغير مؤهلات للزواج.

سنّ العاشرة

بعض الفقهاء مثل الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط وابن حمزة الطوسي في الوسيلة اعتبروا سنّ العاشرة سنّ بلوغ الفتاة. واستند هذا الرأي إلى أحاديث شاذة تشير إلى سنّ العاشرة.

ووفقًا لـ صاحب الجواهر، فإنّ الشيخ الطوسي وابن حمزة قد رجعا في كتب أخرى لهما إلى القول المشهور. وقد أوّل بعض الفقهاء تلك الروايات وقالوا إن المقصود بالعاشرة هو نهاية التاسعة، فلا تعارض مع المشهور.

سنّ الثالثة عشرة

يرى محمد إسحاق الفياض ويوسف صانعي أنّ سنّ التكليف للبنات هو الثالثة عشرة. وأهم دليلهم رواية عمار الساباطي عن الإمام الصادق التي حددت هذا السن للبنين والبنات.

التفريق بين التكاليف المختلفة

يرى السيد مجتبى نورمفيدي، الباحث في الحوزة العلمية بقم، أنّ بعض الفقهاء فرّقوا بين أنواع التكاليف عند محاولة التوفيق بين الروايات المختلفة. فمثلًا، يرى الفيض الكاشاني (ت:1091هـ) أنّ سنّ التكليف للبنات في العبادات الفردية كـالصلاة والصوم هو 13 سنة، وفي إقامة الحدود 9 سنوات، وفي الأمور المالية مثل العتق والوصية 10 سنوات.

أما محمد صادقي الطهراني، فيعتقد أنّ سنّ البلوغ هو 10 سنوات في التكاليف العقلية (كالصلاة)، و13 سنة في الصوم لأنّه يرتبط بالقدرة الجسدية.

كتب حوله

تم تأليف كتب ومقالات حول مسألة البلوغ، وخاصة بلوغ الفتيات، ومنها:

كتاب «بلوغ الفتيات» لمؤلفه يوسف صانعي: يعرض هذا الكتاب الرأي المشهور القائل ببلوغ الفتاة عند التاسعة بالنقد، ويسعى لإثبات الرأي القائل بالثالثة عشرة.

كتاب «الدراسة الفقهية لبلوغ الفتيات» من تأليف السيد مجتبى نورمفيدي: يحتوي على أربعة فصول يدرس فيها العلامات الفقهية للبلوغ بالتفصيل.

مقالتا «البلوغ من منظور الفقه الاجتهادي» لـمحمد إبراهيم جناتي و«بلوغ الفتيات» لـمحمد هادي معرفة: تناولا الرأي المشهور وأدلّته بالتحليل والنقد.