نص:مناظرة الإمام الرضا عليه السلام مع أبي قرة

من ويكي شيعة
عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى‏ قَالَ: سَأَلَنِي‏ أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ‏ صَاحِبُ شُبْرُمَةَ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَاعليه السلام، فَاسْتَأْذَنَهُ فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالْفَرَائِضِ، وَالْأَحْكَامِ حَتَّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ.

فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ لِمُوسَى، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَلَّمَهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ أَمْ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، فَأَخَذَ أَبُو قُرَّةَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا اللِّسَانِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا تَقُولُ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُشْبِهَ خَلْقَهُ أَوْ يَتَكَلَّمَ مَا هُمْ بِهِ مُتَكَلِّمُونَ - وَلَكِنَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَلَا كَمِثْلِهِ قَائِلٌ وَلَا فَاعِلٌ قَالَ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ كَلَامُ الْخَالِقِ لِمَخْلُوقٍ لَيْسَ كَكَلَامِ الْمَخْلُوقِ لِمَخْلُوقٍ وَلَا يَلْفَظُ بِشَقِّ فَمٍ وَلِسَانٍ، وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَكَانَ بِمَشِيَّتِهِ مَا خَاطَبَ بِهِ مُوسَى (ع) مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ فِي نَفَسٍ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَمَا تَقُولُ فِي الْكُتُبِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): التَّوْرَاةُ، وَالْإِنْجِيلُ، وَالزَّبُورُ، وَالْفُرْقَانُ، وَكُلُّ كِتَابٍ أُنْزِلَ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ لِلْعَالَمِينَ نُوراً وَهُدًى، وَهِيَ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ وَهِيَ غَيْرُ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ‏: ﴿أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً،[١] وَقَالَ:‏ ﴿ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ[٢] وَاللَّهُ أَحْدَثَ الْكُتُبَ كُلَّهَا الَّتِي أَنْزَلَهَا، فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ فَهَلْ تَفْنَى؟

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَانٍ، وَمَا سِوَى اللَّهِ فِعْلُ اللَّهِ، وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَالْفُرْقَانُ فِعْلُ اللَّهِ أَلَمْ تَسْمَعِ النَّاسَ يَقُولُونَ: رَبُّ الْقُرْآنِ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا رَبِّ هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ أَعْرَفُ بِهِ مِنْهُ قَدْ أَظْمَأْتُ نَهَارَهُ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَهُ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَكَذَلِكَ‏ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَهِيَ كُلُّهَا مُحْدَثَةٌ مَرْبُوبَةٌ أَحْدَثَهَا مَنْ‏ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ هُدًى لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُنَّ لَمْ يَزَلْنَ مَعَهُ، فَقَدْ أَظْهَرَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَوَّلِ قَدِيمٍ، وَلَا وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْكَلَامَ لَمْ يَزَلْ مَعَهُ وَلَيْسَ لَهُ بَدْءٌ وَلَيْسَ بِإِلَهٍ.

قَالَ أَبُو قُرَّةَ: وَإِنَّا رُوِّينَا أَنَّ الْكُتُبَ كُلَّهَا تَجِي‏ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالنَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ صُفُوفٌ قِيَامٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ يَنْظُرُونَ حَتَّى تَرْجِعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْهُ، فَإِلَيْهِ تَصِيرُ.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): فَهَكَذَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ إِنَّهُ رُوحُهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَيَرْجِعُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَالَتِ الْمَجُوسُ فِي النَّارِ وَالشَّمْسِ إِنَّهُمَا جُزْءٌ مِنْهُ تَرْجِعُ فِيهِ تَعَالَى رَبُّنَا أَنْ يَكُونَ مُتَجَزِّياً أَوْ مُخْتَلِفاً، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ وَيَأْتَلِفُ الْمُتَجَزِّي؛ لِأَنَّ كُلَّ مُتَجَزٍّ مُتَوَهَّمٌ، وَالْكَثْرَةُ، وَالْقِلَّةُ مَخْلُوقَةٌ دَالَّةٌ عَلَى خَالِقٍ خَلَقَهَا.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَإِنَّا رُوِّينَا أَنَّ اللَّهَ قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلَامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ فَقَسَمَ لِمُوسَى (ع) الْكَلَامَ وَ لِمُحَمَّدٍ (ص) الرُّؤْيَةَ، فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنَّهُ‏ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ (ص)؟ قَالَ: بَلَى.

قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: فَكَيْفَ يَجِي‏ءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعاً فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ‏ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي، وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْماً وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ أَمَا تَسْتَحْيُونَ مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ أَتَى عَنِ اللَّهِ بِأَمْرٍ، ثُمَّ يَأْتِي بِخِلَافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ إِنَّهُ يَقُولُ:‏ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى،[٣] فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): إِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا رَأَى حَيْثُ قَالَ:‏ ﴿ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى[٤] يَقُولُ: مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ (ص) مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:‏ ﴿لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى[٥] فَآيَاتُ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَقَالَ:‏ ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً،[٦] فَإِذَا رَأَتْهُ الْأَبْصَارُ فَقَدْ أَحَاطَ بِهِ الْعِلْمُ وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَةِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ كَذَّبْتُهَا وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِهِ عِلْماً، وَلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى،[٧] فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَسْرَى بِهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لِمَ أَسْرَى بِهِ، فَقَالَ:‏ ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا،[٨] فَآيَاتُ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ فَقَدْ أَعْذَرَ وَبَيَّنَ لِمَ فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَمَا رَآهُ، وَقَالَ‏: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ،[٩] فَأَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ اللَّهِ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: أَيْنَ اللَّهُ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع) الْأَيْنُ مَكَانٌ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ شَاهِدٍ مِنْ غَائِبٍ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِغَائِبٍ وَلَا يَقْدَمُهُ قَادِمٌ وَهُوَ بِكُلِّ مَكَانٍ مَوْجُودٌ مُدَبِّرٌ صَانِعٌ حَافِظٌ مُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: أَلَيْسَ هُوَ فَوْقَ السَّمَاءِ دُونَ مَا سِوَاهَا؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِعليه السلام: هُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ،‏ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ،‏ وَهُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ‏، وَهُوَ الَّذِي‏ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ،‏ وَهُوَ الَّذِي‏ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ،‏ وَهُوَ الَّذِي‏ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ قَدْ كَانَ وَلَا خَلْقَ وَهُوَ كَمَا كَانَ إِذْ لَا خَلْقَ لَمْ يَنْتَقِلْ مَعَ الْمُنْتَقِلِينَ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَمَا بَالُكُمْ إِذْ دَعَوْتُمْ رَفَعْتُمْ أَيْدِيَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): إِنَّ اللَّهَ اسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ بِضُرُوبٍ مِنَ الْعِبَادَةِ وَلِلَّهِ مَفَازِعُ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ وَمُسْتَعْبَدٌ فَاسْتَعْبَدَ عِبَادَهُ بِالْقَوْلِ وَالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالتَّوَجُّهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ اسْتَعْبَدَهُمْ بِتَوَجُّهِ الصَّلَاةِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَاسْتَعْبَدَ خَلْقَهُ عِنْدَ الدُّعَاءِ ، وَالطَّلَبِ وَالتَّضَرُّعِ بِبَسْطِ الْأَيْدِي وَرَفْعِهَا إِلَى السَّمَاءِ لِحَالِ الِاسْتِكَانَةِ وَعَلَامَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّذَلُّلِ لَهُ.

قَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ الْمَلَائِكَةُ أَوْ أَهْلُ الْأَرْضِ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): إِنْ كُنْتَ تَقُولُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ، فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بَابٌ وَاحِدٌ هِيَ فِعْلُهُ لَا يَشْغَلُ بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ يُدَبِّرُ أَعْلَى الْخَلْقِ مِنْ حَيْثُ يُدَبِّرُ أَسْفَلَهُ وَيُدَبِّرُ أَوَّلَهُ مِنْ حَيْثُ يُدَبِّرُ آخِرَهُ مِنْ غَيْرِ عَنَاءٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا مَئُونَةٍ وَلَا مُشَاوَرَةٍ وَلَا نَصَبٍ، وَإِنْ كُنْتَ تَقُولُ: مَنْ أَقْرَبُ إِلَيْهِ فِي الْوَسِيلَةِ فَأَطْوَعُهُمْ لَهُ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَرَوَيْتُمْ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَمْلَاكٍ الْتَقَوْا أَحَدُهُمْ مِنْ أَعْلَى الْخَلْقِ، وَأَحَدُهُمْ مِنْ أَسْفَلِ الْخَلْقِ، وَأَحَدُهُمْ مِنْ شَرْقِ الْخَلْقِ، وَأَحَدُهُمْ مِنْ غَرْبِ الْخَلْقِ، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً فَكُلُّهُمْ قَالَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَرْسَلَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَنْزِلَةِ دُونَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ.

فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: أَتُقِرُّ أَنَّ اللَّهَ مَحْمُولٌ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (ع): كُلُّ مَحْمُولٍ مَفْعُولٌ وَمُضَافٌ إِلَى غَيْرِهِ مُحْتَاجٌ فَالْمَحْمُولُ اسْمُ نَقْصٍ فِي اللَّفْظِ وَالْحَامِلُ فَاعِلٌ، وَهُوَ فِي اللَّفْظِ مَمْدُوحٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ: فَوْقٌ وَتَحْتٌ وَأَعْلَى وَأَسْفَلُ، وَقَدْ قَالَ‏ اللَّهُ تَعَالَى:‏ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها،[١٠] وَلَمْ يَقُلْ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ كُتُبِهِ إِنَّهُ مَحْمُولٌ، بَلْ هُوَ الْحَامِلُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَالْمُمْسِكُ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْمَحْمُولُ مَا سِوَى اللَّهِ، وَلَمْ نَسْمَعْ أَحَداً آمَنَ بِاللَّهِ وَعَظَّمَهُ قَطُّ قَالَ فِي دُعَائِهِ يَا مَحْمُولُ.

قَالَ أَبُو قُرَّةَ: أَفَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَةِ أَنَّ اللَّهَ إِذَا غَضِبَ يَعْرِفُ غَضَبَهُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ يَجِدُونَ ثِقْلَهُ فِي كَوَاهِلِهِمْ فَيَخِرُّونَ سُجَّداً، فَإِذَا ذَهَبَ الْغَضَبُ خَفَّ، فَرَجَعُوا إِلَى مَوَاقِفِهِمْ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِعليه السلام: أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنْذُ لَعَنَ إِبْلِيسُ إِلَى يَوْمِكَ هَذَا، وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُوَ غَضْبَانُ عَلَى إِبْلِيسَ وَأَوْلِيَائِهِ أَوْ عَنْهُمْ رَاضٍ؟

فَقَالَ: نَعَمْ هُوَ غَضْبَانُ عَلَيْهِ قَالَ فَمَتَى رَضِيَ فَخَفَّ، وَهُوَ فِي صِفَتِكَ لَمْ يَزَلْ غَضْبَانَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَتْبَاعِهِ؟ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ تَجْتَرِئُ أَنْ تَصِفَ رَبَّكَ بِالتَّغَيُّرِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا يَجْرِي عَلَى الْمَخْلُوقِينَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَزَلْ مَعَ الزَّائِلِينَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ الْمُتَغَيِّرِينَ.

قَالَ صَفْوَانُ: فَتَحَيَّرَ أَبُو قُرَّةَ وَلَمْ يُحِرْ جَوَاباً حَتَّى قَامَ وَخَرَجَ.

الهوامش

  1. طه: 13.
  2. ‏البقرة: 21.
  3. النجم: 13.
  4. النجم: 11.
  5. النجم: 18.
  6. طه: 110.
  7. الإسراء: 1.
  8. الإسراء: 1.
  9. ‏الجاثية: 5.
  10. الأعراف: 179.

المصدر

  • القرآن الكريم.
  • الطبرسي، أحمد بن علي، الإحتجاج على أهل اللجاج، المحقق والمصحح: محمد باقر خرسان، مشهد - إيران، الناشر: نشر مرتضى، ‏1403 هـ، ج 2، صص 405 - 408.